كلمة التقوى المجلد 4

اشارة

سرشناسه : زین الدین، محمد امین، 1914 - 1998م.

عنوان و نام پديدآور : کلمه التقوی/ المولف فتاوی المرجع الدینی محمدامین زین الدین دام ظله.

مشخصات نشر : قم: موسسه اسماعیلیان، 14ق. = 13.

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 1500ریال (ج.3) ؛ 1500 ریال (ج. 5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1413ق. = 1371.

يادداشت : کتاب حاضر در همین سال توسط چاپخانه مهر نیز منتشر شده است.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1413ق. = 1371).

مندرجات : ج. 3. کتاب الحج. بخش دوم.- ج. 5. کتاب الشفعه

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

رده بندی کنگره : BP183/9/ز9ک 8 1371

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 71-5360

المعاملات

كتاب التجارة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 7

كتاب التجارة استفاضت الأحاديث عن الرسول (ص) و عن الأئمة الهداة من أهل بيته (ع) في الحث الشديد على طلب الرزق الحلال، و على التكسب بالطرق المباحة في الشريعة الإسلامية المطهرة، و في الحث الشديد على التجارة بالخصوص.

ففي الحديث عن الرسول (ص): العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال.

و عنه (ص): نعم العون على تقوى اللّٰه الغنى.

و عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع): من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا على أهله و تعطفا على جاره، لقي اللّٰه عز و جل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر.

و عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع): نعم العون الدنيا على الآخرة.

و عن الإمام أبي الحسن موسى (ع): من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّٰه.

و في الحديث عن أمير المؤمنين علي (ع): تعرضوا للتجارات فان لكم فيها غنى عما في أيدي الناس و ان اللّٰه

عز و جل يحب المحترف الأمين و عنه (ع): انه قال للموالي: اتجروا بارك اللّٰه لكم، فاني سمعت رسول اللّٰه (ص) يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة، و واحد في غيرها.

و روى محمد الزعفراني عن أبي عبد اللّٰه (ع): من طلب التجارة استغنى عن الناس، قلت و ان كان معيلا، قال و ان كان معيلا، ان تسعة أعشار الرزق في التجارة.

و كتاب التجارة يحتوي على عدة فصول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 8

الفصل الأول في بعض الموضوعات و الأعمال التي يمنع التكسب بها أو يجوز

المسألة الأولى:

لا يجوز للإنسان التكسب بالخمر و لا في باقي المسكرات، و لا يجوز له بيع البول و لا الغائط النجسين، و لا سائر الأعيان النجسة للاستعمال المحرم، و لا يجوز له بيعها كذلك إذا لم تكن لها منفعة يعتد بها عند العقلاء، أو لم تكن منفعتها محللة في الشريعة، و الظاهر جواز بيعها إذا كانت لها منفعة محللة يعتد بها عند العقلاء و غير مشروطة بالطهارة شرعا و قصدت من بيعها المنفعة المذكورة، فيجوز له بيع الدم للتزريق و بيع العذرة للتسميد.

المسألة الثانية:

كما يحرم على الإنسان بيع الميتة فكذلك يحرم عليه بيع أجزائها النجسة و هي الأجزاء التي تحلها الحياة في حال الحياة فيشملها الحكم بالتحريم بعد الموت، بل الأحوط له لزوما اجتناب بيع الميتة و أجزائها النجسة و ان وجدت لها منفعة محللة، و كذلك الخنزير و الكلب البريان، فالأحوط للإنسان لزوما اجتناب بيعها و ان وجدت لها منفعة محللة، و يستثنى من الكلاب كلب الصيد فيجوز بيعه و المعاوضة عليه كما سيأتي ان شاء اللّٰه.

المسألة الثالثة:

يحرم على الإنسان التكسب بالمذكورات في المسألتين السابقتين سواء وقعت ثمنا أم مثمنا في البيع، أم أجرة في إجارة، أم عوضا في صلح، أم مهرا في تزويج، أم فدية في خلع، أم عوضا في أي معاملة من المعاملات، بل تحرم هبتها و الصلح عنها بلا عوض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 9

المسألة الرابعة:

قد ذكرنا في فصل النجاسات من كتاب الطهارة: ان عصير العنب إذا نش و غلى بغير النار حكم بنجاسته على الأحوط، ثم لا يطهر الا بانقلابه خلا، و لا ينجس إذا غلى بالنار، و كذلك الحكم في عصير الزبيب على الأحوط أيضا، و قد ذكرنا ذلك مفصلا.

و العصير المذكور في حال نجاسته مستثنى من الحكم المتقدم ذكره في بيع أعيان النجاسة، فيجوز بيعه قبل أن ينقلب خلا، سواء كان عصير عنب أم زبيب.

و يستثنى من ذلك أيضا الكافر، فيجوز بيعه و شراؤه و المعاوضة عليه إذا كان مملوكا، سواء كان كافرا أصليا أم مرتدا مليا أم فطريا، و يستثنى من ذلك كلب الصيد كما تقدم في المسألة الثانية، و في إلحاق كلب الماشية و كلب الزرع و كلب البستان و كلب الدار في الحكم بكلب الصيد اشكال، نعم تجوز إجارتها و إعارتها بلا ريب.

المسألة الخامسة:

يجوز للمكلف بيع الأجزاء التي لا تحلها الحياة من الحيوان الطاهر في حال حياته كشعر الحيوان و صوفه و وبره و قد تقدم ذكرها في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة، فإذا مات الحيوان لم يحرم على مالكه بيع تلك الأجزاء و التكسب بأثمانها إذا كانت لها منفعة محللة تعد بها عند العقلاء مالا.

و يجوز له بيع الميتة الطاهرة كالميتة من السمك و الجراد و سائر الحيوان الذي ليس له نفس سائلة، فيجوز بيع ميتته إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العقلاء و تجوز المعاوضة عليها، نعم الأحوط له الاجتناب إذا علم ان المشتري ممن يأكلها.

المسألة السادسة:

الأرواث و الأبعار المحكومة بالطهارة شرعا، و هي التي تكون من الحيوان الذي يؤكل لحمه أو تكون من الحيوان الذي ليس له نفس سائلة، فالظاهر ان لها منفعة محللة معتدا بها بين الناس كالتسميد و شبهه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 10

و بهذه المنافع المقصودة تكون أموالا و لذلك فيجوز للمكلف بيعها و المعاوضة عليها، و أمّا الأبوال الطاهرة فالظاهر أنها مما ليس له منفعة محللة مقصودة، و لذلك فلا يجوز له بيعها و التكسب بها، فإنها لا تعد أموالا.

المسألة السابعة:

يجوز للإنسان أن ينتفع بالأعيان النجسة في جهات غير محرمة شرعا، و لا مشروطة بالطهارة، فيجعل جلود الميتة مثلا ظروفا للقذارات أو لحمل النجاسات، و يطلي بدهن الميتة و شحمها بعض الأخشاب و السفن مع التوقي عن سراية نجاستها، و يدفن بعض العذرات و الميتات النجسة في أصول الشجر و الزرع للتسميد و نحو ذلك.

المسألة الثامنة:

لصاحب اليد على الأعيان النجسة حق اختصاص بها، فمالك الحيوان إذا مات حيوانه يبقى له حق اختصاص به، و مالك العنب إذا تحول عنبه خمرا يبقى له حق اختصاص بالخمر، و واضع اليد على بعض النجاسات إذا وضعها بقصد الحيازة يكون له نحو استيلاء عليه، و يكون له بتبع ذلك حق اختصاص به، و هذا الحق لا يزول حتى يرفع يده عن تلك العين، و هذا الحق قابل للانتقال، فإذا مات صاحب اليد انتقل الحق إلى وارثه من بعده، و لذلك فيجوز لغير صاحب اليد ان يبذل له شيئا من المال ليرفع يده عن العين النجسة التي اختص بها، فيحوزها لنفسه من بعده، و هذا ليس من التعويض عن العين النجسة و لا من التعويض عن حقه فيها، بل من التعويض عن رفع اليد عن ألحق.

المسألة التاسعة:

يجوز بيع الأعيان المتنجسة إذا كانت قابلة للتطهير، و لا بد من إعلام المشتري بنجاستها ليطهرها قبل الانتفاع بها، و يجوز بيع الأعيان المتنجسة غير القابلة للتطهير إذا كانت لها منافع محللة مقصودة و كانت منافعها غير متوقفة على طهارتها، كالدهن المتنجس ينتفع به بالإسراج و طلي السفن، و كالصابون المتنجس تنظف به الثياب و الأشياء، ثم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 11

تطهر بعد التنظيف، و كالصبغ المتنجس تصبغ به الأشياء و يتوقى من ملاقاتها أو تطهر بعد الصبغ، و يجب إعلام المشتري بنجاستها.

و لا يجوز بيعها و لا المعاوضة عليها إذا لم تكن لها منفعة محللة مقصودة، أو كانت منفعتها المقصودة مشروطة بالطهارة، و هي غير قابلة للتطهير حسب الغرض، و لا تخرج بذلك عن ملك صاحبها.

المسألة العاشرة:

يجوز بيع السباع و شراؤها، كالأسد و النمر و الفهد و الذئب إذا كانت لها منفعة محللة في الشريعة يعتد بها عند العقلاء، و يجوز بيع الهرة و يحل ثمنها، و يجوز بيع المسوخ و الحشرات إذا وجدت لها مثل تلك المنفعة، فيجوز بيع الفيل لينتفع بالحمل عليه و بعظمه بعد الموت أو التذكية، و يجوز بيع الحشرات مع وجود المنفعة المذكورة، كدود القز و نحل العسل و العلق الذي يمص الدم و نحو ذلك.

و الأحوط ترك بيع القرد من المسوخ، و لا يجوز بيع ما لا منفعة له أو كانت منفعته غير محللة.

المسألة 11:

لا يجوز التكسب بما يكون آلة للحرام بحيث يعد عرفا منها و يكون ذلك هو المقصود الغالب من اقتنائه كالعود و المزامير و البرابط، و آلات العزف المعروفة و غير ذلك، و آلات القمار كالنرد و الشطرنج و أوراق المقامرة، و الأصنام و الصلبان، و كالاسطوانات الغنائية و الأشرطة التي يسجل عليها الغناء و الأنعام المحرمة.

و يجوز بيع الآلات المشتركة، و التي يشيع استعمالها في المحلل و المحرم على السواء بحيث ينتفي في أنظار أهل العرف انها آلات حرام على الخصوص، كالراديو، و صندوق حبس الصوت و يجوز اقتناؤها للاستعمال في الأشياء المباحة و الراجحة كاستماع الأخبار و القرآن، و المناهج المباحة و النافعة المجدية.

و اما التلفزيون فالحكم فيه يدور مدار صدق الاسم، فان عد في نظر أهل العرف من آلات اللهو و الحرام على الخصوص حرم بيعه و حرم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 12

استعماله، و إذا شاعت فوائده المحللة و كثرت منافعه و مناهجه المجدية و الراجحة حتى أصبح في نظر أهل العرف من الأجهزة المشتركة العامة و غير

معدود من آلات اللهو و الحرام على الخصوص، جاز بيعه و اقتناؤه و استعماله في الأشياء المباحة و اختصت الحرمة باستعماله في النواحي المحرمة.

المسألة 12:

يجوز بيع الآلات المسجلة للصوت كما يجوز استعمالها في ما يباح و ما يحسن و يرجح، و يجوز بيع الآلات المكبرة للصوت، و يجوز بل يحسن استعمالها في الأمور الراجحة، كاعلان الصوت في الأذان، و تبليغ الصوت في خطبة الخطيب، و موعظة الواعظ و قراءة القاري و نشر الحقائق الصحيحة.

المسألة 13:

يحرم عمل آلات اللهو و آلات الحرام المتقدم ذكرها، و يحرم إصلاحها إذا فسدت أو تعيبت، و يحرم التكسب بذلك و أخذ الأجرة أو الجعالة عليه، بل يجب إفسادها و إعدامها مع الإمكان و تغيير هيئتها على الأقل، و له أن يبيع مادتها بعد التغيير من نحاس أو حديد أو معدن آخر، و له ان يبيع المادة قبل التغيير و الإفساد إذا اشترط على المشتري تغييرها أو وثق بأنه يغيرها و ان لم يشترط ذلك عليه، و يشكل جواز البيع بغير ذلك.

المسألة 14:

الأحوط لزوما للمكلف ان يجتنب الانتفاع مطلقا بأواني الذهب و الفضة في الحوائج و ان لم يكن الانتفاع من أنواع الاستعمال المتعارفة، و ان لا يقتنيها مع قصد أن يجعلها متاعا معدا للانتفاع به و ان لم يستعملها بالفعل بل جعلها على الرفوف للزينة مثلا، فيجتنب بيعها و شراءها لهذه الغاية على الأحوط، و ان يجتنب الإجارة لصياغتها لهذه الغاية و يجتنب أخذ الأجرة عليها.

و يجوز له أن يقتنيها لغير ذلك من الغايات كما إذا قصد بذلك حفظها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 13

أو حفظ ماليتها بهذه الصورة، فيجوز له بيعها و شراؤها لهذه الغاية، و تجوز الإجارة لصياغتها لذلك و يجوز أخذ الأجرة عليها.

المسألة 15:

لا تجوز المعاملة في الدراهم الزائفة التي يضعها بعض الناس لغش الناس و سلب أموالهم، سواء كان زيفها في أصل المعدن الذي تختلف به عن العملة الصحيحة المتداولة في البلاد، أم كان في خلطها بمعدن آخر تكون به مزيفة مغشوشة، فلا يجوز جعلها عوضا و لا معوضا في المعاملات إذا كان الشخص الذي تدفع اليه جاهلا بأمرها، و اما إذا كان عالما و مطلعا على الحقيقة فلا يصدق معه الغش لظهور الأمر لديه، فإذا أقدم على المعاملة مع ذلك فلا تحريم من هذه الناحية و هو واضح.

المسألة 16:

لا يجوز بيع العنب أو التمر مثلا ليعمل خمرا، و كذلك غيرهما من الأشياء التي يتخذ منها الخمر، فلا يجوز بيعها لهذه الغاية، و لا تصح المعاملة عليها، و لا يصح بيع الخشب أو غيره من المواد ليصنع صنما أو آلة لهو أو آلة حرام آخر، بأن يذكر المتعاملان هذه الغاية في عقد البيع، أو يتواطئا على ذلك بينهما و يجريا العقد على ما تواطئا عليه، و لا يجوز اجارة المنزل أو الدكان أو المحل ليباع فيه الخمر أو يحرز فيه، أو ليكون موضعا للبغاء أو غيره من المحرمات على النحو المتقدم من بناء العقد على الغاية المحرمة و لو بالتواطؤ عليها، و تبطل الإجارة بذلك، و لا يجوز إجارة الدابة أو السفينة أو السيارة لحمل الخمر على النحو المتقدم، و تبطل الإجارة بذلك، فلا يحل الثمن و لا الأجرة بذلك و لا العوض إذا كانت المعاملة بعنوان الجعالة أو الصلح.

و إذا باع العنب أو التمر ممن يعلم انه يعمله خمرا، أو باع الخشب ممن يعلم انه يصنعه آلة حرام، أو آجر المنزل أو المحل ممن يعلم انه

يتخذه محرزا للخمر أو موضعا لمحرم آخر، أو آجر السفينة أو السيارة لمن يعلم انه يحمل فيها خمرا و لم يتواطئا على ذلك و لم يذكراه في ضمن العقد، فهو موضع اشكال فلا يترك فيه الاحتياط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 14

المسألة 17:

المدار في كون الشي ء مالا في نظر أهل العرف هو أن تكون لذلك الشي ء فائدة يرغب فيها عامة العقلاء، و يتنافسون من أجل تلك الفائدة على اقتنائه و بذل المال بإزائه، و الفائدة المذكورة المرغوب فيها قد تكون مطلقة تشمل حال الاختيار و حال الاضطرار كأصناف المأكولات و المشروبات و الملبوسات، و قد تختص بحال الاضطرار كالعقاقير و الأدوية و المستحضرات التي يطلبها الناس في أوقات المرض و العلاج خاصة، فإذا كانت الحاجة إليها عامة منتشرة بين الناس في حال اضطرارهم كانت باعثا لهم على التنافس و بذل المال للحصول على ذلك الشي ء و ان كانت الاستفادة منه خاصة في حال الاضطرار، و بملاحظة هذه الرغبة و التنافس يكون ذلك الشي ء مالا في نظرهم، و إذا كانت تلك الفائدة محللة في شريعة الإسلام جاز بيع الشي ء و شراؤه و صح التكسب به في الشريعة الإسلامية كما تكرر في المسائل المتقدمة.

المسألة 18:

الأحوط لزوما عدم جواز بيع المصحف الشريف على الكافر و عدم تمكينه منه، و يحرم بلا ريب إذا كان موجبا للزراية و الهزء به و الاستهانة بشأنه و الهتك لحرمته، و يجوز بيعه عليه و تمكينه منه إذا كان ذلك وسيلة لهدايته، أو سببا لتعظيم أمره عنده أو عند بعض المنصفين من ذوي نحلته.

المسألة 19:

يحرم تصوير كل ذي روح سواء كان إنسانا أم حيوانا، و سواء كانت الصورة مجسمة أم غير مجسمة، و منقوشة أم محفورة أم مطرزة.

و يستثنى من ذلك تصوير بعض الأجزاء فقط كتصوير الرأس وحده، أو الرجل أو اليد خاصة فلا يحرم ذلك، إلا إذا عد تصويرا للإنسان أو الحيوان و لكنه ناقص بعض الأجزاء، كما إذا صور إنسانا أو حيوانا مقطوع الرأس، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.

و يحرم إذا صور إنسانا أو حيوانا مقطوع اليد أو مقطوع الرجل،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 15

و يحرم إذا كانت الصورة كاملة و لكنه على هيئة لا يستبين منه بعض اجزائه، كما إذا صور إنسانا ملتفتا، فلا يستبين منه بعض اجزاء وجهه، أو صورة راكعا أو ساجدا أو جالسا، أو واضعا يديه خلف ظهره، فلا يستبين منه بعض اجزائه في الصورة، فيحرم جميع ذلك و يحرم أخذ الأجرة عليه.

و يجوز التصوير بالآلة الفوتوغرافية الشائعة، فإنها من حبس الظل و ليست من التصوير المحرم.

و يجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالشجر و الأزهار و الثمار و النخيل سواء كانت مجسمة أم غير مجسمة و يحل أخذ الأجرة عليه.

المسألة 20:

يجوز اقتناء الصور سواء كانت من ذوات الروح أم من غيرها و سواء كانت مجسمة أم منقوشة أم مطرزة أم محفورة، نعم يكره اقتناؤها، و الكراهة في الجميع على حد سواء فليست في الصور المجسمة أشد منها في غيرها.

المسألة 21:

تحرم اعانة الظالمين في ظلمهم، و تحرم اعانة كل فاعل للحرام في فعله الحرام و ان لم يكن في عداد الظالمين عرفا.

و اما إعانة الظالمين في أفعالهم المباحة أو في طاعاتهم فهي غير محرمة، إلا إذا عد في أعوان الظلمة و المنتسبين إليهم أو كان ذلك موجبا لقوة شوكتهم و تمكينهم من الظلم.

المسألة 22:

يحرم اللعب بالآلات المعدة للقمار كالنرد و الشطرنج و الطاولي، و أوراق المقامرة، و نحوها من الأشياء الخاصة المعدة لذلك، سواء كان اللعب بها مع الرهن أم بدونه، و لا يحل أخذ الرهن عليها، سواء كان الرهن من المغلوب من المتقامرين للغالب أم من شخص آخر أجنبي عنهما و سواء كان المتراهنان هما المتقامران أم غيرهما، كما إذا تقامر شخصان بمحضر شخصين آخرين، فتراهن الشخصان المشاهدان للمقامرة و قال أحدهما للآخر: ان غلب زيد في المقامرة فلك من مالي كذا دينارا، و ان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 16

غلب عمرو فلي من مالك كذا دينارا، و اتفقا على ذلك بينهما، فلا يجوز ذلك في جميع الصور و لا يحل أخذ الرهن.

و يحرم اللعب بغير الآلات المعدة للقمار إذا كان اللعب مع الرهن كالمصارعة و صعود القمم الشاهقة و تسلق الأبنية العالية و حمل الحجارة الثقيلة و دخول الأمكنة المظلمة أو المخوفة، و شبه ذلك، و لا يحل أخذ الرهن عليها، و يجوز ذلك إذا كان بغير رهن، و الأحوط استحبابا تركه.

المسألة 23:

لا يجوز الاحتفاظ بكتب الضلال و استنساخها و قراءتها إذا لم تكن له غاية صحيحة في ذلك، و خصوصا مع احتمال عروض الضلال بقراءتها له أو لغيره عن طريق الحق، و خصوصا للعامة من الناس و ضعفاء المعرفة الذين لا يملكون النظرة القويمة السديدة في أمر العقيدة، و يضاف الى ذلك مداخل الشيطان، و منافذه و وسائله التي لا تنضبط و لا تنحصر، و التي يمهد بعضها لبعض، و يأخذ بعضها بيد بعض، و قد تأتي على البناء من القواعد، و أدنى ما يؤمل منها ان تثير الشكوك، و تلبد الجو.

و كتب الضلال مختلفة

المواضيع، و كتابها متنوعو الأساليب، و الكثرة منهم يملكون من المباهتة و المراوغة أكثر مما يملكون من النقد النزيه، و قد لا يملكون من هذا شيئا، فيجب على القاري التوقي من المزال جهد المستطاع، و من أهم ما يقيه تجنب الكتب المضلة.

و قد تخادعه النفس أو يخادعه الشيطان فيدعي لنفسه القدرة و هو لا يقدر، ليوقعاه في مالا يحمد أو ليكون ما يفسده أكثر مما يصلحه، فيجب التنبه قبل الوقوع في الشبهة و الظلمة.

و يجوز الاحتفاظ بهذه الكتب لمن أمن ذلك، و كانت له النظرة الصائبة التي يفرق بها بين الحسن و القبيح و الخطأ و الصواب، و يحسن بل يجب الاحتفاظ بها لمن زوده اللّٰه بالهدي الكامل، و آتاه النور المشع الذي يكشف الظلمة، و الذي يستطيع به إحقاق الحق و ابطال الباطل، و ملكه زمام القول ليبين من تلك الكتب مواضع الزيف و يوضح للقارئين و المسترشدين معالم ألحق.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 17

المسألة 24:

الغناء هو مد الصوت و تلحينه على الكيفيات اللهوية المعروفة في مجالس اللهو و عند أهله سواء صحبه شي ء من آلات الطرب أم لا، و يميزه أهل العرف، فما صدق عليه بين أهل العرف انه غناء فهو منه.

و لا ريب في حرمته و حرمة الاستماع اليه و حرمة التكسب به و عدم حلية أخذ الأجرة و العوض عليه و لا فرق في حرمته بين ان يقع في أغاني عامية أو شعر عربي أو غير عربي أو في قراءة قرآن أو تلاوة دعاء أو خطبة أو في مراثي أهل البيت (ع) أو غير ذلك، و يتضاعف العقاب عليه إذا وقع في عبادة يراد بها طاعة اللّٰه سبحانه.

و يستثنى من ذلك

حداء الحادي فلا تحريم فيه، و غناء النساء في محافل العرس، بشرط أن لا يصحبه شي ء من المحرمات الأخرى كالضرب بالطبل و الصنج أو على المعازف و كالرقص و الحركات الخليعة و التكلم في الغناء بالكلام الباطل، و دخول الرجال على النساء و سماعهم لأصواتهن على نحو يثير الشهوة و ينشر الفساد، فإذا صحبه شي ء من ذلك كان حراما.

المسألة 25:

السحر هو صرف الشي ء عن وجهه الصحيح على سبيل الخدعة و التمويه، فيلبس الباطل لباس الحق، و يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما من الحواس، و قد يؤثر في بدن المسحور و قلبه أو عقله أو في عواطفه، فيؤثر فيه الحب أو البغض و يمنعه و يصده عن بعض المحبوبات و المشتهيات، و يحبسه عن الوصول الى زوجته و يفرق به بينهما و غير ذلك من الآثار المختلفة.

و لا ريب في حرمة عمله و حرمة تعلمه و تعليمه و حرمة التكسب به، و في أحاديث الرسول (ص) و أهل البيت (ع) ما يدل على شدة تحريمه و المؤاخذة عليه حتى أطلق عليه الكفر و شبه بالشرك، و عن أمير المؤمنين علي (ع): من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه، وحده أن يقتل الا أن يتوب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 18

و أما تسخير الملائكة أو الجن، و إحضار الأرواح و تسخيرها، ففي عده من السحر اشكال، و يحرم منه ما كان مضرا بمن يحرم الإضرار به.

المسألة 26:

الشعوذة هي إراءة غير الواقع واقعا لخفة اليد و الحركة السريعة التي تخرج بسرعتها عن المعتاد، و نظيرها- و ليس منها- أن يدير الإنسان النار بيده بسرعة فيري الآخرين بعمله ذلك دائرة متصلة من النار، مع انها ليست بدائرة و لا متصلة، و لكنها و هم متصل، و أقول ان هذا المثال نظير الشعوذة و ليس منها فالحركة المذكورة ليست خارجة عن المعتاد.

و الشعوذة ليست من السحر، و الأحوط لزوم اجتنابها و اجتناب التكسب بها مطلقا، و خصوصا إذا هي أضرت بمؤمن، أو ترتب عليها عنوان محرم

آخر.

المسألة 27:

القيافة هي أن يستند القائف إلى علامات خاصة و مشابهات بين الطفل و الرجل في بعض الملامح أو في أجزاء خاصة من البدن، فيلحقه به في النسب أو يحكم بأنه أجنبي عنه على خلاف الموازين التي وضعتها الشريعة الإسلامية لإلحاق الولد بأبيه، و لا ريب في تحريمها و عدم جواز التكسب بها.

المسألة 28:

الكهانة هي أن يخبر الكاهن ببعض حوادث تحصل في مستقبل الزمان أو ببعض المغيبات عنه في الزمن الحاضر، و يزعم أنه يتلقى هذه الإنباء عن الجان، و هي من المحرمات في الدين.

و الظاهر أنه لا حرمة في أن يخبر ببعض الأمور المغيبة عنه و يستند في اخباره بها الى مقدمات و أمارات خفية يستدل بها على ذلك إذا اعتقد صحتها أو حصل له الاطمئنان منها.

المسألة 29:

التنجيم هو أن يخبر المنجم عن حوادث الكون و ما يجد فيه من جدب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 19

و خصب و رخص و غلاء و حر و برد و كثرة مطر و قلة، بل و حرب و سلم و صحة و سقم و انتشار أمراض و ما يشبه ذلك و يستند في اخباره بهذا إلى حركة الأفلاك و أوضاع الكواكب و النجوم بعضها مع بعض و هو يعتقد ان هذه الحركات و الأوضاع مؤثرة في الكون و في تسيير حوادثه.

و هو من المحرمات إذا اعتقد القائل بذلك اعتقادا يتنافى مع مقررات الإسلام.

و اما الخسوف و الكسوف و مسير الكواكب و تقارنها و انفصالها و تولد الأهلة و ما أشبه ذلك فلها مقادير معينة في الحساب و قواعد رتيبة مضبوطة لا تخطئ، و لكن قد يخطئ الحاسب في ملاحظتها، فتختلف عما يقول.

المسألة 30:

لا ريب في حرمة الغش في المعاملة و قد تكثرت الأدلة الواردة في تحريمه و في الوعيد على ارتكابه، ففي الحديث عن الرسول (ص): و من غش مسلما في بيع أو في شراء فليس منا و يحشر مع اليهود يوم القيامة، لأنه من غش الناس فليس بمسلم، الى ان قال (ص): ألا و من غشنا فليس منا، قالها ثلاث مرات، و من غش أخاه المسلم نزع اللّٰه بركة رزقه و أفسد عليه معيشته و وكله الى نفسه.

و معنى الغش ظاهر لا خفاء فيه، و له مراتب متفاوتة، فمنه خلط الشي ء المرغوب فيه بغير المرغوب و الجيد بالردي، فيبدو الجميع مرغوبا فيه و جيدا، و منه تزييف صفة الشي ء الموجودة فيه و هي قبيحة ليظهر للرائي بصورة حسنة، و منه طلاء النحاس أو الحديد

بماء الذهب أو بماء الفضة فيتوهم المشتري انه ذهب أو فضة، و منه إخفاء العيب في الشي ء المعيب حتى يراه الرائي صحيحا، و منه غير ذلك، و جميعه محرم و معاقب عليه في الإسلام.

المسألة 31:

الغش محرم و معاقب عليه كما تقدم، و لكن المعاملة التي وقع فيها الغش لا تكون باطلة، و انما يكون للمغشوش من المتعاقدين خيار فسخ المعاملة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 20

بعد الاطلاع على أن صاحبه قد غشه فيها، و إذا كان البيع قد وقع على الكلي و كان الغش في الفرد الذي دفعه البائع إلى المشتري، صح البيع، و كان للمشتري على البائع ان يبدل الفرد المغشوش الذي دفعه اليه بفرد آخر لا غش فيه، و مثال ذلك ما إذا باعه منا من الحنطة أو من الأرز في الذمة، و دفع اليه عند التسليم منا مغشوشا من الجنس الذي باعه، فعليه أن يبدل المن الذي دفعه اليه بمن من الجنس سليم من الغش.

و إذا باعه حديدا مموها بماء الذهب على انه ذهب، أو حديدا مموها بماء الفضة على انه فضة، كان البيع في هذه الصورة باطلا لاختلاف الجنس الذي وقع عليه البيع عن الجنس المقصود و وجب على البائع رد الثمن إلى المشتري، و كذلك الحكم في كل بيع يكون الغش فيه موجبا لاختلاف الجنس.

المسألة 32:

يحرم النجش، ففي الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع) عن الرسول (ص) انه عند الناجش و المنجوش من الملعونين على لسان محمد (ص)، و النجش هو أن يزيد الإنسان في ثمن الشي ء و هو لا يريد أن يشتريه، و انما يريد أن يسمعه غيره فيزيد في الثمن على زيادته.

و لا فرق في تحريم النجش بين أن يكون الناجش قد تواطأ مع البائع على ذلك أم لا.

المسألة 33:

لا يجوز للمكلف أن يؤجر نفسه على الإتيان بالواجبات العبادية التي تجب عليه وجوبا عينيا، و لا يحل له أخذ الأجرة عليها، فان الظاهر من أدلة هذه الواجبات ان الشارع قد اعتبر فيها أن يأتي المكلف بها مجانا دون عوض.

و كذلك الحكم في الواجبات العبادية الكفائية، و المستحبات التي اعتبر الشارع فيها المجانية أيضا، فلا تصح الإجازة و لا يحل أخذ الأجرة للمكلف على الصلاة اليومية الواجبة عليه، و لا على نوافلها و لا على صيام شهر رمضان و لا على سائر الواجبات و المستحبات العينية، و لا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 21

على تغسيل الموتى و تكفينهم و الصلاة عليهم و لا على الأذان و نحوه، فإن المجانية التي اعتبرها الشارع في امتثال هذه الواجبات و المستحبات تمنع من جواز الإجارة عليها و من صحة أخذ الأجرة على الإتيان بها.

و كذلك الحكم على الأقوى في تعليم العقائد الواجبة في الإسلام، و تعليم الأحكام في شريعته مما هو محل الابتلاء للمكلفين، و الأحوط ذلك أيضا في الأحكام التي لا تكون محل الابتلاء.

و تجوز الإجارة و يحل أخذ الأجرة على الواجبات غير العبادية كدفن الميت، و كمعالجة الطبيب للمرضى و على الواجبات التي يتوقف عليها نظام الحياة كتعليم علم الطب

و الزراعة و غيرهما. و تجوز الإجارة على تعليم القرآن و القراءة و الكتابة و يحل أخذ الأجرة و الجعل عليها.

و تجوز الإجارة للنيابة عن الأموات في الإتيان بما وجب عليهم من واجبات و مستحبات إذا كانت مما تشرع فيه النيابة و يحل أخذ الأجرة على ذلك، و سيأتي تفصيله في كتاب الإجارة ان شاء اللّٰه تعالى.

و تصح الإجارة عن الحي في خصوص حج الإسلام إذا وجب عليه و عجز عن أدائه، فتصح النيابة عنه في الحج و يحل له أخذ الأجرة على ذلك، و تفصيل الحكم فيه في كتاب الحج، فليراجع.

المسألة 34:

ما لا تجوز الإجارة على الإتيان به و لا يحل للمكلف أخذ الأجرة عليه من الواجبات العبادية و المستحبات التي اعتبر الشارع في امتثال الأمر بها أن يأتي المكلف بها مجانا دون عوض، فكذلك الحكم في أخذ الجعالة عليها، فلا تجوز الجعالة على الإتيان بهذا النوع من الأعمال الواجبة و لا يستحق العامل به عوضا على الجاعل، لما ذكرناه من اعتبار المجانية فيها شرعا.

المسألة 35:

يحرم نوح النائحة على الميت إذا كان نوحها بالباطل، و هو أن تثني على الميت بالكذب و تذكر له من الصفات و الأفعال الحميدة ما ليست له،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 22

و تنزهه عن بعض الصفات و الافعال غير المحمودة، و هي فيه، و لا يحل لها أخذ الأجرة أو الجعل على ذلك.

و يجوز لها أن تنوح بالحق فتذكر للميت من الصفات و الممادح ما هو له أهل، و يحل لها أخذ الأجرة و الجعل على ذلك.

المسألة 36:

يحرم هجو المؤمن سواء كان ذكرا أم أنثى، و الهجو هو ذمه و ذكر ما به استنقاصه و عيبه من الصفات و الأعمال و النسب الدني ء و شبه ذلك، سواء كان في الشعر أم النثر.

و يجوز هجو المخالف للحق، و يجوز هجو الفاسق المبتدع لئلا يؤخذ ببدعته كما في بعض النصوص.

و لا يجوز هجاء الفاسق غير المبتدع و ان كان متجاهرا في فسقه.

المسألة 37:

يحرم الفحش من القول، و هو ما يستقبح ذكره من الكلام البذي ء، و هو على نحوين:

القسم الأول: ما يستقبح ذكره مع كل أحد حتى مع الزوجة، و هو محرم حتى مع الزوجة كذلك، كما إذا شبه زوجته بالبغايا و عاملات السوء، فيحرم ذلك و ان كان بقصد المزاح و التفكه معها.

القسم الثاني: ما يستقبح التصريح به مع الأجانب و لا يقبح مع الزوجة، كما إذا ذكر بعض الأعمال الخاصة بينه و بينها، فيجوز له ذلك و لا يقبح معها، و يحرم مع غيرها.

المسألة 38:

يحرم على الإنسان ان يدفع الرشوة إلى القاضي ليحكم له، سواء كان قضاؤه له بحق أم بباطل، و يحرم على القاضي ان يأخذ الرشوة على الحكم سواء كان حكمه في الواقعة بحق أم بباطل، و قد تكرر في النصوص قول الامام جعفر بن محمد الصادق (ع): و أما الرشا في الحكم فان ذلك هو الكفر باللّٰه العظيم جل اسمه و برسوله (ص)، و عن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 23

أمير المؤمنين (ع): أيما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّٰه عنه يوم القيامة و عن حوائجه، و ان أخذ هدية كان غلولا، و ان أخذ الرشوة فهو مشرك.

و يجوز للمظلوم أن يدفع الرشوة لظالمه ليستنقذ حقه منه، و يحرم على الظالم أخذها.

المسألة 39:

يحرم على الرجال لبس الذهب من خاتم و غيره، و تبطل صلاة الرجل بلبسه، و يحرم عليه التزين به كالسن من الذهب يجعله في مقدم الأسنان، و أزرار الذهب توضع للقميص، و لا تبطل الصلاة بذلك، و إذا لبس الذهب و تزين به فهو أشد تحريما، و أشد من ذلك أن يكون الذهب الذي لبسه و تزين به من مختصات النساء.

المسألة 40:

يحرم على المكلف الكذب، و قد تكثرت الأدلة في تحريمه و الوعيد على ارتكابه، و الكذب المحرم على الإنسان هو أن يخبر عامدا بما يخالف الواقع، و هو قاصد لذلك، سواء كان جادا في كذبه أم هازلا، و يتأكد التحريم و يعظم العقاب عليه إذا كان مع الاستصغار للخطيئة، و التهاون بحرمات اللّٰه سبحانه، و يتأكد التحريم كذلك إذا كان في شهر رمضان و خصوصا للصائم فيه كما هو الشأن في غيره من المحرمات.

المسألة 41:

قد يتكلم الإنسان بالخبر الكاذب، و هو لا يقصد الاخبار به عن الواقع، و انما يقصد التكلم بصورة الخبر فقط من غير قصد للحكاية، و الذي يدعوه الى ذلك هو الهزل و المزاح فلا يكون ذلك محرما بل و لا يكون كذبا لعدم الحكاية، بل يكون هزلا.

و قد يقصد التورية فلا يكون كاذبا و لا يكون اخباره محرما كذلك، بل يكون موريا.

و التورية في الكلام هي أن يكون للفظ معنيان، أحدهما ما هو ظاهر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 24

فيه عند متعارف الناس، و الثاني ما هو غير ظاهر فيه، و لكنه معنى من معانيه، فإذا تكلم الإنسان باللفظ و قصد المعنى غير الظاهر كان موريا في كلامه.

و مثال ذلك أن يقول كساني عبد اللّٰه في هذا اليوم لباسا، و لم يكن عبد اللّٰه قد أعطاه شيئا من الثياب، و انما قصد أنه أعطاه زوجة، بملاحظة قول اللّٰه سبحانه هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ. أو يقول عن رجل أعمى: لقد فتحت في هذا اليوم عين فلان، و هو يريد ان عين الماء التي يملكها ذلك الرجل قد نبع ماؤها.

المسألة 42:

يستثنى من حرمة الكذب: ان يكذب الرجل ليدفع بذلك ظلما أو ضررا عن نفسه أو عن مؤمن آخر، و يجوز له أن يحلف على ذلك.

و ان يكذب لإصلاح ذات البين بين المؤمنين المتخاصمين، و إذا أمكن له أن يؤدي ذلك بالتورية في خبره فالأحوط استحبابا له ذلك، و لكن لا يتعين عليه ذلك.

و يجوز للرجل أن يعد أهله بشي ء و هو لا يريد أن يفي لهم بوعده، و ان كان الأحوط استحبابا له ان يجتنب ذلك، و خصوصا لذي الأطفال و الأبناء الذين يريد

أن يعودهم على الخلق الرفيع. و الوفاء بالوعد فضيلة من فضائل الأخلاق، و لا ينبغي للمؤمن أن يتهاون بها و يتأكد ذلك مع غير أهله، فلا ينبغي أن يكذب بوعده، أو يعد و هو لا يريد الوفاء.

المسألة 43:

يحرم على الإنسان أن يتولى المناصب و الأعمال و الوظائف من قبل السلطان الجائر و ان كان الإنسان تام الكفاءة لذلك العمل، و كان العمل في نفسه غير مخالف للشرع فالتحريم فيه انما هو لتولية من قبل الجائر، و اما الأعمال غير المشروعة فيكون تحريمها من كلتا الناحيتين، و اما المظالم فالتولي فيها من قبله يكون التحريم فيه متعدد الجوانب و كل ذلك واضح لا خفاء فيه في الإسلام.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 25

و يستثنى من ذلك ان يتولى الإنسان الولاية و المنصب من قبله في الأمور المشروعة التي لا مخالفة فيها لأحكام الدين و هو يقصد أن يقوم في وظيفته بمصالح اخوانه المسلمين و المؤمنين و يحفظ بها شؤونهم و يرد بذلك العادية و الظلم عنهم، فيجوز له الدخول في هذه الأعمال بهذا القصد، بل يحسن و يحمد منه، فقد ورد عن الامام جعفر بن محمد (ع) كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان. و روي عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع): ان للّٰه تعالى بأبواب الظالمين من نور اللّٰه به البرهان و مكن له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه و يصلح اللّٰه بهم أمور المسلمين، إليهم يلجأ المؤمن من الضرر و إليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، و بهم يؤمن اللّٰه روعة المؤمن في دار الظلم، أولئك هم المؤمنون حقا، الى آخر الحديث.

و يستثنى من ذلك ما إذا أجبره الظالم على الدخول في العمل، بحيث يخشى

مع عدم اجابته على نفسه أو على أهله و أقاربه و اخوانه ممن يهمه أمرهم، فيجوز له ذلك، إذا لم تكن فيه اراقة دماء محترمة أو هتك أعراض قوم مسلمين أو نهب أموالهم و إيقاع الخوف و الحرج عليهم و أشباه ذلك.

المسألة 44:

يجوز للإنسان أن يأخذ الجائزة أو الهدية التي يدفعها اليه السلطان كما يجوز له أن يأخذ منه أو من وكيله ثمن الشي ء الذي يشتريه السلطان منه و يدفع اليه ثمنه من الأموال التي بيده، و ان كان يعلم على وجه الإجمال أن بعض الأموال التي بيده من الحرام، فلا يمنع هذا العلم الإجمالي من قبول جوائزه و هداياه و الأعواض التي يدفعها في معاملاته من بيوع و إجارات و مصالحات و ضمانات أو تعهدات يجريها السلطان باختياره ثم يدفع أعواضها أو يدفعها وكيله بإذنه.

إلا إذا علم المدفوع اليه ان المال الذي دفع اليه بعينه مغصوب، فيجب رده الى مالكه إذا عرفه بعينه، و إذا تردد مالك ذلك المال بين جماعة محصورين في العدد وجب عليه استرضاؤهم جميعا إذا أمكن، فان لم يمكن ذلك رجع في تعيين المالك الى القرعة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 26

و إذا تردد بين جماعة غير محصورين، فان لم ييأس من معرفة المالك منهم بعينه وجب عليه الفحص عنه، و إذا يئس من معرفته تصدق بالمال عن مالكه، و يستأذن الحاكم الشرعي بذلك على الأحوط.

المسألة 45:

ذكرنا في رسالتنا في المسائل المستحدثة بعض الأحكام التي تتعلق في معاملة البنوك و التأمين و أوراق اليانصيب، و غير ذلك من الموضوعات المستجدة، فليرجع إليها من أراد الاطلاع عليها.

المسألة 46:

الأرض الخراجية هي الأرض التي فتحها المسلمون عنوة و كانت عامرة حال الفتح و هي ملك للمسلمين عامة، و لذلك فلا يجوز بيعها كما سيأتي بيانه في فصل شرائط العوضين. فإذا دفعها السلطان الى بعض المسلمين ليزرعها و ينتفع من ثمارها و حاصلاتها و جعل عليها ضريبة خاصة كالخراج، و هو الضريبة التي تجعل على النقد الحاصل من نتاج الأرض، أو المقاسمة و هي الضريبة التي تجعل على السهم من الأرض المذكورة كالنصف منها أو الثلث، و يقبض ولي المسلمين هذه الضرائب ليصرفها في مصالحهم.

فإذا كان السلطان القائم بذلك مخالفا للشيعة في المذهب و كانت سلطنته باسم الخلافة العامة على المسلمين، أو باسم التولي الشرعي للأمور العامة على المسلمين كان تصرفه نافذا في ذلك، فإذا أخذ الضريبة من صاحب الأرض جاز شراء ما يأخذه منها و جاز التصرف فيه باذن السلطان المذكور، و إذا حولت حكومة هذا السلطان أحدا على صاحب الأرض ان يأخذ منه الضريبة المجعولة عليه و دفعها اليه جاز للمحول أن يأخذها منه و برئت ذمة صاحب الأرض بالدفع اليه.

و كذلك الحكم في ما يأخذه هذا السلطان باسم الزكاة على مالكي العلات و النقدين و الأنعام، فإن ذممهم تبرأ من الزكاة الواجبة عليهم بالدفع اليه أو الى عماله المنصوبين لذلك، و يجوز للآخرين شراء أعيان الزكاة منهم إذا أرادوا بيعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 27

و إذا كان السلطان مسلما و لم تكن سلطنته باسم الخلافة الإسلامية أو باسم التولي الشرعي لأمور المسلمين

العامة، فيشكل جريان الأحكام المذكورة على تصرفاته، فلا يترك الاحتياط فيها، سواء كان السلطان شيعيا أم مخالفا لهم في المذهب، و كذلك إذا كان غير مسلم.

المسألة 47:

يجوز للرجل أن يتقبل من السلطان المتولي لأمور المسلمين بعض الأراضي الخراجية بشي ء معين فيزرعها أو يغرسها أو يؤجرها لآخرين، لينتفعوا بها بالزراعة و الغرس و إذا أراد الزيادة في الأجرة عما تقبلها به، فلا يترك الاحتياط بأن يحفر في الأرض نهرا أو يحدث فيها شيئا يعين المستأجر به، و سيأتي بيان الحكم في كتاب الإجارة.

المسألة 48:

لا يجوز للرجل حلق اللحية على الأقوى، و يحرم أخذ الأجرة أو الجعالة على حلقها، إلا إذا أصبح حلق اللحية ضرورة يضطر إليها الرجل لبعض الأمور التي تحتم ذلك عليه، فيجوز له حلقها حين ذاك، و يصح أخذ الأجرة و الجعالة عليه.

المسألة 49:

لا يجوز للإنسان الاحتكار، و هو أن يحبس الطعام و شبهه عنده و يمتنع عن بيعه يتربص به الغلاء و ارتفاع القيمة مع حاجة أهل البلد اليه و عدم وجود من يبذل ذلك لهم، و في الحديث عنه (ص): الجالب مرزوق و المحتكر ملعون، و عنه (ص) لا يحتكر الطعام الا خاطئ.

و قد ذهب جمع من الأصحاب إلى اختصاص الاحتكار بالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و هو القول المشهور، و ألحق بها آخرون:

الزيت و الملح، و لا يترك الاحتياط بإلحاق كل ما تكون الحاجة إليه عامة من أهل البلد المسلمين من الأطعمة و الملابس و نحوها.

فإذا احتكر الإنسان بعض ذلك مع الشروط المتقدمة أجبر على البيع و لا يحدد له السعر الذي يبيع فيه، و إذا أجحف في الثمن الذي يطلبه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 28

في بيعه على العامة أجبر على النزول من ذلك السعر، و لا يحدد عليه أيضا. و هكذا.

و لا يختص هذا الحكم بما إذا كان المحتكر واحدا، بل يجري في ما إذا كانوا عدة من الناس، فإذا حبسوا الحاجة لديهم مع اضطرار عامة الناس إليها و عدم وجود من يبذلها لهم جرى فيهم الحكم المذكور سواء كانوا متواطئين على الاحتكار ليرتفع السعر أم حصل ذلك منهم اتفاقا.

المسألة 50:

ليس من الاحتكار أن يحبس الإنسان الطعام عنده ينتظر به الغلاء، إذا وجد في البلد من يبذل تلك الحاجة للناس بقدر كفايتهم، و إذا انتهى ما عند الباذل من الطعام و لم يف بحاجة الناس تحقق الاحتكار حين ذاك و جرت عليه أحكامه.

و ليس من الاحتكار ان يحبس أحد عنده الطعام ينتظر به الغلاء إذا لم تكن للناس حاجة

الى طعامه لأنهم قد خزنوا لأنفسهم منه ما يكفيهم، أو لوجود المزارع لديهم و هي قريبة الإنتاج، أو لوجود ما يعوض عنه من المنتوجات الأخرى بحيث أصبح غير ضروري لهم.

و ليس من الاحتكار ان يحبس الطعام و هو لا ينتظر به الغلاء، بل ليصرفه الى بعض عملائه الخاصين عند حاجتهم و لو بالسعر المقبول، فلا يكون فعله حراما و لا مكروها.

المسألة 51:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتولى صرفه على فريق خاص من الناس و كان الرجل الذي دفع اليه المال من ذلك الفريق، و مثاله ما إذا أعطى زيدا مبلغا معينا من المال ليقسمه على فقراء أهل بلده، أو على الهاشميين منهم أو على أرحامه و كان زيد من هذا الفريق الذين أمره بقسمة المال عليهم.

فان دلت القرائن العامة أو الخاصة من عادة و نحوها على الأذن في أن يأخذ من المال كغيره من افراد ذلك الفريق أو كان للفظه إطلاق و ظهور يدل على ذلك صح للرجل أن يأخذ من المال بقدر ما دل عليه الأذن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 29

في الأخذ، و ان لم تدل القرائن على تعيين قدر معين له أخذ منه أقل ما يحتمل، و هو القدر المتيقن مما أذن فيه، و ان لم تدل القرائن على الأذن في الأخذ لم يجز له ان يأخذ منه شيئا.

و إذا كان الرجل فقيرا فدفع إليه انسان مبلغا من مال الزكاة ليصرفه في مصارف الزكاة من الفقراء و غيرهم، أو كان هاشميا محتاجا، فدفع اليه مبلغا من الخمس ليدفعه الى الهاشميين المحتاجين، فان علم و لو من القرائن أن وكالته شاملة للدفع الى نفسه، صح له أن يأخذ منه بمقدار ما يعطي

غيره و ان لم يعلم ذلك لم يجز له أن يأخذ منه شيئا.

و كذلك الحكم في الصرف من ذلك المال على عياله، فلا يجوز له أن يصرف عليهم منه شيئا إلا إذا علم بأن وكالته في صرف المال شاملة لذلك.

المسألة 52:

يكره للإنسان أن يتخذ بيع الصرف حرفة له، و قد ورد في ذلك انه لا يسلم من الربا، و لعل المراد انه لا يسلم و لو من حب الربا ليتوفر بذلك ماله، فيهون عليه أمر هذا المحرم العظيم، و لا يكره أن يتولى بيع الصرف في بعض الأوقات مع التحفظ عن الوقوع في مالا يحمد، و يكره كذلك أن يتخذ بيع الأكفان حرفة له، و قد علل ذلك في النصوص بأنه لا يسلم من أن يسره الوباء و كثرة الموتى، و لا يكره أن يبيع الكفن في بعض الأحيان.

و يكره أن يحترف ببيع الطعام، فإنه لا يسلم من الاحتكار و حب الغلاء، و لعل المراد انه لا يسلم و لو من حب الاحتكار فيهون عليه أمر المحرم.

و يكره أن يكون نخاسا، و هو الذي يتخذ بيع العبيد و الإماء صنعة له، و قد ورد ان شر الناس من باع الناس.

و يكره أن يكون جزارا و هو الذي يتخذ ذبح الحيوان و نحر الإبل حرفة له، و قد ورد ان هذه الحرفة تورث قسوة القلب و سلب الرحمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 30

و يكره أن يكون حجاما، و تتأكد الكراهة في هذه الحرفة إذا كان يشترط الأجرة على عمله، و يكره التكسب بضراب الفحل، سواء آجر الفحل لذلك و ضبط ضرابه بالمرة و المرات أو المدة، أم لم يؤجره و لكنه قصد العوض، و لا كراهة

في ما إذا لم يقصد العوض بضراب الفحل إذا اعطي شيئا بعنوان الهدية و نحوها.

المسألة 53:

يجب على من يباشر اي نوع من أنواع التجارة أو يحترف اي وجه من وجوه التكسب أن يتعلم الأحكام الشرعية التي تتعلق بنوع تجارته أو في وجه تكسبه، حتى يعرف الصحيح من غير الصحيح و يميز المحلل من المحرم، و ليرتب الآثار كما أمر اللّٰه تعالى و كما شرع.

و المعاملة التي يريد الإنسان أن يقوم بها قد تكون مما اشتبه الحكم فيه من حيث الحل و الحرمة لا من حيث الصحة و الفساد، كما في كل مورد يكون الشك فيه في أن المعاملة ربوية فتحرم أم هي غير ربوية فلا تحرم، بناء على ما هو الأحوط فيها لزوما، و في هذه الصورة يجب على المكلف اجتناب المعاملة حتى يتعلم الحكم فيها أو يحتاط إذا كان الاحتياط ممكنا.

و قد تكون المعاملة مما يدور الأمر فيه بين الصحة و الفساد، فيجب فيها كذلك معرفة الحكم المتعلق بها عن اجتهاد أو تقليد أو احتياط، ليميز ما هو صحيح عما هو فاسد، و ليترتب الآثار كما تقدم ذكره، و لا يلزم أن يكون التعلم قبل إيقاع المعاملة، بل يجوز له أن يوقعها أولا، ثم يسأل عن حكمها، فإذا علم بصحتها رتب آثار الصحة و النفوذ عليها، و ان علم بفسادها لم يرتب عليها أي أثر.

المسألة 54:

قد ذكرت للتكسب و التجارة آداب كثيرة، منها ما يستحب و منها ما يكره، فمن الآداب المستحبة أن يجمل الرجل في طلب الرزق، و المراد التوسط فيه، و قد روي عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع): ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص. و عن الرسول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 31

(ص): الا ان الروح الأمين نفث في روعي ان

لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللّٰه عز و جل و أجملوا في الطلب، و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بشي ء من معصية اللّٰه جل و عز، فان اللّٰه تبارك و تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما، فمن اتقى اللّٰه عز و جل و صبر آتاه اللّٰه رزقه من حله، و من هتك حجاب الستر و عجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة.

و يستحب للمكتسب و التاجر أن يسوي بين المبتاعين منه في السعر الذي يبيع به السلعة فلا يفرق بين صغير و كبير، و غني و فقير، و مماكس و غيره، و المماكس الذي يجادل البائع في ثمن ما يشتريه، فلا يفاوت التاجر ما بين العملاء في الثمن الذي يأخذه منهم.

و لا بأس في أن يخص أهل التقوى و أهل الفضل فيميزهم في المعاملة معهم على من سواهم.

و يستحب له أن يقيل من يطلب الإقالة منه في بيع أو شراء، فقد روي عن أبي عبد اللّٰه (ع): أيما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّٰه عثرته يوم القيامة.

و يستحب له أن يأخذ لنفسه ناقصا و يعطي راجحا، فعن أمير المؤمنين (ع): ان ذلك أعظم للبركة.

و يستحب ان يكون سهل البيع و الشراء في معاملته مع الناس، سهل القضاء في ديونه التي عليه للناس سهل الاقتضاء في ديونه التي تكون له عليهم، فعن الرسول (ص): ان اللّٰه تبارك و تعالى يحب العبد يكون سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء.

المسألة 55:

و من الآداب المكروهة في ذلك ان يمدح البائع السلعة التي يريد بيعها و أن يذم المشتري السلعة

التي يريد أن يشتريها.

و يكره للإنسان الحلف على البيع و الشراء، فعن الامام أبي الحسن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 32

موسى (ع): ثلاثة لا ينظر اللّٰه إليهم أحدهم رجل اتخذ اللّٰه بضاعة، لا يشتري إلا بيمين و لا يبيع الا بيمين، و عن الامام الصادق (ع): ان اللّٰه تبارك و تعالى يبغض المنفق سلعته بالايمان.

و يكره له أن يربح على المؤمن، إلا إذا اشترى بأكثر من مائة درهم، فلا يكره أن يربح منه قوت يومه، أو يكون شراء المؤمن للتجارة لا للقوت و شبهه، فلا يكره الربح عليه حين ذاك و يكره للرجل أن يربح على من وعده بالإحسان اليه.

و يكره له السوم من طلوع الفجر الى ان تطلع الشمس.

و يكره له أن يكون أول الناس دخولا الى السوق و آخرهم خروجا منه، و قد يكون ذلك كناية عن كراهة الانهماك في طلب الدنيا و الانغماس في حبها، و يرشد الى ذلك ما في هذه النصوص من جعل الأسواق مقابل المساجد، و ان أحب الناس الى اللّٰه أولهم دخولا إليها و آخرهم خروجا منها، و المراد منها الانصراف عن الدنيا و ابتغاء رضى اللّٰه و الدار الآخرة بعمله ذلك، و على هذا فلا تشمل الكراهة ما لو اتفق ذلك في بعض الأحيان فكان أول من دخل السوق و كان آخر من خرج منه من غير حرص على طلب الدنيا و حبها.

و تكره معاملة الأدنين، و قد فسر المراد منهم بالسفلة الذين لا يبالون بما قالوا و لا بما قيل لهم، و الذين لا يسرهم الإحسان و لا تسوءهم الإساءة، و الذين يحاسبون على الشي ء الدني ء.

و تكره مبايعة ذوي العاهات، ففي الحديث انهم أظلم شي ء.

و تكره

مبايعة المحارفين، و هم المحرومون الذين أدبرت عنهم الدنيا، ففي الرواية: لا تشتر من محارف، فان صفقته لا بركة فيها. و تكره مبايعة من لم ينشأ في الخير، و هو مستحدث النعمة، الذي لم يكن ثم كان.

و يكره للإنسان أن يطلب التنقيص من ثمن السلعة بعد ان اشتراها من صاحبه و تم العقد عليها. و يكره له أن يتعرض لكيل المكيل أو وزن الموزون أو عد المعدود أو لحساب المساحة في المبيع و هو لا يحسن ذلك، فإنه مظنة الوقوع في الخطأ.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 33

و المشهور أنه يكره للإنسان أن يدخل في سوم أخيه المؤمن، و قيل بتحريم ذلك، و الأحوط فيه الترك. و الدخول في سوم المؤمن، هو أن يبذل المؤمن للسلعة ثمنا ليشتريها من صاحبها و يرجى أن تتم المعاملة بينهما، فيبذل الرجل الآخر للبائع زيادة على ذلك الثمن ليشتري السلعة لنفسه أو لآخر.

و مثله أن يبذل البائع المؤمن مبيعا ليشتريه المشتري منه، فيبذل الرجل الآخر للمشتري مبيعا غيره.

و لا يعم الحكم ما إذا انصرف أحد المتبايعين عن المعاملة، و لا يعم ما إذا كان البيع مبنيا على المزايدة فلا تكون الزيادة دخولا في السوم في كلتا الصورتين.

و يكره أن يتوكل حاضر لباد في المعاملة له أو معه، و المراد أن يكون بعض أهل البلد الحاضرين العارفين بسعر الشي ء فيه وكيلا عن بعض أهل البوادي و الأرياف و القرى القادمين الى البلد، فيتولى البيع عنهم أو الشراء لهم في البلد.

و يكره تلقي الركبان و القوافل الذين يقدمون الى البلد و يجلبون اليه بعض السلع و المتاع لبيعها فيه أو ليشتروا من البلد بعض حاجاتهم، فيكره للحاضر في البلد أن يستقبلهم في

خارج البلد للشراء منهم أو البيع عليهم قبل أن يصلوا الى البلد.

و تلقي الركبان انما يتحقق بالخروج من البلد بقصد ذلك، فإذا خرج الرجل من البلد لا بقصد ذلك بل لغاية أخرى، و اتفق مع الركب فباع عليهم أو اشترى منهم، فلا كراهة في ذلك، و لا كراهة إذا خرج إليهم مقدار أربعة فراسخ أو أكثر من ذلك فباع عليهم أو اشترى، فان ذلك من السفر إلى التجارة لا من تلقي الركبان. و لا تختص الكراهة بالتلقي للبيع و الشراء منهم بل تعم المعاملات الأخرى كالإجارة و الصلح و غيرهما من المعاوضات فيكره تلقي الركبان القادمين للبلد لذلك إذا استقبلهم و أجرى معهم المعاملات التي يطلبونها قبل أن يصلوا الى البلد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 34

الفصل الثاني في البيع

المسألة 56:

البيع هو نقل مال بعوض، و قد جرى دأب الفقهاء و المحققين منهم على الخصوص على اطالة الكلام في ذلك فيذكرون التعريف و ما يرد عليه من وجوه الاشكال و ما يندفع به ذلك و يحاولون جهدهم أن يكون التعريف يجمع جميع أفراد المعاملة و يمنع عن دخول ما ليس منها و يهون الأمر ان التعاريف التي تذكر للبيع أو لغيره من المعاملات انما هي من قبيل شرح الاسم، فيراد منها بيان المعرف على وجه الاجمال و ليست تعاريف حقيقية فيبتني الأمر فيها على التدقيق.

المسألة 57:

البيع عقد من العقود، فلا بد فيه من الإيجاب و القبول، سواء كانا لفظيين أم فعليين كما سيأتي، و إذا كان الإيجاب و القبول لفظيين، فلا يعتبر فيهما أن يكونا باللغة العربية بل يصح أن يكونا بغيرها من اللغات الأخرى.

و لا يشترط أن يكون اللفظ صريحا في المعنى المراد منه، بل يصح أن يقع العقد بأي لفظ يكون دالا في نظر أهل العرف على المعنى المقصود، فيكفي أن يقول البائع: بعت، أو ملكت، أو نحو ذلك، و يكفي ان يقول المشتري في القبول قبلت، أو رضيت، أو اشتريت، أو ابتعت، و نحو ذلك.

و يصح أن يوقع العقد بلفظ المضارع، فيقول البائع للمشتري:

أملكك هذه الدار أو أبيعك إياها بقصد إنشاء البيع و التمليك، و يقول المشتري: أقبل منك هذا البيع أو هذا التمليك، على أن يراد منهما نقل المال بالفعل لا في المستقبل.

و لا يضر في صحة العقد وقوع اللحن فيه إذا كان اللحن لا يغير المعنى عند أهل المحاورة، و لا يضر بدلالة اللفظ، و اما إذا كان مما يتغير به المعنى أو مما يضر بدلالة اللفظ على المقصود فالظاهر

عدم صحة العقد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 35

المسألة 58:

الأحوط لزوما عدم تقديم القبول على الإيجاب ان لم يكن الأقوى عدم جواز ذلك، نعم، يصح أن يكون الإيجاب من المشتري، فيقول اشتريت هذا المال بكذا، أو تملكته أو ابتعته، فيقبل البائع منه الاشتراء، أو التملك أو الابتياع، و يصح ان ينشأ القبول بلفظ شريت، أو بعت أو ملكت.

المسألة 59:

إذا قال الشخص الذي يريد شراء السلعة لمالكها: بعني سلعتك هذه بدينار فقال المالك بعتك السلعة بدينار لم يكف ذلك في صحة العقد حتى يقول المشتري بعده: قبلت أو رضيت أو نحو ذلك من ألفاظ القبول، و قد ذكرنا انه لا يكفي تقديم القبول على الإيجاب.

المسألة 60:

انما يكون الإيجاب بلفظ ملكت في الموارد التي يكون أثر البيع فيها تملك المبيع، فلا يجري في الموارد التي لا يتحقق فيها هذا الأثر، كما إذا اشترى ولي الزكاة و هو الحاكم الشرعي بسهم سبيل اللّٰه من مال الزكاة دارا أو عينا أخرى لتبقى في سهم سبيل اللّٰه كذلك و يكثر الانتفاع بها في هذا السبيل، فلا يكون الإيجاب في هذا البيع بلفظ ملكت، و لا يكون القبول بلفظ تملكت أو بلفظ ملكت حيث لا ملكية لأحد في هذا الفرض، بل يكون الإيجاب و القبول فيه بألفاظ العقد الأخرى.

المسألة 61:

إذا أنشأ البائع الإيجاب ثم انصرف عن البيع قبل أن يحصل القبول من المشتري لم يتحقق العقد و بطل الإيجاب و ان لم يكن الفصل بينه و بين القبول طويلا، فإذا أنشأ المشتري القبول بعد انصراف البائع لم يؤثر العقد شيئا.

و إذا أنشأ البائع الإيجاب و لم يأت المشتري بالقبول حتى طالت المدة جدا فيشكل الحكم بصحة العقد و ان لم ينصرف البائع عن البيع، بل الظاهر البطلان لخروج الإيجاب و القبول بهذا الفصل الطويل عن عنوان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 36

المعاقدة بين المتبايعين، و هذا المقدار هو المعتبر من الموالاة اللازمة بين الإيجاب و القبول.

و لا يشترط وحدة المكان للموجب و القابل، فإذا تقابلا على إله الهاتف مثلا و أنشأ أحدهما الإيجاب و قبل الآخر، صح العقد و ترتب الأثر و ان كان بينهما فاصل كبير من المسافة بين البلدين أو المكانين.

المسألة 62:

يشترط في صحة العقد التطابق بين الإيجاب و القبول في جميع ما يذكر فيهما من ثمن و مثمن و شرط و خصوصية و غير ذلك من توابع العقد، فإذا قال البائع للمشتري بعتك الدار الواقعة في شارع كذا من مدينة النجف بألف دينار عراقية تدفعها بعد خمسة أيام إلى وكيلي فلان و اشترطت عليك أن تخيط لي هذا الثوب في مدة يومين، فالقبول المطابق: أن يقول المشتري: قبلت لنفسي شراء الدار الواقعة في شارع كذا من النجف بألف دينار عراقية أدفعها بعد خمسة أيام إلى وكيلك فلان على أن أخيط لك هذا الثوب في مدة يومين، و يكفي التطابق الإجمالي في صحة العقد، فيقول قبلت شراء الدار المعينة بالثمن المذكور على الشروط المذكورة، أو يقول: قبلت الشراء على ما ذكرت.

المسألة 63:

و لا يصح العقد إذا اختلف القبول عن الإيجاب و لم يردا على مورد واحد، أو اختلفا في بعض الخصوصيات و التوابع المذكورة فيهما، كما إذا قال البائع: بعتك هذا الحمار بدينار، فقال المشتري قبلت شراء هذا الفرس بدينار، أو قال البائع: بعتك فرسي هذا بدينار عراقي فقال المشتري: قبلت شراء فرسك هذا بدينار بحراني، و كما إذا قال:

بعتك هذه السلعة بخمسة دنانير تدفعها نقدا فقال المشتري قبلت شراء السلعة بخمسة دنانير أدفعها بعد شهر، أو قال البائع بعتك هذا المتاع بعشرة دنانير على أن تخيط له هذه الجبة، فقال المشتري قبلت شراء المتاع من غير شرط أو قال: على أن أخيط لك هذا الثوب، فلا يصح العقد في جميع هذه الفروض لعدم تطابق الإيجاب و القبول على شي ء واحد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 37

و كذلك إذا قال البائع بعتك هذا المتاع بدينار فقال المشتري

قبلت شراء نصف المتاع بنصف دينار، أو قال البائع بعت هذه السلعة من موكلك فلان بكذا، فقال المشتري قبلت الشراء لنفسي بالثمن المعين، فلا يصح العقد لعدم التطابق المطلوب.

المسألة 64:

إذا قال البائع بعتك هذه الدار بألف دينار، فقال المشتري قبلت شراء كل نصف من الدار بخمسمائة دينار، صح العقد لحصول التطابق ما بين الإيجاب و القبول فان الاختلاف المذكور بينهما انما هو بالإجمال و التفصيل، و إذا قال البائع للوكيل و هو بحضور الموكل بعت هذه الدار من موكلك فلان بألف دينار، فقال الموكل نفسه قبلت الشراء لنفسي بالثمن المذكور صح العقد و ان كان المخاطب بالإيجاب هو الوكيل.

و إذا قال البائع لشخصين حاضرين بعتكما هذا المتاع بألف دينار فقال كل واحد منهما قبلت شراء نصف المتاع لنفسي بخمسمائة، فالظاهر الصحة، نعم إذا قبل أحد الشخصين شراء النصف بخمسمائة لنفسه و لم يقبل الآخر لم يصح العقد لعدم التطابق.

المسألة 65:

إذا تعذر النطق على الإنسان لخرس أو مرض أو شدة ضعف أو نحو ذلك فلم يستطع إنشاء الإيجاب أو القبول باللفظ كفاه ان ينشئ ذلك بالإشارة التي تفهم المقصود، و الظاهر كفاية الإشارة له و ان تمكن من التوكيل على الإنشاء.

و إذا تمكن العاجز عن النطق من الكتابة جاز له أن ينشئ الإيجاب أو القبول بالإشارة أو بالكتابة مع القدرة عليهما معا فيكون مخيرا في إنشاء العقد بأيهما أراد، و إذا عجز عن النطق و عن الإشارة كفاه أن ينشئ العقد بالكتابة.

و إذا كان الإنسان قادرا على النطق ففي جواز إنشاء الإيجاب أو

كلمة التقوى، ج 4، ص: 38

القبول بالكتابة إشكال و لا يبعد القول بالصحة و لا ينبغي ترك الاحتياط.

المسألة 66:

يصح إنشاء البيع بالمعاطاة، و هي أن يدفع البائع عين المال المبيع إلى المشتري و يقصد بدفعه المال إنشاء بيع ذلك المال للمشتري بالعوض فيكون ذلك منه إيجابا للبيع بالفعل كالإيجاب باللفظ، و يدفع المشتري عين الثمن للبائع بقصد إنشاء القبول بدفعه، فيتم العقد بالإيجاب و القبول الفعليين و يصح البيع على الأقوى و تترتب آثاره من غير فرق بين المبيع الحقير و الخطير.

و تصح المعاطاة أيضا بدفع الشي ء المبيع من قبل البائع، و تسلمه من قبل المشتري، فيقصد البائع بدفع المال المبيع إلى المشتري إنشاء البيع عليه بالثمن المعلوم بينهما، و يقصد المشتري بقبضه الشي ء و تسلمه من البائع إنشاء قبول التملك لذلك الشي ء بالعوض المعلوم فيتم الإيجاب و القبول بذلك و يصح البيع و تترتب آثاره على الأقوى و ان لم يعط المشتري شيئا، و يتحقق هذا النوع من المعاطاة في المواضع التي يكون الثمن فيها كليا في الذمة.

و تصح المعاطاة كذلك

بدفع المشتري الثمن المعين للبائع و قبضه من قبل البائع، فيقصد المشتري بدفع الثمن المعين إلى البائع إنشاء ابتياعه للشي ء المبيع و تملكه من البائع بالثمن المعين الذي دفعه اليه، و يقصد البائع بقبضه الثمن من المشتري إنشاء قبول الابتياع و التملك الذي أنشأه المشتري بالثمن المعين، فيتم الإيجاب و القبول بهذا الفعل منهما و يصح البيع و تترتب آثاره و ان لم يعط البائع منه شيئا، و يتحقق هذا النوع من المعاطاة في المواضع التي يكون المبيع فيها كليا في الذمة.

المسألة 67:

المعاطاة بيع من البيوع فيشترط فيه جميع ما يشترط في البيع من الشروط الآتي ذكرها، سواء كانت من شرائط العقد أم من شرائط العوضين أم من شرائط المتعاقدين فإذا فقد منها بعض تلك الشروط

كلمة التقوى، ج 4، ص: 39

لم يصح البيع كما في البيع العقدي، و كذلك فتجري في المعاطاة أحكام بيع الصرف، و بيع السلم، و بيع النسيئة و شرائطها، و حرمة الربا و أحكام سائر البيوع الأخرى و شرائطها، إذا تحققت في المعاطاة مواضيع تلك البيوع.

المسألة 68:

الأقوى أن بيع المعاطاة كالبيع العقدي لازم من الطرفين، فلا يجوز لأحدهما فسخ البيع إلا إذا وجدا أحد الخيارات التي تذكر في مباحث الخيار في البيع، أو تحصل الإقالة من الطرفين، و لا يتوقف لزوم المعاطاة على وجود احد الملزمات التي يذكرها القائلون بأنها تفيد الملك الجائز.

المسألة 69:

لا يختص جريان المعاطاة في البيع، بل تجري على الأقوى في جميع المعاملات حتى الإيقاعات منها كالرهن و الوقف، نعم لا تجري المعاطاة في النكاح و لا في الطلاق و لا العتق، و لا في تحليل الأمة و لا في النذر و اليمين.

المسألة 70:

الأقوى أن بيع المعاطاة قابل للشرط فيه كالبيع العقدي، سواء كان المراد شرط خيار الفسخ في مدة معينة أم شرط فعل أم أي شرط آخر يصح جعله في العقد، فإذا حصل التعاطي بين المتبايعين بقصد إنشاء البيع كما تقدم، و قال أحدهما في ضمن تعاطيهما: جعلت لي خيار فسخ المعاملة إلى مدة سنة مثلا و قبل الثاني بذلك صح شرط الخيار و لزم العمل به و كذا غيره من الشروط التي يراد ذكرها فيه.

المسألة 71:

التعليق في البيع قد يكون على شي ء غير حاصل في حين العقد، و هذا يقع على نحوين فقد يكون الشي ء الذي علق عليه البيع معلوم الحصول في ما بعد ذلك، و قد يكون مجهول الحصول فقد يحصل في ما بعد و قد لا يحصل، و مثال الأول أن يقول البائع، و هو في شهر رمضان بعتك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 40

هذا المتاع إذا هل هلال شوال، فان هلال شوال غير حاصل حين العقد، و لكنه معلوم التحقق في ما بعد ذلك، و مثال الثاني، أن يقول للمشتري بعتك هذا المتاع إذا وضعت زوجتك ولدا ذكرا، فان الولد الذكر الذي علق البيع على وضعه ليس موجودا حال العقد حسب الفرض، و هو مشكوك التحقق في ما يأتي، فقد لا تضع الزوجة شيئا، و قد تضع أنثى، و قد تضع ذكرا، و الأحوط لزوما عدم صحة تعليق البيع في كلتا الصورتين، فلا يصح البيع فيهما.

الصورة الثالثة أن يعلق البيع على وجود شي ء قد يكون حاصلا حين العقد، و قد يكون غير حاصل و لكن البائع و المشتري يجهلان حصوله حين العقد، و مثال ذلك أن يقول البائع لصاحبه بعتك المتاع إذا كان

هذا اليوم هو أول الشهر، و كان الطرفان يجهلان ذلك، و الأحوط لزوما عدم صحة التعليق في هذه الصورة أيضا، فلا يصح البيع كما في الصورتين السابقتين.

الصورة الرابعة ان يعلق البيع على وجود شي ء و هو حاصل حين العقد، و الطرفان معا يعلمان بحصوله، كما إذا قال له بعتك المتاع إذا كان هذا اليوم هو أول الشهر، أو إذا كان اليوم هو يوم الجمعة، و هما معا يعلمان بأنه أول الشهر و انه يوم الجمعة، و الظاهر الصحة في هذه الصورة فيكون البيع صحيحا فيها.

المسألة 72:

إذا وقع العقد فاسدا، و قبض المشتري المال المبيع، فان كان المشتري يعلم بأن مالك المال و هو البائع يرضى له بأن يتصرف في ماله و ان كان العقد فاسدا، جاز له التصرف فيه بمقدار ما يعلم رضى المالك به من التصرف.

و ان كان لا يعلم بذلك لم يكن له التصرف فيه، و وجب عليه رد المال الى مالكه على الأحوط ان لم يكن هو الأقوى، و إذا تلف المال وجب عليه رد عوضه الى مالكه، فيرد اليه مثله إذا كان المال مثليا و يرد له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 41

قيمته إذا كان قيميا، سواء كان المشتري عالما بهذا الحكم أم جاهلا به، و سواء كان التلف بآفة سماوية أم بغيرها من أسباب التلف.

و كذلك حكم البائع إذا قبض الثمن بالعقد الفاسد، و إذا باع المشتري أو البائع ما قبضه بالعقد الفاسد كان بيعه فضوليا، فإذا أجاز المالك بيعه صح، و ان لم يجزه بطل و سيأتي تفصيل أحكام البيع الفضولي في الفصل الآتي ان شاء اللّٰه تعالى، و سيأتي فيه أيضا بيان الفارق ما بين المثلي و القيمي

من المال.

الفصل الثالث في شرائط المتعاقدين

المسألة 73:

لا يصح عقد البيع من البائع و لا من المشتري إلا مع وجود الشروط الآتي بيانها. و هي عدة أمور: الأول أن يكون كل من البائع و المشتري بالغا، فلا يصح أن يبيع الصغير ماله، سواء كان مميزا أم غير مميز إذا كان بيعه بغير اذن وليه، و كذا لا يصح شراؤه لنفسه.

و لا يصح بيعه و لا شراؤه لنفسه إذا كان باذن وليه، و كان الصغير مستقلا في إيقاع المعاملة فلا يكون البيع و لا الشراء صحيحا منه.

و إذا قام الولي بالمعاملة في مال الصبي، ثم وكل الولي الصبي نفسه في أن ينشئ صيغة البيع فالأقوى صحة هذه المعاملة إذا كان الصبي مميزا، و مثله الحكم في توكيله على قبول الشراء إذا أتم الولي المعاملة، و هذا كله في الأمور الخطيرة، و اما في الأمور غير الخطيرة فلا يبعد الحكم بصحة معاملة الصبي المميز فيها مع اذن الولي و ان كان مستقلا فيها، و قد جرت على ذلك سيرة المتشرعة بل سيرة العقلاء من الناس، فيتولى الصبي المميز شراء بعض الحاجات الصغيرة و يتولى بيعها بلا نكير.

المسألة 74:

الظاهر صحة معاملة الصبي غير البالغ في مال غيره إذا كان مميزا و كانت معاملته بالوكالة من مالك المال و اذنه، فيصح له بيع مال الغير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 42

إذا وكله في بيعه، و يصح شراؤه له إذا وكله في الشراء و ان لم يأذن ولي الصبي له بذلك.

المسألة 75:

الثاني من الشروط ان يكون كل من البائع و المشتري عاقلا، فلا يصح بيع المجنون و لا شراؤه، سواء حصل منه قصد إنشاء البيع في إيجابه و قصد إنشاء الرضا في قبوله أم لم يحصل، و سواء كان جنونه مطبقا أم أدوارا إذا كان مجنونا غير مفيق في حال إجراء المعاملة، و سواء كانت المعاملة في ماله أم في مال غيره، و سواء أذن له وليه بالمعاملة أم لا.

المسألة 76:

الثالث من الشروط أن يكون كل من البائع و المشتري قاصدا للمعاملة حين إجرائها، فلا يصح الإيجاب و لا القبول من غير القاصد كما إذا كان هازلا في قوله أو غالطا أو ساهيا فأوقع الإيجاب أو القبول كذلك.

المسألة 77:

الرابع من الشروط ان يكون كل من البائع و المشتري مختارا في إجراء المعاملة بينه و بين صاحبه فلا يصح بيع المكره على البيع و لا يصح شراء المكره على الشراء.

و المكره هو من يرغمه غيره على إيقاع البيع أو على الشراء، و يخشى من وقوع إضرار المتوعد به إذا هو خالف قوله فلم يبع أو لم يشتر، سواء كان الإضرار المترقب وقوعه على المخالفة في نفس المكره أم في شأنه أم في عرضه أم في ماله أم في أحد متعلقيه الذين يكون الإضرار بهم إضرارا به نفسه.

و ليس من الإكراه ان يأمره الظالم بالبيع، فيبيع و هو غير كاره لذلك.

و ليس من الإكراه ان يرغمه الظالم على دفع مبلغ من المال أو على إنفاذ مشروع يتطلب إنفاذه صرف مبلغ من المال، أو على بناء موضع يفتقر الى ذلك، فيضطر الى بيع داره للقيام بذلك فيصح البيع في جميع هذه الصور.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 43

المسألة 78:

إذا أمكن للرجل أن يتخلص من الضرر الذي توعده به المكره بأن يوقع صورة البيع مثلا من دون قصد للمعنى الحقيقي من البيع أو يأتي بصيغة البيع بنحو التورية بأن يريد بقوله بعت داري الاخبار عن بيع سابق لداره، أو يستعين ببعض الناس ممن يمكنهم دفع المكروه الذي توعده به الظالم أو نحو ذلك مما يتيسر له و يمكن به دفع الظلم، فالظاهر عدم صدق الإكراه مع ذلك، فإذا هو لم يفعل شيئا من هذه الأمور مع التفاته اليه و تمكنه منه و باع داره وقع البيع صحيحا لأنه غير مكره عليه كما ذكرناه.

المسألة 79:

إذا أكرهه الظالم الذي يخشى إضراره على بيع أحد شيئين يملكهما و جعل له الخيار في بيع أيهما شاء، فباع أحد الشيئين باختياره كان مكرها عليه و بطل بيعه، فإذا كان يملك سيارة لحاجاته أو لاكتسابه، و يملك دكانا للإجارة أو للعمل فيه، فأكرهه على بيع أحدهما، فباع السيارة أو الدكان و هو كاره لبيعهما بطل البيع لتحقق الإكراه، و تخييره في بيع أيهما شاء لا يرفع الإكراه، و إذا باع الثاني بعده لم يكن مكرها عليه فيصح البيع فيه، و إذا باعهما معا دفعة واحدة فالظاهر بطلان البيع فيهما جميعا.

المسألة 80:

إذا أكرهه على بيع عبده فباع العبد المكره عليه مع زوجته، أو باعه مع ولده، بطل البيع في العبد المكره عليه، و صح بيع الأمة زوجة العبد في المثال الأول و صح بيع ولد العبد في المثال الثاني لعدم الإكراه فيهما.

المسألة 81:

انما يكون الشي ء مكرها على بيعه إذا كان المالك كارها لبيعه و انما باعه مرغما لخوف الضرر الذي توعده به الظالم كما تقدم، فإذا أكرهه على بيع سيارته أو دكانه و خيره بينهما، و كان المالك كارها لبيع السيارة و غير كاره لبيع الدكان مثلا، و الظالم يرى انه كاره لبيعهما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 44

معا فالظاهر عدم تحقق الإكراه إذا باع أحدهما، أما الدكان فلانه غير كاره لبيعه كما هو المفروض، و اما السيارة، فلانه يمكنه التخلص من الضرر الذي توعد به المكره على بيعها بأن يبيع الدكان بدلا عنها و هو غير كاره لبيعه كما ذكرنا، فلا يصدق معه الإكراه على بيع السيارة و قد تقدم ذلك في المسألة الثامنة و السبعين و نتيجة لذلك فإذا باع أحدهما في الفرض المذكور صح البيع.

المسألة 82:

إذا أكره الظالم زيدا و عمرا على بيع مال أحدهما، و خيرهما في ذلك و توعدهما بالمكروه ان هما خالفا قوله و لم يبيعا جميعا، فإذا باع أحدهما ماله كان مكرها على فعله و وقع بيعه باطلا إلا إذا علم قبل بيعه بأن صاحبه الآخر مقدم على بيع ماله، فسبقه هو الى البيع، فإنه لا يكون مكرها على البيع في هذه الصورة.

و إذا باع أحد الرجلين ماله مكرها على النهج المتقدم، ثم باع صاحبه ماله بعده كان بيع الثاني صحيحا غير مكره عليه.

المسألة 83:

إذا باع الإنسان ماله مكرها على بيعه بطل بيعه كما ذكرناه، فإذا زال الإكراه بعد ذلك و أمن من وعيد الظالم و رضي بالبيع السابق الذي أوقعه صح البيع و كان لازما.

فبطلان بيع المكره انما هو كبطلان بيع الفضولي الذي سيأتي بيان حكمه في المسائل الآتي ذكرها، ان لحقته اجازة المالك و رضاه بعد زوال الإكراه صح و نفذ، و ان لم تلحقه الإجازة كان فاسدا.

بل يكفي في صحة البيع و نفوذه ان يجيزه المالك و يرضى به و ان كانت حالة الإكراه لا تزال موجودة و كان الظالم لا يزال مخشي الوعيد، و لكن المالك ترجح له أن يجيز البيع لأمور طارئة كما إذا أراد النزوح من ذلك البلد مثلا أو شبه ذلك من المرجحات الطارئة.

المسألة 84:

الخامس من الشروط ان يكون كل من البائع و المشتري جائز التصرف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 45

في المال، و لذلك فلا بد و ان يكون هو المالك للمال أو يكون وكيلا عنه أو مأذونا من قبله أو وليا عليه، و إذا كان هو المالك فلا بد و ان يكون غير محجور عن التصرف فيه لطروء أحد أسباب الحجر، كما إذا كان عبدا مملوكا أو صغيرا أو سفيها أو مفلسا، فلا يصح بيع البائع و لا قبول المشتري إذا كان غير جائز التصرف و يسمونه عقد الفضولي و المراد بعدم الصحة فيه هو عدم النفوذ في العقد، فإذا لحقته الإجازة ممن بيده أمر التصرف شرعا صح البيع و نفذ و لزم، و ان لم تلحقه الإجازة منه كان فاسدا.

المسألة 85:

إذا باع الفضولي مال غيره، و لما بلغ ذلك صاحب المال رد البيع أولا ثم بدا له فأجاز البيع بعد الرد، فذهب المشهور من العلماء قدس اللّٰه أسرارهم إلى بطلان الإجازة و في الحكم ببطلان الإجازة و بطلان البيع اشكال، و لا بد من الاحتياط بالتخلص بالصلح في المال و في النماءات.

و إذا بلغ المالك بيع الفضولي لماله، فأجاز البيع أولا ثم بدا له فرد البيع بعد أجازته، فلا أثر للرد المتأخر بعد الإجازة، فيكون البيع صحيحا.

المسألة 86:

إذا منع صاحب المال الفضولي عن أن يبيع ماله، فباعه الفضولي بعد المنع، لم يختلف حكمه عما تقدم، فإذا علم المالك بالبيع و أجازه صح، و لم يؤثر المنع السابق شيئا.

المسألة 87:

إذا علم الفضولي ان صاحب المال يرضى ببيعه له، فباعه، لم يكف ذلك في صحة البيع و لم يختلف الحكم عما سبق، فلا يصح البيع الذي أوقعه إلا بالإجازة، و كذلك حكم المشتري فلا يجوز له التصرف في المال الا بعد الإجازة لبيع الفضولي أو لشراء الفضولي.

المسألة 88:

قد يقصد الفضولي حينما يبيع مال الغير انه يبيع المال لمالكه، فإذا أجاز المالك البيع صح كذلك، فيكون المبيع ملكا للمشتري و يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 46

الثمن ملكا لصاحب المال عوضا عن ماله. و قد يقصد حينما يبيع المال انه يبيعه لنفسه، لأنه يعتقد انه هو مالك المال كما في الغاصب و شبهه، أو لأنه يبني على ذلك اما على توهم أو على تشريع، فإذا أجاز المالك البيع، صح البيع للمالك أيضا كما في الصورة الأولى و كان الثمن له لا للفضولي، لأنه بدل عن ماله، لا عن مال الفضولي. و كذلك الأمر في المشتري إذا كان هو الفضولي فاشترى بمال الغير، فلا يختلف حكمه عن البائع الفضولي، سواء اشترى للمالك أم لنفسه.

المسألة 89:

الإجازة هي اللفظ الدال على رضا المالك بالتصرف الذي أوقعه الفضولي في ماله و على إنفاذ تصرفه، و لذلك فيعتبر أن يكون اللفظ ظاهر الدلالة على ذلك بحسب متفاهم أهل المحاورة، كما إذا قال بعد اطلاعه على بيع الفضولي أمضيت البيع أو العقد أو أجزته، أو أنفذته، أو رضيت به و أمثال ذلك، و يكفي ان يدل على ذلك بالكناية كما إذا قال لمشتري المال بارك اللّٰه لك فيه، أو تصرف فيه كما تريد.

و يصح ان يدل على ذلك بالفعل الكاشف عن رضاه بالعقد، فإذا أخذ الثمن أو باعه أو أذن لأحد في بيعه أو أجاز العقد الذي أوقعه البائع عليه، أو وهبه لأحد، أو وفى به دينار أو دفعه صداقا كفى ذلك و كان اجازة منه للبيع.

و لا يكفي مجرد الرضا النفسي بالبيع ما لم يدل عليه بقول أو فعل.

المسألة 90:

إذا أجاز مالك المال البيع الفضولي صح البيع كما تقدم و كانت الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه كشفا انقلابيا، و المراد بالكشف الانقلابي أن عقد الفضولي قبل أن تتحقق الإجازة له من المالك لا يكون له أي أثر في نظر الشارع و لا تترتب عليه الملكية، و لكنه حينما تتحقق الإجازة له من مالك المال بعد ذلك تشمله أدلة نفوذ العقود و عمومات وجوب الوفاء بها فيكون موجبا للملكية الشرعية للمشتري من حين صدور العقد من الفضولي لا من حين وقوع الإجازة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 47

من المالك فان ذلك هو مضمون العقد الذي تعلقت به الإجازة، و إذا تحققت الملكية الشرعية بذلك للمشتري من حين وقوع العقد وجب ترتيب آثارها و أحكامها منذ ذلك الحين، فيكون المشتري هو المالك

الشرعي للنماءات التي تجددت للمبيع في هذه المدة، و يكون البائع و هو مالك المال هو المالك الشرعي للنماءات التي تجددت للثمن كذلك.

المسألة 91:

إذا اعتقد الرجل أنه ولي على مالك المال أو اعتقد أنه وكيل عنه فباع المال بالولاية أو الوكالة عنه، ثم علم بعد البيع انه أجنبي عن صاحب المال و ليس وليا عليه و لا وكيلا عنه كان فضوليا فإن أجاز مالك المال بيعه صح، و ان لم يجزه كان باطلا.

و إذا باع المال و هو يعتقد أنه فضولي لا صلة له بصاحب المال ثم علم بعد اجراء البيع أنه ولي على المالك أو انه وكيل عنه في بيع المال، فالأقوى صحة بيعه و لا حاجة في نفوذه إلى إجازة منه.

و إذا باع المال و هو يعتقد انه فضولي كذلك، ثم علم بعد ما أجرى البيع انه هو مالك المال، ففي صحة البيع اشكال، و لعل الأقوى في هذه الصورة توقف صحة البيع على أجازته نفسه بعد ما علم بأنه هو المالك.

المسألة 92:

إذا باع الرجل مال غيره بالعقد الفضولي و لم يجز المالك البيع، ثم اشترى البائع الفضولي المال من مالكه الأول، أو انتقل الى ملكه بهبة من المالك أو بصلح أو بغير ذلك من المعاملات الشرعية الأخرى، فلا يصح بيعه الذي أجراه على المال فضولا بذلك، بل يكون البيع باطلا، و لا يصح إذا أجازه البائع بعد ما ملكه.

و إذا باع المال فضولا، ثم انتقل المال الى ملكه بالإرث من مالكه الأول، فللصحة وجه، و خصوصا إذا أجاز البيع بعد ما ملك المال، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة بينه و بين المشتري عن المال و عن النماء المتجدد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 48

المسألة 93:

إذا باع الرجل مال غيره بالعقد الفضولي و لم يجز المالك البيع، ثم انتقل المال الى مالك آخر، جرى فيه التفصيل الآنف ذكره في المسألة المتقدمة، فإذا انتقل المال الى المالك الآخر بسبب اختياري كالبيع و الهبة و غيرهما من الأسباب الاختيارية الموجبة للملك، فالظاهر بطلان البيع الفضولي السابق، و لا تصححه اجازة المالك الجديد له إذا هو أجازه، و إذا انتقل المال الى المالك الجديد بالإرث من المالك الأول فللصحة وجه و خصوصا مع الإجازة، و لا يترك الاحتياط كما تقدم.

المسألة 94:

إذا باع الفضولي مال غيره و كان المالك حين العقد غير نافذ التصرف في المال لأحد الأسباب المانعة من جواز التصرف، كما إذا كان عبدا مملوكا أو صغيرا، أو مجنونا أو سفيها أو غير ذلك من الموانع، ثم ارتفع عنه المانع، فالظاهر صحة البيع إذا أجازه المالك بعد ارتفاع الحجر عنه.

المسألة 95:

لا ريب في ان المال المبيع لا يزال مملوكا لمالكه الأول، و لا يخرج عن ملكه إلا إذا تحققت أجازته للعقد الفضولي كما تقدم ذكر ذلك مرارا، ثم أن هاهنا صورا تجب مراعاتها لتطبيق بقية أحكام المال المذكور.

(الصورة الأولى): أن يكون المال المبيع لا يزال بيد مالكه، فلم يقبضه البائع الفضولي و لم يدفعه إلى المشتري، و لا إشكال في الحكم في هذه الصورة، فالبيع يكون باطلا، فان المفروض ان المالك لم يجز البيع، و المال لصاحبه، و هو بيده و لا حق فيه لأحد سواه.

(الصورة الثانية): أن يكون البائع الفضولي قد قبض المال المبيع من مالكه و لم يدفعه إلى المشتري، و لا ريب في انه يجوز لمالك المال ان يرجع على البائع الفضولي بماله فيأخذ منه عين ماله إذا كانت موجودة، و يرجع عليه ببدلها إذا كانت تالفة فيأخذ منه مثلها إذا كانت العين مثلية، و قيمتهما إذا كانت قيمية. و سيأتي بيان الميزان في ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 49

(الصورة الثالثة): أن يكون البائع الفضولي قد قبض المال المبيع و دفعه الى المشتري، فإذا كانت عين المال لا تزال موجودة تخير المالك بين أن يطالب البائع الفضولي بردها اليه و أن يطالب بها المشتري و إذا كانت عين المال تالفة جاز له أن يرجع ببدلها من المثل أو القيمة على أيهما

شاء، و كذلك الحكم إذا تعددت الأيدي التي استولت على المال و تعاقبت، فللمالك أن يرجع بالبدل على أيهم أراد.

و إذا رجع المالك بالبدل على صاحب اليد السابقة على ماله كان لهذا أن يرجع بما غرمه للمالك على صاحب اليد اللاحقة، إذا لم يكن هذا اللاحق مغرورا من قبله، و إذا كان مغرورا منه لم يرجع عليه، و إذا رجع على صاحب اليد اللاحقة رجع هذا على لاحقه كذلك الى أن يستقر الضمان على من تلف عنده المال و إذا رجع المالك على صاحب اليد اللاحقة لم يرجع هذا على السابق عليه الا إذا كان السابق قد غره، فيرجع عليه.

و يجوز للمالك أن يرجع ببدل ماله على أصحاب الأيدي جميعهم بالتساوي أو بالتفاوت.

المسألة 96:

كما يجوز لمالك المال أن يرجع على البائع الفضولي إذا هو استولى على ماله، و على كل من استولت يده على المال، فله أن يأخذ عين ماله منه إذا كانت موجودة و له أن يأخذ منه مثلها أو قيمتها إذا كانت العين تالفة كما ذكرناه في المسألة المتقدمة. فكذلك الحكم في منافع ماله التي استوفيت في هذه المدة، فيجوز له أن يرجع بها على من استوفاها، و إذا تعددت الأيدي التي استولت على المال و تعاقبت كان للمالك الرجوع بعين المال أو ببدلها و بمنافعها المستوفاة على أيهم أراد على نهج ما سبق، و إذا رجع المالك على صاحب اليد السابقة منهم جاز لهذا أن يرجع على صاحب اليد من بعده بما غرمه للمالك، حتى يستقر الضمان على من استوفى المنفعة، إلا إذا كان اللاحق مغرورا من السابق، فإذا كان مغرورا منه فليس له الرجوع عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 50

و كذلك

الحكم في الزيادات العينية للمال، التي استولى عليها صاحب اليد بتبع استيلائه على العين كاللبن و الصوف و الوبر و الشعر و البيض و غير ذلك مما تكون له مالية في نظر أهل العرف، فهي مضمونة كذلك على صاحب اليد العادية.

و أما المنافع الفائتة غير المستوفاة ففي ضمانها اشكال، فلا يترك فيها الاحتياط.

المسألة 97:

إذا دفع المشتري الثمن أو بعضه إلى البائع الفضولي، و لم يجز المالك البيع، جاز للمشتري ان يأخذ عين ماله من البائع إذا كانت موجودة، سواء كان عالما بأن البائع فضولي باعه مال غيره أم كان جاهلا بذلك، و كذلك إذا تلفت عين الثمن و كان المشتري جاهلا مغرورا من البائع فيرجع عليه بمثل الثمن التالف إذا كان مثليا، و بقيمته إذا كان قيميا، و يشكل الحكم إذا كان المشتري عالما بالحال، و ان كان الأقوى ان له الرجوع على البائع بمثل الثمن أو قيمته حتى في هذه الصورة.

المسألة 98:

المشتري الفضولي كالبائع الفضولي في الأحكام، فإذا اشترى الإنسان بمال غيره فضولا، لم يصح منه الشراء إلا بإجازة مالك الثمن، فإن أجاز العقد صح، و الا كان لغوا لا أثر له، و جرت فيه جميع الأحكام و الفروض التي تقدم بيانها في البيع الفضولي و لا ضرورة لتكرارها.

المسألة 99:

المراد بالمثلي هو الجنس الذي تتساوى أجزاؤه في القيمة السوقية لأن أجزاءه تتقارب في الصفات و الخواص التي تكون موضعا للرغبة بين الناس في ذلك الجنس، كالحنطة، و الأرز، و الشعير، و السمسم، و العدس، و الماش، و سائر أنواع الحبوب، و الأدهان و العقاقير، و المراد بالقيمي ما يكون بخلاف ذلك من الأجناس، فلا تتساوى أجزاء

كلمة التقوى، ج 4، ص: 51

الجنس في القيمة السوقية، لأنها لا تتقارب في الصفات، كالغنم و البقر و الإبل، و الخيل و البغال و الحمير، و سائر أنواع الحيوان، و العبيد و الإماء، و الأشجار و النخيل و الأرض و الدور، و الجواهر الأصلية و أنواع المصوغات و المأكولات المعمولة.

و الظاهر أن من المثلي ما تنتجه المعامل و المصانع الحديثة من أدوات و آلات و أقمشة و أثاث، بل و أجهزة و وسائل تبريد و تدفئة و إنارة و أمثال ذلك إذا كانت من إخراج مصانع و معامل متماثلة الإخراج لتقاربها في الصفات المرغوبة و الموجبة لتساويها في القيمة، فهي مثلية، و ان كان ما تنتجه الأيدي و المعامل القديمة من أشباهه مما يعد من القيميات لعدم تساوي الأجزاء في الصفات، كالمنسوجات القديمة و البسط و الفرش.

المسألة 100:

إذا تلف الشي ء القيمي، فالمدار في الضمان على قيمته في يوم تلفه على الأقوى، لا على قيمته في زمان قبضه و لا في زمان الأداء.

المسألة 101:

إذا وضع الإنسان يده على مال لا يملكه هو و لا يملكه غيره أيضا، كالزكاة المعزولة قبل أن يدفعها الى المستحق، و كمال الوقف الذي جعله الواقف مصرفا يصرف في بعض الجهات العامة أو الخاصة أو على أن يصرف في مصلحة معينة أو غير معينة لشخص أو أشخاص، كبعض أوقاف الذرية التي توقف كذلك.

أقول: إذا وضع الإنسان يده على بعض هذه الأموال فاستولى عليها من غير حق، جاز لولي ذلك المال أن يرجع عليه بما أخذ، فينتزع المال منه إذا كان موجودا و يرجع عليه بمثله أو قيمته إذا كان تالفا على النهج الآنف ذكره في المسائل المتقدمة، و يرجع عليه كذلك بالمنافع التي استوفاها، و بالزيادات العينية التي استولى عليها باستيلائه على العين كما تقدم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 52

المسألة 102:

إذا جمع الإنسان بين ما يملكه هو و ما يملكه غيره فباعهما معا صفقة واحدة، صح البيع في المال الذي يملكه هو بحصته من الثمن، و توقفت صحة البيع في مال غيره على اجازة مالكه، فان أجازه صح، و ان لم يجزه كان باطلا، و كان للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له أن يفسخ البيع في ما يملكه البائع إذا أراد ذلك.

و كذلك الحكم إذا باع الإنسان مالا مشتركا بينه و بين غيره، و لم يجز الشريك البيع في حصته من ذلك المال، فيصح البيع في حصة البائع من المال بما يخصها من الثمن، و يبطل في حصة شريكه، ثم يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له فسخ البيع في حصة البائع نفسه.

المسألة 103:

إذا أريد معرفة ما يخص حصة البائع من الثمن و ما يخص حصة المالك الآخر منه في المسألة المتقدمة، قوم كل واحد من المالين على انفراده عند الثقات من أهل الخبرة تقويما صحيحا ثم نسبت كل واحدة من القيمتين على انفرادها الى مجموع القيمتين، فيكون للحصة الواحدة منهما من الثمن بنسبة قيمتها الى مجموع القيمتين.

و مثال ذلك أن يقوم الخبراء الموثوقون مال البائع خاصة بمائة دينار مثلا، و يقوموا مال المالك الآخر خاصة بمائتي دينار، فيكون مجموع القيمتين ثلاثمائة دينار، و نسبة المائة دينار و هي قيمة مال البائع خاصة إلى مجموع القيمتين هي الثلث منه، و نسبة المائتين و هي قيمة مال المالك الآخر الى مجموع القيمتين هي الثلثان منه، و نتيجة لذلك فتثبت لكل واحد من المالين تلك النسبة نفسها من الثمن.

فإذا كان الثمن الذي باع به جميع المال هو أربعمائة و خمسين دينارا كانت الحصة التي تخص مال البائع

من الثمن هي مائة و خمسين دينارا و هي ثلث الثمن، و كانت الحصة التي تخص مال المالك الآخر من الثمن هي ثلاثمائة دينار، و هي ثلثا الثمن.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 53

و إذا كان لاجتماع المالين دخل في زيادة القيمة و نقصها وجب أن يقوم كل واحد من المالين في حال انضمامه الى الآخر، ثم تنسب قيمة كل واحد من المالين الى مجموع قيمتيهما، و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة.

فإذا باع الرجل داره و هي تحتوي على ما يصلح للسكنى الداخلية فقط، و ضم إليها بالبيع ملك رجل آخر تكمل به منفعة الدار لأنه يشتمل على ما يصلح لمجلس الرجال و استقرار الضيوف منهم، أو لأنه يحتوي على حديقة منزلية و ملعب للأطفال مما تزيد به قيمة الدار و قيمة الحديقة معا، و شبه ذلك، فلمعرفة نصيب المالين من الثمن يجب اتباع الطريق الآنف ذكره.

المسألة 104:

إذا كانت دار أو أرض أو بستان مشتركة بين مالكين على السواء، فباع أحد الشريكين نصف الدار أو الأرض أو البستان، فظاهر العقد أن المراد بيع نصفه الذي يملكه من المبيع فيحمل عليه و ينفذ بيعه، و إذا دلت القرائن الخاصة على أن المراد بيع النصف الذي يملكه شريكه كان من البيع الفضولي فلا ينفذ الا مع اجازة الشريك، و إذا دلت القرائن على ان المراد بيع النصف مما يملكه هو و مما يملكه شريكه، صح البيع في نصف حصته خاصة و كان في نصف حصة شريكه من الفضولي فتتوقف صحته فيه على الإجازة.

المسألة 105:

يجوز لأب الصبي غير البالغ و لجدة أبي أبيه أن يتصرفا في ماله بالبيع و الشراء و الإجارة و الصلح و المضاربة و أمثال ذلك من المعاملات في ماله و ينفذ تصرفهما فيه، إذا لم تكن في تصرفهما فيه مفسدة، و يستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا كان في تصرفهما تفريط في مصلحة الصغير فلا ينفذ التصرف منهما في هذه الصورة.

و مثال ذلك أن يضطر الأب أو الجد الى بيع مال الصغير، فلا يجوز لهما في هذه الحال أن يبيعا ماله بثمن المثل إذا أمكن لهما أن يبيعاه بأكثر من ثمن المثل، و لا يجوز لهما أن يبيعاه بأكثر من ثمن المثل بدرهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 54

مثلا إذا أمكن لهما بيعه بأكثر من ثمن المثل بدرهمين، و لو في مكان آخر أو في وقت آخر أو عند دلال آخر أو بمراجعة مشتر آخر، إذا عد ذلك تسامحا في مصلحة الصغير و تفريطا فيها في نظر أهل العرف.

المسألة 106:

الأب و الجد أبو الأب و ان ارتفع بواسطتين أو أكثر وليان شرعيان على الصغير و على التصرف في ماله كما تقدم، و كل واحد منهما ولي مستقل في ولايته سواء وجد معه الآخر أم لم يوجد و سواء أذن له الآخر في التصرف أم لا، و لا يشترط في ولايتهما على الصغير أن يكون الأب و الجد عدلا، و لا يشترط في صحة تصرفهما في ماله وجود مصلحة في التصرف، بل يكفي عدم المفسدة، عدا الصورة التي تقدم ذكرها في المسألة المتقدمة.

المسألة 107:

لا تختص ولاية الأب و الجد أبى الأب على الصغير بماله فقط، بل لهما الولاية كذلك عليه نفسه، فلهما ان يؤجراه للعمل أو للخدمة أو يجعلاه أجيرا في معمل أو دكان مدة معينة، و لهما أن يزوجاه و يتوليا عقد النكاح له، سواء كان ذكرا أم أنثى، و كذلك في سائر شؤونه، و يستثنى من ذلك الطلاق، فليس لهما ان يطلقا زوجته المعقودة له بالنكاح الدائم، و لا يطلقها الا هو بعد بلوغه و رشده، و هل يجوز للأب أو الجد أن يتوليا فسخ عقد النكاح عنه إذا حصل أحد أسبابه، فيه اشكال، و لا بد في ذلك من مراعاة الاحتياط، و كذلك الاشكال و لزوم مراعاة الاحتياط في أن يهبا مدة النكاح المنقطع لزوجته المتمتع بها.

المسألة 108:

لا ولاية لأحد من الأقارب على مال الصغير و لا في شي ء من شؤونه لغير الأب و الجد للأب، سواء كان أما أم جدا لأم، أم أخا كبيرا أم عما، أم غيرهم، و إذا تصرف أحد هؤلاء في مال الطفل، أو في نفسه، فباع أو اشترى أو آجر أو عقد له عقد نكاح لم يصح ذلك و كان فضوليا،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 55

لا يصح الا بإجازة وليه الشرعي أو اجازة الصغير نفسه بعد بلوغه و رشده، إذا لم يرد العقد، على ما تقدم في أحكام العقد الفضولي.

المسألة 109:

يجوز للأب و للجد أبى الأب أن ينصب قيما على الصغير بعد وفاته، فيكون القيم المنصوب من أحدهما وليا شرعيا عند اجتماع الشرائط فيه، و تنفذ منه جميع التصرفات التي كانت تنفذ من الأب و الجد نفسهما في مال الصغير و في شؤونه، فيجوز للقيم اجراء المعاملات في مال الطفل من بيع و شراء و صلح و مضاربة و غيرها على نهج ما سبق في ولاية الأب و الجد، و يصح له أن يؤجر الطفل نفسه للعمل أو للخدمة أو لغيرهما على حسب ما تقدم هناك، و يصح له أن يزوج الطفل إذا نص الموصى على ذلك في وصيته اليه.

و يشترط في القيم الذي يجعله الأب أو الجد على الطفل أن يكون رشيدا، و أن يكون أمينا، بل يشترط فيه أن يكون عدلا على الأحوط.

و هل يصح أن ينصب الأب قيما على ولده الصغير من بعده، مع وجود الجد أبى الأب، أو ينصب الجد قيما على أطفال ابنه بعد موته هو مع وجود أبيهم، فيه اشكال، و الأحوط عدم نصب القيم من أحدهما مع وجود الآخر منهما.

المسألة 110:

يشترط وجود المصلحة في تصرف القيم الموصى إليه من الأب أو الجد، و لا يكفي عدم المفسدة كما في ولاية الأب و الجد نفسهما.

و الميزان في كون تصرف الولي مشتملا على المصلحة كما هو الشرط هنا، أن يكون كذلك في نظر العقلاء من الناس، و لا يكفي أن يعتقد الولي نفسه بوجود المصلحة إذا كان العقلاء يجدونه مخالفا لذلك فلا يصح تصرفه في هذه الصورة.

و إذا اعتقد هو وجود المصلحة في تصرفه، فتصرف كما يعتقد، ثم استبان أن اعتقاده مطابق للواقع كان تصرفه صحيحا، و ان كان مخالفا

لنظر العقلاء حين التصرف.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 56

المسألة 111:

إذا لم يكن للصغير أب، و لا جد لأب، و لا وصي قيم عليه من أحدهما، فالولاية عليه في التصرف في أمواله و اجراء المعاملات فيها، للحاكم الشرعي، و هو الفقيه العادل، و التصرف منوط برأيه، من جهة لزوم مراعاة المصلحة في ذلك و عدمه، و الأحوط استحبابا أن يقتصر في ذلك على ما يكون في تركه الضرر و الفساد.

المسألة 112:

إذا فقد الحاكم الشرعي أو تعذر الرجوع إليه في أمر أموال الصغير، يرجع في ذلك الى العدول من المؤمنين، فيجوز لهم التصرف في أموال الطفل و اجراء المعاملات فيها، و الأحوط لزوما أن يقتصر في ذلك على ما إذا لزم الضرر من ترك التصرف، كما إذا خيف التلف على مال الطفل، فيجوز للمؤمن العادل بيع العادل حذرا من ذلك.

و إذا تعذر وجود العدول المؤمنين في هذه الحالة رجع الى الثقات منهم.

المسألة 113:

يجوز للمكلف الدخول الى دار الأيتام القاصرين بإذن الولي أو القيم المنصوب عليهم و عند تعذر الاستيذان منه، إذا كان في الدخول إليهم و الجلوس على فراشهم و الأكل من طعامهم مصلحة لهم، و ان لم يدفع عن ذلك عوضا.

و إذا احتاج هو الى ذلك، و لا مصلحة لهم في دخوله عليهم و أكله من طعامهم و لا ضرر عليهم بذلك و لم يتمكن من استيذان الولي، فالأحوط له ان يعوضهم عن ذلك بالقيمة، و الأحوط تركه.

المسألة 114:

قد تعرضنا في كتاب الحجر الى بيان الحكم في الولاية على أموال السفيه و المجنون، و التصرف فيها، فليرجع إليها من أراد الاطلاع على ذلك في تعليقنا على كتاب الحجر من وسيلة النجاة، للفقيه المعظم السيد أبي الحسن الأصبهاني قدس اللّٰه سره.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 57

الفصل الرابع في شروط العوضين

المسألة 115:

العوضان هما الشيئان اللذان يقع التبديل بينهما في عقد البيع، فينتقل كل واحد منهما بعد تمامية البيع الى موضع الآخر و يكون بدلا عنه، أحدهما ما ينقله البائع إلى المشتري بالعوض، و هو المبيع، و الثاني ما يدفعه المشتري بدلا عن المبيع، و هو الثمن، و يشترط في العوضين عدة أمور، و بعض هذه الأمور مما يشترط في المبيع، و بعضها مما يشترط في الثمن، و بعضها مما يشترط فيهما، كما سيأتي بيانه.

المسألة 116:

يشترط في المبيع أن يكون عينا، سواء كان عينا خارجية، كما إذا باعه هذه الدار المعينة، أو هذا الحيوان الخاص، أو هذه السيارة المشخصة، أم كان عينا في الذمة، كما إذا باعه منا من الحنطة في ذمته هو، أو باعه منا من الحنطة يملكه في ذمة شخص آخر قد اشتغلت له ذمته به، و سواء كانت العين الخارجية في الفرض الأول شيئا مشخصا كالأمثلة المتقدمة، أو كانت كليا في المعين كما إذا باعه منا من هذه الصبرة المشاهدة، أو كسرا مشاعا من هذا الشي ء الخارجي، كما إذا باعه نصفا من هذه الدار، أو ثلثا من هذه السفينة، و نحو ذلك، فيصح البيع في جميع هذه الصور.

و يراد بالعين التي ذكرناها شرطا في المبيع ما يقابل المنفعة كسكنى الدار و إجارتها، و ركوب السيارة أو السفينة و امتلاك منفعتهما مدة معينة، و ما يقابل العمل كخياطة الثوب، و بناء المنزل، و كتابة الكتاب، و ما يقابل الحق كحق الخيار، و الاختصاص و التحجير، فلا يصح بيع هذه الأشياء و أشباهها لأنها ليست أعيانا.

المسألة 117:

يجوز في الثمن أن يكون عينا خارجية أو ذمية كما تقدم في المبيع، و يجوز أن يكون منفعة معلومة كما إذا باعه المتاع المعين بسكنى الدار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 58

يوما أو يومين مثلا أو بركوب السيارة و إيصاله إلى البلد المعين، و يجوز أن يكون عملا خاصا تكون له مالية في نظر أهل العرف كما إذا باعه الشي ء المعلوم بكتابة هذا الكتاب أو بالإتيان بالعمل المعين ثمنا له.

و يجوز كذلك أن يكون الثمن حقا من الحقوق القابلة للنقل و الانتقال و التي تعد من الأموال في نظر أهل العرف كحق التحجير

و حق الاختصاص، فيصح ان يجعل أحدهما ثمنا لمبيع، و لا يصح ذلك إذا كان الحق غير قابل للنقل، و ان كان قابلا للإسقاط كحق الخيار، فإنه لا ينتقل لغير ذي الخيار، و لا ينتقل إلا بالإرث لوارث ذي الخيار، و كحق الشفعة، فإنه لا ينتقل لغير الشريك، و إذا لم يصح نقله لم يمكن جعله ثمنا كما هو واضح.

نعم يجوز أن يجعل إسقاط الحق المذكور ثمنا للمبيع، فإن إسقاط الحق عمل من الأعمال، فيصح ان يكون ثمنا، كما ذكرنا في أول المسألة.

المسألة 118:

يشترط في المبيع أن يكون مما يعد مالا في نظر أهل العرف، و قد ذكرنا ان المدار في ذلك هو كون الشي ء مما يكثر له الطلب من العقلاء و تتحقق الرغبة و التنافس في اقتنائه و بذل المال في الحصول عليه، لأنه يشتمل على بعض الخصائص و الفوائد التي يرغبون فيها أو يحتاجون إليها سواء كانت الخصائص و المشتهيات مما تتحقق في غالب الأحوال و الأوقات المعتادة أم كانت مما لا تتحقق إلا في حالات الحاجة و الاضطرار، و قد ذكرنا هذا في المسألة السابعة عشرة.

و نتيجة لذلك فلا يصح البيع إذا كان المبيع مما لا يعد مالا، كبعض الحشرات، و الخبائث و السقطات التي لا فائدة في الحصول عليها و لا رغبة للناس في اقتنائها.

المسألة 119:

إذا ثبت للإنسان شي ء من الحقوق في شي ء من الأشياء، و كان الحق قابلا للإسقاط، كحق الخيار، و حق الشفعة، و حق الرهانة، و حق

كلمة التقوى، ج 4، ص: 59

الجناية، و حق الزوجة في قسمتها من ليالي الزوج، جاز للآخر أن يدفع له شيئا من المال ليرفع يده عن حقه الثابت له شرعا في ذلك الشي ء، و ليس ذلك من البيع، بل يكون من المصالحة على إسقاط الحق أو من التعويض عنه، و ان لم يكن الحق قابلا للنقل أو لم يكن قابلا للانتقال، كما ذكرنا في حق الخيار و حق الشفعة.

المسألة 120:

يشترط في كل واحد من العوضين: المبيع و الثمن أن يكون معين المقدار عند المعاملة فلا يكون بيعه و لا شراؤه موجبا للغرر، فإذا كان الشي ء مما يتعارف تقديره عند المعاملة بالكيل أو بالوزن أو بالعد، أو بحساب المساحة، وجب أن يعتبر بما يتعارف تقديره به بين الناس في معاملاتهم على الخصوص، و لا يكفي عنه غيره، فلا يكتفى بكيل الموزون أو المعدود، و لا بوزن المكيل أو المعدود و لا بعد الموزون أو المكيل و هكذا.

نعم يصح أن يكال ما يتعارف فيه التقدير بالعدد، ثم يعد ما في أحد المكاييل و يحسب الباقي بحسابه إذا كان التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عند أهل العرف، و يصح ان يكال ما يتعارف فيه التقدير بالوزن ثم يوزن ما في أحد المكاييل و يحسب الباقي بحسابه كذلك إذا كان التفاوت مما يتسامح به عرفا، و هو ليس من تقدير المعدود أو الموزون بالكيل و انما هو من جعل الكيل طريقا لمعرفة العدد أو الوزن، و تقدير الأول انما كان بالعدد و تقدير الثاني انما

كان بالوزن، و كذلك إذا جعل الوزن طريقا لتقدير الكيل في المكيل و العدد في المعدود على النهج المتقدم.

المسألة 121:

تكفي المشاهدة في بيع بعض الأشياء، حيث تعارف بيعها بالمشاهدة كذلك، كالثمر حينما يباع و هو على الشجر، فإنه يكتفى في تقديره بالمشاهدة، و كالحطب حينما يباع و هو محمول على الدابة أو في السيارة التي تنقل الحمولة، و كالثياب المخيطة و بعض الفرش و الحصر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 60

و كالحيوان المذبوح قبل أن يسلخ عنه جلده، فان هذه الأمور مما تعارف بيعها بالمشاهدة، و لا يجري فيها التقدير بالكيل أو الوزن أو غيرهما من وسائل التقدير في المبيع.

المسألة 122:

قد تختلف الحال في بعض الأشياء، فيكون في بعض حالاته مما يتعارف فيه التقدير بالمشاهدة كبعض الأمور التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، و يكون في بعض الحالات الأخرى مما يحتاج في تقديره الى الوزن أو الكيل، فالحطب في حال حمله على الدابة أو في السيارة مما يكتفى في تقديره بالمشاهدة، فيباع كذلك، و إذا وضع في الدكان أو المخزن احتاج في تقديره الى الوزن كالخشب أو الى تقديره بالحزم التي تشتمل كل حزمة على مقدار معين من سعف النخيل و نحوه، و كثمر الشجر و تمر النخيل فإذا بيع و هو على الشجر أو على النخيل اكتفى في تقديره بالمشاهدة، و إذا جذ منها كان تقديره بالوزن، و كالحيوان المذبوح، فان بيعه قبل أن يسلخ عنه جلده يكون بالمشاهدة، فإذا سلخ عنه الجلد كان من الموزون فلا يباع الا بالوزن.

و الاعتبار يكون على الحال التي يكون المبيع عليها حين البيع فإذا كان في الحالات الأولى صح بيعه بالمشاهدة و إذا كان في الحالات الأخرى لم تكف المشاهدة في بيعه و احتاج الى تقديره بالوزن أو الكيل حسب ما يتعارف فيه في تلك الحال.

المسألة 123:

إذا اختلفت البلاد في تقدير الشي ء، فكان مما يتعارف تقديره بالوزن في بلد و مما يتعارف تقديره بالكيل في بلد آخر أو كان من الموزون في بلد و من المعدود في بلد آخر، فالمدار على البلد الذي تقع فيه المعاملة، فيجب وزنه إذا كان المتعارف في بلد المعاملة ذلك، و ان كان مكيلا أو معدودا في بلد البائع أو في بلد المشتري.

و يشكل جواز البيع بالتقدير الآخر إذا كان غير متعارف في بلد المعاملة، نعم يصح ذلك إذا أوقع المعاملة صلحا لا

بيعا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 61

المسألة 124:

إذا كان الشي ء مما يكتفي العقلاء و أهل العرف في بيعه بالمشاهدة صح بيعه كذلك كما في بيع الدور و بعض الفرش، و ان كان تقديره بمعرفة مقدار الطول و العرض و المساحة أبلغ في رفع الغرر في المعاملة، و الأحوط استحبابا تقديره بذلك.

المسألة 125:

يجوز للمشتري أن يعتمد في معرفة مقدار الشي ء الذي يشتريه على اخبار البائع بقدره سواء كان البائع عدلا أم لا إذا هو ائتمنه على ذلك، و الأحوط اعتبار حصول الاطمئنان للمشتري بصدق قوله، فيصح له ان يشتري الشي ء اعتمادا على ما أخبر به البائع سواء كان المبيع موزونا أم مكيلا أم معدودا.

و إذا تبين نقص المبيع في المقدار عما قاله البائع، بطل البيع بالنسبة إلى المقدار الناقص، فيجب على البائع أن يرد على المشتري ثمن تلك النقيصة، و يكون للمشتري حق الخيار في الباقي، فيجوز له أن يفسخ البيع و يرد عليه البائع جميع الثمن، و يجوز له أن يمضي البيع في الباقي، و يرد عليه البائع ثمن النقيصة وحدها كما ذكرناه.

و إذا تبينت زيادة المقدار عما أخبر به البائع كان الزائد للبائع، و كان للمشتري الخيار بين أن يفسخ البيع فيرد البائع عليه الثمن، و بين أن يمضي البيع بالمقدار الذي وقع عليه العقد بتمام الثمن.

المسألة 126:

إذا كان من المتعارف في السوق أن تشتمل الطاقة أو الطول من الأقمشة و الثياب المنسوجة على عدد معين من الأذرع أو الأمتار، جاز للبائع و للمشتري ان يعتمدا في بيعها و شرائها على هذا الأمر المتعارف، إذا حصل لهما الاطمئنان بذلك، و يصح البيع و الشراء إذا لم يتبين الخلاف و إذا تبينت النقيصة أو الزيادة في المبيع، جرى فيها الحكم السابق في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 62

المسألة 127:

يشترط في كل واحد من العوضين معرفة جنسه و معرفة أوصافه التي يوجب اختلافها اختلاف القيمة و الرغبة في ذلك الشي ء كالطعم و اللون و الجودة و الرداءة و أمثال ذلك من الصفات التي تكون محطا لأنظار الراغبين في ذلك الشي ء، فلا بد من معرفة ذلك اما بالمشاهدة حين البيع، و اما بالوصف الرافع للجهالة.

و لا يكتفى بالرؤية السابقة للشي ء إذا كانت العادة تقتضي أن يتغير الشي ء عن صفاته السابقة، و إذا شك في انه قد تغير عن صفاته الأولى التي رآها سابقا أو لم يتغير، جاز له أن يكتفي بالرؤية السابقة لأصالة بقاء الصفات الأولى، الا أن تقوم امارة تدل على خلاف ذلك.

المسألة 128:

يشترط في كل واحد من العوضين أن يكون مملوكا لصاحبه الذي يراد نقله عنه، و هذا الشرط هو الواقع في غالب البيوع التي تجري بين الناس، و قد يكتفى عنه شرعا بما ينزله الشارع منزلة الملك في ذلك في بعض الموارد فيحكم بصحة بيعه، كمن يشتري بسهم سبيل اللّٰه من مال الزكاة دارا أو عينا أخرى لتبقى في سهم سبيل اللّٰه كذلك و يكثر الانتفاع بها في هذا السبيل، كما ذكرناه في المسألة الستين، فلا يكون المبيع و لا الثمن في هذه الصورة ملكا و لكنه بمنزلة الملك شرعا و كما إذا باع ولي الزكاة بعض أعيانها ليشتري به علفا لأنعام الزكاة و هو كسابقه بمنزلة الملك شرعا فلا يجوز بيع مالا يكون مملوكا و لا بمنزلة المملوك، كما إذا باع السمك أو الطير أو الوحش قبل اصطياده و امتلاكه و كما إذا باع العشب و الكلاء و الماء قبل حيازته، و كما إذا باع الأرض الموات قبل إحيائها، و يصح

بعد الحيازة و التملك، فإذا حفر بئرا أو فجر عينا أو شق نهرا فجرى فيها الماء و ملكه جاز له بيعه.

المسألة 129:

يجوز للمالك الراهن أن يبيع عينه المرهونة إذا كان البيع باذن الشخص الذي ارتهنها، و إذا باعها الراهن من غير اذنه ثم فك الرهن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 63

صح بيعه كذلك و لم يفتقر إلى اجازة و لا الى تجديد عقد البيع، و إذا باعها من غير اذن المرتهن و لم يفك الرهن جرى في البيع حكم الفضولي، فإن أجاز المرتهن البيع صح و ان لم يجزه كان باطلا.

المسألة 130:

لا يجوز بيع الوقف و لا تصح المعاوضة عليه الا في مواضع.

(الموضع الأول): أن يخرب الوقف بحيث لا تبقى له أي منفعة يمكن استيفاؤها مع بقاء عينه، و قد شاع بين الفقهاء التمثيل لهذه الصورة بالحيوان الموقوف إذا ذبح، و بالجذع الموقوف إذا بلي، و بالحصير الموقوف إذا تخرق و تمزق، فإن منفعة الوقف في هذه الأمثلة تنحصر بإتلاف عينه، و لذلك فيبطل وقفه و يصح بيعه و المعاوضة عليه.

(الموضع الثاني): أن يخرب الوقف بحيث تذهب جميع منافعه المعتد بها بين الناس، و ان بقيت له منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم في نظر أهل العرف، و مثال ذلك ما إذا انهدمت الدار الموقوفة أو خرب البستان الموقوف، و جف ماؤه و ماتت أشجاره، و لم تبق من الدار أو البستان سوى عرصة فارغة يمكن إجارتها لبعض الغايات بقليل من الدراهم.

و الحكم في هذه الصورة كذلك هو بطلان الوقف و صحة بيع العين الموقوفة و المعاوضة عليها.

(الموضع الثالث): أن يعلم بأن بقاء الوقف يؤدي الى خرابه و ذهاب منفعته أصلا، كما في الصورة الأولى، أو يعلم بأن بقاءه يؤدي الى ذهاب منافعه المعتد بها بحيث لا تبقى له الا منفعة قليلة تلحق بالمعدوم كما في الصورة الثانية،

أو يظن ظنا عقلائيا يعتمد عليه العقلاء في ما بينهم بأن بقاء الوقف يؤدي الى ذلك.

و الحكم في هذه الصورة هو جواز بيع الوقف كذلك، و لكن لا بد من تأخير البيع فيها الى آخر الأزمنة التي يمكن فيها بقاء الوقف و استيفاء منافعه.

(الموضع الرابع): أن يلاحظ الواقف في أصل وقفه عنوانا خاصا في العين الموقوفة، يجعله قواما لوقفها و مناطا لاستيفاء منفعتها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 64

و مثال ذلك أن يلاحظ الواقف في العين الموقوفة أن تكون حماما مثلا أو تكون بستانا أو شبه ذلك من العناوين و تكون هي المدار في الوقف و في الانتفاع به، و لذلك فإذا زال العنوان الملحوظ قواما بطل وقف العين، و صح بيعها و المعاوضة عليها، و ان كانت لها منافع أخرى يمكن أن تستوفى مع زوال ذلك العنوان.

(الموضع الخامس): أن يشترط الواقف في أصل وقفه بيع العين الموقوفة عند حدوث طارئ معين، كقلة منفعة الوقف، أو حاجة الموقوف عليهم أو غير ذلك من الطواري، بحيث يكون وقفه منوطا بعدم حدوث ذلك الأمر، فإذا طرأ ذلك الشي ء بطل الوقف و صح بيع العين.

المسألة 131:

لا يجري الاستثناء المذكور في المساجد، فلا يجوز بيع المسجد و ان خرب و ذهبت منافعه و بقي عرصة فارغة.

نعم يجري الاستثناء في انقاض بناء المسجد و أجزائه إذا انهدم، فإذا أمكن الانتفاع بعين هذه الانقاض و الأجزاء في المسجد نفسه وجب ذلك و تعين، و إذا لم يمكن ذلك، و أمكن الانتفاع بعينها في مسجد آخر تعين ذلك و لم يجز بيعها، و إذا لم يمكن الانتفاع بها كذلك جاز بيعها و المعاوضة، و وجب صرف ثمنها في حاجات المسجد نفسه على الأحوط،

و إذا استغنى المسجد عن ذلك صرف الثمن في حاجات غيره من المساجد.

المسألة 132:

إذا جاز بيع الوقف لبعض المسوغات الآنف ذكرها فالمرجع في بيعه و المعاوضة عليه هو الحاكم الشرعي، سواء كان من الأوقاف العامة أم كان وقفا على اقامة بعض الشعائر أم كان وقفا على ائمة المسلمين أم على جهة من الجهات كقراءة القرآن أو الصلاة و غيرها.

و إذا كان وقفا على اشخاص معينين كالوقف على الذرية، فالأحوط في هذا أن يرجع في بيعه الى كل من الحاكم الشرعي و الموقوف عليهم.

المسألة 133:

إذا باع الوقف لبعض المسوغات المتقدم ذكرها، فالأحوط لزوما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 65

ان يشتري بثمنه ملكا و يقفه على نهج الوقف الأول المبيع، و إذا خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض و صرف ثمنه في إصلاح البعض العامر منه، و إذا خرب الوقف كله، حتى ذهبت منافعه و أمكن أن يباع بعضه و يعمر الباقي بثمنه فالأحوط لزوما الاقتصار على ذلك، فيباع البعض منه و يعمر بثمنه الباقي، و لا يصار الى بيع الجميع.

المسألة 134:

لا يجوز بيع الأمة المملوكة إذا كانت أم ولد لمالكها، سواء وضعت ولدها منه أم كان حملا في بطنها، و سواء كان ذكرا أم أنثى، و واحدا أم متعددا، و كما لا يجوز بيعها، فكذلك لا يجوز نقلها عن ملكه الى غيره بهبة أو صلح أو غيرهما من النوافل الشرعية.

و انما يمنع من بيعها و نقلها الى ملك غيره إذا كان ولدها من السيد موجودا، فإذا مات ولدها و لم يبق له ولد منها و ان كان حملا جاز بيعها.

و للمسألة مستثنيات ذكرها العلماء و أطالوا البحث في تحقيقها، و حسبنا الإشارة بهذا المقدار، فالمسألة نادرة الوقوع و الابتلاء بها في غاية القلة.

المسألة 135:

الأرض الخراجية هي الأرض التي فتحها المسلمون، و أخذوها بالقوة من أيدي الكفار، و كانت عامرة حين الفتح، و هي ملك للمسلمين كافة، يشترك فيه من وجد منهم بالفعل و من يوجد منهم في المستقبل، و لذلك فلا يجوز بيعها، و ان كانت فيها آثار مملوكة لمن يريد بيعها، من بناء أو نخيل أو شجر، أو غير ذلك.

بل و لا يجوز التصرف فيها، إلا بالإذن، فإذا كانت في سلطان من يدعي الخلافة على المسلمين أو يحكم في أمورهم العامة باسم الإسلام، فيكفي الاستئذان منه في القيام بأمر هذه الأرض فيستأجرها أو يتقبلها منه، و يقوم بزرعها و تعميرها، و يدفع اليه خراجها ليصرف في مصالح المسلمين، و إذا لم يوجد ذلك السلطان، استأذن في ذلك من الحاكم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 66

الشرعي و تولى أمرها و دفع إليه أجرتها أو الضريبة التي يجعلها عليه لتصرف في مصالح المسلمين.

المسألة 136:

إذا كانت الأرض عامرة حين الفتح، ثم ماتت بعد ذلك، فالظاهر انها لا تزال ملكا للمسلمين على النهج الآنف ذكره، و لا تكون بسبب موتها من الأنفال و لا تملك بالاحياء، بل يجري فيها الحكم المتقدم في المسألة السابقة.

المسألة 137:

إذا كانت الأرض ميتة في زمان الفتح، فهي من الأنفال، و هي ملك لإمام المسلمين (ع)، و إذا أحياها أحد ملكها بإحيائه و صحت له جميع التصرفات فيها، سواء كان المحيي لها مسلما أم كافرا.

المسألة 138:

و إذا كانت الأرض معمورة و هي ليست من الأرض الخراجية التي تقدم ذكرها، ثم خربت بعد عمارتها، فان كان لها مالك، و قد ملكها بالإرث من مالكها الأول أو بالشراء منه أو بأحد الأسباب الناقلة للملك، فهي لا تزال ملكا لصاحبها و لوارثه من بعده، و لا تكون بخرابها من الأنفال.

و إذا كانت في أصلها من الأنفال التي تقدم ذكرها في المسألة المائة و السابعة و الثلاثين و تملكها صاحبها بالاحياء، ثم تركها حتى أصبحت بعد العمارة خرابا عادت بذلك من الأنفال، و جرت عليها أحكامها، فيجوز للآخرين تملكها بالإحياء.

المسألة 139:

إذا شك في أرض انها كانت معمورة في حال الفتح، فتكون من الأرض الخراجية، أو كانت ميتة في حين الفتح فتكون من الأنفال، بني على انها ميتة في ذلك الحال، و لذلك فيجوز تملكها بالأسباب الشرعية إذا كانت محياة بالفعل، و يجوز إحياؤها إذا كانت ميتة بالفعل، و يجوز التصرف فيها بعد التملك و لو بالاحياء فيصح له بيعها و شراؤها و سائر التصرفات التي تصح في الملك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 67

المسألة 140:

يشترط على الأحوط لزوما في كل واحد من العوضين أن يكون تسليمه مقدورا، فلا يصح بيع مالا يقدر على تسليمه، و قد شاع التمثيل لذلك بما إذا باع جمله الشارد منه في البادية أو طيره الطائر منه في الجو أو سمكته المنطلقة منه في الماء، فلا يكون بيعها صحيحا لعدم قدرته على تسليمها للمشتري سواء كان البائع أو المشتري عالما بذلك حين البيع أم جاهلا به.

نعم إذا كان الجمل أو الطير أو السمكة مما اعتاد على الرجوع بعد انطلاقه لم يحكم ببطلان بيعه حتى ييأس من عودته.

المسألة 141:

يكفي في تحقق هذا الشرط أن يكون المشتري قادرا على قبض المبيع فيصح البيع بذلك و ان لم يكن البائع بنفسه قادرا على تسليمه، فإذا باعه الجمل الشارد أو الطير الطائر أو السمكة المرسلة في الماء و كان المشتري قادرا على الاستيلاء عليه صح البيع، و كذلك إذا كان المشتري غير قادر على تسليم الثمن و كان البائع قادرا على قبضه و الاستيلاء عليه فيصح البيع.

و إذا باعه عينا مغصوبة لا يقدر على أخذها من الغاصب، و كان المشتري قادرا على ذلك صح البيع و إذا باع العين المغصوبة على الغاصب نفسه صح بيعه عليه و ان كان البائع لا يقدر على أخذ العين من الغاصب ثم دفعها إليه.

المسألة 142:

سيأتي في فصل بيع الحيوان أن الرجل لا يملك أباه و لا أمه إذا كانا عبدين، و لا يملك أحدا من أجداده و جداته و ان ارتفع عنه بأكثر من واسطة، و لا أحدا من أولاده أو بناته و ان نزل عنه بواسطة أو أكثر، و لا احدى محارمه من النساء اللاتي يحرمن عليه في النكاح، و إذا ملك أحد هؤلاء ببيع أو إرث أو بغيرهما من الأسباب المملكة انعتق عليه قهرا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 68

و نتيجة لما ذكر، فإذا باع البائع على المشتري أحد المماليك المذكورين الذين ينعتقون عليه بمجرد البيع صح بيعه و انعتق عليه، و ان كان البائع غير قادر على تسليمه إياه لأن المشتري لا يستحق ذلك شرعا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 68

المسألة 143:

إذا باع الرجل مالا يقدر على تسليمه بالفعل للمشتري، و لكنه يعلم بأنه يقدر على تسليمه له بعد ذلك، فالظاهر صحة البيع في هذه الصورة، سواء كانت المدة التي لا يستطيع تسليم المبيع فيها قصيرة أم طويلة، و إذا كان المشتري عالما بذلك من أول الأمر صح البيع و ان طالت المدة، و لا خيار للمشتري، و إذا كان جاهلا بالأمر صح البيع كذلك، و يثبت للمشتري خيار الفسخ مع طول المدة.

و هذا كله إذا كانت المدة التي لا يستطيع البائع فيها تسليم المبيع مضبوطة المقدار، و اما إذا كانت المدة غير مضبوطة فالظاهر بطلان البيع.

المسألة 144:

المدار في هذا الشرط على تحققه في واقع الأمر و عدم تحققه، و لا اثر لاعتقاد البائع أو المشتري، فإذا اعتقد البائع انه قادر على تسليم المبيع، فباعه، ثم ظهر له بعد البيع انه غير قادر على التسليم كان البيع باطلا، و إذا اعتقد انه عاجز عن تسليمه و باعه، ثم ظهر له بعد ذلك انه غير عاجز عن تسليمه فالظاهر صحة البيع.

المسألة 145:

إذا كان البائع هو مالك المال نفسه، فالمدار في وجود هذا الشرط على قدرته هو على تسليم المبيع، فيصح البيع مع وجودها و يبطل مع عدمها، و كذلك إذا كان البائع وليا على مال الصغير أو المجنون، فالمدار على قدرة البائع الولي على التسليم.

و كذلك إذا كان البائع وكيلا عن المالك في إجراء الصيغة، فالمدار على قدرة المالك نفسه، و لا اعتبار بقدرة الوكيل، نعم إذا كان وكيلا في إجراء المعاملة كعامل المضاربة و نحوه، فالمدار يكون على قدرة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 69

الوكيل أو المالك، فإذا تحققت القدرة من أحدهما على تسليم المبيع صح البيع، و ان عجز كلاهما عن تسليمه بطل البيع.

المسألة 146:

إذا أبق العبد المملوك من سيده أو أبقت الأمة المملوكة من سيدها، لم يجز للسيد ان يبيعهما منفردين، و يجوز البيع إذا ضم الى الآبق منهما ضميمة ذات قيمة معتد بها، و انما يصح بيع الآبق مع الضميمة إذا كان مما يرجى عوده، و إذا يئس من عودته فالظاهر عدم صحة بيعه حتى مع الضميمة.

الفصل الخامس في الخيارات

المسألة 147:

الخيار حق مجعول من قبل الشارع أو من قبل المتعاقدين، يتسلط بموجبه صاحب الحق المذكور على فسخ العقد الذي أوقعه المتبايعان بينهما، فله أن يختار حل العقد و رفع مضمونه.

و للخيار أقسام كثيرة، و المذكور في هذا الفصل هو المشهور الشائع منها.

(الأول: خيار المجلس):
المسألة 148:

إذا وقع البيع بين المتبايعين، سواء حصل بعقد لفظي أم بمعاطاة، كان لكل من البائع و المشتري حق الخيار ما داما في مجلس العقد، فيجوز لأي منهما فسخ العقد الذي حصل بينهما، و حل مضمونه ما لم يفترقا، فإذا هما افترقا و لم يفسخا لزم البيع و سقط الخيار.

المسألة 149:

المراد بالمجلس هو الموضع الذي أجريا فيه العقد، فقد يكون مجلسا كانا مجتمعين فيه و قد يكون غيره كما إذا كانا واقفين في سوق أو غيره، و كما إذا كانا سائرين معا الى مكان، و قد لا يكونان في موضع واحد كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 70

إذا أجريا البيع بينهما بوسيلة الهاتف و كل واحد منهما في موضعه من السوق أو من المدينة أو في مدينتين.

و افتراقهما الذي يلزم به البيع و يسقط الخيار هو ما يصدق معه الافتراق بينهما عرفا، فقد يتحقق بمفارقة أحدهما الآخر، و قد يكون بانقطاع الاتصال الهاتفي بينهما بعد أن يتم البيع، و قد يكون بشي ء آخر، و إذا فارقا المجلس و هما مصطحبان، أو أوقعا معاملة البيع و هما مصطحبان في سيارة أو وسيلة نقل أخرى، بقي الخيار لهما حتى يحصل الافتراق.

المسألة 150:

إذا وكل المالك غيره في إجراء صيغة البيع عنه أو في قبول الشراء له، فخيار المجلس يثبت للمالك الأصيل لا للوكيل في الإيجاب أو في القبول، فليس للوكيل ان يفسخ البيع بالوكالة عن المالك، و الخيار الثابت للمالك في هذه الصورة يثبت له ما دام وكيله الذي أجرى عنه الصيغة مجتمعا مع صاحبه الذي أجرى معه العقد، و قبل افتراقهما، فإذا افترقا سقط حق المالك من الخيار.

و إذا وكل المالك غيره في معاملة البيع و تولي جميع شؤونها، كان لهذا الوكيل حق الفسخ بخيار المجلس بالوكالة عن المالك، و كذلك الحكم في وكيل المشتري إذا وكله على جميع المعاملة، و قد عرفت ان خيار المجلس لهما يثبت ما دام اجتماع المباشرين للعقد، و لا اثر لاجتماع المالكين.

المسألة 151:

يجوز لأحد المتبايعين أن يشترط على صاحبه سقوط خيار المجلس له، فإذا اشترط عليه ذلك في عقد البيع و قبل الآخر ذلك سقط خياره، و كذلك إذا اشترط كل منهما ذلك على الآخر، فيسقط خيارهما معا.

و يجوز لأحدهما أن يسقط خياره بعد العقد باختياره، و يجوز ذلك لكليهما فيسقط خيارهما معا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 71

المسألة 152:

لا يثبت خيار المجلس في غير البيع من العقود و المعاوضات، فلا يكون لأحد المتعاقدين بغير البيع خيار قبل الافتراق و لا بعده إلا إذا ثبت بسبب آخر.

(الثاني خيار الحيوان):
المسألة 153:

إذا اشترى أحد حيوانا كان للمشتري الخيار في فسخ العقد من حين وقوع البيع عليه إلى مدة ثلاثة أيام تامة، سواء كان الحيوان الذي اشتراه إنسانا أم غيره من أنواع الحيوان، فإذا كان العقد في أول النهار، فمدة الخيار من أول ذلك اليوم الى آخر اليوم الثالث، و دخلت الليلتان المتوسطتان في مدة الخيار، و إذا وقع العقد في أثناء النهار، فمبدأ مدة الخيار من ذلك الوقت الذي وقع فيه العقد الى مثل تلك الساعة من اليوم الرابع، و دخلت الليالي الثلاث المتوسطة في مدة الخيار كذلك، و إذا وقع العقد في أول الليلة أو في أثنائها لم تعد ساعات تلك الليلة من مدة الخيار بل تكون المدة من أول النهار الأول إلى آخر النهار الثالث.

المسألة 154:

الظاهر عدم اختصاص خيار الحيوان بالمشتري، فيثبت كذلك للبائع إذا كان الثمن الذي انتقل اليه بالبيع حيوانا، و تجري فيه أحكامه.

المسألة 155:

يسقط خيار الحيوان إذا اشترط البائع في ضمن العقد على مشتري الحيوان سقوط خياره. و قبل المشتري بذلك، و كذلك الحكم إذا اشترط المشتري ذلك على البائع حينما يكون الثمن حيوانا، و يسقط كذلك إذا اختار صاحب الخيار فأسقط حقه بعد العقد باختياره.

و يسقط كذلك إذا تصرف صاحب الخيار في الحيوان الذي انتقل اليه تصرفا يدل على انه قد أمضى البيع و اختار عدم فسخه، و لا يكفي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 72

مطلق التصرف كما إذا علف الدابة أو سقاها أو ركبها ليجرب سيرها، و كما إذا أطعم العبد أو استخدمه في بعض الحاجات.

المسألة 156:

لا يثبت خيار الحيوان في غير البيع من المعاوضات و العقود، فإذا آجر الإنسان داره من أحد ليسكنها و جعل عوض إجارتها حيوانا، لم يثبت للمؤجر خيار الفسخ، و كذلك إذا ملكه الحيوان بصلح أو هبة معوضة، أو جعل الحيوان عوضا عن شي ء آخر في الصلح أو الهبة أو في غيرهما من المعاوضات.

المسألة 157:

إذا تلف الحيوان المبيع قبل قبضه فهو من مال البائع، و كذلك إذا تلف بعد القبض في زمان خيار الحيوان الذي يثبت للمشتري، فيكون تلفه في هذه المدة من مال البائع، فإذا كان البائع قد قبض ثمن الحيوان وجب عليه رده الى المشتري في الصورتين.

المسألة 158:

إذا حدث في الحيوان عيب، و لم يكن ذلك بتفريط من المشتري لم يمنع ذلك من أن يأخذ المشتري بخياره، فيجوز له فسخ البيع ورد الحيوان إذا شاء.

(الثالث من أقسام الخيار: خيار الشرط)
المسألة 159:

المراد بخيار الشرط: أن يشترط البائع أو المشتري لنفسه خيار فسخ العقد في مدة خاصة يعينها، فيقبل الآخر بذلك، و يكون الشرط المذكور و القبول به في ضمن العقد الواقع بينهما، أو يشترط الجانبان خيار فسخ العقد لكل واحد منهما على النحو المتقدم ذكره، أو يشترط أحدهما أو كلاهما خيار الفسخ لشخص ثالث غيرهما فيتم الاتفاق و القبول على ذلك، و يتم الشرط و يثبت الخيار لمن يجعل له الخيار في المدة المعينة حسب ما يتفقان.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 73

المسألة 160:

لا يصح خيار الشرط إذا لم تكن له مدة خاصة، و لا بد من ان يعين مبدأ المدة و يحدد أمدها، و يجوز أن تجعل المدة قصيرة أو طويلة كما يريد المتعاقدان، و يجوز أن تكون المدة متصلة بالعقد أو منفصلة عنه، فيصح أن يشترط البائع مثلا أن له الخيار في الفسخ و الإمضاء من حين العقد إلى مدة شهر، فتكون المدة متصلة بالعقد، و يصح لهما أن يوقعا العقد في شهر رجب مثلا، و يشترط أحدهما أن له الفسخ في شهر رمضان، فتكون المدة منفصلة عن العقد، و لا يجوز ان يجعل مدة الخيار غير محدودة، أو يجعلها قابلة للزيادة و النقصان، و يشكل أن يجعل مدة الخيار له ما دام العمر.

المسألة 161:

إذا اشترط البائع أو المشتري الخيار لنفسه مدة شهر كامل و لم يعين ذلك، فالظاهر ان المراد الشهر المتصل بالعقد، و كذلك إذا جعل المدة أسبوعا أو عشرين يوما أو شهرين، فالظاهر هو ذلك، فيكون له الخيار من حين العقد الى آخر المدة التي ذكرها.

و إذا اشترط ان له الخيار في شهر من الشهور بحيث تردد المراد بين جميع الشهور و لم يحصل التعيين فالظاهر البطلان، الا ان تقوم قرينة على ان المراد ان له الخيار في كل واحد من تلك الشهور أو أن له الفسخ على رأس أي شهر منها.

المسألة 162:

لا يختص خيار الشرط بعقد البيع، بل يصح جريانه في العقود اللازمة كعقد الإجازة و عقد المزارعة، و المساقاة و الصلح، نعم: الظاهر عدم جريانه في الصلح الذي تكون فائدته إبراء الذمة أو إسقاط الدعوى، و لا يصح جريانه في عقد النكاح، و يشكل جريانه في الضمان، و في الهبة اللازمة، و في الصدقة.

و لا يصح اشتراطه في العقود الجائزة كالعارية و الوديعة و المضاربة، و لا يصح اشتراطه في الإيقاعات كالطلاق و العتق و نحوهما.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 74

المسألة 163:

يجوز للبائع أن يشترط لنفسه الاستشارة في أمر الفسخ و عدمه، فيشترط على المشتري في ضمن العقد ان له أن يستشير فلانا في فسخ العقد، فان رجح له الفسخ فسخه، و ان رجح له إمضاءه أمضاه، فينفذ الشرط المذكور، و لا بد من ان يعين لذلك مدة محددة كما تقدم. فإذا هو استشار صاحبه في الأمر، و رجح له إمضاء العقد، وجب عليه إمضاؤه و الالتزام به، و إذا رجح له الفسخ، كان له الخيار في أن يفسخ العقد أو يمضيه، و لا يتعين عليه الفسخ و لا يجوز له أن يفسخ العقد إذا لم يستشر صاحبه، و لا يجوز له الفسخ إذا استشاره فلم يشر عليه بشي ء أو أشار عليه بإمضاء العقد كما ذكرناه.

و كذلك الحكم في المشتري فيجوز له ان يشترط لنفسه ذلك و يجري فيه التفصيل الآنف ذكره، و يجوز أيضا للمتبايعين معا فيشترط كل واحد منهما على الآخر فإذا رضيا بذلك نفذ الشرط لكل منهما و جرت عليه أحكامه على النهج المذكور.

المسألة 164:

يجوز للإنسان أن يبيع داره المعلومة أو بستانه المعلوم بثمن معين و يشترط في ضمن العقد على المشتري انه إذا رد الثمن عليه أورد بدله إذا كان تالفا في المدة المعلومة بينهما يكون له الخيار في ان يفسخ العقد و يرد المبيع، و يسمى ذلك ببيع الخيار، فإذا أجريت الصيغة على ذلك و تم القبول، صح البيع، و نفذ الشرط و ترتبت أحكامه.

فإذا هو رد الثمن أو رد بدله مع تلفه على المشتري في المدة المعينة بينهما، جاز له فسخ البيع كما اشترط، و إذا انقضت مدة الخيار و لم يرد البائع الثمن أو بدله إذا كان تالفا، سقط

خياره و كان البيع لازما.

و لا يصح الفسخ من البائع إذا فسخ قبل أن يرد الثمن أو بدله، و ان كان فسخه في المدة المعينة، و لا يصح منه الفسخ إذا فسخ قبل حلول المدة المعينة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 75

المسألة 165:

يجوز للبائع بعد أن يرد الثمن على المشتري في الوقت المعين أو يرد بدله، ان ينشئ الفسخ بعد ذلك، فيقول: فسخت البيع أو فسخت العقد، أو رددته، و يجوز له أن ينشئ الفسخ بنفس الفعل، و هو رد الثمن فيقصد بالرد الخارجي الحاصل منه إنشاء الفسخ و يكون ذلك من الفسخ بالفعل لا بالقول.

المسألة 166:

رد الثمن الذي يصح للبائع معه أن يفسخ البيع، هو أن يحضره للمشتري بنفسه أو يحضر له بدله إذا كان تالفا، و يمكنه من قبضه و الاستيلاء عليه تمكينا تاما، بحيث لا يبقى من قبل البائع أي مانع للمشتري عن قبضه، فإذا أحضره لديه و مكنه من قبضه كذلك، فقد حصل الرد و جاز للبائع ان يفسخ البيع إذا كان ذلك في الوقت المعين للخيار، و ان امتنع المشتري عن القبض باختياره، فلا يكون ذلك مضرا بصدق الرد، و تحقق الحكم.

المسألة 167:

قد يشترط البائع على المشتري ان له خيار الفسخ في جميع المبيع، إذا هو رد الثمن كله في المدة المعينة بينهما، و قد يشترط عليه أن له خيار الفسخ في المبيع بمقدار ما يرده من الثمن، فإذا هو رد الجميع جاز له الفسخ في جميع المبيع، و إذا هو رد نصف الثمن مثلا أو ثلثه جاز له أن يفسخ بمقدار ما يرد، فإذا اشترط عليه شيئا من ذلك نفذ الشرط على حسب ما عين.

المسألة 168:

إذا وقع البيع الخياري بين البائع و المشتري على الوجه المتقدم بيانه، كان المشتري مالكا للمبيع من حين صدور العقد، فتكون جميع نماءاته و فوائده التي تحصل له منذ ذلك الوقت و التي تتجدد له في مدة الخيار ملكا للمشتري، و كان البائع مالكا للثمن فتكون نماءاته و فوائده منذ ذلك الوقت ملكا له كذلك، فإذا رد الثمن بعد ذلك و فسخ البيع، فلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 76

يرد مع الثمن نماءاته التي تجددت في مدة الخيار فإنها ملك للبائع و لا حق فيها للمشتري، و لا يرد مع المبيع نماءاته في تلك المدة، فإنها ملك للمشتري و لا حق فيها للبائع.

المسألة 169:

إذا كان للمشتري وكيل خاص يتولى التصرف عنه في تلك المعاملة الخاصة أو كان له وكيل عام يتولى التصرف عنه في مطلق معاملاته، صح للبائع أن يرد الثمن عليه، فإذا دفع الثمن اليه أو مكنه من قبضه و الاستيلاء عليه تمكينا تاما، تحقق الرد و ترتب عليه جواز فسخ البيع كما ذكرنا في المسألة المائة و السادسة و الستين، سواء كان المشتري حاضرا أم غائبا.

و إذا كان المشتري غائبا لا يمكن الوصول اليه، و لم يكن له وكيل خاص و لا عام يتولى القبض عنه، أو كان مجنونا، كفى البائع ان يرد الثمن على وليه، فان لم يكن له ولي خاص رجع في ذلك الى الحاكم الشرعي أو الى وكيله إذا كانت وكالته مطلقة، فإذا رد عليه الثمن جاز له فسخ البيع، إلا إذا كان الشرط المأخوذ في ضمن العقد أن يرد الثمن على المشتري بنفسه و ان يوصل الثمن بيده، فلا يكفي الوصول الى غيره.

المسألة 170:

الأحوط لزوما أن لا يتصرف المشتري في المبيع قبل انتهاء مدة الخيار تصرفا ينقل به العين الى ملك غيره، فلا يصح له بيعها و لا هبتها، و لا المصالحة عليها صلحا مملكا للعين على الأحوط في جميع ذلك.

المسألة 171:

إذا تلف المبيع في مدة الخيار كان ضمانه على المشتري، و لكن تلفه لا يوجب سقوط حق البائع من الخيار الذي اشترطه في العقد، فإذا هو رد الثمن على المشتري في المدة المعينة جاز له فسخ البيع، فإذا فسخه رجع على المشتري بمثل العين التالفة إذا كانت مثلية، و بقيمتها إذا كانت قيمية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 77

المسألة 172:

الثمن الذي تجري عليه المعاملة الخاصة بين البائع و المشتري، قد يكون عينا خاصة بيد المشتري فيجعلها ثمنا للمبيع و يحصل الاتفاق بينه و بين البائع على ذلك و يدفعها اليه ثمنا، و رد الثمن في هذه الصورة انما يكون برد تلك العين الخاصة التي قبضها من المشتري إذا كانت موجودة، فإذا ردها البائع إلى المشتري في الوقت المعين ثبت له خيار الفسخ.

و إذا تلفت العين المذكورة، فالظاهر عدم تحقق رد الثمن، إلا إذا علم من القرائن ان المراد من رد الثمن المذكور في الشرط، ما يعم رد العين إذا كانت موجودة، و يعم رد بدلها إذا كانت تالفة، فإذا رد البدل ثبت له الخيار.

و قد يكون الثمن الذي تجري عليه المعاملة بينهما شيئا كليا يستحقه البائع في ذمة المشتري، و إذا تم العقد بينهما دفع المشتري الى البائع فردا خاصا من الكلي و جعله وفاء عما في ذمته.

و يحصل رد الثمن في هذه الصورة بأن يرد البائع إلى المشتري نفس الفرد الخاص الذي دفعه إليه في المعاملة و جعله وفاء لما في ذمته، فإذا أرجعه إليه جاز له الفسخ.

و الظاهر انه يكفي في حصول الرد أيضا أن يدفع الى المشتري فردا آخر من أفراد الكلي المستحق في ذمته إذا كان الثمن من النقود، و لا يكفي

في الرد أن يدفع اليه فردا آخر منها إذا كان الثمن من غير النقود و قد يكون الثمن الذي تجري عليه المعاملة بين البائع و المشتري شيئا كليا في ذمة البائع نفسه و مثال ذلك أن يكون الرجل مدينا لصاحبه بمبلغ من المال، فيبيع داره على صاحبه بالمبلغ الذي يستحقه صاحبه في ذمته من المال.

و يحصل رد الثمن بأن يدفع الى المشتري فردا مما كان في ذمته.

المسألة 173:

يجوز لولي الطفل أو المجنون أو غيرهما من الأشخاص المحجور عليهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 78

أن يشتري لهم ببعض أموالهم بالبيع الخياري، و تصح المعاملة مع توفر شروط الصحة فيها، و يتولى الولي شؤون المعاملة ما دام الطفل أو المجنون محجورا عليهما.

فإذا اشترط البائع لنفسه خيار فسخ المعاملة إذا هو رد الثمن، كان له ذلك، و يكون رد الثمن على الولي لا على المولى عليه، و إذا بلغ الطفل الحلم و أفاق المجنون من جنونه و ارتفعت عنهما الولاية توليا بأنفسهما بقية شؤون المعاملة، فيكون رد الثمن عليهما لا على الولي، و يكون فسخ العقد معهما و جميع ذلك واضح.

المسألة 174:

إذا تولى الأب أو الجد أبو الأب المعاملة عن الطفل فاشترى له بماله ببيع الخيار صحت المعاملة كما تقدم، و إذا اشترط البائع لنفسه الخيار إذا رد الثمن، كان له ذلك، و الظاهر ان له رد الثمن على أي الوليين شاء، و يكون له الخيار و ان كان رده على الولي الذي لم يباشر الشراء، إلا إذا اشترط الرد عليه بالخصوص.

المسألة 175:

إذا ثبت للبائع خيار الشرط، ثم مات، انتقل هذا الخيار الى ورثته من بعده، فيجوز لهم أن يردوا الثمن على المشتري في المدة المعينة، و إذا أرادوا رد الثمن وزع عليهم على حسب حصصهم من الميراث فيرد كل واحد منهم مقدار ما يصيبه من الميراث، و إذا هم ردوا الثمن على المشتري كذلك، جاز لهم فسخ العقد، و إذا فسخوا العقد رجع إليهم المبيع على حسب حصصهم من الميراث.

المسألة 176:

إذا اشترط البائع لنفسه الخيار إذا هو رد الثمن على المشتري، ثم مات المشتري قبل ان يرد البائع عليه الثمن، كان للبائع ان يرد الثمن على ورثة المشتري، ثم يأخذ بالخيار كما اشترط لنفسه.

المسألة 177:

لا يختص خيار الشرط بالبائع، فيصح للمشتري أن يشترط لنفسه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 79

خيار الفسخ إذا هو رد المثمن إلى البائع في مدة معينة و يثبت له الخيار إذا تحقق الشرط.

و الظاهر ان المراد برد المثمن هو رد العين نفسها، فلا يكفي رد بدلها، إلا إذا علم من القرائن ان المراد رد العين مع وجودها و رد بدلها مع تلفها، فيكون ذلك هو المتبع.

و يجوز لكل من المتبايعين أن يشترطا لكل منهما الخيار إذا رد الى صاحبه ما انتقل اليه بالبيع منه و المتبع في جميع ذلك هو ما يتفقان عليه من الشرط في ضمن العقد.

المسألة 178:

يسقط خيار الشرط إذا انقضت المدة المضروبة و لم يرد البائع فيها الثمن على المشتري، فلا يكون له حق الخيار لعدم تحقق الشرط.

و كذلك إذا انقضت المدة و لم يرد المشتري المثمن على البائع إذا كان المشتري هو الذي شرط لنفسه الخيار.

و يسقط الخيار كذلك إذا أسقطه صاحب الحق باختياره بعد العقد.

(الرابع من أقسام الخيار، خيار الغبن).
المسألة 179:

إذا باع الإنسان سلعته بأقل من ثمن مثلها، و هو يجهل مقدار قيمة السلعة المتعارفة لها في السوق، كان له حق خيار فسخ العقد، إذا كان التفاوت في القيمة مما لا يتسامح به عند أهل العرف، و كذلك إذا اشترى الإنسان المتاع بأكثر من ثمنه بما لا يتسامح به و هو يجهل ذلك و يسمى هذا الحق خيار الغبن، و لا يثبت له هذا الخيار إذا كان عالما بالحال.

المسألة 180:

قد يبيع الإنسان حاجته بأقل من ثمن مثلها، و لا يعد في نظر أهل العرف مغبونا في بيعه، كما إذا باع الحاجة و اشترط لنفسه الخيار إذا هو رد الثمن في مدة معينة، فإنه لا يعد في هذه المعاملة مغبونا في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 80

نظر أهل العرف، لتعارف البيع بأقل من ثمن المثل في البيع الخياري.

و لا يثبت خيار الغبن للبائع أو المشتري في غير البيع الخياري، إذا كان التفاوت في القيمة يسيرا لا يعتد به لقلته، و المدار في ثبوت الحكم أن يكون مقدار التفاوت بين القيمتين مما لا يتسامح به عند أهل العرف فإذا اشترى الأرض بمائة ألف دينار أو أكثر من ذلك، و كان مقدار الغبن في الثمن خمسة آلاف دينار، فان هذا المقدار من التفاوت مما لا يتسامح به عند أهل العرف، فيثبت للمغبون به حق الخيار و يجوز له فسخ البيع و ان كان نصف عشر الثمن أو أقل منه.

المسألة 181:

لا يحق للمغبون أن يطالب الغابن بمقدار التفاوت بين القيمتين و يترك الفسخ، بل يتخير بين أن يفسخ البيع و يمضيه بتمام الثمن الذي وقع عليه البيع، و لا يجب عليه القبول إذا بذل الغابن له مقدار التفاوت.

نعم يجوز للغابن و المغبون أن يتصالحا على إسقاط حق الخيار بمقدار من المال، فإذا تصالحا على ذلك سقط الخيار و لزم الغابن أن يدفع للمغبون المال الذي صالحه به، سواء كان بمقدار التفاوت أم أقل من ذلك أم أكثر.

المسألة 182:

يثبت الخيار للمغبون من حين العقد الصادر بينهما، لا من حين ظهور الغبن له، و نتيجة لذلك فإذا فسخ المغبون العقد قبل أن يظهر الغبن و صادف ذلك وجود الغبن من حين صدور العقد انفسخ العقد من حين اعمال الخيار.

المسألة 183:

لا تجب المبادرة على المغبون في الأخذ بخيار الغبن، و لا يسقط حق الخيار إذا هو أخر إنشاء الفسخ، و ان كان عالما عامدا في تأخيره، كما إذا كان منتظرا لحضور الغابن، أو كان منتظرا لحضور من يستشيره في فسخ العقد، أو لغير ذلك من الأغراض العقلائية في التأخير، و كذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 81

إذا كان جاهلا بالغبن، أو جاهلا بثبوت حق الخيار للمغبون، أو كان ناسيا لذلك أو غافلا عنه فلا يسقط حقه من الخيار بذلك، فيجوز له أن يفسخ العقد بعد علمه و التفاته، و كذلك إذا بنى في أول الأمر على إمضاء العقد، ثم بدا له بعد ذلك أن يفسخ العقد، فيجوز له ذلك و لا يسقط حقه من الخيار، نعم ليس له التأخير عامدا بحيث يؤدي الى الضرر أو الحرج على الغابن من غير غرض صحيح.

المسألة 184:

إذا ثبت الغبن للبائع أو للمشتري في حال صدور العقد فكان التفاوت بين القيمتين مما لا يتسامح به عرفا كما ذكرنا في ما تقدم، ثم زادت قيمة المبيع بعد ذلك حتى زال الغبن، و خصوصا إذا كان ذلك قبل اطلاع المغبون على النقصان حال العقد، أشكل الحكم بالخيار، فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بعدم اعمال الخيار أو بالمصالحة بين المتبايعين.

المسألة 185:

يسقط خيار الغبن إذا أسقطه المغبون بعد العقد، سواء كان إسقاطه له قبل ظهور الغبن له أم بعد ظهوره له، و سواء كان إسقاطه للخيار على نحو التفصيل و بعد ما علم بمقدار الغبن أم كان على سبيل الاجمال كما إذا قال أسقطت حقي من الخيار سواء كان مقدار الغبن قليلا أم كثيرا.

المسألة 186:

إذا أسقط المغبون خياره و هو يعتقد ان مقدار التفاوت بين القيمتين قليل فظهر له بعد ذلك ان التفاوت كثير لم يشمله الاسقاط، و مثال ذلك ان يسقط حقه من الخيار و هو يحسب ان التفاوت بين القيمتين بمقدار عشرة، فاستبان له بعد ذلك ان التفاوت بمائة، فالظاهر عدم السقوط بذلك.

و على سبيل الإجمال إذا تردد الأمر في عبارة المغبون التي أسقط بها خيار الغبن بين الأقل و الأكثر أخذ فيها بالأقل، فلا يسقط الخيار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 82

إذا كان التفاوت أكثر من ذلك، إلا إذا علم أو قامت قرينة عرفية تدل على ارادة ذلك.

و كذلك الحكم إذا صالح الغابن المغبون عن حقه بمال، فأسقط بذلك حقه من الخيار، فيجري فيه القول المتقدم على التفصيل الذي ذكرناه في الأقل و الأكثر.

المسألة 187:

الثاني من مسقطات خيار الغبن أن يشترط الغابن على المغبون سقوط حقه من الخيار في متن العقد، و يجري في هذا المسقط كل ما ذكرناه في المسقط الأول، فلا يسقط الخيار إذا كان الفرق بين القيمتين كبيرا، الا مع العلم أو القرينة التي تدل على السقوط مطلقا.

المسألة 188:

الثالث من مسقطات خيار الغبن، أن يتصرف المغبون في العين التي انتقلت اليه تصرفا يدل على التزامه بالعقد الذي صدر بينهما و إسقاطه للخيار، سواء كان المغبون هو البائع أم المشتري، و سواء كان تصرفه في العين التي انتقلت اليه بعد علمه بالغبن الذي حصل له فيها أم كان قبل علمه بذلك، إذا كان التصرف كاشفا في نظر العقلاء، و أهل العرف عن التزامه بالعقد و عن إسقاطه للخيار على فرض كونه مغبونا.

و لا يسقط الخيار بتصرف المغبون في العين إذا لم يكن التصرف دالا على التزامه بالعقد و إسقاطه للخيار.

المسألة 189:

إذا ثبت للبائع المغبون حق الخيار، فأخذ بحقه و فسخ البيع، فان وجد المبيع عند المشتري باقيا على حاله، استرد المبيع منه. و ان وجده تالفا عند المشتري رجع عليه بمثله إذا كان المبيع مثليا، و بقيمته إذا كان قيميا، سواء كان تلفه بفعل المشتري نفسه أم بغير فعله، و قد ذكرنا الفارق بين المثلي و القيمي في المسألة التاسعة و التسعين، فليلاحظ ذلك.

و ان رأى في المبيع عيبا قد حدث عند المشتري، بفعله أو بآفة سماوية

كلمة التقوى، ج 4، ص: 83

أخذ المبيع، و أخذ معه أرش العيب، و سيأتي بيان المراد من العيب و بيان كيفية أخذ الأرش، في مبحث خيار العيب.

و ان وجد المشتري قد أخرج المبيع عن ملكه، فأعتق العبد المبيع مثلا أو وقف البستان المبيع أو نقل العين المبيعة إلى ملك غيره ببيع أو صلح أو هبة لازمة أو بعقد آخر لازم كان المبيع بحكم التالف، فيرجع البائع المغبون على المشتري بالمثل إذا كان المبيع مثليا و بقيمته إذا كان قيميا.

و كذلك الحكم إذا وجد المشتري قد اخرج المبيع

عن ملكه بعقد غير لازم، كما إذا وجده قد باع المبيع بخيار أو وهبه هبة غير لازمة، فإذا فسخ المغبون بخياره رجع على المشتري الغابن بالمثل أو القيمة، و ليس له إلزام الغابن بفسخ الهبة التي وهبها أو البيع الخياري الذي وقع منه، بل و لا يجب على الغابن رد العين الى المغبون إذا اتفق رجوعها الى الغابن بفسخ أو إقالة أو شراء جديد أو ميراث بعد دفعه البدل الى المغبون كما في النقل اللازم سواء بسواء.

نعم إذا رجعت العين الى الغابن قبل أن يدفع البدل الى المغبون وجب عليه ان يردها الى المغبون، و أولى من ذلك إذا رجعت العين اليه قبل فسخ المغبون.

المسألة 190:

إذا أراد البائع المغبون فسخ عقد البيع، فوجد المشتري قد آجر الدار مثلا على غيره، اجارة لازمة أو جائزة، لم تكن الإجارة مانعة للبائع عن فسخ العقد، و إذا هو فسخ البيع لم تنفسخ الإجارة بذلك، بل ترجع العين إلى البائع المغبون بعد فسخه مسلوبة المنفعة، و على المشتري أن يرد العين الى المغبون، و ان يدفع اليه معها أرش النقصان الحاصل للعين من جهة كونها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، فتقوم العين مرة بوصف كونها ذات منفعة في تلك المدة، و تقوم بوصف كونها مسلوبة المنفعة في تلك المدة مرة أخرى، و يرجع المغبون على المشتري بالعين و بالتفاوت ما بين القيمتين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 84

المسألة 191:

إذا أخذ البائع المغبون بحقه من الخيار ففسخ عقد البيع، و كان المبيع موجودا في يد المشتري، و لكنه قد تصرف في العين تصرفا مغيرا لها، فهنا صور مختلفة تجب ملاحظتها، لتطبيق أحكامها.

(الصورة الأولى): أن يكون المشتري قد تصرف في عين المبيع تصرفا أوجب نقيصتها، و قد تقدم منا في المسألة المائة و التاسعة و الثمانين:

ان البائع المغبون إذا وجد في المبيع عيبا، حدث عند المشتري بفعله أو بآفة سماوية أخذ عين المبيع من المشتري، و أخذ معها أرش النقيصة.

و إذا كانت النقيصة التي حدثت في المبيع، نقص صفة كمال يوجب فقدها اختلافا في القيمة، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة عليها بين الغابن و المغبون.

المسألة 192:

الصورة الثانية ان يكون المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا أوجب الزيادة فيه و تكون الزيادة الحاصلة صفة محضة من صفاته، كما إذا طحن الحنطة المبيعة أو صاغ الفضة أو غزل القطن أو الصوف.

فإذا لم تكن للصفة الحاصلة مالية، من حيث انها لم توجب زيادة في قيمة العين و ماليتها، فالظاهر ان المبيع كله للبائع المغبون، و لا حق للمشتري فيه. و كذلك الحكم إذا كانت للزيادة التي حصلت في المبيع مالية، و لم يكن حصولها بفعل المشتري، كما إذا باعه خلا قليل الحموضة، فزادت حموضته بسبب بقائه أياما و زادت قيمته لذلك، فإذا فسخ البائع العقد لخيار الغبن، أخذ المبيع و لم يكن للمشتري فيه حق.

و كذلك الحكم إذا حصلت في المبيع بسبب تصرف المشتري زيادة صفة مشوبة بالعين، كما إذا صبغ المشتري الثوب، و لم تكن لهذه الزيادة الحاصلة مالية، فيكون المبيع للبائع وحده و لاحق للمشتري فيه.

المسألة 193:

الصورة الثالثة أن تحصل في المبيع بسبب تصرف المشتري فيه زيادة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 85

صفة مشوبة بالعين، كما إذا صبغ الثوب، و ان تكون لهذه الزيادة مالية قد حصلت بفعل المشتري.

و الأحوط ان لم يكن هو الأقوى في هذه الصورة أن يكون المشتري شريكا في القيمة، فيجوز أن تباع العين و يقسم ثمنها بين البائع و المشتري على النسبة، و يجوز للبائع أن يأخذ المبيع و يؤدي ما للمشتري بالنسبة، و يجوز للبائع و المشتري أن يتصالحا بينهما بغير ذلك من الوجوه.

المسألة 194:

الصورة الرابعة أن يكون المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا أوجب الزيادة فيه زيادة عينية، و الزيادة العينية التي حصلت في المبيع قد تكون غير قابلة للانفصال عنه، كما إذا باعه المغبون حيوانا فسمن الحيوان بفعل المشتري، أو باعه شجرا فنما الشجر بفعله كذلك.

فإذا فسخ البائع المغبون البيع، فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بالمصالحة بين البائع و المشتري إذا كان سمن الحيوان و نمو الشجر بفعل المشتري كما ذكرنا، و إذا كان السمن و النمو في المبيع بغير فعل المشتري، فلا شي ء له فيها.

المسألة 195:

الصورة الخامسة ان تكون الزيادة التي حصلت في المبيع بسبب تصرف المشتري زيادة عينية كما ذكرناه، و تكون قابلة للانفصال عن عين المبيع، كالصوف و الوبر و الشعر و اللبن، و الثمر، و البناء في الأرض، و الزرع و الغرس فيها.

و الظاهر ان للمغبون في هذه الصورة إلزام المشتري بأحد أمرين يخيره بينهما، اما بفصل الزيادة عن العين و ان أوجب فصلها الضرر عليه، و اما بإبقائها مع دفع اجرة المثل للعين.

و إذا كان فصل الزيادة يوجب نقصا في الأرض، فعلى المشتري أن يتلافى ذلك بتسوية الأرض بعد قلع الشجر و البناء منها و طم حفرها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 86

و إذا اختار المشتري أحد الأمرين فليس للبائع منعه، و لا فرق في الحكم بين الغرس و الزرع.

المسألة 196:

الصورة السادسة أن يمزج المشتري المبيع بغير جنسه حتى يعد مستهلكا تالفا في نظر أهل العرف، كما إذا باعه ماء ورد، فخلطه المشتري بالماء حتى استهلك فيه، و حكمه في هذه الصورة حكم التالف، فيضمن المشتري المبيع للبائع بمثله إذا كان مثليا و بقيمته إذا كان قيميا.

الصورة السابعة أن يمزجه المشتري بغير جنسه و لا يعد مستهلكا تالفا، بل يعد موجودا ممزوجا كما إذا باعه خلا، فخلطه المشتري بالعسل أو بالسكر، و الظاهر ان الحكم في هذه الصورة حصول الشركة في العين بين البائع و المشتري بنسبة المالية في الخليطين، فإذا كان المبيع هو الخل و كانت قيمته قبل مزجه دينارا، و كانت قيمة العسل الذي خلطه المشتري به دينارين، كان للبائع الثلث من العين الموجودة بعد الخلط إذا هو فسخ العقد، و للمشتري الثلثان منها. و كذلك الحكم إذا خلطه المشتري بجنسه، و كان الممزوج به

أردأ أو أجود، فيكون شريكا في العين بنسبة المالية، كما إذا خلط الخل المبيع بخل أردأ منه أو أجود، فتلاحظ النسبة في المالية بين الخليطين على النهج الذي تقدم ذكره.

و إذا خلطه المشتري بجنسه و كان مثله في الرداءة و الجودة كان شريكا في العين بحسب نسبة مقدار ماله الى المجموع، فإذا باعه حقة واحدة من الخل و خلطه المشتري بحقتين منه و كانا متساويين في الرداءة و الجودة، فللبائع الثلث من مقدار المجموع و للمشتري الثلثان منه.

و الأحوط استحبابا المصالحة بين البائع و المشتري في جميع الصور، و خصوصا في الصورتين الأوليين.

المسألة 197:

إذا ثبت خيار الغبن للمشتري ففسخ عقد البيع، و كان البائع قد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 87

تصرف في الثمن، فقد يكون تصرفه في الثمن لا يوجب تغييرا في العين لا في نقص فيها و لا زيادة، و قد يكون تصرفه موجبا للنقص في العين، و قد يكون موجبا للزيادة فيها، و قد يوجب مزج العين بجنسها أو بغير جنسها، فتجري فيه جميع الصور المتقدمة و تترتب عليها الأحكام و الآثار التي بيناها في المسائل السابقة.

و كذلك إذا ثبت الخيار للمشتري، ففسخ العقد، و كان المشتري نفسه قد تصرف في المبيع تصرفا لا يوجب سقوط خياره، فتجري فيه الصور المتقدمة و تترتب عليها أحكامها، و كذلك إذا ثبت خيار الغبن للبائع، و كان البائع نفسه قد تصرف في الثمن تصرفا لا يوجب سقوط خياره، فيجري فيه كل ما تقدم من صور و أحكام.

المسألة 198:

إذا باع الإنسان على غيره سلعتين صفقة واحدة و كان لكل واحدة من السلعتين ثمن معين، و ظهر بعد العقد ان البائع مغبون ببيع احدى السلعتين، ثبت له خيار الغبن، فيجوز له فسخ البيع في السلعتين معا و يرد على المشتري ثمنهما، و يجوز له إمضاء البيع في الجميع بالثمن المسمى لهما في العقد، و يشكل الحكم بجواز التبعيض في الفسخ بأن يفسخ بيع احدى السلعتين دون الأخرى.

و كذلك الحكم إذا اشترى الإنسان سلعتين صفقة واحدة، كل واحدة منهما بثمن معين، و ظهر بعد العقد ان المشتري مغبون في شراء احدى السلعتين، فيجوز للمشتري المغبون ان يفسخ العقد في الجميع أو يرضى به في الجميع، و يشكل الحكم بالتبعيض.

المسألة 199:

لا يختص خيار الغبن بعقد البيع، بل يجري في كل معاملة عرفية تبتني على المماكسة في العوضين، فتجري في الإجارة و الصلح و غيرهما، فإذا آجر الإنسان داره من أحد بأقل من أجرة المثل أو استأجرها منه بأكثر منها ثبت للمغبون منهما خيار الغبن و جرت أحكام الخيار المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 88

المسألة 200:

إذا ثبت الخيار للمغبون ففسخ العقد، و وجد ماله الذي كان بيد الغابن تالفا، و كان تلفه بفعل الغابن نفسه أو بآفة سماوية رجع على الغابن ببدله، و هو مثله إذا كان مثليا و قيمته في يوم التلف إذا كان قيميا، و إذا كان تلفه بفعل شخص أجنبي رجع المغبون بالمثل أو بالقيمة على الغابن، و رجع الغابن بما غرمه للمغبون على الأجنبي المتلف، و إذا كان تلف المال بفعل المغبون نفسه لم يرجع على الغابن بشي ء.

و إذا تلف العوض الآخر و هو مال الغابن الذي كان في يد المغبون، ثم فسخ المغبون العقد فان كان تلفه بفعل المغبون نفسه أو كان تلفه بآفة سماوية رجع الغابن به على المغبون فأخذ منه مثله إذا كان مثليا، و أخذ قيمته في يوم التلف إذا كان قيميا، و إذا كان تلف المال بفعل شخص أجنبي، رجع به الغابن على المغبون على الوجه المتقدم، ثم رجع المغبون بما غرمه له على الأجنبي الذي أتلفه و إذا كان تلف مال الغابن بفعل الغابن نفسه لم يرجع به على المغبون.

و إذ تلف من أحد العوضين وصف يوجب تلفه الأرش فحكمه حكم تلف العين في جميع ما تقدم بيانه.

(الخامس من أقسام الخيار، خيار التأخير):
المسألة 201:

مورد هذا القسم من الخيار هو ان يبيع الإنسان على غيره سلعة معينة من ماله و لا يقبض من المشتري ثمنها، و لا يدفع البائع السلعة إلى المشتري حتى يجيئه المشتري بالثمن فان البيع في هذا المورد يكون لازما ثلاثة أيام، فإن دفع المشتري ثمن السلعة قبل انقضاء الأيام الثلاثة نفذ البيع، و ان لم يدفع المشتري الثمن حتى انقضى الأجل المذكور جاز للبائع أن يفسخ العقد، و ان يمضيه بالثمن المسمى

فيه.

المسألة 202:

يثبت للبائع خيار التأخير في المورد المذكور و ان قبض من المشتري بعض الثمن أو دفع هو الى المشتري بعض المثمن، فإذا هو لم يقبض من

كلمة التقوى، ج 4، ص: 89

المشتري جميع ثمن السلعة، و لم يدفع هو الى المشتري جميع المثمن حتى انقضت الأيام الثلاثة جاز له فسخ البيع و إمضاؤه.

المسألة 203:

المراد بالأيام الثلاثة و هي الأجل لثبوت هذا الخيار هو المراد بالأيام الثلاثة في خيار الحيوان، و قد ذكرناها في المسألة المائة و الثالثة و الخمسين، فإذا كان العقد في أول النهار فمدة الأجل تبدأ من أول ذلك النهار الى آخر النهار الثالث، و تدخل فيه الليلتان المتوسطتان و إذا وقع العقد في أثناء النهار، فمبدأ الأجل من ذلك الوقت الذي وقع فيه العقد الى مثل تلك الساعة من نهار اليوم الرابع، الى آخر ما بيناه في المسألة التي أشرنا إليها.

المسألة 204:

لا يثبت خيار التأخير إذا اشترط أحد المتبايعين على الآخر في ضمن العقد تأخير تسليم أحد العوضين مدة معينة أو اشترط تأخير التسليم في كليهما.

المسألة 205:

يختص خيار التأخير بالبيع و لا يجري في غيره من المعاملات و المعاوضات، حتى في الصلح الذي يفيد فائدة البيع، و حتى في الإجارة و الهبة المعوضة.

المسألة 206:

يثبت خيار التأخير إذا كان المبيع عينا شخصية في يد البائع أو في يد وكيله أو وليه مثلا، و يشكل الحكم بثبوت الخيار له إذا كان المبيع كليا في ذمته، و الأحوط لزوما ان لا يكون الفسخ في هذه الصورة إلا برضى الطرفين.

المسألة 207:

إذا تلفت السلعة التي وقع عليها عقد البيع و لم يدفع المشتري ثمنها في الأيام الثلاثة كان تلفها من مال البائع، سواء كان تلفها في الأيام الثلاثة أم بعدها، و سواء كان في حال ثبوت الخيار للبائع أم في حال سقوطه بأحد المسقطات، بل و ان أسقط الخيار باختياره.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 90

المسألة 208:

لا يجب الفور في خيار التأخير على الأقوى، فلا يسقط إذا أخر البائع الفسخ عن الثلاثة أيام و ان كان عامدا في ذلك، إلا إذا حصل أحد المسقطات.

المسألة 209:

يسقط خيار التأخير إذا أسقطه البائع باختياره بعد تحقق شرطه و هو انقضاء الأيام الثلاثة، و يشكل الحكم بسقوطه إذا أسقطه البائع قبل انتهاء الأيام الثلاثة، و يشكل الحكم بسقوطه كذلك إذا اشترط المشتري على البائع سقوط الخيار في ضمن العقد، فلا بد من الاحتياط في كلا هذين الفرضين.

المسألة 210:

لا يسقط خيار البائع إذا بذل المشتري له الثمن بعد انقضاء الأيام الثلاثة، فيجوز له فسخ البيع و ان كان المشتري باذلا للثمن بعد مضي الأجل، و لا يسقط خيار البائع إذا طالب المشتري بدفع الثمن و ان كانت مطالبته به بعد الأيام الثلاثة.

نعم إذا دفع المشتري الثمن بعد الثلاثة، فأخذه البائع منه بقصد استيفاء ثمن المبيع و الجري على المعاملة الصادرة بينهما، سقط خياره بذلك، و يكفي في تحقق ذلك القصد منه ان تدل القرائن عليه، و لا يسقط الخيار إذا أخذ المال من المشتري بقصد العارية أو الوديعة أو نحوهما.

المسألة 211:

إذا باع الإنسان السلعة على غيره، و كان المبيع مما يسرع اليه الفساد كالبقول و الخضروات التي يفسدها المبيت، و كاللحوم و الفواكه التي تنتنها أو تتلفها حرارة الوقت، و لم يقبض المشتري المبيع و لم يدفع ثمنه إلى البائع، ثبت الخيار للبائع قبل أن يعرض الفساد على المبيع، فيجوز له أن يفسخ البيع أو يمضيه، فإذا كان الشي ء مما يفسده المبيت كان له الخيار عند دخول الليل، و إذا كان مما يسرع اليه الفساد قبل ذلك كان له الفسخ و الإمضاء قبل عروض الفساد عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 91

المسألة 212:

يختص الحكم المذكور في المبيع إذا كان شخصيا، و لا يجري في ما إذا كان كليا فان المبيع الكلي ليس مما يسرع اليه الفساد أو يفسده المبيت، و الفرد الشخصي منه لا يكون للمشتري الا بعد التعيين و القبض، و إذا حصل القبض فيه لم يشمله الفرض في المسألة، و إذا عينه البائع لم يتعين للمشتري فيجوز للبائع ابداله اختيارا و لا يجوز له الفسخ.

(السادس من أقسام الخيار خيار الرؤية):
المسألة 213:

مورد خيار الرؤية هو أن يرى الإنسان شيئا، ثم يشتريه من مالكه اعتمادا على رؤيته لذلك الشي ء، و يجده بعد ما اشتراه ناقصا عن الأوصاف التي رآها للشي ء، أو يشتريه من غير مشاهدة، اعتمادا على وصف البائع أو على وصف غيره ممن رأى الشي ء و وصفه له، و يجده بعد ما اشتراه ناقصا عن الأوصاف التي ذكرت له، فيكون للمشتري الخيار بين أن يفسخ العقد فيرد المبيع و ان يمضي العقد فيمسك المبيع لنفسه بالثمن المسمى بينه و بين البائع.

المسألة 214:

و يثبت خيار الرؤية كذلك للبائع، إذا هو باع الشي ء اعتمادا على رؤيته السابقة لذلك الشي ء، و يجده بعد ما باعه زائدا في الصفات على رؤيته الأولى، أو يبيع الشي ء اعتمادا على وصف غيره من غير رؤية من البائع، ثم يجده بعد البيع زائدا على الوصف الذي ذكره الواصف له فيكون له الخيار بين الفسخ و الإمساك بالثمن المسمى.

و يثبت خيار الرؤية كذلك للبائع إذا وجد الثمن الذي صار اليه ناقصا عما وصف له أو عما رآه في الثمن في رؤيته السابقة له، و يثبت خيار الرؤية للمشتري إذا وجد الثمن المعين الذي وقع عليه البيع زائدا عما وصفه له الواصف حين العقد، أو زائدا عما وجده له من الأوصاف في رؤيته السابقة له، فيكون لهما الخيار المذكور.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 92

المسألة 215:

يتخير البائع أو المشتري حينما يثبت له خيار الرؤية بين أن يفسخ العقد و يرد المبيع و أن يمضي البيع بالثمن الذي وقع عليه العقد، كما ذكرناه أكثر من مرة، و لا يحق له إذا ترك الفسخ و أمضى العقد أن يطالب صاحبه بالأرش، و هو التفاوت ما بين القيمتين إذا كان الشي ء الذي انتقل اليه ناقصا في الوصف، أو يطالبه بقيمة الوصف الزائد إذا كان الشي ء الذي انتقل منه لصاحبه زائدا.

و لا يسقط خيار صاحب الخيار منهما إذا بذل له صاحبه أرش النقصان أو بذل له قيمة الوصف الزائد، و لا يسقط خياره كذلك إذا أبدل له صاحبه العين بعين أخرى واجدة للوصف الذي ذكره في العقد.

المسألة 216:

الوصف الذي يوجب تخلفه الخيار، قد يكون وصفا له دخل في صحة الشي ء، فيكون فقده عيبا يوجب خيار العيب، و هو الذي سيأتي تفصيل الكلام فيه ان شاء اللّٰه تعالى في القسم السابع من أقسام الخيار.

و قد يكون وصفا له دخل في كمال الشي ء، و هذا يقع على نحوين، أحدهما أن يكون الوصف موجبا للرغبة العامة بين الناس، و لذلك فيكون موجبا لزيادة ماليته، و مثال ذلك أن يكون العبد كاتبا و مفكرا يعتمد عليه في إنجاز المهمات، أو يكون أمينا يوثق بصدقه و صحة أعماله، و نحو ذلك من الأوصاف، الثاني أن يكون الوصف محطا لرغبة المشتري أو البائع بالخصوص، فتزيد لذلك قيمته عنده، و ان كانت مخالفة للرغبة العامة، و مورد البحث في خيار الرؤية هو وصف الكمال في الشي ء سواء كان من النحو الأول الذي يوجب الرغبة العامة أم من النحو الثاني الذي يوجب الرغبة الخاصة.

المسألة 217:

يختص خيار الرؤية في ما إذا كان المبيع عينا شخصية فإنها هي التي يتصور فيها تخلف الوصف عما رآه فيها سابقا أو عما ذكره الواصف من صفاتها فتزيد أو تنقص، و اما إذا كان المبيع كليا موصوفا فالواجب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 93

على البائع أن يدفع للمشتري فردا توجد فيه أوصاف الكلي المبيع و إذا دفع له فردا تنقص فيه بعض الأوصاف فللمشتري أن يطالبه بفرد توجد فيه صفات المبيع، و ليس له الخيار في ان يفسخ العقد.

المسألة 218:

إذا باع الإنسان على غيره كليا موصوفا في المعين، ثم تخلف الوصف، كما إذا باع عليه صاعا جيدا من هذه الصبرة، و حينما دفع اليه الصاع وجده من غير الجيد، فذلك مما يتصور وقوعه على نحوين:

أحدهما أن يبيعه صاعا كليا من هذه الصبرة الجيدة، فتكون الجودة وصفا للصبرة جميعها، و لما دفع اليه الصاع وجده و وجد الصبرة كلها من غير الجيد، و الظاهر أن للمشتري الخيار في هذا الفرض و يكون بحكم بيع العين الشخصية في المسألة المتقدمة.

الثاني: أن يبيعه صاعا جيدا من هذه الصبرة، و لما دفع اليه الصاع وجده من غير الجيد، و لكن الصبرة نفسها فيها الجيد و غير الجيد، و الظاهر ان للمشتري في هذا الفرض مطالبة البائع، بصاع جيد من الصبرة كما وقع عليه العقد بينهما و ليس له حق الخيار، و يكون الحكم في هذا الفرض حكم بيع الكلي الموصوف في المسألة المتقدمة.

المسألة 219:

لا يصح بيع العين الشخصية الغائبة- كما هو مورد خيار الرؤية- إلا إذا اعتمد فيه على رؤية سابقه للعين المبيعة، و انما تكفي الرؤية السابقة في صحة بيع البائع لها أو في شراء المشتري إذا كان الرائي واثقا بأن صفات العين التي رآها باقية الى حين البيع، أو يعتمد فيه على وصف رافع للجهالة و الغرر في المبيع و الثمن بذكر جنسهما و نوعهما و صفاتهما التي تختلف باختلافها الرغبات العامة و الخاصة، و تتفاوت بسببها المالية و الأعواض، و انما يكفي الوصف للعين الغائبة إذا حصل منه الاطمئنان بأن العين في حال العقد على النحو الموصوف.

المسألة 220:

القول المشهور بين الأصحاب قدس اللّٰه أرواحهم: انه يجب الفور

كلمة التقوى، ج 4، ص: 94

في خيار الرؤية، فإذا لم يبادر صاحبه الى الفسخ سقط خياره، و هو مشكل فلا بد فيه مع التأخير من الاحتياط.

المسألة 221:

يسقط خيار الرؤية إذا أسقطه صاحبه باختياره، سواء كان إسقاطه له بعد رؤية العين أم قبلها، و يسقط خياره كذلك إذا تصرف في العوض الذي انتقل اليه تصرفا يدل على التزامه بالبيع، سواء كان تصرفه قبل الرؤية أم بعدها.

و يشكل الحكم بسقوط خياره إذا اشترط عليه سقوطه في ضمن العقد، و يشكل الحكم بسقوطه كذلك إذا هو تأخر فلم يبادر للفسخ كما نقلناه عن المشهور، فلا يترك الاحتياط في الفرضين الأخيرين.

(السابع من أقسام الخيار: خيار العيب):
المسألة 222:

إذا اشترى الإنسان شيئا فوجد في الشي ء عيبا كان للمشتري الخيار بين أن يفسخ العقد فيرد المبيع على صاحبه و يسترد منه الثمن، و ان يمضي البيع بالثمن المسمى، و أن يمسك المبيع و يطالب بائعه بالأرش، و هو التفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب، فيتخير ما بين الأمور الثلاثة المذكورة.

و كذلك الحكم في ما إذا باع الإنسان سلعته بثمن شخصي معين، فوجد في الثمن المعين الذي دفعه إليه المشتري عيبا فيكون للبائع الخيار بين الأمور الثلاثة المتقدم ذكرها، فيجوز له أن يفسخ العقد فيرد الثمن على صاحبه و يسترد منه المبيع، و يجوز له أن يمضي العقد بالثمن المسمى، و يجوز له أن يمسك الثمن المعيب المدفوع اليه و يطالب المشتري بأرش النقصان فيه.

و إذا باع السلعة بثمن كلي، و وجد الفرد الذي دفعه إليه المشتري معيبا لم يثبت له الخيار المذكور فيه بل تجوز له مطالبة المشتري بفرد صحيح لا عيب فيه من الثمن الكلي.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 95

المسألة 223:

العيب الذي يثبت به الخيار هو ما كان على خلاف الخلقة الأصلية في الشي ء، سواء كان نقصا في العين أم زيادة، فالعمى و الصمم و البكم و العرج و الإقعاد و العور و فقد بعض الأعضاء و الشلل في بعضها عيب يثبت به الخيار، و زيادة اليد أو الرجل أو الكف أو القدم أو الإصبع أو أحد الأعضاء الأخرى عيب يثبت به الخيار كذلك، و انتشار بعض السموم و العناصر الغريبة في تربة الأرض المبيعة التي تمنع نمو الزرع فيها أو تضعف الغرس أو تقلل الإنتاج عيب يثبت به الخيار، و هكذا فعيب كل شي ء هو النقص أو الزيادة اللذان يعدان خللا

في الخلقة الأصلية بالنسبة الى ذلك الشي ء سواء كان الناقص منه أو الزائد فيه جزءا من أجزائه أو صفة من صفاته.

بل حتى بعض الطواري التي تعرض على الشي ء و تلازمه حتى تعد عرفا عيبا من عيوبه كنزول الجيش في الأرض أو بالقرب منها، و كوجود بعض الضواري و السباع فيها، حتى يمتنع المالك من الإفادة من أرضه و التصرف فيها كما يريد، فالظاهر ثبوت حكم العيب كذلك.

المسألة 224:

ذكر جماعة من الفقهاء ان العيب إذا كان موجودا في أكثر أفراد الصنف لا يجري عليه حكم العيب، فلا يوجب وجوده الخيار، و مثلوا لذلك بالثيبوبة في الإماء فلا تعد فيهن عيبا، و الظاهر أن ما ذكروه انما هو في الإماء الكبيرات، فان الغالب فيهن ذلك فيتم فيهن ما أفادوه. و أما الإماء الصغيرات غير المدركات أو في أول ادراكهن، فالأقوى ان الثيبوبة فيهن عيب فيجري فيها حكم العيب.

المسألة 225:

الظاهر ان الحمل في الجواري المبيعة من العيوب فيهن، فإذا وجد المشتري الأمة التي اشتراها حاملا كان له الخيار فيها، و ليس الحكم كذلك في الحيوانات.

المسألة 226:

لا يعتبر في العيب الذي يثبت به الخيار أن يكون موجبا لنقص المالية

كلمة التقوى، ج 4، ص: 96

في الشي ء فإذا اشترى الإنسان الشي ء فوجده معيبا، و كان العيب مما لا تنقص به المالية، كان له الخيار بين ان يفسخ العقد، و يمضيه بالثمن المسمى، نعم لا يجوز له أن يمسك الشي ء المبيع و يطالب البائع بأرش النقصان فيه، الا إذا كان العيب الموجود فيه يوجب النقص في المالية، و سيأتي التعرض لذلك في ما يسقط به الأرش دون الرد في المسألة المائتين و السادسة و الثلاثين.

المسألة 227:

قد بينا في ما تقدم ان البائع أو المشتري إذا وجد في العوض الذي انتقل اليه عيبا، كان له الخيار بين أمور ثلاثة، فيجوز له أن يفسخ البيع، فيرجع بسبب ذلك كل واحد من العوضين الى مالكه الأول، و يجوز له أن يرضى بالبيع و يمضيه بالثمن المسمى الذي وقع عليه العقد بينه و بين صاحبه، و يجوز له أن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل اليه بالبيع، و يطالب مالكه الأول بأرش العيب الذي وجده فيه.

و هنا مواضع خاصة يخرج فيها الحكم عن هذه القاعدة، فيكون له الخيار فيها بين أمرين فقط، فيجوز له أن يمضي البيع بالثمن المسمى و يرضى بالمعيب، و يجوز له أن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل اليه بالبيع، و يطالب صاحبه بأرش النقصان فيه، و لا يثبت له الشق الثالث من الخيار، و هو أن يفسخ العقد، فيرد كلا من العوضين الى مالكه الأول.

و يثبت هذا الاستثناء في عدة موارد نفصلها في المسائل الآتي بيانها ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 228:

المورد الأول: ان يلتزم صاحب الخيار بالعقد الصادر بينه و بين صاحبه، و من الواضح ان التزامه بالعقد انما يدل على رضاه بالبيع، و لا يدل على رضاه بالعوض المعيب، و لا يكون موجبا لسقوط حقه من الأرش، و نتيجة لذلك فيكون له الخيار بين أن يبقى البيع بالثمن المسمى و أن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل اليه و يطالب مالكه الأول بأرش النقصان فيه كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 97

المسألة 229:

المورد الثاني: أن يتصرف صاحب الخيار في العوض المعيب الذي انتقل اليه تصرفا يدل على التزامه بالعقد و اختياره عدم فسخه، فيطأ الجارية المبيعة أو يقبلها أو يلمسها لمسا يحرم على غير المالك، و هو كالمورد الأول انما يدل على رضاه بالعقد و لا يدل على رضاه بالعيب، فلا يسقط به حقه من الأرش و نتيجة لذلك فيكون مخيرا بين الأمرين الآنف ذكرهما.

المسألة 230:

المورد الثالث: ان تتلف العين المعيبة التي انتقلت اليه فلا يمكن له ردها الى مالكها الأول، و لا يحق له أن يختار فسخ العقد، بل يكون مخيرا بين الأمرين الآخرين الأنف ذكرهما.

المسألة 231:

المورد الرابع: أن يخرج صاحب الخيار العين المذكورة عن ملكه بسبب شرعي ناقل فيبيع العين على غيره أو يهبها له أو يقفها، أو يعتق العبد المملوك أو الأمة المملوكة.

المسألة 232:

المورد الخامس: ان يتصرف صاحب الخيار في العين تصرفا خارجيا يوجب تغيرها فلا يصدق معه ان العين باقية قائمة بحالها، و مثال ذلك أن يفصل الثوب المبيع أو يخيطه أو يطحن الحنطة، أو يغزل القطن أو الصوف أو ينسجهما.

المسألة 233:

المورد السادس: أن يتصرف في العين تصرفا شرعيا اعتباريا بحيث لا يصدق معه ان العين قائمة بحالها، و مثال ذلك ان يؤجر الدار من غيره أو يرهنها عنده.

المسألة 234:

المورد السابع: ان يحدث في الشي ء المعيب الذي انتقل اليه عيب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 98

جديد بعد ما قبضه من مالكه الأول، فلا يحق له بعد حدوث العيب الجديد أن يفسخ البيع بسبب العيب السابق.

و نتيجة لكل ما تقدم فلا يجوز لصاحب الخيار أن يفسخ البيع في جميع هذه الموارد، و يكون في كل واحد منها مخيرا بين أن يرضى بالعقد فيمضيه بالثمن المسمى و يرضى بالمعيب، و ان يمسك بالعوض المعيب الذي صار اليه و يطالب صاحبه بأرش النقيصة فيه.

المسألة 235:

إذا اشترى الإنسان شيئا، و كان له في ذلك العقد خياران، أحدهما خيار عيب، و الثاني خيار حيوان مثلا أو غيره من أقسام الخيار، ثم حدث في المبيع عيب جديد بعد ما قبضه من البائع، فإن هذا العيب الحادث انما يمنعه من أن يفسخ العقد بخيار العيب السابق، و لا يمنعه من أن يفسخ العقد بخياره الآخر.

المسألة 236:

و يستثنى أيضا من القاعدة الآنف ذكرها في المسألة المائتين و السابعة و العشرين مورد واحد آخر يسقط فيه الأرش و لا يسقط فيه الرد، فيكون صاحب الخيار في هذا المورد مخيرا بين أن يفسخ البيع فيرد كلا من العوضين الى مالكه الأول، و ان يرضى بالبيع فيمضيه بالثمن المسمى، و المورد المشار اليه هو ما إذا كان العيب الموجود في الشي ء لا يوجب نقصا في ماليته في نظر أهل العرف كزيادة الإصبع الواحد في العبد المملوك و خصوصا إذا كان في القدم، و لذلك فلا يوجب بيعه أرشا للمشتري لعدم التفاوت في القيمة و المالية بين الصحيح منه و المعيب، نعم يكون من أجل وجود العيب مخيرا بين الأمرين الآنف ذكرهما.

قالوا: و من هذا النوع من العيب الخصاء في العبيد إذا اتفق تعلق غرض نوعي به بين عامة الناس كما نقل عن بعض فترات التأريخ، فكانت قيمة العبد الخصي من أجل هذه الغاية تساوي قيمة الفحل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 99

المسألة 237:

قال جماعة من الفقهاء، و هنا مورد آخر يسقط فيه الأرش كذلك و لا يسقط فيه الرد، فيجري فيه الاستثناء المذكور في المسألة الماضية، و هو ما إذا اشترى الإنسان شيئا ربويا بعوض من جنسه من غير تفاضل، فظهر في أحد العوضين عيب، فلا يجوز لصاحب الخيار أن يأخذ أرش النقصان من الآخر حذرا من الربا المحرم في المعاملة، و لذلك فيكون مخيرا بين رد البيع و إمضائه بالثمن المسمى.

و لكن الأقوى جواز أخذ الأرش، فإن دفع أرش النقصان من أجل العيب لا يوجب زيادة في العوض في المعاملة فلا يلزم منه الربا.

المسألة 238:

لا خيار للمشتري إذا اشترى السلعة و هو يعلم قبل عقد البيع بوجود العيب فيها و لا خيار كذلك للبائع إذا باع سلعته بالثمن الشخصي المعين و هو يعلم قبل العقد بوجود العيب في الثمن، فلا يجوز لهما فسخ البيع، و لا حق لهما في المطالبة بالأرش.

المسألة 239:

إذا تبرأ البائع في عقد البيع من العيوب في الشي ء المبيع، فاشترط فيه أن لا يرجع المشتري عليه بالثمن و لا يطالبه بالأرش إذا ظهر الشي ء معيبا، و قبل المشتري بشرطه، لم يثبت للمشتري خيار إذا ظهر كونه معيبا، فلا يجوز له رد البيع و لا المطالبة بالأرش.

و كذلك الحكم إذا تبرأ المشتري في ضمن العقد من عيوب الثمن الشخصي و قبل البائع بشرطه فلا خيار للبائع إذا ظهر الثمن معيبا، فلا حق له في الرد و لا في الأرش.

المسألة 240:

يسقط خيار العيب للمشتري إذا أسقطه هو باختياره بعد أن ظهر له وجود العيب في الشي ء المبيع، فلا يحق له بعد ذلك رد البيع و لا المطالبة بالأرش، و كذلك الحكم إذا أسقط هو حقه من خيار العيب قبل أن يظهر له وجود العيب في الشي ء و كان موجودا فيه حين العقد، فلا يجوز

كلمة التقوى، ج 4، ص: 100

له ان يرد البيع أو يطالب بالأرش، و يسقط خيار العيب للبائع إذا أسقطه هو باختياره قبل أن يظهر له وجود العيب في الثمن الشخصي أو بعد ما ظهر له إذا كان العيب موجودا فيه حين العقد، فلا يجوز له رد البيع و لا المطالبة بالأرش في الصورتين.

المسألة 241:

و يسقط خيار العيب كذلك إذا اشترط البائع على المشتري في ضمن العقد و إذا اشترط المشتري على البائع في ضمن العقد سقوط خياره، إذا كان العوض الذي انتقل اليه من صاحبه معيبا، و قبل الآخر بشرطه، فلا يجوز للمشترط عليه رد البيع و لا مطالبة صاحبه بالأرش إذا وجد الشي ء معيبا.

المسألة 242:

إذا اشترط احد المتبايعين على الآخر في ضمن العقد سقوط الأرش وحده، أو سقوط رد البيع وحده إذا كان الشي ء معيبا، و قبل الآخر بالشرط، اتبع الشرط المجعول بينهما و لم يسقط الخيار من أصله، بل يسقط حق المطالبة بالأرش وحده في الصورة الأولى، و يكون صاحب الخيار مخيرا بين رد العقد و إمضائه بالثمن المسمى، و يسقط الرد وحده في الصورة الثانية، و يكون صاحب الخيار مخيرا بين إمضاء العقد بالثمن المسمى، و إمساك الشي ء المعيب و مطالبة صاحبه بالأرش.

المسألة 243:

ذهب جماعة من العلماء الى وجوب الفور و المبادرة في خيار العيب فإذا تأخر صاحب الخيار فلم يفسخ و لم يطالب بالأرش سقط خياره، و ذهب آخرون الى عدم وجوب المبادرة فإذا تأخر و لم يبادر لإعمال خياره لم يسقط خياره، و هو مشكل، فإذا تأخر صاحب الخيار في اختيار الفسخ أو الإمساك بالأرش، فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة.

المسألة 244:

إذا كان الشي ء معيبا في حين وقوع العقد عليه ثم زال عيبه بعد ذلك و قبل ان يعلم به المشتري، فالظاهر عدم سقوط الخيار بذلك، فيتخير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 101

صاحبه بين ان يفسخ العقد و ان يمسك المعيب بالأرش، و له أن يرضى بالبيع بالثمن المسمى، و الأحوط استحبابا أن يختار رد البيع مع إمكانه فان لم يمكن الرد أمسك بالمعيب و طالب صاحبه بأرشه.

المسألة 245:

العيوب التي تحدث في الشي ء تقع على عدة أنحاء، فلا بد من ملاحظتها فإنها مختلفة الآثار.

النحو الأول: العيب الذي يكون موجودا في الشي ء حين وقوع عقد البيع، و هذا هو الموضوع الذي يثبت عند تحققه الخيار للمشتري إذا كان العيب في المبيع، و للبائع إذا كان العيب في الثمن الشخصي المعين أو ما هو بحكمه و قد سبق تفصيل ذلك في المسائل المتقدمة.

و المدار على وجود العيب في الشي ء حال العقد كما ذكرناه سواء كان حدوثه فيه مقارنا للعقد أيضا أم كان سابقا عليه و ان لم يعلم به صاحب الخيار الا بعد ذلك، بل و ان زال العيب قبل أن يعلم به، و قد تقدم منا بيان جميع ذلك.

النحو الثاني: العيب الذي يحدث في الشي ء بعد قبضه من بائعه، و هو لا يوجب خيارا للمشتري أو للبائع، و لكنه يمنع صاحب الخيار من الرد بالعيب السابق، و قد تقدم بيان ذلك في المسألة المائتين و الرابعة و الثلاثين.

النحو الثالث: العيب الذي يحدث في الشي ء بعد وقوع العقد عليه و قبل قبضه من مالكه الأول، و هل يكون حدوث هذا العيب موجبا للخيار لمن انتقل اليه ذلك الشي ء الذي حدث به العيب و لم يكن فيه عيب سابق،

و هل يمنع من الرد و الفسخ بسبب العيب السابق إذا كان معيبا سابقا؟؟

و هو موضع إشكال في جميع فروضه، فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة في جميعها.

نعم إذا كان حدوث هذا العيب بفعل المشتري نفسه لم يكن له أثر، فيكون بيع البائع عليه لازما، و لا خيار للمشتري فيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 102

المسألة 246:

يرجع في معرفة قيمة الشي ء الصحيح و المعيب الى أهل الخبرة بتقويم ذلك الشي ء و تمييز مراتب الصحة و العيب فيه و مقادير تفاوتها في القيم، و لا ريب في ان أهل الخبرة في بعض الأشياء غير أهل الخبرة في البعض الآخر منها، فالخبير بتقويم الدور و المنازل غير الخبير بالبساتين و الأراضي، و هو غير الخبير بتقويم السيارات و أدوات النقل، و هم غير أهل الخبرة بالامتعة و الأثاث، و هكذا في الأدوات و الأجهزة بعضها مع بعض و الأطعمة بعضها مع بعض، و الخبرة في كثير مما ذكر تفتقر إلى ممارسة و مران و طول مزاولة و تثبت، و ذلك واضح جدا و نحن نذكره للتنبيه، و على أي حال فلا بد في تقويم أي شي ء من الرجوع الى الخبراء بقيمة نوع ذلك الشي ء و أصنافه و أفراده و صحيحه و معيبه و التمييز بين مراتب العيوب في النقص و في القيمة.

و يكفي في المقوم من أهل الخبرة الواحد بشرط أن يكون أمينا موثوقا على الأقوى و ان كان الأحوط استحبابا ان يرجع الى مقومين عدلين و لا سيما في ما كان مظنة للغبن و مثارا للنزاع.

المسألة 247:

أرش العيب هو مقدار التفاوت ما بين قيمة الشي ء معيبا و قيمته صحيحا، فإذا أريدت معرفة ذلك، رجع الى أهل الخبرة كما ذكرناه، فقوموا الشي ء المبيع صحيحا، تقويما عادلا لا غبن فيه ثم قوموه معيبا كذلك، ثم لوحظت نسبة قيمة المعيب إلى قيمة الصحيح، فأخذ من الثمن المسمى الذي وقع عليه العقد بتلك النسبة، و نقص منه بسبب وجود العيب فيه بتلك النسبة.

فإذا اشترى الإنسان المتاع بعشرين دينارا فوجده معيبا، و كانت قيمة ذلك المتاع عند

أهل الخبرة خمسة و عشرين دينارا في حال صحته، و كانت قيمته عشرين دينارا في حال وجود العيب فيه و نسبة القيمة المذكورة للمعيب إلى قيمة الصحيح هي أربعة أخماسها و التفاوت ما بين القيمتين بخمسة دنانير و هي خمس قيمة الصحيح، فإذا أراد المشتري من البائع أرش العيب كان للمشتري خمس الثمن الذي وقع عليه العقد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 103

فيرجع على البائع بأربعة دنانير في المثال و هي خمس الثمن، و يكون للبائع منه ستة عشر دينارا و هي أربعة أخماسه.

المسألة 248:

إذا اختلف أهل الخبرة في تقويم الشي ء الصحيح أو في تقويم المعيب أو في تقويم كليهما فان اتفقت النسبة بين قيمتي الصحيح و المعيب في كلا التقويمين عمل بها، و مثال ذلك أن يقوم بعض أهل الخبرة الشي ء في حال صحته بعشرة دنانير و يقومه في حال وجود العيب فيه بخمسة دنانير، و يقوم بعضهم الصحيح بثمانية دنانير، و يقوم المعيب بأربعة دنانير، فان التفاوت بين القيمتين في كلا التقويمين بالنصف، فالخمسة نصف العشرة في التقويم الأول كما ان الأربعة نصف الثمانية في التقويم الثاني، فيؤخذ نصف الثمن المسمى.

و إذا اختلفت النسبة ما بين قيمتي الصحيح و المعيب في التقويمين فكانت النسبة بينهما هي النصف مثلا في أحد التقويمين و كانت النسبة هي الثلث في التقويم الثاني أو أقل من ذلك أو أكثر، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة حتى في ما إذا كان بعض المقومين أقوى خبرة أو أكثر عددا، و كذلك الحكم إذا كان المقومون أكثر من اثنين، فان اتفقوا على النسبة بين قيمة الصحيح و قيمة المعيب عمل عليها و ان اختلفوا في ذلك رجع الى الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 249:

إذا باع الإنسان على غيره متاعين في عقد واحد و كان لكل واحد من المتاعين ثمن مستقل عن الآخر، فوجد المشتري في أحد المتاعين المبيعين عيبا، كان للمشتري الخيار في المتاع المعيب، فيجوز له أن يفسخ البيع فيه فيرد المتاع على بائعه و يسترد منه ثمنه، و يجوز له أن يمضي البيع فيه و يرضى به بالثمن المسمى، و يجوز له ان يمسك المتاع المعيب و يطالب البائع بأرشه، و إذا اختار أن يرد المعيب ففسخ بيعه، كان للبائع أن يفسخ البيع في المتاع الثاني الصحيح

لتبعض الصفقة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 104

المسألة 250:

إذا باع الإنسان على غيره متاعين في عقد واحد بثمن واحد، فوجد المشتري في أحد المتاعين عيبا، كان للمشتري الخيار في العقد، فيجوز له أن يفسخ البيع فيرد المتاعين معا على بائعهما و يسترد منه ثمنهما، و يجوز له أن يرضى بالبيع فيمضيه في المتاعين معا بالثمن المسمى، و يجوز له أن يمسك المتاعين و يطالب البائع بأرش المعيب منهما، و ليس له ان يرد المتاع المعيب وحده.

المسألة 251:

إذا اشترك رجلان فاشتريا من شخص شيئا واحدا، فوجدا الشي ء معيبا، ثبت لكل واحد منهما الخيار في حصته من المبيع، فيجوز لأحدهما أن يفسخ البيع في حصته و يردها على بائعها و يسترد منه ثمنها و ان لم يوافقه المشتري الآخر على ذلك، فإذا فسخ في حصته من المبيع كان للبائع الخيار في أن يفسخ العقد مع المشتري الآخر لتبعض الصفقة.

المسألة 252:

إذا اشترى الإنسان عبدا أو أمة ثبت للمشتري خيار العيب متى أصاب العبد أو الأمة جنون أو جذام أو برص أو قرن، فيجوز له فسخ البيع، و يجوز له إمساك المملوك و المطالبة بالأرش على نهج ما تقدم، و ان حدث فيه أحد هذه العيوب بعد العقد إلى مدة سنة من يوم العقد، و من أجل ذلك سميت هذه العيوب في بعض النصوص بأحداث السنة.

و إذا جعل العبد أو الأمة ثمنا شخصيا لمبيع، ثبت الخيار للبائع كذلك الى انتهاء السنة، و الجذام و البرص مرضان معروفان، و يرجع فيهما عند الاشتباه الى أهل الخبرة الثقات من أطباء و غيرهم، و القرن، و يقال له العفل أيضا لحم أو عظم أو غدة تنبت في فرج المرأة تمنع الزوج من الوطء أو توجب تنفره عند المجامعة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 105

الفصل السادس في بعض أحكام الشرط و الخيار

المسألة 253:

إذا شرط البائع على المشتري أو شرط المشتري على البائع شيئا في ضمن عقد البيع وجب على المشروط عليه منهما الوفاء بذلك الشي ء إذا كان جامعا للشرائط الآتي ذكرها. و مثال ذلك أن يبيع الرجل دارا على شخص آخر بثمن معين، و يشترط البائع على المشتري في ضمن عقد البيع ان يسكن البائع الدار المبيعة شهرا أو شهرين مثلا، فيجب على المشتري أن يفي للبائع بما شرط عليه فيمكنه من سكنى الدار المدة المعلومة.

و كذلك الحكم إذا شرط أحد المتعاقدين على الآخر شرطا في ضمن عقد لازم آخر غير البيع كالنكاح و الإجازة و الصلح و الهبة اللازمة أو أي عقد لازم آخر، فيجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط المأخوذ في ضمن العقد اللازم كما يجب الوفاء بالعقد اللازم نفسه و لا يختص الحكم بالبيع.

المسألة 254:

لا ينفذ الشرط و لا يجب الوفاء به إذا كان مخالفا للكتاب و السنة، و المراد بما يخالف الكتاب و السنة أن يكون الشي ء المشروط فعله أو المشروط تركه غير جائز في حكم شريعة الإسلام، فلا ينفذ الشرط و لا يجب الوفاء به إذا شرط عليه ترك واجب ثبت وجوبه بحجة شرعية في الإسلام أو شرط عليه فعل محرم ثبت تحريمه بحجة شرعية كذلك، سواء كان المحرم صغيرا أم كبيرا.

و مثال ذلك ان يبيع الرجل على غيره شيئا أو يؤجره دارا أو يزوجه امرأة و يشترط عليه في ضمن العقد الجاري بينهما أن يترك صلاة واجبة أو صوما واجبا أو أي شي ء واجب ثبت وجوبه على الإنسان بحجة شرعية، أو يشترط عليه أن يفعل محرما قد ثبت تحريمه كذلك و ان كان المحرم صغيرا كما ذكرناه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 106

و تحصل مخالفة الكتاب و السنة كذلك إذا اشترط عليه أن تتحقق نتيجة أو يثبت شي ء لم يشرع وجوده في الإسلام، أو اشترط عليه أن تنتفي نتيجة أو أمر يعلم بثبوته و تحققه في الإسلام، و مثال ذلك أن يبيعه شيئا أو يؤجره دارا أو يزوجه امرأة، و يشترط عليه أن يكون ماله بعد موته ميراثا لغير وارثه الشرعي، أو يشترط عليه ان لا يرجع ميراثه من بعده الى ورثته الشرعيين، أو يزوج الحر ابنته أو أمته و يشترط عليه في عقد التزويج أن تكون أولاده منها أرقاء مماليك فلا يصح الشرط و لا يجب الوفاء به في جميع هذه الموارد.

المسألة 255:

لا ينفذ الشرط و لا يجب الوفاء به إذا كان منافيا لمقتضى العقد الذي أخذ في ضمنه، و مثال ذلك أن يشتري الإنسان من غيره شيئا و يشترط على البائع ان البيع من غير ثمن، أو يستأجر منه داره و يشترط عليه أن الدار بلا أجرة، أو يزوجه امرأة معينة و يشترط أحد المتعاقدين على صاحبه ان تكون الزوجة غير المعقودة، أو يشترط أن يكون الزوج غير من عقد له، أو أن يكون المهر ملكا للزوج فلا يكون الشرط في جميع ذلك نافذا و لا واجب الوفاء.

المسألة 256:

يشترط في نفوذ الشرط و في وجوب الوفاء به أن يكون مأخوذا في ضمن أحد العقود، و أخذه في ضمن العقد قد يكون بذكره في العقد ذكرا صريحا، و قد يكون بذكر الشرط أولا ثم إيقاع العقد بعده من غير فصل طويل بينهما بحيث يفهم من ذلك أن يكون العقد مبنيا على الشرط، و قد يكون بدلالة القرائن العامة أو الخاصة على إرادته في ضمن العقد.

و لا يلزم الوفاء بالشرط إذا ذكر مجردا عن عقد، و لا يلزم الوفاء به إذا ذكر قبل العقد و لم يبتن العقد عليه.

المسألة 257:

إذا شك في أن العقد وقع مبنيا على الشرط أم لا، فلا يترك الاحتياط

كلمة التقوى، ج 4، ص: 107

بالتصالح بين المتعاقدين، أو بالتقايل ثم تجديد العقد مع الشرط أو بدونه كما يريدان.

المسألة 258:

الظاهر وجوب الوفاء بالشرط إذا اشترط في ضمن أحد العقود الجائزة ما دام العقد الذي أخذ فيه موجودا، فإذا فسخ العقد بين المتعاقدين سقط وجوب الوفاء بالشرط بتبعه.

المسألة 259:

يشترط في لزوم الشرط و وجوب الوفاء به أن يكون مقدورا عليه في وقت تسليمه إذ لا لزوم و لا وجوب لغير المقدور، بل قال بعض الاساتذة الأكابر: لو علم عدم القدرة على الشرط لم يمكن إنشاء الالتزام به.

المسألة 260:

يعتبر- على الأحوط لزوما، في الشرط- أن يكون غير مجهول، سواء كانت الجهالة فيه توجب أن يكون عقد البيع الذي وقع فيه ذلك الشرط غرريا، أم لم توجب ذلك، فلا يذكر المتعاقدان في العقد الذي يجريانه بينهما شرطا مجهولا، و إذا هما ذكرا في ضمنه شرطا مجهولا، و كانت الجهالة في الشرط توجب الجهالة في عقد البيع نفسه كان العقد فاسدا، و فسد بتبعه الشرط و إذا كانت الجهالة في الشرط لا توجب جهالة في البيع رجعا الى الاحتياط في الشرط نفسه بالمصالحة عنه.

المسألة 261:

الظاهر صحة الشرط و نفوذه حتى إذا وقع معلقا، فلا يشترط في صحته التنجيز، و مثال ذلك ان يبيع النجفي دارا يملكها في كربلاء، و يشترط البائع على المشتري ان له السكنى في الدار شهرا إذا اتفق له فسافر الى كربلاء في شهر ذي الحجة أو في شهر محرم، فيصح الشرط و يجب على المشتري الوفاء به فيمكنه من سكنى الدار إذا حصل الأمر الذي علق شرطه عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 108

المسألة 262:

يجوز للإنسان ان يبيع مالا على غيره، ثم يبيع المشتري ذلك المال على بائعه الأول بعد ان اشتراه منه إذا لم يشترط البائع أو المشتري ذلك في البيع الأول، سواء كان الثمن الثاني مثل الثمن الأول أم أقل منه أم أكثر.

و إذا باع الإنسان على غيره مالا، و شرط البائع على المشتري في ضمن العقد أن يبيعه منه بعد شرائه أو شرط المشتري على البائع في ضمن العقد ان يشتريه منه، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، سواء كان في الشرط أن يكون البيع الثاني بأقل من الثمن الأول أم بأكثر منه أم بمثله أم لم يشترط في الثمن شيئا.

المسألة 263:

إذا شرط أحد المتعاقدين على صاحبه شرطا في ضمن أحد العقود، و فسد الشرط لاختلال بعض شروط الصحة فيه لم يفسد أصل العقد بفساد الشرط، بل يلغى الشرط خاصة و يجب الوفاء بالعقد.

المسألة 264:

إذا توفرت الشروط في الشرط المأخوذ في ضمن العقد صح و وجب على المشروط عليه ان يفي به، فإذا هو امتنع من فعله، جاز للمشروط له ان يجبره على فعله، فإذا تعذر عليه ان يجبره على فعل الشرط كان للمشروط له الخيار في فسخ العقد، و الأحوط لزوما ان لا يأخذ المشروط له بالخيار الا بعد تعذر إجبار صاحبه على فعل الشرط.

المسألة 265:

إذا كان فعل الشرط مقدورا عليه حين اشتراطه في ضمن العقد، ثم تعذر على المشروط عليه فلم يستطع الوفاء به كما إذا مرض فلم يتمكن من أداء الصوم الذي شرط عليه أداءه أو تلف الثوب فلم يستطع خياطته أو صبغه الذي شرطه عليه، ثبت للمشروط له الخيار في أصل العقد فيجوز له فسخه و إمضاؤه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 109

المسألة 266:

إذا ثبت حق الخيار لإنسان ثم مات قبل أن يأخذ بخياره، و لم يسقط بأحد السقطات انتقل خياره بعد موته الى ورثته، و جرت عليه أحكام المواريث، فلا يرث منه القاتل و لا الكافر و لا العبد المملوك كما لا يرثون من سائر أموال التركة، و يمنع الأقرب من الوارثين الا بعد منهم في إرث حق الخيار كما يمنعه في إرث الأموال، و يحجب الوارث عن إرثه من حق الخيار ما يحجبه عن إرث سائر المال، و تقسم السهام فيه على أصحاب السهام كما تقسم فيها.

المسألة 267:

إذا كان المال الذي تعلق به الخيار مما يحرم منه بعض الورثة، فهل يحرم ذلك الوارث من ارث الخيار كما يحرم من ارث ذلك المال أو لا يحرم منه؟ و مثال ذلك أن يشتري الإنسان أرضا و يكون له حق الخيار في شرائها، لغبن أو وجود عيب أو شرط، أو يبيع أرضا و يكون له الخيار في بيعها كذلك ثم يموت صاحب الخيار فهل ترث زوجته من خياره في الأرض أو تحرم منه كما تحرم من إرث الأرض؟

و مثال ذلك أيضا أن يبيع الرجل من أمواله أعيان الحبوة التي يختص بها ولده الذكر الأكبر و لا يرث منها غيره، و يكون له الخيار في بيعها، أو يشتريها و يكون له الخيار في شرائها ثم يموت الرجل قبل أن يأخذ بخياره فهل يحرم غير الولد الذكر الأكبر من ميراث الخيار كما يحرم من إرث الحبوة أو لا يحرم منه؟ الأقرب حرمان ذلك الوارث من ارث الخيار إذا كان المال الذي تعلق به الخيار منتقلا عن الميت، و لا يحرم من ارث الخيار إذا كان المال منتقلا اليه، فإذا باع الرجل

أرضه و كان له الخيار في بيعها ثم مات لم ترث زوجته من خياره في بيعها، و إذا اشترى أرضا من غيره و كان له الخيار في شرائها ورثت الزوجة من خياره في شرائها كسائر الورثة.

و كذلك الحكم إذا باع الرجل أعيان الحبوة أو اشتراها مع الخيار ثم مات، فلا يرث غير الولد الذكر الأكبر من الخيار في الصورة الأولى، و يرث منه في الصورة الثانية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 110

المسألة 268:

إذا مات صاحب الخيار و كان له ورثة متعددون ثبت لكل واحد منهم الخيار مستقلا في حصته خاصة، و قد تقدم قريبا ان سهام الورثة في إرثهم من الخيار تكون على مقادير سهامهم في ميراث المال، و نتيجة لذلك فيجوز لكل فرد من الورثة أن يفسخ العقد في حصته، و يجوز له ان يمضي العقد فيها.

و لا يؤثر فسخه العقد في حصته شيئا إلا إذا رضي من عليه الخيار بذلك، فينفسخ العقد حين ذاك في حصته خاصة، و لا ينفسخ العقد في الجميع حتى يتفق جميع الورثة فيفسخ كل فرد منهم في حصته، فينفسخ العقد في الجميع سواء رضي من عليه الخيار أم لم يرض.

المسألة 269:

إذا اتفق الورثة ففسخوا البيع الذي عقده مورثهم، وجب عليهم ان يردوا الثمن على المشتري، فإذا كانت عين الثمن موجودة وجب عليهم دفع العين اليه و إذا كانت تالفة أو منتقلة عن ملكهم بناقل شرعي وجب عليهم رد بدلها و هو المثل أو القيمة من تركة الميت، فان الثمن بعد الفسخ بعض ديونه، و إذا فسخ بعض الورثة في حصته و لم يفسخ الآخرون منهم و رضي المشتري بذلك، وجب على الفاسخ بل على الورثة أيضا ان يدفعوا ثمن الحصة من العين إذا كانت موجودة و إذا كانت العين تالفة أو منتقلة عن ملكهم فالأحوط الرجوع الى المصالحة في إخراج ثمن الحصة من التركة أو من حصة الفاسخ خاصة.

المسألة 270:

إذا جعل المتعاقدان الخيار في العقد لشخص آخر غيرهما أو شرط أحد المتعاقدين ذلك و قبل به الآخر- كما ذكرناه في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين، ثم مات الشخص الأجنبي الذي جعل له الخيار لم ينتقل حق الخيار منه الى وارثه من بعده، إلا إذا علم أن الخيار في العقد قد جعل حقا لذلك الأجنبي على كل حال سواء كان حيا أم ميتا، فإذا علم ذلك انتقل الخيار بعد موته الى وارثه و ان كان الفرض بعيدا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 111

المسألة 271:

إذا تلف الشي ء المبيع في مدة الخيار و قبل انتهائها، فإن كان الخيار الذي حصل فيه التلف هو خيار الحيوان، فالظاهر ان تلف المبيع فيه يكون من مال البائع، و كذلك الحكم إذا كان الخيار الذي وقع التلف فيه هو خيار الشرط للمشتري، فيكون تلف المبيع من مال البائع أيضا.

و إذا كان الخيار هو خيار الشرط للبائع، فالظاهر ان تلف المبيع في زمانه يكون من مال المشتري.

و إذا كان الخيار هو خيار المجلس، فهل يكون تلف المبيع في زمانه بعد القبض من مال المشتري أيضا؟. فيه اشكال.

الفصل السابع في ما يدخل في المبيع

المسألة 272:

إذا باع الإنسان على غيره شيئا و أطلق المتعاقدان اسم ذلك المبيع بينهما و لم يذكرا ما يدل على عموم أو خصوص، دخل في البيع كل ما يدل عليه اسم ذلك الشي ء بحسب المتفاهم العرفي بين الناس، و ما تدل القرائن العامة أو الخاصة بينهم على دخوله فيه من أجزاء أو توابع أو غير ذلك، مما جرى التعارف أو العادة على شمول الاسم أو البيع له، و هذا هو ما يقصده المتعاقدان بحسب ارتكازهما الإجمالي عند اجراء المعاملة على الشي ء و ان لم يلتفتا اليه على وجه التفصيل.

المسألة 273:

إذا باع الرجل على غيره بستانا، دخلت في المبيع أرض البستان و ما فيه من نخيل و شجر و فسيل، و ما حوطه من جدار أو خص أو اسلاك أو غير ذلك مما جرت به العادة في تسوير البساتين و ما يكون للسور المحيط به من أبواب و منافذ و إغلاق للأبواب، و ما في البستان من بئر أو عين خاصة أو نهر أو ساقية أو حوض أو مجاري لإخراج المياه التي تنفصل من الأرض و الأشجار، و كالناعور و وسائل السقي و أدواتها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 112

إذا جرت العادة بدخولها في اسم المبيع، و الأبنية التي تنشأ في البستان لبعض مرافقه و مصالحه و العرائش التي تجعل للكرم و بعض الأشجار المتسلقة، و الحضيرة و هو الموضع الذي يعد لجمع التمر و تشميسه و تصفيته و قد يستعمل لغير التمر من الثمار، و ما أشبه ذلك من التوابع و المرافق التي تلحق بالبستان عرفا أو عادة، و قد تختلف البلاد أو العادات في ذلك فيلحق كلا حكمه.

المسألة 274:

إذا باع الرجل على غيره أرضا، فالظاهر ان النخيل و الشجر الذي يوجد في الأرض لا يدخل في اسم المبيع عرفا و لا يكون له تابعا فلا يشمله البيع الا مع اشتراط دخوله، و إذا باعه دابة أو بقرة أو غيرهما من إناث الحيوان و كانت حاملا، أو باعه شجرة و كانت مثمرة، فلعل المتعارف بين الناس أن يدخل الحمل في بيع الأم و ان تدخل الثمرة في بيع الشجرة، فإذا ثبت هذا التعارف كان قرينة على دخولهما في المبيع، و الا فلا يشملهما البيع، فلا بد من الملاحظة.

المسألة 275:

إذا باع الرجل على غيره نخلا و عليه ثمر، فان كان ثمر النخل قد أبر أي لقح فهو للبائع و ان لم يلقح بعد فالثمر للمشتري، و هذا التفصيل يختص ببيع النخل، فإذا باع غير النخل من أنواع الشجر و كان له ثمر، فثمره للبائع سواء أبر أم لم يؤبر، و كذلك الحكم إذا نقل النخل الى ملك غيره بغير البيع من النواقل الشرعية كالصلح و الهبة، فإن ثمر النخل يكون للناقل سواء لقح أم لم يلقح، و إذا دلت القرينة العامة أو الخاصة على دخول الثمر في البيع شمله و كان للمشتري و قد ذكرنا هذا في المسألة المتقدمة.

المسألة 276:

إذا باع الرجل على غيره نخيلا أو شجرا و بقي الثمر ملكا للبائع، و احتاج الثمر إلى السقي، جاز للبائع أن يسقيه، سواء كان قد اشترط في العقد على المشتري أن تبقى الثمرة على أصولها أم لم يشترط عليه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 113

ذلك، و ليس للمشتري ان يمنعه من السقي في كلتا الصورتين، و إذا احتاجت الأصول إلى السقي، جاز للمشتري أن يسقيها، و ليس للبائع منعه، هذا إذا لم يتضرر الآخر بالسقي.

و إذا كان السقي مضرا بأحدهما و ترك السقي مضرا بالآخر، فان كان البائع قد شرط على المشتري في ضمن العقد أن تبقى الثمرة على أصولها إلى أوان جذاذها، و قبل المشتري بشرطه، فالظاهر تقديم حق البائع، و ان لم يشترط عليه ذلك، فالأحوط إيقاع المصالحة بينهما و لو بالمعاوضة عن بعض الإضرار.

المسألة 277:

إذا باع الشخص على غيره بستانا، و استثنى لنفسه من البستان نخلة أو نحوها، فللبائع حق المرور الى نخلته و الخروج منها، و له من أرض البستان مدى جرائد النخلة و مسرى عروقها فيها، و لا يجوز للمشتري أن يمنعه عن شي ء من ذلك، فيصد الجرائد أو العروق عن أخذ مداها، أو يمنع الرجل عن الدخول الى نخلته و الخروج منها.

المسألة 278:

إذا باع الإنسان على أحد دارا، دخل في اسم المبيع أرض الدار و بناؤها، ما علا من البناء و ما سفل، الا ان تدل الامارات على استقلال أحدهما عن الآخر و عدم التبعية له فلا يدخل أحدهما في بيع الآخر حين ذاك.

و مثال ذلك أن تكون الدار المبيعة في الطابق الأسفل من البناية، و يكون الطابق الأعلى دارا أخرى مستقلة بمدخلها و مخرجها و مرافقها، أو يكون فندقا للنزلاء، أو شققا معدة للإجارة، أو محلات معدة للتجارة.

أو تكون الدار المبيعة في الطابق الأعلى، و يكون الطابق الأدنى دكاكين و حوانيت و مواضع للإجارة أو فندقا أو ما يشبه ذلك.

و يدخل في بيع الدار السرداب و النفق الذي يوجد فيها، و الأبواب و الشبابيك و الرواشن و السلالم المثبتة، و الأخشاب و الحديد الذي يستدخل في البناء أو يجعل دعائم تعتمد عليها السقوف، و يدخل في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 114

بيعها ما يوجد فيها من نخيل أو شجر، و الحديقة التابعة للدار، المتعارف وجودها في المنازل الغربية الوضع، و المجالس التي تعد لاستقبال الضيوف و الزوار الرجال، و تدخل في بيعها الاسلاك الكهربائية و أنابيب الماء و الحنفيات و المغاسل المثبتة، و نحو ذلك من التوابع، الا ان تدل القرينة على الاستقلال و عدم

التبعية في بعض ما ذكر، أو يشترط البائع عدم دخوله في البيع.

المسألة 279:

لا تدخل في بيع الأرض الأحجار التي توجد مدفونة فيها و لا الكنوز التي قد توجد مستودعة فيها، و لا يشمل بيعها المعادن الجوفية التي توجد في أعماق الأرض و لا تعد من توابع الأرض في نظر أهل العرف، نعم يشمل بيع الأرض ما يتكون فيها من أحجار و معادن إذا كانت من توابع الأرض في نظر أهل العرف.

الفصل الثامن في التسليم و القبض

المسألة 280:

إذا تم عقد البيع بين البائع و المشتري وجب عليهما تسليم العوضين اللذين وقعت المبادلة بينهما، فيجب على البائع تسليم المبيع إلى المشتري، و يجب على المشتري تسليم الثمن إلى البائع، إلا إذا شرط أحدهما على صاحبه أن يؤخر تسليم العوض اليه، فينفذ له شرطه.

و لا يجوز للبائع و لا للمشتري أن يؤخر التسليم مع عدم الشرط إلا إذا رضي له صاحبه بالتأخير، أو كان معذورا في ذلك.

المسألة 281:

إذا امتنع المتبايعان عن تسليم العوضين من غير شرط و لا عذر أجبرا على التسليم، و إذا امتنع أحدهما عن التسليم من غير شرط و لا عذر، مع بذل صاحبه العوض الذي عنده اجبر الممتنع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 115

المسألة 282:

إذا شرط أحد المتبايعين على صاحبه في ضمن العقد أن يؤخر التسليم مدة، و قبل الآخر بذلك ثبت له شرطه و جاز له التأخير كما تقدم، و لا بد و أن تكون مدة التأخير المشترطة معينة معلومة عند الطرفين، و إذا هو أخر التسليم من قبله مع الشرط، فليس للآخر ان يمتنع عن تسليم ما لديه.

المسألة 283:

إذا انقضت المدة التي اشترط البائع أو المشتري فيها تأخير التسليم من قبله، و استمر على عدم التسليم بعد انقضاء مدة شرطه من غير عذر، جاز للآخر أن يمتنع عن تسليم العوض الذي عنده إذا لم يكن قد سلمه إياه من قبل.

المسألة 284:

يجوز للبائع ان يشترط لنفسه على المشتري ان ينتفع بالمبيع مدة، فيسكن الدار المبيعة مثلا أو يزرع الأرض المبيعة، أو يركب الدابة أو السيارة المبيعة، أو يستخدم المملوك المبيع فإذا قبل المشتري بشرطه نفذ و وجب على المشتري الوفاء به، و لا بد و أن تكون مدة الانتفاع المشترطة معينة معلومة عند الطرفين.

و إذا كان الثمن في المعاملة شخصيا معينا و كانت له منافع معلومة، جاز للمشتري كذلك ان يشترط لنفسه على البائع ان ينتفع بالثمن مدة معلومة على نهج ما تقدم في المبيع.

المسألة 285:

القبض يعني استيلاء القابض على الشي ء و وضع يده عليه، و لا فرق في ذلك بين المنقول من الأشياء و غير المنقول منها، و ان اختلف الأمر في الأفراد باختلاف الشي ء المستولي عليه، فالاستيلاء على الثوب أو على الحيوان مثلا يحصل بأخذه باليد أو أخذ زمامه أو إمساك حبله، و كذلك الاستيلاء على الدينار أو على الكتاب أو على السيارة، أو على سائر المنقولات. و الاستيلاء على الدار أو على الحانوت أو البستان يتحقق بالتسلط الخارجي على التصرف فيها. هذا من ناحية القابض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 116

و أما من ناحية الدافع، فالتسليم أو الإقباض يعني دفع الشي ء الى صاحبه، من غير فرق كذلك بين المنقول من الأشياء و غير المنقول، و دفع الشي ء الى صاحبه قد يحصل في بعض الأشياء بتسليمه إليه باليد كما في الثوب و الحيوان و الكتاب و الدينار و السيارة و نحو ذلك، و قد يتحقق بتسليط صاحب الشي ء عليه تسليطا خارجيا، بأن يرفع الدافع يده عن الشي ء و يأذن للقابض في التصرف فيه كيف يريد، و يرفع عنه المنافيات الآخرى حتى يصبح في نظر العقلاء

مستوليا على الشي ء استيلاء كاملا و متسلطا على التصرف فيه، و هذا في الأشياء غير المنقولة كالدار و البستان و الحانوت و أمثالها، و هذا هو المقدار المعتبر من التخلية في تحقق معنى الإقباض و التسليم، و لا يكفي من التخلية ما يكون أقل من ذلك. و من هذا التفصيل قد اتضح المراد من التسليم الواجب على المتبايعين في المنقول من الأشياء و غير المنقول منها.

المسألة 286:

إذا تم عقد البيع بين البائع و المشتري ملك كل منهما المال الذي انتقل اليه بالبيع، فيصبح المال المبيع ملكا للمشتري و يملك جميع نمائه و نتاجه الذي يتجدد بعد البيع، سواء قبض الأصل من البائع أم لم يقبضه، بل و ان تلف الأصل قبل أن يقبضه من البائع.

و كذلك الحكم في الثمن فيصبح بعد ان يتم البيع ملكا للبائع، و يملك جميع نتاجه و نمائه، فإذا كان الثمن شخصيا معينا و تجدد له بعد البيع نماء أو نتاج فهو ملك للبائع سواء قبض أصل الثمن من المشتري أم لم يقبضه، و سواء تلف أصل الثمن بعد النمو و النتاج أم لم يتلف، بل و ان تلف الأصل قبل قبضه من المشتري، و إذا كان الثمن كليا في الذمة فلا يتعين الفرد الخارجي للمشتري الا بعد التعيين، فإذا تعين و قبضه المشتري ملك ما يتجدد بعد ذلك من نمائه و نتاجه.

المسألة 287:

إذا تلف المال المبيع قبل أن يقبضه المشتري من البائع انفسخ عقد البيع و رجع كل من المالين الى ملك مالكه الأول، فيرجع المبيع الى ملك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 117

البائع و يكون تلفه عليه، و يرجع الثمن إلى المشتري و لا يرجع معهما النماء الذي تجدد لهما قبل انفساخ العقد فنماء المبيع الذي حصل منه في تلك الفترة لا يزال ملكا للمشتري و لا يرجع مع أصل المبيع الى ملك البائع، و نماء الثمن الذي حصل منه في تلك الآونة لا يزال ملكا للبائع و لا يرجع بعد انفساخ البيع مع أصل الثمن الى ملك المشتري.

و كذلك الحكم في ما إذا تعذر الوصول الى المال المبيع قبل قبضه من البائع كما إذا

سرقه سارق أو غصبه غاصب أو غرق في بحر و كما إذا شرد الجمل أو أبق العبد أو أفلت الطائر فلا يمكن العثور عليه، فينفسخ البيع و يكون في حكم التلف من مال البائع.

المسألة 288:

إذا كان الثمن شخصيا معينا و تلف قبل أن يقبضه البائع من المشتري انفسخ عقد البيع و رجع كل من الثمن و المثمن الى ملك مالكه الأول، فيعود الثمن ملكا للمشتري و يكون تلفه عليه و يجري في هذا الفرض جميع ما ذكرناه في المسألة المتقدمة من الأحكام و الآثار سواء بسواء، و كذلك الحكم في ما إذا تعذر الوصول الى الثمن الشخصي كما إذا غصب أو نهب أو غرق قبل قبضه من المشتري و قد تقدم بيانه في المسألة السابقة أيضا.

المسألة 289:

ما ذكرناه من الأحكام في تلف المبيع قبل قبضه من بائعه إنما تترتب في ما إذا كان التلف بإحدى الآفات الموجبة للتلف، و لا تعم ما إذا وقع التلف بعمل البائع نفسه أو بصنع أحد أجنبي يمكن رجوع المشتري اليه و أخذ بدل الشي ء التالف منه، فان الظاهر صحة العقد في هاتين الصورتين و للمشتري ان يرجع على البائع في الصورة الأولى، و على المتلف الأجنبي في الصورة الثانية بمثل الشي ء التالف إذا كان مثليا و بقيمته يوم التلف إذا كان قيميا.

و كذلك الحكم في الثمن الشخصي إذا أتلفه المشتري نفسه قبل قبضه منه أو أتلفه أجنبي يمكن الرجوع عليه ببدل التالف فلا ينفسخ العقد بل يصح البيع و يكون للبائع الرجوع على من أتلف الثمن بالمثل أو القيمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 118

المسألة 290:

إذا تحقق القبض على الوجه الذي تقدم منا بيانه في المسألة المائتين و الخامسة و الثمانين و حصل الاستيلاء عرفا على الشي ء ترتبت أحكام القبض، و خرج به الشي ء عن ضمان بائعه فلا يكون تلف المبيع بعد ذلك من مال البائع، و لا يكون تلف الثمن الشخصي بعد ذلك من مال المشتري.

و يكفي في تحقق القبض أيضا ان يسلم البائع المال المبيع الى الوكيل المفوض من قبل المشتري، و ان يسلم المشتري الثمن الى الوكيل المفوض من قبل البائع، و يكفي أن يأمره المشتري بأن يسلم المال الى رجل معين، فإذا دفع البائع المال الى ذلك الشخص فقد حصل القبض، و برئت ذمة البائع، و يكفي كذلك ان يأمره المشتري بأن يرسل المال الى موضع معين، متجر، أو مصرف، أو بنك في البلد، أو الى موضع معين في بلد آخر، فإذا

أرسل البائع المال أو أرسله وكيله المفوض منه الى الموضع الخاص و اطمأن بوصوله فقد حصل القبض، و كذلك الحكم في قبض البائع الثمن.

المسألة 291:

إذا باع الشخص على غيره شيئين أو عدة أشياء و تلف بعض الأشياء المبيعة قبل قبضها و لم يتلف الباقي منها، تبعض العقد، فانفسخ البيع في خصوص الشي ء التالف، و رجعت حصة ذلك التالف من الثمن إلى المشتري، و كان تلف ذلك المبيع من مال بائعه، و صح البيع في الأشياء الباقية التي لم تتلف بما يخصها من الثمن، و ثبت للمشتري فيها الخيار، لتبعض الصفقة، فيجوز له أن يفسخ العقد، فيرد الأشياء المذكورة غير التالفة على بائعها، و يسترد منه حصتها من الثمن، و يجوز له ان يرضى بالبيع في هذه الأشياء غير التالفة بحصتها من الثمن.

المسألة 292:

إذا حدث في المال المبيع احد العيوب بعد العقد و قبل أن يقبضه المشتري من بائعه فقد ذكرنا في المسألة المائتين و الخامسة و الأربعين ان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 119

الحكم في هذا العيب مشكل في جميع فروض المسألة فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة في جميعها.

و يستثنى من ذلك فرض واحد، و هو ما إذا كان حدوث العيب في المال بفعل المشتري نفسه، فلا يكون للعيب أثر، فيكون بيع البائع لازما و لا خيار فيه للمشتري.

المسألة 293:

يجب على البائع أن يخلي المبيع عند تسليمه من أثاثه و أمتعته، و من أي شي ء يمنع المشتري أو يزاحمه في تصرفاته في المبيع، فعليه أن يفرغ الدار المبيعة و الحانوت المبيع و الفندق المبيع مما فيها من أثاث و أمتعة و فرش و أجهزة و أدوات و آلات و حوائج لا تدخل في المبيع و لا يشملها البيع. و إذا كانت الدار أو المحل مبلطا بحجارة و اشترط البائع عدم دخولها في المبيع وجب عليه قلعها و إخراجها و تسوية الأرض، و كذلك إذا كان له في الأرض شي ء مدفون، حجارة أو حديد أو غير ذلك مما يمنع من الزراعة أو البناء فيها أو يمنع الانتفاع بها بوجه آخر أو كان البائع قد اشترط عدم شمول البيع له فيجب عليه إخراجه و تسوية الأرض و طم حفرها.

المسألة 294:

إذا احتاج البائع في إخراج بعض الأثاث أو الأشياء من المنزل أو المحل المبيع الى هدم بعض جدرانه، هدمه و اخرج أثاثه و وجب عليه بعد ذلك تعمير البناء و إصلاح ما استهدم.

المسألة 295:

إذا كان البستان المبيع مشغولا بزرع للبائع، فإن كان قد حل أوان حصاد الزرع وجب على البائع حصاده و اخلاء الموضع منه، و إذا كانت للغرس أو الزرع جذور تضر بزراعة البستان و الانتفاع به بعد ذلك وجب على البائع استيصال الجذور و تنقية الأرض منها و تسوية الأرض بعد ذلك.

و ان لم يحن وقت حصاد الزرع، فان اشترط البائع على المشتري

كلمة التقوى، ج 4، ص: 120

بقاء الزرع في الأرض مع الأجرة أو بدونها وجب العمل بما شرط، و ان لم يشترط عليه شيئا، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينهما و خصوصا إذا كان المشتري جاهلا بوجود الزرع في البستان أو كان جاهلا بحاجة الزرع الى البقاء.

المسألة 296:

يجوز للرجل أن يبيع المال الذي اشتراه و لم يقبضه من بائعه عليه إذا كان الشي ء المبيع غير مكيل و لا موزون، سواء أراد بيعه على مالكه الأول أم على غيره، و سواء باعه برأس ماله أم بربح.

و إذا كان الشي ء المبيع مما يكال أو مما يوزن، فالظاهر جواز بيعه أيضا قبل قبضه إذا كان بيعه تولية اي برأس ماله، و الأحوط لزوما المنع إذا كان البيع مرابحة، سواء أراد بيعه على بائعه الأول أم على غيره في كلا الحكمين.

و هذا في غير مال السلف إذا أراد بيعه على بائعه أو على غيره، قبل حلول الأجل أو بعد حلوله و قبل القبض، و سيأتي التعرض ان شاء اللّٰه تعالى لبيان الحكم في ذلك في فصل بيع السلف.

الفصل التاسع في النقد و النسيئة

المسألة 297:

إذا باع الرجل على أحد شيئا بثمن معلوم، فقد لا يجعل المتعاقدان للثمن أجلا، فيكون الثمن حالا، سواء أطلقا العقد بينهما فلم يذكرا للثمن أجلا، أم صرحا في العقد بعدم التأجيل و يسمى نقدا باعتبار حلول الثمن و جواز مطالبة البائع به بعد إتمام العقد، و النقد هو تعجيل الثمن، فإذا دفع المشتري الثمن إلى البائع معجلا فقد نقده كما يقول اللغويون، و يوصف به البيع باعتبار نقد الثمن فيه، فيقال باع الرجل الشي ء نقدا أي بثمن معجل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 121

و قد يشترط المشتري أو البائع تأجيل الثمن، فيسمى ذلك نسيئة، و النسيئة بمعنى التأخير و التأجيل و يوصف به البيع كذلك باعتبار تأجيل الثمن فيه، فيقول المتعاملون باع الرجل متاعه نسيئة، أي بثمن مؤجل.

المسألة 298:

إذا باع الرجل على غيره متاعا، و لم يشترط البائع أو المشتري على صاحبه في العقد ان يكون الثمن مؤجلا كان الثمن حالا، فيجوز للبائع بعد ان يتم العقد بينه و بين المشتري، و بعد ان يدفع اليه المبيع: ان يطالبه بالثمن فعلا و في أي وقت أراد، و إذا طالب البائع المشتري بالثمن وجب على المشتري دفعه اليه، و لم يجز له الامتناع عنه الا إذا امتنع البائع عن تسليم المبيع اليه من غير عذر و لا شرط، و إذا دفع المشتري الى البائع الثمن بعد انتهاء العقد وجب على البائع أخذه، و لم يجز له أن يمتنع من قبضه.

المسألة 299:

إذا شرط المشتري في ضمن العقد تأجيل الثمن كان نسيئة، فلا يجوز للبائع أن يطالب المشتري بالثمن قبل حلول الأجل المعين بينهما، وفاء بالشرط، و لا يجب على المشتري ان يدفع الثمن للبائع قبل حلول الأجل و ان طالبه به البائع.

المسألة 300:

إذا اشترط المشتري على البائع تأجيل الثمن، ثم دفع اليه الثمن قبل حضور أجله فالظاهر وجوب أخذه على البائع الا أن تكون على البائع في أخذه منه قبل الأجل منة لا يتحملها، أو تدل القرائن على ان تأجيل الثمن في المقام حق من حقوق البائع كما هو حق للمشتري، فلا يجب عليه أخذ الثمن حين ذلك.

المسألة 301:

إذا اشترط في العقد تأجيل الثمن، فلا بد من ان يعين له أجلا، و لا بد من ان يكون الأجل محددا مضبوطا من الزيادة و النقصان، فلا يصح ان يشترط التأجيل و لا يعين له أجلا، و لا يصح ان يعين أجلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 122

يتردد بين الزيادة و النقصان، و مثال ذلك ان يؤجل دفع الثمن الى ان يقدم زيد من سفره، أو الى يوم حصاد الزرع أو الى حين بيع التمر أو الى وقت جذاذ الثمرة، و لا يكفي ان يذكر أجلا معينا في نفسه الا ان المتعاقدين يجهلان موعده، و مثال ذلك ان يشترط تأجيل الثمن إلى أول يوم من برج الحمل أو الى أول يوم من برج الميزان أو الى أول يوم من السنة الميلادية فلا يصح إذا جهل المتعاقدان موعد ذلك، بل و لا يصح إذا جهله أحدهما.

المسألة 302:

الظاهر صحة البيع إذا اشترط فيه تأجيل دفع الثمن إلى أول يوم من الشهر القادم و كان الشهر الحاضر مرددا بين التمام و النقصان، بل الظاهر صحة البيع إذا جعل الأجل أول يوم من شهر رمضان المقبل و هما في شهر رمضان الحاضر، و تردد الناقص من أيام السنة بين الأقل و الأكثر.

المسألة 303:

إذا باع الإنسان على غيره شيئا بثمن معين يدفعه اليه نقدا، و بثمن أكثر منه يدفعه إليه نسيئة إلى أجل مسمى و جرى الإيجاب و القبول بين المتبايعين على ذلك، فالظاهر صحة البيع بالثمن الأقل إلى المدة المعينة، و مثال ذلك ان يبيعه داره مثلا بألف دينار يدفعه اليه معجلا، و بألفي دينار يدفعها اليه بعد مضي سنة من يوم وقوع البيع بينهما، و يقبل المشتري منه البيع على هذه الصورة، فيصح بيع الدار بألف دينار مؤجلة إلى مضي سنة من اليوم المعين، و ان كان الأحوط ان يتقايل المتبايعان من العقد الذي أوقعاه بينهما ثم ينشئا بيعا جديدا حسب ما يريدان.

المسألة 304:

إذا باع الرجل على غيره شيئا بثمن معين يدفعه اليه بعد مدة معينة، و بثمن معين آخر أكثر من الأول يدفعه اليه بعد مدة معينة هي أطول من المدة الأولى، و جرى الإيجاب و القبول بين المتبايعين على ذلك كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 123

في المسألة المتقدمة، فالظاهر عدم صحة البيع، و مثال ذلك أن ينشئ الرجل بيع داره على المشتري بألف دينار يدفعه المشتري إليه بعد مضي شهر من يوم العقد، و بألفي دينار يدفعهما اليه بعد مضي سنة كاملة من يوم العقد، و يقبل المشتري منه الإيجاب على هذه الصورة، فلا يصح البيع كما قلناه.

المسألة 305:

إذا كان الثمن الذي اشترى الإنسان به المبيع حالا، أو كان نسيئة فحل بعد ذلك أجله، و أراد المشتري ان يزيد البائع على الثمن مبلغا آخر من المال ليؤخره في الجميع إلى أجل فالظاهر عدم جواز ذلك، و كذلك الحكم في كل دين حال، و مثال ذلك أن يكون الثمن الحال أو الدين الحال ألف دينار، فيزيد المدين على المبلغ المذكور مائة دينار ليؤجله صاحب الدين بالجميع إلى ستة أشهر أو الى سنة، فلا يجوز ذلك، سواء أجرى المعاملة على نحو البيع أم على نحو الصلح.

المسألة 306:

إذا كان الثمن الذي اشترى الإنسان به الشي ء المبيع مؤجلا إلى أمد معين و أراد المشتري أن يزيد للبائع في مقدار الثمن ليزيد البائع له في مقدار الأجل فلا يجوز له ذلك، و كذلك الحكم في كل دين مؤجل، و مثال ذلك أن يكون الثمن الذي اشترى به المبيع ألف دينار يدفعه إلى البائع بعد ستة أشهر أو يكون مدينا لأحد بالمبلغ المذكور إلى الأجل المذكور، فيزيد للبائع أو للدائن على مقدار دينه مائة دينار أخرى ليؤجله في الجميع إلى مدة سنة، فلا يجوز له ذلك في كلتا الصورتين.

المسألة 307:

إذا كان الثمن الذي اشترى الإنسان به الشي ء المبيع مؤجلا إلى مدة معينة، جاز للمشتري ان يصالح البائع عن الثمن المؤجل الذي له في ذمته بمبلغ هو أقل من الثمن يدفعه اليه معجلا فإذا صالحه كذلك و دفع اليه المبلغ المعين برئت ذمته من الثمن، و يجوز للبائع ان يأخذ من المشتري المدين له مقدارا من الثمن المذكور نقدا و يبرئ ذمته عن الباقي منه، و كذلك الحكم في كل دين مؤجل فيصح فيه ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 124

المسألة 308:

إذا كان المشتري مدينا للبائع بالثمن إلى أجل معين لم يجز له أن يدفع للبائع بعض الثمن المذكور نقدا ليؤخر البائع له بقية الثمن إلى أجل آخر هو أطول مدة من الأجل الأول، و كذلك الحكم في كل دين مؤجل فلا يصح فيه ذلك.

المسألة 309:

إذا كان للرجل دين مؤجل على احد و أراد الدائن بيع ذلك الدين المؤجل بثمن من جنسه نقدا، و الثمن المذكور أقل من الدين المبيع، لم يصح ذلك إذا كان مما يكال أو يوزن لأنه ربا و جاز بيعه إذا كان غير مكيل و لا موزون، سواء كان البيع على المدين نفسه أم على غيره في كلتا الصورتين.

المسألة 310:

إذا اشترى الإنسان الشي ء نسيئة، أي بثمن قد اشترط تأخيره إلى أجل مسمى كان الشي ء ملكا له، فيجوز له بيع ذلك الشي ء، و يجوز للأخرين شراؤه منه، سواء أراد المشتري بيعه قبل حضور الأجل المسمى لثمنه أم بعد حلوله، و سواء أراد بيعه على مالكه السابق الذي اشتراه منه أم على غيره، و سواء كان الثمن في البيع الثاني من جنس الثمن الأول الذي اشتراه به أم من غير جنسه، و سواء كان مساويا للثمن الأول في المقدار أم زائدا عليه أم ناقصا عنه، و سواء كان الثمن الثاني حالا أم مؤجلا، فيصح البيع و الشراء له في جميع الصور.

المسألة 311:

إذا باع الإنسان على غيره شيئا، و اشترط البائع على المشتري في ضمن العقد ان يبيع عليه ذلك الشي ء بعد أن يملكه منه بالشراء، أو اشترط المشتري على البائع في ضمن العقد كذلك أن يشتري منه ذلك الشي ء بعد أن يملكه المشتري منه بالبيع، فلا يترك الاحتياط باجتنابه سواء كان في الشرط أن يكون البيع الثاني بأقل من الثمن الأول أم بمثله أم بأكثر منه أم لم يشترط في الثمن شيئا، و قد تقدم ذكر هذا الحكم في المسألة المائتين و الثانية و الستين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 125

الفصل العاشر في المرابحة و أخواتها

المسألة 312:

ما تجري عليه المعاملات بين الناس في البيع و الشراء يكون على احد أنواع.

(النوع الأول):

أن يعرض البائع سلعته للبيع، فإذا ورد عليه المشتري و سأله عن ثمن السلعة ذكر له القيمة التي يرغب في بيع السلعة بها، فيتساومان في ذلك، فإذا هما اتفقا على مقدار الثمن جرى بينهما عقد البيع على ذلك، و يسمى هذا النوع بالمساومة، و هو الطريقة الغالبة في التعامل بين الناس و ذكر بعض الفقهاء، أنه أفضل الأنواع، و لعل المراد في النصوص التي استدل بها على ذلك أن المساومة أبعد الأنواع عن الشبهة و أسلمها عما يكره.

(الثاني): أن يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة، و يذكر له مقدار الربح الذي يطلبه من بيعها، و يتفاهما على ذلك، فإذا هما اتفقا على مقدار ما يأخذه البائع من الربح على السلعة جرى العقد بينهما على ذلك، و يسمى هذا النوع بالمرابحة.

(الثالث): أن يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة، و يذكر له انه لا يطلب من بيع السلعة ربحا لبعض الغايات التي يريدها، فإذا اتفق مع المشتري على الثمن جرى

العقد و باع عليه السلعة برأس مالها، و يسمى هذا النوع بالتولية.

(الرابع): ان يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة، و يتفقا بعد التفاهم على أن يضع البائع للمشتري من ثمن السلعة الذي اشتراها به شيئا و يجري العقد بينهما على ذلك و يسمى هذا النوع بالمواضعة.

المسألة 313:

لا يكون البيع بيع مرابحة و لا مواضعة و لا تولية، و لا يصدق على المعاملة أحد هذه العناوين الثلاثة حتى يعلم مقدار رأس المال و هو

كلمة التقوى، ج 4، ص: 126

الثمن الذي اشترى البائع به السلعة، و يحصل العلم بذلك للمشتري اما بإخبار البائع نفسه بمقدار الثمن، و اما بالعلم به من الخارج، و اما بشهادة البينة المعتبرة به، و حتى يذكر البائع في العقد مقدار الربح الذي اتفقا عليه في عقد بيع المرابحة و مقدار الوضيعة التي ينقصها من الثمن للمشتري في بيع المواضعة، فيقول للمشتري: بعتك هذا الشي ء برأس ماله أو بالثمن الذي اشتريت الشي ء به، و هو مائة دينار مثلا، و زيادة خمسة دنانير، في صورة بيع المرابحة، و يقبل المشتري منه ذلك كما أنشأ، و يقول بعتك الشي ء بالثمن الذي اشتريته به و هو مائة دينار، و نقيصة خمسة دنانير من الثمن المذكور، في صورة بيع المواضعة، و يقبل المشتري كذلك و يقول له: بعتك الشي ء بما اشتريته به و هو مائة دينار من غير زيادة و لا نقيصة في صورة بيع التولية، و يكفي ان يقول له في هذه الصورة بعتك الشي ء بما اشتريته به و هو مائة دينار، و يقبل المشتري منه ما أنشأ و لا يكفي أن يقول له بعتك الشي ء برأس ماله (من غير تعيين للمقدار) مع

زيادة خمسة دنانير أو مع نقيصتها أو بدون زيادة و لا نقيصة، إلا إذا علم بمقدار رأس المال من الخارج أو شهدت البينة بمقداره كما ذكرناه.

المسألة 314:

كما يعتبر علم المشتري بمقدار رأس المال تفصيلا، فكذلك يعتبر علم بائع السلعة به فإذا اشترى السلعة وكيل البائع المفوض منه، و البائع نفسه لا يعلم مبلغ ثمنها، ثم أراد البائع بيعها من أحد مرابحة أو مواضعة أو تولية، فلا بد من أن يعلم بمقدار الثمن، و لا يكفي ان يقول للمشتري بعتك السلعة بما اشتراها به وكيلي مع زيادة كذا أو مع نقيصته أو بدون زيادة و لا نقصان.

المسألة 315:

الظاهر أنه يكفي علم الوكيل المفوض من قبل البائع بثمن السلعة إذا كان هو الذي يتولى بيعها على المشتري مرابحة أو مواضعة أو تولية و كانت وكالته مطلقة شاملة لذلك، و لا يعتبر في هذه الصورة علم المالك نفسه بمقدار الثمن، فإذا أنشأ الوكيل المطلق الوكالة عقد البيع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 127

و قبل المشتري مع علمهما برأس المال صح البيع كما أرادا مع اجتماع بقية الشروط و ان لم يعلم المالك بمقدار الثمن، و لا يكفي ذلك إذا كان وكيلا في إجراء الصيغة خاصة، أو كان وكيلا في المعاملة الأولى دون المعاملة الثانية.

المسألة 316:

إذا قال البائع للمشتري في عقد المرابحة: بعتك هذا الشي ء بما اشتريته به و هو مائة دينار و ربح دينار واحد في كل عشرة دنانير من الثمن، فان عرف المشتري من هذا القول حين العقد ان الثمن قد بلغ عليه مائة و عشرة دنانير، و قبل ذلك، صح البيع، و ان لم يتنبه المشتري لذلك حال العقد و احتاج في علمه بذلك إلى تأمل في الحساب، فان كانت مدة التأمل قليلة لا يصدق معها عرفا انه جاهل بالثمن، فالظاهر صحة البيع أيضا، و ان احتاج الى مدة يصدق معها انه جاهل بمقدار الثمن لم يصح البيع.

و كذلك الحكم إذا قال له في صورة بيع المواضعة: بعتك الشي ء برأس ماله و هو مائة دينار مع نقصان دينار في كل عشرة من الثمن فيصح البيع إذا علم المشتري حين العقد ان الثمن يكون تسعين دينارا، أو علم بذلك بعد تأمل يسير لا يصدق معه انه جاهل بقدر الثمن، و يبطل البيع في الصورة الأخيرة.

المسألة 317:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 127

إذا كان البائع قد اشترى السلعة بثمن مؤجل و أراد بيعها مرابحة وجب عليه أن يخبر المشتري بأجل الثمن، فان هو ذكر له مقدار الثمن و لم يخبره بالأجل، فالظاهر صحة البيع و يكون للمشتري من الأجل في الثمن مثل ما كان للبائع، و لا يترك الاحتياط بالتصالح و التراضي.

المسألة 318:

إذا تعددت النقود التي تنفق في البلد، فان دلت القرينة على النقد المراد كان العمل عليه، فإذا قال البائع للمشتري- و هما في العراق مثلا-: بعتك الشي ء بمائة دينار، انصرف العقد الى ان المراد الدينار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 128

العراقي، و كذلك إذا كانا في الكويت أو في البحرين، فيكون التعامل في البلد قرينة على ان المراد الثمن من عملة ذلك البلد.

و إذا تعدد النقد الذي ينفق في البلد و لم تدل القرينة على تعيين المراد، وجب على البائع ذكر النقد، و ذكر مقدار صرفه، و يجب عليه كذلك ذكر الشروط التي أخذت عليه في بيع السلعة أو التي أخذها هو على بائعها حينما اشتراها منه، و ذكر أي شي ء من ملابسات ذلك إذا كان مما يؤثر في اختلاف الثمن.

المسألة 319:

إذا كان البائع قد اشترى جملة من الأمتعة و السلع صفقة واحدة بثمن واحد، جاز له ان يبيع الجميع مرابحة بعقد واحد، فيعرض على المشتري جميع السلع و الأمتعة المبيعة و يخبره بمقدار الثمن الذي اشتراها به و يعين له مقدار الربح و يجري معه العقد على ذلك، و لا يجوز له أن يفرد بعض السلع المبيعة عن بعض في التقويم، و نسبة قيمة البعض إلى قيمة المجموع و يبيعها مرابحة كذلك، الا أن يعلم المشتري بذلك و يرضى به.

المسألة 320:

إذا اشترى الإنسان أرضا أو دارا أو شيئا آخر بثمن معين، و لم يحدث في المبيع شيئا أو عملا يوجب زيادة قيمته، فلم يزد في الدار بناء و لم يزرع في الأرض و لم يغرس فيها و لم يصغ الذهب أو الفضة، فالثمن الذي اشترى به المبيع هو رأس ماله، فيجوز له إذا أراد بيعه مرابحة أو مواضعة أو تولية أن يقول للمشتري: اشتريت المال بكذا دينارا، أو يقول: رأس مالي فيه كذا: أو يقول هو علي بكذا أو يقول تقوم علي بكذا، ثم يذكر الربح الذي يطلبه من المشتري، أو النقيصة التي يضعها له من الثمن، أو يذكر انه يبيعه إياه برأس المال دون ربح أو خسران.

المسألة 321:

إذا اشترى الإنسان سلعة بثمن معين، ثم عمل فيها عملا، فصاغ الذهب أو الفضة أو طحن الحنطة أو خاط الثوب أو نسج الغزل،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 129

و كان العمل بأجرة للغير أو جعالة أو صلح، فلا يجوز له أن يجعل الأجرة التي دفعها للعامل أو الجعالة أو بدل الصلح جزءا من الثمن، فإذا كان ثمن الشي ء مائة دينار و كانت أجرة العمل عشرة دنانير، فلا يجوز له عند بيع المرابحة أن يقول للمشتري بعتك الشي ء بما اشتريته به و هو مائة و عشرة دنانير، و الأحوط إذا لم يكن هو الأقوى ان لا يقول له أيضا: بعتك الشي ء برأس ماله و هو مائة و عشرة دنانير، بل يقول له بعتك الشي ء بما تقوم به علي، أو يقول بعتك الشي ء بما هو علي، و هو كذا دينارا.

و إذا كان بعمل نفسه و لم يدفع فيه اجرة أو غيرها لم يجز له جميع ما تقدم، بل يقول للمشتري

انني اشتريت الشي ء بمائة دينار و عملت فيه عملا يساوي عشرة دنانير، ثم يقول: بعتك الشي ء بمجموع ما اشتريته به و ما يساوي قيمة عملي، و هو مائة دينار و عشرة دنانير، و بربح كذا أو نقيصة كذا، أو من غير ربح و لا نقيصة.

المسألة 322:

إذا اشترى الرجل الشي ء بمال معين، فوجد الشي ء معيبا و رجع على البائع بأرش العيب الموجود فيه، ثم أراد بيع ذلك الشي ء مرابحة، لم يجز له ان يخبر المشتري بالثمن الأول و لا يسقط منه أرش النقصان، بل يجب عليه أن يخبر المشتري بالأمر الواقع فيقول قد اشتريت الشي ء بمائة دينار مثلا و وجدت فيه عيبا، و أخذت من بائعه علي عشرة دنانير مثلا أرش العيب الموجود فيه فيكون الباقي من الثمن تسعين دينارا، و يجوز له أن يسقط الأرش من الثمن الأول، و يجعل الباقي هو الثمن أو رأس المال فيقول للمشتري: بعتك الشي ء بما اشتريته به أو برأس ماله، و هو تسعون دينارا مع ربح خمسة دنانير، أو وضيعة أربعة دنانير مثلا.

المسألة 323:

إذا اشترى الرجل المتاع بثمن معين، ثم أسقط البائع له مقدارا من ثمن المتاع إحسانا منه للمشتري أو مكافأة له على عمل، جاز للمشتري إذا أراد بيع المتاع مرابحة أن يخبر المشتري بالثمن الأول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 130

و لا يخبره بما أسقطه البائع له من الثمن، بل يجوز له ذلك و ان أسقط له الثمن كله بعد أن تم بينهما البيع.

المسألة 324:

إذا أخبر البائع بأنه اشترى المتاع بمائة دينار، و باع المتاع على المشتري مرابحة بمائة و عشرة دنانير، ثم ثبت بعد ذلك كذب البائع في اخباره بالثمن، فالظاهر صحة البيع المذكور، و يكون للمشتري بعد ثبوت كذب البائع حق الخيار، فيجوز له أن يفسخ بيع المرابحة و يرد المتاع على بائعه و يسترد منه الثمن إذا كان دفعه اليه، و يجوز له ان يمضي العقد بما وقع عليه من الثمن و هو مائة و عشرة دنانير في المثال.

و لا فرق في الحكم بين أن يكون البائع كاذبا في مقدار الثمن و أن يكون كاذبا في أصل دعوى البيع و مثال ذلك ان يعلم أو يثبت بالبينة انه اشترى المتاع من بائعه عليه بتسعين دينارا أو بثمانين، لا بمائة دينار كما أخبر، أو انه لم يملك المتاع من مالكه الأول بشراء و ثمن، بل ملكه منه بالهبة بدون ثمن، سواء كان متعمدا في كذبه أم غالطا أم ناسيا.

المسألة 325:

إذا دفع المالك الى الدلال متاعا و وكله على بيعه له، و فرض له ثمنا معينا فقال له مثلا، ثمن المتاع عشرون دينارا، فإن أنت زدت في بيعه على العشرين فالزائد لك، فلا يجوز للدلال أن يبيع المتاع مرابحة و يعتبر القيمة التي فرضها المالك للمتاع و هي العشرون دينارا رأس مال له و يجعل الزائد على ذلك ربحا يأخذه من مشتري المتاع، بل يجوز له أن يبيع المتاع مساومة من غير أن يخبر المشتري بشي ء، و يجوز له أن يخبر المشتري بالأمر الواقع، فيقول له ان المالك فرض قيمة المتاع عشرين دينارا و انا أريد النفع زيادة على ذلك، فإذا باع المتاع بزيادة على العشرين دينارا كان

الزائد للدلال كما شرط له المالك و ان باعه بعشرين دينارا من غير زيادة كانت للمالك و لم يستحق الدلال منها شيئا كما اتفقا عليه، و الأحوط إرضاؤه بشي ء.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 131

المسألة 326:

إذا اشترى الرجل دارا أو أرضا أو شيئا غيرهما بثمن معلوم جاز له أن يشرك معه غيره في ذلك الشي ء المبيع، فيملكه نصف الشي ء مثلا على وجه الإشاعة بنصف الثمن الذي اشتراه به، أو ثلثه بثلث الثمن، أو ربعه بربع الثمن، و هكذا، فيقول له بعد أن يخبره بمقدار الثمن:

بعتك نصف الشي ء الذي اشتريته بنصف ثمنه، فيقول المشتري قبلت، و كذلك إذا شركه معه في الثلث أو غيره من الكسور المشاعة، فيتم التشريك، سواء كان الشي ء المبيع قابلا للقسمة أم لا.

و يكفي في إنشاء المعاملة بينهما بعد العلم بالمبيع و مقدار الثمن، أن يقول له شركتك في المبيع نصفه بنصف الثمن، أو يقول ثلثه بثلث الثمن، و هكذا حسب ما يتفقان عليه.

المسألة 327:

إذا قال الرجل لصاحبه في المسألة المتقدم ذكرها: شركتك في المبيع و لم يذكر النصف و لا غيره من الكسور فلا يبعد انصراف العقد إلى المناصفة بينهما.

الفصل الحادي عشر في الربا

المسألة 328:

حرمة الربا ثابتة في صريح آيات الكتاب الكريم و متواتر السنة المطهرة و إجماع فرق المسلمين، بل قال بعض الفقهاء لعل تحريمه من ضروريات الدين، و لا ريب في أنه من أكبر الكبائر في الإسلام.

و في الخبر عن أمير المؤمنين (ع): لعن رسول اللّٰه (ص) الربا و آكله و موكله و بائعه و مشتريه و كاتبه و شاهديه. و فيه عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) أخبث المكاسب كسب الربا و في الصحيح عن الإمام أبي عبد اللّٰه جعفر بن محمد الصادق (ع): درهم الربا أشد عند اللّٰه من سبعين زنية كلها بذات محرم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 132

و يقع الربا على قسمين: الأول الربا في المعاملة، و هذا القسم هو الذي يبحث عنه و عن أحكامه في هذا الفصل من كتاب البيع. و الثاني:

الربا في القرض، و هذا هو الذي يبحث عنه و عن أحكامه في كتاب الدين.

المسألة 329:

الربا في المعاملة هو أن يبيع البائع على المشتري شيئا مما يكال أو يوزن بعوض من جنسه مع زيادة في أحد العوضين على الآخر، سواء كانت الزيادة المذكورة زيادة عينية أم زيادة حكمية.

و المراد بالزيادة العينية هي ما يكون للشي ء الزائد وجود خارجي مستقل في نفسه متميز عن الموجودات الأخرى، و الزيادة الحكمية هي التي لا يكون للشي ء الزائد وجود مستقل يتميز عن الموجودات الخارجية الأخرى و ان كان خارجيا أيضا، كسكنى الدار فان كون زيد في الدار ليس له وجود مستقل في نفسه يتميز عن وجود زيد و الدار و انما هو إضافة خاصة بينهما و تابع في خارجيته لهما.

و مثال الزيادة العينية في أحد العوضين: أن يبيع زيد على خالد منا

من الحنطة الحمراء بمن و نصف من الحنطة البيضاء، أو يبيع عليه منا من الحنطة بمن من الحنطة و درهم، فان نصف المن من الحنطة في الفرض الأول، و الدرهم في الفرض الثاني زيادة عينية في أحد العوضين على الآخر فيكون من الربا.

و مثال الزيادة الحكمية: أن يبيع زيد على خالد منا من الحنطة يدفعه للمشتري نقدا، بمن من الحنطة، يدفعه المشتري له نسيئة بعد مضي شهر، فإن تأجيل الثمن زيادة حكمية على المبيع المنقود، فيكون من الربا المحرم.

و لا يختلف الحكم بين أن تكون الزيادة العينية أو الزيادة الحكمية في أحد العوضين آتية في صريح المقابلة بين العوضين في نفس العقد كما في الأمثلة المتقدم ذكرها، أم تكون آتية من قبل شرط يذكر في العقد، و مثال هذا ان يبيع زيد على عمرو منا من الحنطة بمن من الحنطة نقدا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 133

بنقد، و يشترط أحدهما على الآخر أن يدفع له مع من الحنطة دينارا فيكون من الزيادة العينية، أو يشترط عليه ان يسكن داره أسبوعا أو شهرا، أو يشترط عليه أن يعمل له عملا له قيمة في نظر أهل العرف كبناء جدار أو خياطة جبة أو أن يطحن له الحنطة فيكون من الزيادة الحكمية و يكون من الربا المحرم في جميع ذلك.

المسألة 330:

لا يختص تحريم الربا بالبيع وحده، بل يجري تحريمه في جميع المعاملات التي تشتمل على معاوضة بين عينين ربويتين إذا زاد أحد العوضين فيها على الآخر، كما إذا صالح زيد عمرا عن من من الحنطة الحمراء، بمن و نصف من الحنطة البيضاء على النهج المتقدم بيانه في البيع، و كما إذا صالحه عن هذه الصبرة من الشعير التي

يملكها هو، المعلوم كيلها أو وزنها، بهذه الصبرة من الشعير التي يملكها الآخر المعلوم قدرها أيضا، مع زيادة إحدى الصبرتين على الأخرى في المقدار، فلا يصح الصلح لأنه من الربا المحرم.

و لا يجري التحريم إذا كانت المقابلة بين مصالحتين تتعلق واحدة منهما بأحد العوضين و تتعلق الأخرى بالعوض الآخر و كان أحدهما أكثر من الآخر، و مثال ذلك: أن يصالح زيد خالدا بمن من الحنطة مما يملكه هو، على شرط أن يصالحه خالد بمن و نصف من الحنطة التي يملكها خالد، فلا معاوضة بين المالين في العقد الواقع و انما المقابلة بين مصالحتين، لكل واحدة متعلقها الخاص بها و كذلك، إذا وهب الرجل صاحبه منا من الحنطة بشرط أن يهبه صاحبه منا و نصفا من الحنطة أيضا، أو أبرأ ذمة صاحبه من دينه الثابت له عليه بشرط أن يبرئ صاحبه ذمته من دينه و كان الدينان ربويين من جنس واحد و مختلفين في المقدار فلا يكون ذلك من الربا و لا تشمله أدلة التحريم.

[لا يثبت الربا في المعاملة إلا مع وجود شرطين:]
[الأول: أن يكون العوض و المعوض عنه في المعاملة من جنس واحد،]
المسألة 331:

لا يثبت الربا في المعاملة إلا مع وجود شرطين:

الأول: أن يكون العوض و المعوض عنه في المعاملة من جنس واحد،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 134

و المدار في ذلك على وحدتهما في الجنس في نظر أهل العرف، بحيث يصدق اسم ذلك الجنس الواحد على كل منهما صدقا حقيقيا، فيكون صدق الاسم الواحد عليهما كاشفا عن وحدتهما في الحقيقة النوعية، و لا ينافي ذلك اختلاف الفردين في بعض الصفات و الخواص، فالحنطة مثلا جنس واحد و ان اختلفت أصنافه في الرداءة و الجودة و الطعم، و المشخصات الأخرى، و كل واحد من العنب و التمر و الأرز و الماش و الذرة و العدس

جنس مستقل عن الغلات و الحبوب الأخرى و ان اختلفت أصناف الجنس الواحد منها بعضها عن بعض في الصفات و الخواص.

فإذا كان العوضان من جنس واحد في نظر أهل العرف لم يجز بيع أحدهما بالآخر مع الزيادة في أحدهما، و مع وجود الشرط الثاني الآتي ذكره. فلا يجوز بيع الحنطة بالحنطة مع الزيادة المذكورة و لا بيع التمر بالتمر، و لا بيع الأرز بالأرز و لا العدس بالعدس مع التفاوت بين العوضين و ان اختلف أحدهما عن الآخر في الصفة، بل و ان اختلفا في القيمة، و يجوز ذلك إذا كان الجنس متعددا، فيجوز بيع من من الحنطة بمن و نصف من الأرز أو بمنين من التمر أو من الماش أو العدس و بالعكس.

المسألة 332:

ذكرنا في الشرط الأول المتقدم ان المدار فيه على وحدة العوضين في الجنس عرفا، بحيث يصدق اسم ذلك الجنس عليهما صدقا حقيقيا، و قد يتوهم بعض الناس من ذلك ان اسم الغلة مثلا أو اسم الطعام يطلق عرفا على كل من الحنطة و الأرز و التمر و العنب، و يصدق عليها صدقا حقيقيا، و اسم الحب كذلك يطلق عرفا على الحنطة و الأرز و الذرة و العدس و أمثالها و ذلك يقتضي أن يحرم بيع الحنطة بالتمر أو العنب مع زيادة أحد العوضين لأنهما من الغلة و يحرم بيع الحنطة بالأرز أو بالماش أو العدس كذلك لأنهما من الحب.

و هذا التوهم واضح الفساد، فان كلمة الغلة أو الحب أو الطعام ليست اسما لحقيقة نوعية واحدة في نظر أهل العرف لتدخل في الضابطة المتقدم ذكرها، و انما هي ألفاظ عامة يراد بها عند استعمالها الإشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 135

إلى تلك

الأنواع المختلفة في حقائقها، و نظيرها في ذلك كلمة الشي ء أو كلمة الأمر أو كلمة المبيع حينما تستعمل في فروض المسائل فهي انما يراد بها مجرد الإشارة، و التوهم واضح الفساد كما قلنا و نحن نذكر هذا للتنبيه.

[الشرط الثاني لتحقق الربا في المعاملة: أن يكون العوضان فيها مما يعتبر في تقديره عند بيعه الكيل أو الوزن،]
المسألة 333:

الشرط الثاني لتحقق الربا في المعاملة: أن يكون العوضان فيها مما يعتبر في تقديره عند بيعه الكيل أو الوزن، فلا يتحقق الربا في المعاملة إذا كان العوضان فيها أو كان أحدهما مما يعتبر تقديره بالعد أو بالذرع أو بحساب المساحة أو كان مما يباع بالمشاهدة، فيجوز بيع البيض بالبيض و ان كان أحد العوضين أكثر من الآخر عددا، و كذلك الجوز، إلا إذا كان المتعارف تقديره بالوزن، فيحرم مع تفاوت العوضين، و يجوز بيع الأقمشة و الأرض بعضها ببعض، و ان تفاوت العوضان في عدد الأذرع و حساب المساحة، و كذلك في ما يكتفى فيه بالمشاهدة.

المسألة 334:

الحنطة و الشعير في باب الربا جنس واحد، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع زيادة أحد العوضين على الأخر، فيبيع من حنطة بمن و نصف أو منين من الشعير، و هذا الحكم خاص في باب الربا كما قلنا و لا يجري في غيره من الأبواب، فالحنطة و الشعير في الزكاة جنسان مختلفان ينفرد كل واحد منهما بحكمه و نصابه، فلا يجب على المكلف زكاة الحنطة إذا كانت الحنطة التي يملكها لا تبلغ مقدار النصاب و ان كان يملك من الشعير ما يكمل نصاب الحنطة أو يزيد، و لا يتبع أحدهما الآخر في وجوب الزكاة إذا كان نصاب الثاني تاما و نصاب الأول ناقصا، و لا يجزي دفع أحدهما عن الآخر إلا إذا كان دفعه عنه من باب القيمة، و هكذا.

المسألة 335:

لا يلحق السلت بالحنطة و الشعير على الأقوى فقد دل بعض النصوص على انه غيرهما، فيجوز بيعه بالحنطة و بالشعير مع الزيادة في أحد العوضين، و لا يترك الاحتياط في العلس، فلا يباع بالحنطة أو بالشعير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 136

إذا زاد أحد العوضين على الآخر، و يجوز بيع العلس بالسلت و ان زاد أحدهما على الآخر.

المسألة 336:

الظاهر ان اللحم لا يعد جنسا واحدا، بل يختلف باختلاف الحيوان المذبوح، فلحم الغنم جنس مستقل يختلف عن لحم البقر، و هما يختلفان عن لحم الإبل، فيجوز بيع أي واحد منها بالآخر مع الزيادة في أحد العوضين، و كذلك الحكم في لحم الغزال و في لحم الدجاج و في سائر لحوم الحيوان المأكول لحمه، فيجوز بيع كل واحد منها بالآخر مع اختلاف الحيوان، و يحرم مع وحدة الحيوان، فلا يحل بيع لحم الغنم بلحم الغنم و لا بيع لحم البقر بلحم البقر و لا لحم الإبل بلحم الإبل، و لا لحم الدجاج بلحم الدجاج، مع التفاوت بين العوضين في المقدار.

و كذلك الحكم في بيع البان الحيوان، فجواز بيع بعضها ببعض و حرمته تابع لاختلاف الحيوان المنتج لها و وحدته، فإذا اختلف الحيوان جاز البيع في اللبن بعضه ببعض مع تفاوت العوضين، و إذا اتحد الحيوان كان محرما.

و مثلهما الحكم في الأدهان المأخوذة من الحيوان، فلا يجوز بيع دهن البقر بدهن البقر، و لا دهن الغنم بدهن الغنم، و لا دهن الإبل بدهن الإبل و يجوز بيع دهن البقر بدهن الغنم أو الإبل، لأنها أجناس مستقلة، و هكذا.

المسألة 337:

التمر بجميع أنواعه و أصنافه جنس واحد، فلا يحل بيع بعضها ببعض مع الزيادة في أحد العوضين، و ان تفاضلت أنواعه و أصنافه في القيمة السوقية، و كذلك العنب، و كل واحد من الحبوب فهي أجناس مستقلة كما ذكرنا من قبل.

المسألة 338:

الفلزات و المعادن الأصلية كالذهب و الفضة و النحاس و الحديد كل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 137

واحد منها جنس مستقل عن الآخر، فيجوز البيع مع التفاوت إذا اختلف العوضان في الجنس و يحرم مع وحدته.

المسألة 339:

لحم الغنم جنس واحد شامل لجميع أصنافه فالضأن العربي و الاسترالى و البربري و المعز و أشباهها كلها جنس واحد لا يجوز بيع لحمه بعضه ببعض مع التفاوت.

و لحم البقر بجميع أصنافه جنس واحد كذلك، فالبقر الأهلي الموجود في البلاد، و الأصناف الأخرى المستوردة من بلاد شرقية أو غربية أخرى و الجاموس كلها جنس واحد يجري الحكم المذكور في لحمها إذا ذبحت.

و لحم الإبل العراب و البخاتي ذات السنام و السنامين و سائر أنواعها الأخرى كلها جنس واحد كذلك.

و الدجاج جنس واحد شامل لجميع أصنافه الموجودة في البلد أو التي تستورد بيوضها من بلاد أخرى و تستفرخ و تنشأ هنا و ان اختلف بعضها عن بعض في الصفات، فيجري الحكم المتقدم في بيع لحمها إذا ذبحت.

المسألة 340:

كل صنف من أصناف الطير يختص به اسم يدل عليه و ينفرد به عن الأصناف الأخرى منه فهو جنس مستقل له حكم الجنس الواحد، فالحبارى من الطير مثلا جنس برأسه، و الحجل، و الدراج و الكركي، و القطا، كل واحد منها جنس مستقل برأسه، و كذلك الإوز، ما يطير منه و ما لا يطير، و البط، و نحوها، فلحم كل واحد من هذه الطيور جنس واحد يحرم بيع بعضه ببعض مع تفاوت العوضين، و يجوز بيعه بلحوم الطيور الأخرى التي تختص بها أسماء أخرى، و ان تفاوت العوض و المعوض عنه في المقدار.

و على هذا، فالحمام أجناس متعددة، فالقماري منها جنس غير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 138

الدباسي، و هما غير الورشان و غير الرواعب و غير الفواخت، فكل واحد منها جنس برأسه.

المسألة 341:

ذهب جماعة من العلماء الى ان السمك جنس واحد، و الأقوى انه أجناس متعددة فكل نوع منه يكون له اسم خاص يدل عليه و ينفرد به عن غيره من أنواع السمك فهو جنس مستقل لا يحل بيعه بمثله مع زيادة أحد العوضين على الآخر، و يجوز بيعه بغيره من أنواع السمك، سواء تفاوت العوضان في المقدار أم تساويا.

المسألة 342:

إذا كان الحيوان منه وحشي و منه أهلي، فالوحشي منه جنس برأسه مستقل عن الأهلي، و على هذا فلا يحرم بيع لحم البقر الأهلي بلحم البقر الوحشي، و لا يحرم بيع لحم الغنم الأهلي بلحم الغنم الوحشي، و لا لحم الحمار الوحشي بلحم الحمار الأهلي، و ان تفاوت العوضان في المقدار، و يحرم بيع كل واحد منها بجنسه مع التفاوت.

و المراد بالوحشي و الأهلي النوعان المعروفان من الحيوان، فإذا تأهل الوحشي المعروف أو توحش الأهلي المعروف لم يتغير حكمه.

المسألة 343:

إذا بيع الفرع بأصله أو بالعكس، كما إذا بيع الدقيق بالحنطة أو بيع الخبز بالحنطة أو بيعت الهريسة بالحنطة، و كما إذا بيع المخيض أو الجبن بالحليب، أو بيع التمر بالبسر، فهل هما من جنس واحد؟

فيمنع من بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت في المقدار، أو هما جنسان مختلفان فيحل ذلك؟.

الظاهر أن الحكم في ذلك يدور مدار كيفية تفرع الفرع على ذلك الأصل، و هو يقع على عدة أنحاء، فلا بد من ملاحظة ذلك ليعلم منه وحدة الجنس بينهما أو تعدده، و نحن نذكرها في عدة مسائل.

المسألة 344:

إذا كان تفرع الفرع على أصله يحصل بتبدل بعض صفات الأصل بصفات

كلمة التقوى، ج 4، ص: 139

أخرى كالدقيق بالنسبة إلى الحنطة، و كالخبز و السويق بالنسبة إلى الحنطة، فإن تفرع هذه الفروع على الحنطة انما حصل بتبدل صفة الحنطة بصفات أخرى، فأصبحت الحنطة بنفسها دقيقا و خبزا و سويقا، و عدت بسبب ذلك فروعا على الحنطة.

و كالمخيض و الجبن و اللبأ، و الأقط بالنسبة إلى الحليب، فان الحال فيها نظير ما تقدم في الحنطة و فروعها المتقدم ذكرها، و كذلك في الرطب و التمر بالنسبة إلى البسر، و في الدبس بالنسبة إلى التمر، و في الراشي بالنسبة إلى السمسم، و هكذا.

و الظاهر ان كل واحد من هذه الفروع بالنسبة إلى أصله المذكور يعد جنسا واحدا، فلا يصح بيعه به مع التفاوت بين العوضين.

المسألة 345:

إذا كان تفرع الفرع على أصله من قبيل خروج شي ء من شي ء، كالزيد بالنسبة إلى الحليب فان تفرعه عليه من هذا القبيل، و ليس من تبدل صفات الحليب بصفات أخرى كما في المسألة المتقدمة و كذلك الحال في الدهن بالنسبة إلى الحليب، و في الشيرج بالنسبة إلى السمسم، فهما شي ء يستخرج من شي ء، و الأظهر ان كل واحد من هذه الفروع بالنسبة إلى أصله المذكور تعدان جنسين مستقلين و لذلك فيجوز بيع أحدهما بالآخر مع تفاوت العوضين.

المسألة 346:

إذا كان تفرع الفرع على أصله يحصل بتركيب الأصل مع أشياء أخرى و خلطها على نحو مخصوص كالهريسة بالنسبة إلى الحنطة، و كالخل بالنسبة إلى التمر أو الى العنب و كالنيكل و الشبه و سائر الفروع المركبة من الفلزات و المعادن بالنسبة إلى أصولها، و الظاهر ان هذه الفروع أجناس مستقلة عن أصولها فيجوز بيع الأصل بالفرع و الفرع بالأصل و ان تفاوت العوضان في المقدار.

المسألة 347:

إذا أريد بيع الفروع بعضها ببعض، فان كان العوض و المعوض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 140

عنه في المعاملة فرعين لا يلتقيان في أصل واحد، فلا ريب في أنهما جنسان و مثال ذلك ان يبيع الرجل بعض فروع الحنطة ببعض فروع الأرز أو فروع الحبوب الأخرى، أو فروع التمر أو العنب، فيجوز البيع في ذلك و ان تفاوت العوضان في المقدار، و كذلك إذا كان العوضان في المعاملة فرعين يلتقيان في أصل واحد، و لا يتفرع أحدهما على الآخر، فهما جنسان أيضا، و مثال هذا أن يبيع الرجل سويق الحنطة بخبزها، أو يبيع الهريسة بدقيق الحنطة أو بخبزها أو بسويقها، فان العوضين في هذه الأمثلة لا يتفرع أحدهما على الآخر و ان كان الجميع فروعا لأصل واحد و هو الحنطة، فهما جنسان مستقلان كالسابق، فيجوز بيع أحدهما بالآخر و ان تفاوتا في المقدار، و يجوز بيع خل التمر بدبس التمر، و بيع خل العنب بعصير العنب و هكذا.

و إذا كان العوضان فرعين عن أصل واحد، و يتفرع أحدهما عن الآخر لوحظ في أمرهما المقياس الذي تقدم ذكره في المسائل المتقدمة، فإذا كان تفرع العوض عن صاحبه قد حصل بتبدل بعض صفاته، و مثال ذلك أن يبيع الخبز بالدقيق، فان

الخبز فرع عن الدقيق و تفرعه عليه قد حصل بتبدل بعض صفاته، و نتيجة لذلك فالخبز و الدقيق جنس واحد فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت، و كذلك الحال في الدقيق و السويق.

و إذا كان أحد الفرعين يتفرع على الآخر بنحو يكون مستخرجا منه أو مركبا منه و من غيره فهما جنسان كما تقدم فلا يحرم بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت، فيجوز بيع الزبد بالمخيض، و يجوز بيع الدهن بالمخيض لأنهما من هذا القبيل.

المسألة 348:

المدار في كون الشي ء مكيلا أو موزونا على ملاحظة العوض الذي جرت عليه المعاملة بنفسه لا على ملاحظة أصله، فإذا كان بنفسه مما يكال أو يوزن فهو ربوي لا يجوز بيعه بجنسه مما يكال أو يوزن أيضا مع التفاوت بين العوضين في المقدار، و ان كان أصله غير مكيل و لا موزون و إذا كان العوض بنفسه غير مكيل و لا موزون لم يجر فيه حكم الربا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 141

و ان كان أصله مكيلا أو موزونا فيجوز بيع الثوب بثوبين لأنه غير مكيل و لا موزون و ان كان أصله و هو القطن أو الكتان أو الصوف موزونا، بل يجوز بيع الثوب بأصله و هو القطن أو الكتان أو الصوف لأن أحد العوضين و هو الثوب غير مكيل و لا موزون، و يجوز بيع المسكوكات الفضية و النحاسية و النيكلية بعضها ببعض و ان تتفاوت في المقدار لأنها معدودة و لبست موزونة و ان كان أصلها و هو الفضة أو النحاس أو النيكل موزونا، و يجوز بيعها بأصلها نفسه و هو الأجناس الثلاثة لأن أحد العوضين و هو المسكوك غير موزون.

المسألة 349:

الأحوط لزوما عدم جواز بيع لحم الحيوان بالحيوان الحي، سواء كان من جنسه أم من غير جنسه، فلا يباع لحم الغنم بشاة حية، و لا يباع لحم الغنم ببقرة حية، و لا يباع لحم البقر ببقرة حية أو بشاة حية.

المسألة 350:

ما تكون من الأجناس المبيعة له حالتان، حالة رطوبة و حالة جفاف، كالرطب يجف فيكون تمرا، و كالعنب يجف فيكون زبيبا، و كاللحم الطري يجفف فيكون قديدا، و كالخبز الغض اللين يجفف فيكون يابسا، و كالسمك الطري يشرح و ينشر في الشمس ليكون يابسا، يجوز بيع الرطب من الجنس بالرطب منه، و بيع الجاف منه بالجاف مع تساوى العوضين في المقدار، و يحرم بيع الرطب بالرطب منه و الجاف بالجاف مع تفاوتهما في المقدار، و يحرم بيع الرطب بالرطب منه و الجاف التساوي و ان كان الجواز فيه على كراهة، و يحرم بيع الرطب منه بالجاف منه مع التفاوت، و ان كان التفاوت بمقدار ما في العوض الرطب من الزيادة بحيث إذا جف يساوي العوض الجاف.

المسألة 351:

قد ذكرنا أن تفاوت العوضين في الجودة و الرداءة إذا كانا من جنس واحد لا يسوغ للمتعاقدين بيعهما مع التفاوت بينهما في المقدار، فلا يحل للإنسان أن يبيع مثقالا من الذهب الجيد بمثقال و نصف من الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 142

المتوسط أو بمثقالين من الذهب الردي، و كذلك الأمر في الفضة و في سائر الأجناس.

و مثله الحكم في تفاوت نوعي العوضين في الرغبة بين الناس و القيمة السوقية، فلا يحل للإنسان ان يبيع منا من التمر البرحي بمنين من التمر الخضراوي، و ان كانت قيمة المن البرحي تساوي قيمة المنين من الخضراوي، و كلاهما من الجيد.

المسألة 352:

إذا اختلفت البلاد في جنس من المبيعات فكان في بعض البلاد مما يكتفى في بيعه بالمشاهدة أو كان فيه من المعدود، و كان في بعضها الآخر من المكيل أو الموزون، كان لكل بلد حكمه، فيجري في ذلك الجنس حكم الربا في البلد الذي يعده مكيلا أو موزونا لوجود شرط الربا فيه، و لا يجري فيه حكمه في البلد الآخر، لعدم الشرط.

و إذا غلب في أكثر البلاد اعتبار الجنس مكيلا أو موزونا، فالأحوط لزوما عموم حكم الربا فيه في جميع البلاد و ان اتفق وجود بلد نادر يعتبر ذلك الجنس غير مكيل و لا موزون.

[مسائل]
المسألة 353:

يمكن للمتبائعين أن يتخلصا من الربا في بيع المتجانسين مع الزيادة:

بأن يضيفا الى العوض الناقص شيئا من غير جنسه له مالية فيبيع العوض الناقص مع الضميمة بالعوض الآخر مع الزيادة أو بالعكس، و مثال ذلك أن يبيع الرجل على صاحبه منا من التمر و حقة من السكر بمنين من التمر، أو يبيع صاحبه عليه منين من التمر بمن من التمر مع حقة من السكر، فتصح المعاملة إذا قصد المتعاملان البيع الحقيقي لا مجرد إجراء الصورة.

و يمكن لهما أن يتخلصا من الربا بأن يضيفا الى كل واحد من العوضين شيئا من غير جنسه له مالية فيبيع العوض الناقص مع الضميمة بالعوض الآخر مع الزيادة و الضميمة أو بالعكس و مثال ذلك أن يبيع الرجل على الآخر منا من الأرز و دينارا بمنين من الأرز و دينارين أو يبيع الآخر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 143

عليه منين من الأرز و دينارين بمن من الأرز و دينار واحد، فتصح المعاملة إذا هما قصدا البيع الحقيقي كما تقدم.

المسألة 354:

الأقوى كما هو المشهور بين الفقهاء أنه لا يحرم الربا بين الوالد و ولده، فيجوز للأب أن يبيع الشي ء الربوي على ولده بعوض من جنسه مع زيادة أحد العوضين، و يجوز للولد كذلك ان يبيع الشي ء الربوي على أبيه سواء كانت الزيادة للأب أم للولد، و سواء كان الولد ذكرا أم أنثى، و سواء كان ولده بلا واسطة أم ولد ولده، و لا يجري هذا الحكم بين الأم و ولدها و لا يحرم الربا بين السيد و عبده، فيجوز البيع كذلك مع التفاوت.

و لا يحرم الربا بين الرجل و زوجته، فيجري الحكم في المعاملة على نهج ما تقدم، نعم، الأحوط ان

يقتصر في الحكم على الزوجة الدائمة دون الزوجة المتمتع بها.

و لا ربا بين المسلم و الكافر الحربي إذا كان المسلم هو الذي يأخذ الزيادة، فلا يحرم على المسلم اجراء المعاملة معه و لا أخذ الزيادة منه، و لا يجوز ذلك إذا كان الكافر هو الذي يأخذ الزيادة من المسلم.

المسألة 355:

الأحوط عدم جواز الربا بين المسلم و الكافر الذمي، فلا تحل المعاملة الربوية بينهما نعم إذا وقعت المعاملة الربوية بينهما و كانت الزيادة للمسلم، و كان دين الذمي يبيح له ذلك جاز للمسلم أن يأخذ منه الربا إلزاما للذمي بما ألزم به نفسه، و لا يجوز دفع الربا من المسلم له.

المسألة 356:

لا تعم حرمة الربا بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض مع الزيادة لأنها ليست من المكيل و لا الموزون، فتصح المعاملة، سواء كانت الأوراق من عملة واحدة أم من عملتين أو أكثر، و سواء كان العوضان في المعاملة شخصيين خارجيين، كما إذا باع زيد على خالد هذه الدنانير العشرة المعينة التي يملكها البائع بهذه الدنانير الأحد عشر المعينة كذلك التي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 144

يملكها المشتري، أم كان العوضان كليين في الذمة، على أن يتميز العوض و المعوض عنه في قصد المتعاملين و يجريا المعاملة على حسب ما عينا و قصدا، فالمبيع المعوض عنه مثلا هو عشرة دنانير في ذمة البائع، و الثمن احد عشر دينارا في ذمة المشتري و هو مدخول باء العوض، و قد تعرضنا لمسائل تتصل بذلك في رسالتنا في المسائل المستحدثة فليرجع إليها من شاء.

الفصل الثاني عشر في بيع الصرف

المسألة 357:

بيع الصرف هو بيع الذهب بالذهب و بيع الفضة بالفضة، و بيع أحدهما بالآخر سواء كانا مسكوكين للمعاملة بهما أم غير مسكوكين، و هو المراد حين يقول الفقهاء في هذا الباب هو بيع النقدين، و حين يقولون إذا باع النقد، أو أحد النقدين، فيعنون ما يعم المسكوك منهما و غير المسكوك.

المسألة 358:

يشترط في صحة بيع الصرف أن يتقابض المتعاقدان العوضين قبل أن يفترقا، فلا يصح البيع إذا افترق المتبايعان و لم يحصل التقابض من كلا الطرفين، و لا يصح البيع إذا افترقا و قد قبض أحد العوضين و لم يقبض الآخر، و إذا حصل التقابض بينهما في بعض العوضين و لم يتقابضا في الباقي حتى افترقا، صح البيع في ما تقابضا من العوضين، و بطل في ما لم يتقابضا فيه منهما.

المسألة 359:

إذا ضم الرجل الى الذهب أو الى الفضة غيرهما، و باع المجموع على غيره بذهب أو فضة، و لم يحصل التقابض بينهما حتى افترقا، بطل البيع في الذهب أو الفضة و ما يقابله من الثمن، لأنه بيع صرف لم يحصل فيه التقابض، و صح في المبيع الآخر، و مثال ذلك أن يبيع الرجل على غيره خمسة مثاقيل من الذهب و ثوبا بستة مثاقيل من الذهب، فإذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 145

لم يحصل التقابض حتى افترق المتبايعان بطل البيع في الذهب و ثمنه و هو خمسة مثاقيل، و صح البيع في الثوب و ما يقابله من الثمن و هو دينار واحد.

المسألة 360:

لا يبطل بيع الصرف إذا فارق المتبايعان المجلس الذي أوقعا فيه المعاملة و هما مصطحبان في الطريق مثلا، فإذا تقابضا قبل أن يفارق أحدهما صاحبه كان البيع صحيحا.

المسألة 361:

لا يشترط التقابض قبل الافتراق في الصرف إذا جرت المعاملة بين المتعاقدين على وجه الصلح أو على وجه الهبة المعوضة أو على وجه آخر من المعاملات غير البيع، كما إذا صالح الرجل صاحبه عن خمسة مثاقيل من الذهب يملكها صاحبه بخمسة مثاقيل من الذهب أو بعشرين مثقالا من الفضة يملكها هو، و كما إذا وهب صاحبه المعوض بشرط أن يهبه صاحبه العوض، فلا تبطل معاملة الصرف بينهما إذا هما افترقا قبل أن يحصل التقابض بينهما.

فشرط قبض العوضين قبل الافتراق في معاملة الصرف انما هو في بيع الصرف خاصة، و لا يشترط في غيره من المعاملات.

المسألة 362:

ليست الأوراق النقدية التي تجري فيها المعاملات بين الناس في هذا العصر ذهبا و لا فضة، فإذا بيع بعضها ببعض لم يجر عليها حكم بيع الصرف، و لم يجب فيها التقابض قبل الافتراق، سواء اتحدت العملة في العوضين أم اختلفت.

نعم، لا يترك الاحتياط في بعض العملات التي يظن أن الدولة التي أصدرتها قد اعتبرت الذهب و الفضة عوضا للاوراق و ليس مجرد اعتماد، فإذا وقع البيع في هذه العملة بعضها ببعض فالأحوط أن يحصل التقابض قبل افتراق المتبايعين، كما ان الأحوط أن لا يباع بعض هذه العملة ببعض مع الزيادة في أحد العوضين، و قد ذكرنا هذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 146

في المسألة الثالثة و الأربعين و ما بعدها من المسائل المستحدثة فليرجع إليها في ذلك.

المسألة 363:

إذا كان للرجل دين في ذمة شخص آخر و كان الدين من الذهب أو الفضة، فباع الرجل الدائن ما في ذمة الشخص المدين عليه بنقد آخر غير ما في ذمته، و قبض البائع الدائن الثمن من المشتري المدين قبل أن يتفرقا كان البيع صحيحا و لم يحتج الى أن يقبض المشتري المدين ما في ذمة نفسه و هو النقد المبيع.

و مثال ذلك أن يكون لزيد في ذمة بكر دين خمسة مثاقيل من الذهب مثلا، فيبيع زيد دينه هذا على المدين نفسه و هو بكر بيع الصرف، بعشرين مثقالا من الفضة فإذا قبض زيد منه مثاقيل الفضة و هي الثمن قبل التفرق صح البيع بذلك و ان لم يقبض بكر ما في ذمة نفسه و هي مثاقيل الذهب التي اشتراها.

المسألة 364:

إذا كان لزيد دين من ذهب أو من فضة في ذمة بكر، فباع زيد دينه هذا بيع الصرف على شخص ثالث و هو خالد بنقد آخر، و قبض زيد الثمن من المشتري لم يصح البيع حتى يقبض المشتري النقد الذي اشتراه من زيد و هو ما في ذمة بكر، فان قبضه قبل التفرق صح العقد، و ان لم يقبضه كان البيع باطلا، و إذا وكل المشتري بكرا و هو الذي في ذمته النقد المبيع أن يقبض له ما في ذمة نفسه بالوكالة عنه، فلا يبعد عدم كفاية ذلك حتى يعين بكر النقد الذي في ذمة نفسه في مصداق معين خارجي ثم يقبضه بالوكالة عن المشتري قبل التفرق.

المسألة 365:

إذا باع الرجل على غيره دراهم معينة بيع صرف، فلا يجوز للمشتري أن يبيع هذه الدراهم المعينة قبل أن يقبضها من البائع، سواء أراد بيعها على بائعها الأول أم على غيره، فإذا باعها قبل قبضها كان البيع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 147

الثاني باطلا، لأن المشتري لم يملك الدراهم بعد لعدم حصول التقابض و هو شرط في صحة بيع الصرف كما تقدم.

و إذا قبض المشتري الدراهم المبيعة بعد أن أجرى البيع الثاني و قبل التفرق من البيع الأول، صح البيع الأول لتحقق شرطه و أصبحت الدراهم ملكا للمشتري.

و المسألة في صحة البيع الثاني من صغريات المسألة المعروفة، و هي من باع مال غيره فضولا ثم ملكه بعد ذلك، و قد ذكرناها في مبحث بيع الفضولي في المسألة الثانية و التسعين، و قد تقدم منا المنع من صحة هذا البيع و ان لحقته الإجازة من البائع الفضولي بعد ما ملك المال، إلا إذا انتقل المبيع إلى البائع الفضولي بالإرث

من مالكه الأول.

المسألة 366:

إذا كانت للإنسان دراهم من الفضة في ذمة شخص فقال الدائن للمدين حول ما في ذمتك من دراهم الى دنانير ذهب، فقبل المدين ذلك، صح، و تحول الدين الذي في ذمة المدين من الدراهم الى دنانير بسبب هذه المعاملة، و ان لم يحصل بينهما تقابض، و كذلك إذا كان ماله في ذمة المدين دنانير ذهب، فقال له حولها الى دراهم فضة، فقبل المدين، صح، و تحول ما في ذمته من الدنانير الى دراهم بسبب هذه المعاملة، و شرط صحة ذلك أن تكون قيمة الدنانير بالدراهم و قيمة الدراهم بالدنانير معلومة عند المتعاملين، فلا تصح مع جهلهما أو جهل أحدهما بذلك.

و الظاهر جريان هذا الحكم أيضا في الأوراق النقدية، فإذا كان للرجل في ذمة الآخر مقدار من الأوراق النقدية من عملة معينة فقال الدائن للمدين حولها الى دراهم فضة، أو الى دنانير ذهب، أو الى أوراق نقدية أخرى و قبل المدين صح ذلك، و مثله ما إذا كان في ذمة المدين دراهم أو دنانير فقال له الدائن حولها إلى أوراق نقدية من عملة معينة و قبل المدين فيصح في جميع ذلك بسبب هذه المعاملة بينهما و ان لم يحصل التقابض، إذا كان الطرفان يعلمان بالقيمة كما تقدم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 148

و هذا كله إذا كان الشخص الثاني مدينا للشخص الأول بالمبلغ الذي أريد تبديله من نقد الى نقد، و يشكل جريان الحكم في غير المدين، فإذا كان الرجل الآخر ودعيا و كان صاحب المال قد استودعه مبلغا من أحد النقدين، و قال له حولها الى نقد آخر أو الى عملة أخرى و قبل الودعي ذلك، و الظاهر عدم الصحة إلا إذا أجريت

بينهما معاملة صرف تامة الشروط.

المسألة 367:

إذا كانت النقود مغشوشة، و كانت رائجة بين الناس في المعاملة و في الأخذ و العطاء على ما يوجد فيها من غش، جاز التعامل بها مع الناس.

فيجوز إنفاقها و أخذها و دفعها قيمة و أعواضا في المعاملات، سواء علم المتعاملون بما فيها من الغش أم جهلوا.

و إذا كانت النقود المغشوشة غير رائجة بين الناس في المعاملة، فإن بين الإنسان حال هذه النقود للأشخاص الذين يريد التعامل بها معهم، فالظاهر جواز المعاملة بها معهم إذا هم علموا حالها و قبلوا بها، و إذا كانت النقود المغشوشة مما يضربه بعض المحتالين لغش الناس و سلب أموالهم فالأحوط وجوب كسرها.

المسألة 368:

وجوب اقباض المبيع و اقباض الثمن في بيع الصرف انما هو شرط في صحة البيع كما ذكرنا من قبل فلا يصح البيع إذا لم يحصل التقابض بين المتبايعين حتى يفترقا، و ليس وجوبه تكليفيا عليهما، و لذلك فلا اثم عليهما أو على أحدهما إذا ترك التقابض عامدا.

المسألة 369:

إذا أراد الإنسان ان يبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة، فلا بد و ان يراعي أحكام الربا في البيع ليجتنبها، كما يجب ان يراعي أحكام بيع الصرف، فلا يجوز البيع مع الزيادة في أحد العوضين كما بيناه في فصل الربا، فان الذهب و الفضة من الموزون، فإذا اتحد الجنس في العوضين وجبت مراعاة أحكام الربا في المعاملة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 149

المسألة 370:

قد أشرنا في المسألة الثلاثمائة و الثامنة و الأربعين الى ان المسكوكات من الفضة أو النحاس أو النيكل و أمثالها ليست من الموزونات و ان كان أصلها و هو الفضة و النحاس و النيكل مما يوزن فإن عامة الناس في عامة بلادهم و أقطارهم و دولهم انما يضبطون هذه المسكوكات عند معاملاتهم فيها بالعدد فقيمة الأشياء التي يشترونها أو يبيعونها أو يضمنونها أو يغرمونها عشرون ريالا مثلا أو روبية، أو مائة، أو ألف، أو عشرة آلاف من هذه المسكوكات المتنوعة، و لا يلتفتون أبدا إلى الوزن، و يجهل أكثرهم وزن الروبية و وزن الريال العراقي أو الفرنسي أو السعودي الذي يتعاملون به و يجهل جميعهم وزن جميع الثمن الذي يبيع به البائع منهم أو يشتري به المشتري.

و نتيجة لذلك فلا يجري على هذه المسكوكات أحكام الربا حينما تصرف إلى أبعاضها أو تباع بسكة أخرى من جنسها، فيجوز البيع و الصرف و ان اختلف العوض و المعوض في المقدار.

نعم تجب مراعاة أحكام الربا في المسكوكات الذهبية إذا صرفت إلى أبعاضها و كانت الأبعاض من الذهب أيضا و إذا بيعت بعملة ذهبية أخرى، و ذلك لأن المسكوكات الذهبية في نظر عامة الناس من الموزون لا من المعدود، فإنهم يتعاملون بالليرة و الباون و غيرهما من

المسكوكات الذهبية بمقدار ما تزنه من مثاقيل، و غرامات و غيرها.

المسألة 371:

ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و الثالثة و الخمسين انه يمكن التخلص من حرمة الربا بأن يضم الى العوض الناقص ضميمة ذات مالية فيبيع العوض مع الضميمة بالعوض الزائد، و يمكن التخلص من حرمته أيضا بأن يضم ضميمة ذات مالية كذلك الى كل واحد من العوضين المتفاوتين في المقدار.

و على هذا فإذا باع الرجل الذهب بالذهب مع زيادة أحد العوضين على الآخر و كان الذهب مغشوشا بشي ء له مالية كفى ان يكون الشي ء الذي غش به الذهب ضميمة في البيع يتخلص بها من حرمة الربا،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 150

فيبيع العوض الناقص مع ضميمته و هو الغش بالعوض الآخر مع الزيادة إذا كان هذا العوض خالصا، و يبيع العوض الناقص مع الضميمة بالعوض الآخر مع الزيادة و الضميمة كليهما إذا كان هذا العوض مغشوشا أيضا، فيصح البيع في كلتا الصورتين. نعم يشترط أن يكون الشي ء الذي غش به الذهب مما له قيمة في حال كونه غشا، فلا يكفي إذا كان مستهلكا أو ليست له قيمة، و لا يكفي أن تكون له قيمة على تقدير تصفيته، و كذلك الحال في الفضة إذا كانت مغشوشة بشي ء له مالية مع كونه غشا كما هو الحال في الذهب.

و نتيجة لذلك فإذا بيع ذهب مغشوش بذهب مغشوش بمثل هذا الغش المتقدم ذكره صح البيع فيه مع تساوي العوضين و مع التفاوت بينهما في المقدار، و إذا بيع ذهب مغشوش كذلك بذهب خالص فلا بد و أن يكون الذهب الخالص زائدا على الذهب الموجود في العوض الآخر المغشوش، لتكون هذه الزيادة فيه مقابلة للغش في العوض المغشوش، و الا حرم البيع

لأنه ربا، و كذلك الحكم في بيع الفضة المغشوشة بالفضة المغشوشة، و بالفضة الخالصة.

المسألة 372:

إذا كان الذهب مغشوشا بشي ء له قيمة و لم يعلم بمقدار غشه، و أراد مالكه بيعه بذهب خالص، فلا بد و أن يكون العوض الخالص الذي يباع فيه زائدا بمقدار يعلم ان الذهب قد زاد على الذهب الموجود في العوض الآخر المغشوش، و ان لم يعلم بمقدار الزيادة على وجه التفصيل، لتكون هذه الزيادة في مقابل الغش الموجود في العوض كما بينا من قبل، أو يباع بجنس آخر غير الذهب.

و مثله الحكم في الفضة المغشوشة إذا لم يعلم بمقدار الغش الموجود فيها، و أراد المالك بيعها بفضة خالصة.

المسألة 373:

السيوف و الخناجر و غيرها إذا كانت محلاة بالذهب و أراد مالكها أن يبيعها بالذهب فلا بد و أن يكون عوضها الذي تباع به من الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 151

زائدا على مقدار الحلية الموجودة في المبيع لتكون الزيادة في مقابلة غير الحلية من المبيع، أو تباع بجنس آخر غير الذهب.

و يجوز أن يباع السيف المحلى بالذهب بسيف محلى بالذهب أو بخنجر محلى به، و ان اختلفا في مقدار الحلية، و كذلك في الأشياء الأخرى المحلاة بالذهب.

و مثله الحكم في الأشياء المحلاة بالفضة من غير فرق بينهما.

المسألة 374:

الكلبتون، و هو نسيج من إبريسم و ذهب أو فضة تصنع منه ملابس لبعض المترفين إذا كان مصنوعا من الذهب و أريد بيعه بالذهب، فلا بد و أن يكون ذهب الثمن أكثر وزنا من ذهب الكلبتون لتكون الزيادة في مقابلة ما فيه من شي ء آخر، و لا يشترط أن يكون ذهب الثمن مساويا لوزن الكلبتون كله أو زائدا عليه. و كذلك الحكم في الكلبتون المصنوع من الفضة إذا أريد بيعه بالفضة.

المسألة 375:

إذا اشترى الرجل من غيره ذهبا بذهب أو فضة بفضة، و كان المبيع الذي اشتراه شخصيا معينا و قبضه قبل التفرق، فوجد المبيع من جنس آخر. نحاسا مموها، أو رصاصا أو نيكلا أو غير ذلك كان البيع باطلا، و ليس للمشتري أن يطالب البائع بإبدال المبيع، و لا يصح البيع إذا أبدله البائع له.

و إذا وجد المشتري بعض المبيع من الجنس، و بعضه من غير الجنس، صح البيع في ما كان من الجنس، و بطل في غير الجنس، و كان للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له ان يفسخ العقد فيرد الجميع على البائع و يسترد منه الثمن، و يجوز له ان يأخذ الباقي الذي صح فيه البيع بحصته من الثمن، و إذا اختار المشتري ذلك فأخذ الباقي كما بينا، كان للبائع خيار تبعض الصفقة إذا كان جاهلا بالعيب فيجوز له فسخ البيع ورد الجميع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 152

المسألة 376:

إذا اشترى الرجل من أحد ذهبا بذهب أو فضة بفضة و كان المبيع شخصيا معينا و قبضه قبل التفرق، فوجد في العين التي اشتراها عيبا، ثبت للمشتري خيار العيب كما في سائر موارد وجود العيب في المبيع، فيجوز له أن يفسخ العقد و يرد المبيع على بائعه و يسترد منه الثمن، و يجوز له أن يمضي البيع بالثمن المسمى، و يجوز له أن يمسك المبيع و يطالب البائع بأرش العيب كما ذكرنا في خيار العيب و إذا اختار المشتري المطالبة بالأرش، فله أخذ الأرش من البائع سواء كان قبل التفرق أم بعده، و سواء كان الأرش من النقدين أم من غيرهما.

و لا يختص هذا الحكم و هو ثبوت الخيار بالعيب بما إذا كان الثمن من جنس

المبيع بل يشمل ما إذا اشتراه بغير جنسه كما إذا اشترى الذهب بالفضة أو اشترى الفضة بالذهب أو بغيرهما من الأجناس نعم إذا هو اشترى الذهب أو الفضة المعينين بجنسهما، فالعيب الذي يوجب للمشتري الخيار المذكور ما يكون من قبيل خشونة الجوهر في العين المبيعة، و اللين فيه أكثر من المتعارف، و اضطراب السكة و نحو ذلك، و المراد باضطراب السكة أن يجدها تخالف السكة الرائجة في البلاد، فيحتمل عدم جريانها في المعاملة، أو يحدث قلق على اعتبار السكة عند الدولة بحيث يحتمل إسقاط الدولة لها عن الاعتبار، و اما وجود الغش الزائد عن المتعارف في الذهب أو الفضة المعينين فهو داخل في المسألة المتقدمة، فإن الغش من غير الجنس و قد مر في المسألة المتقدمة أن المشتري إذا وجد بعض المبيع من الجنس و بعضه من غير الجنس صح البيع في الجنس و بطل في غير الجنس.

المسألة 377:

إذا اشترى الإنسان من احد ذهبا بذهب أو فضة بفضة و كان المبيع كليا في ذمة البائع، و حين قبضه منه قبل التفرق وجد ما دفعه اليه جنسا آخر غير الجنس الذي وقع عليه البيع، نحاسا مموها أو رصاصا أو غيرهما، فان لم يتفرق المتبايعان بعد، جاز للبائع إبدال ما دفعه الى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 153

المشتري و جاز للمشتري مطالبة البائع بابداله، فإذا قبض المشتري البدل الصحيح قبل ان يتفرقا صح البيع، و الا كان باطلا.

و إذا قبض المشتري الشي ء المبيع بعد العقد، و لما افترق المتبايعان بعد القبض وجد المشتري جميع ما دفعه إليه البائع جنسا آخر غير جنس المبيع، بطل البيع، و لا يصححه أن يبدل البائع الشي ء الذي دفعه الى المشتري فيدفع

اليه بدلا صحيحا.

و إذا وجد المشتري بعد التفرق بعض ما دفعه البائع إليه من الجنس و بعضه من غير الجنس، بطل البيع في غير الجنس و صح في البعض الذي وجده من الجنس، و تخير المشتري كما تقدم في نظير ذلك بين أن يفسخ البيع فيرد الجميع، و ان يأخذ البعض الذي صح فيه البيع بحصته من الثمن، فإذا اختار المشتري الثاني، كان للبائع أن يفسخ البيع في الجميع إذا كان جاهلا بالحال، لتبعض الصفقة عليه.

المسألة 378:

إذا اشترى الإنسان من غيره ذهبا بذهب أو فضة بفضة، و كان المبيع كليا في ذمة البائع كما تقدم و حين قبضه المشتري منه قبل التفرق وجد ما دفعه إليه البائع معيبا بأحد العيوب التي تقدمت الإشارة إليها قريبا.

تخير المشتري- على الأقوى- بين ان يرد على البائع الفرد المعيب الذي قبضه منه و يستبدله بفرد صحيح، أو يرضى بالفرد المعيب الذي دفعه اليه من غير أرش، سواء كان العوضان من جنس واحد أم كان المبيع ذهبا بفضة أو فضة بذهب، و سواء ظهر العيب للمشتري قبل التفرق أم بعده، و سواء كان العيب في جميع المبيع أم في بعضه.

المسألة 379:

إذا أراد الإنسان أن يشتري من الصائغ خاتما أو قرطا أو قلادة أو غيرها من المصوغات من الذهب أو الفضة، و أراد الصائغ أن يضيف أجرة الصياغة إلى قيمة الذهب أو الفضة فلا يجوز أن يكون البيع بجنسه للزوم الربا، بل يكون البيع بغير جنسه، أو مع إضافة ضميمة إلى الشي ء المبيع من غير جنسه تخلصه من الربا، و يكفي فص الخاتم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 154

و الفصوص التي تجعل في القرط أو القلادة إذا كانت ذات مالية، ان تجعل هي الضميمة، فتجوز الزيادة في الثمن لذلك و ان كان من الجنس، أو يباع الشي ء المصوغ بأقل من مقداره من الجنس و يجعل باقي الثمن مع الزيادة من غير الجنس، أو يشتري المشتري من الصائغ مقدارا غير مصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه مثلا بمثل ثم يؤجره لصياغته بأجرة معينة.

المسألة 380:

إذا كان للرجل في ذمة غيره دين من نقود ذهبية، ليرات عثمانية أو باونات مثلا و كان الدائن يأخذ من المدين في كل شهر نقودا من الفضة ريالات أو دراهم من سكة معينة، فإن كان ما يأخذه الدائن من المدين بقصد استيفاء دينه، و كانت قيمة النقد الذهبي الذي يستحقه الدائن بالريال الفضي الذي يأخذه من المدين معينة مضبوطة و لو في تلك الفترة، فقيمة الليرة أو الباون تساوي عشرين ريالا في جميع تلك المدة، فلا إشكال.

فإذا أخذ من المدين عشرة ريالات فقد استوفى من دينه نصف باون، و إذا أخذ منه عشرين ريالا فقد استوفى باونا، و هكذا حتى يستكمل جميع دينه.

و إذا اختلفت قيمة النقد الذي يستحقه، لوحظت قيمته في وقت الأخذ، فإذا أخذ منه عشرين ريالا في الشهر الأول، و كانت

قيمة الباون فيه تساوي عشرين ريالا، فقد استوفى من دينه باونا واحدا، و إذا أخذ منه في الشهر الثاني عشرين ريالا أيضا و كانت قيمة الباون فيه تساوي خمسة عشر ريالا، فقد استوفى من دينه باونا و ثلثا، و إذا أخذ منه عشرين ريالا في الشهر الثالث، و كانت قيمة الباون فيه تساوي ثمانية عشر ريالا، فقد استوفى من دينه باونا و تسعا، و هكذا حتى يستوفى جميع دينه.

و إذا كان ما يأخذه من المدين بقصد الاقتراض منه، بقيت النقود الذهبية جميعها دينا في ذمة المدين، و كان ما يأخذه الدائن من النقود

كلمة التقوى، ج 4، ص: 155

الفضية دينا في ذمة الدائن، و يشكل ان يبيع أحدهما دينه بدين الآخر، و يشكل أن يحتسبا أحد الدينين وفاء للآخر.

و يجوز لكل واحد منهما ان يصالح صاحبه عن دينه بما لصاحبه من دين في ذمته، فيصالح الأول الثاني عن النقد الفضي الذي أخذه منه بالنقد الذهبي الذي يستحقه في ذمته، أو بالعكس، و يجوز لهما ان يبرئ كل منهما ذمة الآخر عن دينه.

و إذا كان ما يأخذه من المدين بقصد ان يبقى امانة لديه الى وقت الحساب بينهما، بقي المبلغ امانة عنده و بقي الدين في ذمة صاحبه حتى يتم الحساب بينهما و يحصل الاستيفاء.

المسألة 381:

إذا اشتغلت ذمة الشخص لغيره بمبلغ من نقود معينة من الذهب أو الفضة أو غيرهما، لزمه أداء المبلغ من ذلك النقد المعين، سواء بقيت قيمة النقد على حالها عند اشتغال الذمة به أم تغيرت بارتفاع أم بهبوط، و سواء دفعه الدائن له قرضا أم كان ثمنا لمبيع أو عوضا في مصالحة أو في معاملة أخرى أو صداقا لامرأة أم اشتغلت ذمته

به من أي سبب آخر.

المسألة 382:

لا يجوز للرجل أن يبيع على الصائغ أو على غيره من العمال فضة بفضة أو ذهبا بذهب مثلا بمثل، و يشترط عليه أن يصوغ له خاتما، أو يخيط له ثوبا، أو ينجر له بابا، أو يعمل له عملا آخر، فان الشرط المذكور زيادة في أحد العوضين، فيكون من الربا المحرم.

و يجوز أن يقول للصائغ صغ لي خاتما من فضة أو يقول للخياط أو لغيره اعمل لي كذا و يذكر عملا معينا و انا أبيعك عشرة مثاقيل من الفضة الخالصة بعشرة مثاقيل من الفضة المغشوشة إذا قصد أن يكون بيع المثاقيل المذكورة عليه اجرة له على عمله أو جعالة له عليه.

المسألة 383:

إذا صاغ الرجل حليا أو شيئا غيره من الذهب و الفضة جميعا و أراد بيعه جاز له ان يبيعه بالذهب مع زيادة الذهب في الثمن على الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 156

الموجود في المبيع، لتكون الزيادة مقابلة للفضة الموجودة فيه، و يجوز له ان يبيعه بالفضة مع الزيادة في فضة الثمن كما ذكرنا في الذهب، و يجوز له أن يبيعه بالجنسين معا، أو يبيعه بجنس آخر غيرهما، و لا يجوز له ان يبيعه بمقدار ما فيه من الذهب وحده أو بمقدار ما فيه من الفضة وحدها و لا يزيد في الثمن على ذلك.

المسألة 384:

ما يجتمع عند الصائغ من برادة الذهب و الفضة المتساقطة في موضع عمله من الذهب و الفضة اللذين يصوغهما للناس، فتختلط و لا يعلم بمالكها على الخصوص و لا بمقدار ما يملكه كل واحد منهم من برادة ماله، الظاهر تحقق الأعراض من المالكين عن هذه الأجزاء المتساقطة من أموالهم عند صياغتها، و لذلك فيجوز للصائغ أن يتملكها.

و لكن الأحوط استحبابا أن يبيعها و يتصدق بأثمانها عن مالكيها، و إذا عرف صاحب المال فالأحوط أن يستأذنه في ذلك، و كذلك ما يتساقط من قصاصات الثياب و الخشب عند الخياط و النجار، و أجزاء الأشياء الأخرى عند العمال الآخرين.

الفصل الثالث عشر في بيع السلف

المسألة 385:

بيع السلف هو أن يبيع الإنسان على غيره شيئا كليا في ذمته مؤجلا إلى أجل مسمى، بثمن حاضر، فالسلف من حيث حضور الثمن و تأجيل المبيع معاكس للنسيئة، و يقال له بيع السلم أيضا و من كلمة السلم تؤخذ المشتقات الأخرى الملابسات له، فالمشتري في هذه المعاملة يسمى (مسلما) بكسر اللام، و البائع فيها مسلم اليه بفتح اللام، و الثمن الحاضر فيها مسلم بالفتح أيضا، و المبيع المؤجل مسلم فيه بالفتح كذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 157

المسألة 386:

يصح في هذه المعاملة أن يكون إيجاب العقد من البائع، فيقول للمشتري: بعتك طنا مثلا من الأرز العراقي العنبر الموصوف بصفة كذا أدفعه إليك بعد مضي شهرين من هذا اليوم بثلاثمائة دينار عراقي حاضرة، فيقول المشتري قبلت أو رضيت.

و يصح ان يكون الإيجاب من المشتري، فيقول للبائع: أسلمت إليك أو أسلفتك ثلاثمائة دينار عراقي حاضرة في طن من الأرز العراقي العنبر الموصوف بصفة كذا المؤجل إلى أجل كذا، فيقول البائع قبلت

المسألة 387:

إذا كان المبيع و الثمن كلاهما من غير الذهب و الفضة، يصح أن يباع أحدهما بالآخر بيع السلف إذا كان العوضان مختلفين في الجنس، و يصح ان يباع أحدهما بالآخر كذلك إذا كان العوضان من جنس واحد، و كان كلاهما أو كان أحدهما غير مكيل و لا موزون.

و لا يصح ان يباع أحدهما بالآخر سلفا إذا كانا من جنس واحد، و كانا جميعا من المكيل أو الموزون، للزوم الربا على كل حال، الا مع الضميمة، و إذا أضيفت إلى العوضين أو الى أحدهما ضميمة من غير جنسهما خرج ذلك عن الفرض في المسألة.

و إذا كان المبيع و الثمن كلاهما من الذهب و الفضة، لم يصح بيع أحدهما بالآخر سلفا، سواء اتحد الجنس في العوضين أم اختلف، و سواء كانا معا أو كان أحدهما من الموزون أم من غيره، فلا يجوز بيع الذهب بالذهب سلفا و لا بيع الفضة بالفضة، و لا بيع الذهب بالفضة و لا العكس سواء كان النقد مما يوزن أم مما يعد كالمسكوكات من الفضة، و وجه عدم الصحة ان بيع النقدين بعضهما ببعض بيع صرف يشترط في صحته التقابض قبل الافتراق كما تقدم، فلا يصح مع تأجيل المثمن كما

هو معنى بيع السلف.

و إذا كان أحد العوضين من الذهب أو الفضة، و كان العوض الآخر من غيرهما صح ان يباع أحدهما بالآخر بيع سلف، سواء كان الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 158

أو الفضة ثمنا أم مثمنا، و سواء كان العوضان أو أحدهما مما يوزن أم كانا من غير المكيل و لا الموزون.

المسألة 388:

يشترط في صحة بيع السلف ان يكون المبيع مما يمكن ضبط أوصافه التي يكون بسببها موضعا للرغبة أو قلتها، و التي تختلف باختلافها قيمة الشي ء بين الناس، كالجودة و الرداءة و اللون و الطعم و الرائحة، و النوع، و الصنف، و كل ماله دخل في توجه الطلب للشي ء عند العقلاء.

و ذلك كالحبوب على اختلاف أجناسها و أنواعها، و كالأقمشة و الثياب و سائر المنسوجات، و كالخضر و الفواكه و المشروبات، و الأدوية و العقاقير، و الأثاث، و الأمتعة، و الأجهزة و الآلات، و الأدوات التي يحتاج إليها في المنازل أو في المعامل، و وسائل النقل، و الحيوان، و الإنسان المملوك فيصح بيع السلف في ذلك كله، لإمكان ضبط أوصافه المطلوبة فيه.

و لا يصح في ما يتعذر أو يتعسر ضبط أوصافه، كالجواهر و اللئالي و الأرضين و البساتين و سائر العقارات و شبهها، فإن الجهالة في هذه و أمثالها لا ترتفع بالوصف، و لا يرتفع الغرر و الجهالة فيها إلا بالمشاهدة.

المسألة 389:

يجب في بيع السلف ذكر جنس المبيع و ذكر مميزاته التي ترفع الجهالة و توضح المراد منه فإذا كان المبيع من الحبوب ذكر أوصافه الخاصة، فيذكر في الحنطة انها حمراء أو بيضاء، و انها من الجيد أو المتوسط أو الردي و انها من إنتاج اي البلاد و من أي الأنواع إذا كان لذلك دخل في تحديد المقصود منها، و كذلك في الأرز، فيذكر انه من إنتاج أي البلاد و من أي الأنواع، و إذا كان من العنبر العراقي مثلا و كان العنبر أصنافا ذكر صنفه الذي يميزه عن غيره، و هكذا في بقية الحبوب و في الفواكه و الخضر، و كذلك في الأقمشة و المنسوجات

فيذكر النوع و الصنف و انه من نسيج اي البلاد و اي المعامل، إذا كان لذلك دخل في الوصف الكامل، و مثله الأجهزة و الأدوات و الوسائل الأخرى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 159

فيذكر مميزاتها و موضحاتها حتى لا تبقى جهالة في المبيع و لا تؤدي الى ندرة وجوده أو انعدامه.

المسألة 390:

نسب الى القول الأشهر بين العلماء انه يشترط في صحة بيع السلف ان يقبض الثمن قبل تفرق المتعاقدين من مجلس العقد، و في اعتبار هذا الشرط اشكال، و لذلك فلا يترك الاحتياط بأن يحصل القبض قبل تفرقهما، و إذا تفرق المتعاقدان و لم يحصل القبض في جميع الثمن، أو حصل القبض في بعضه دون بعض، احتاطا بالتقايل من المعاملة ثم جددا المعاملة بينهما مع قبض الثمن جميعه قبل التفرق، أو احتاطا بالمصالحة بينهما على وجه يرتفع به الإشكال في المعاملة.

المسألة 391:

إذا كان الشخص مدينا لغيره بمبلغ معين من النقود أو من غيرها، فهل يصح للدائن أن يجعل دينه هذا ثمنا في بيع السلف، و مثال ذلك أن يكون علي مدينا لعبد اللّٰه بألف دينار مثلا، ثم يبدو لعلي و هو المدين أن يبيع على دائنه و هو عبد اللّٰه أربعين وزنة من الأرز يدفعها له بعد مضي شهرين بالمبلغ الذي لعبد اللّٰه في ذمته و هو الألف دينار.

فان كان الدين المذكور الذي لعبد اللّٰه مؤجلا لم يصح أن يجعل ثمنا في بيع السلف، و ان كان الدين حالا غير مؤجل فالأقوى صحة ذلك، و ان لم يخل من اشكال.

و إذا اشترى عبد اللّٰه المبيع بألف دينار في ذمته، ثم حاسب عليا عن الدين الأول فجعله وفاء لما في ذمته من الثمن، أو تسالما فابرأ كل واحد منهما ذمة صاحبه عن دينه، فلا إشكال.

المسألة 392:

يجب أن يقدر المبيع في بيع السلف بما يتعارف تقديره به في المعاملات الجارية بين الناس فيقدر المكيل منه بالكيل، و الموزون بالوزن، و المعدود بالعد، و ما يضبط بالأذرع و الأمتار يقدر بها، و مالا يجري فيه ذلك كالسيارات و الأجهزة اكتفى فيها بالوصف المحدد للشي ء، و قد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 160

يحتاج الى ذكر مقدار حجمه أو مقدار طاقته و نحو ذلك مما تختلف فيه القيم أو يتوقف عليه التعيين.

المسألة 393:

يجب أن يكون أجل المبيع في بيع السلف محددا مضبوطا فيحدده المتعاملان بالأيام مثلا أو بالشهور أو السنين، و لهما أن يعينا الأجل بالشهور العربية و بالشهور الافرنجية و غيرها إذا كانت معلومة عند الطرفين، و كذلك السنين.

و لا يصح أن يجعل الأجل إلى وقت جذاذ التمر أو قطاف العنب أو الفاكهة الأخرى أو الى حصاد الزرع أو دياسه، و نحو ذلك من الأوقات غير المضبوطة، و إذا حدد الأجل بذلك بطل البيع.

و يصح أن يعين للمبيع أجلا قصيرا كيوم أو يومين، و أن يجعله طويلا كخمس سنين أو أكثر.

المسألة 394:

يجب أن يكون وجود الشي ء المبيع ممكنا بحسب العادة في وقت حلول أجله و في البلد الذي اشترط على البائع ان يسلم المبيع فيه، و معنى ذلك أن يكون البائع قادرا بحسب العادة على تسليم المبيع إلى المشتري في الوقت المعلوم و في البلد المعلوم، و ان كان ذلك بالنقل اليه من مكان آخر.

و نتيجة لذلك، فلا تصح المعاملة إذا كان البائع غير قادر على تسليم المبيع في وقته و ان كان الشي ء موجودا في البلد، كما إذا كان البائع مسجونا لا يستطيع و هو في سجنه الحصول على المبيع و تسليمه، أو كان في مفازة بعيدة لا يمكنه الوصول الى البلد ليحصل فيه على ذلك.

المسألة 395:

لا يبعد أن إطلاق العقد في البيع يقتضي أن يسلم البائع المال المبيع الى مشتريه في مكان المطالبة به بعد حلول أجله، الا أن تقوم قرينة عامة أو خاصة على تعيين بلد المتعاقدين أو بلد العقد أو غيرهما أو يكون العقد منصرفا عن المكان الذي طالبه المشتري فيه، و مثال ذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 161

ان يطالبه المشتري بتسليم المبيع في موضع بعيد عن وطنهما، فلا يجب على البائع التسليم في ذلك الموضع.

و الأحوط لزوما أن يعين في العقد موضع التسليم، و خصوصا إذا اختلفت الأمكنة في صعوبة نقل المال إليها و التسليم فيها و احتياج ذلك الى بذل المال.

المسألة 396:

إذا جعل المتبايعان أجل المال المبيع شهرا أو شهرين أو أكثر من الشهور العربية، و اتفق ان المعاملة بينهما وقعت في أول الشهر وجب أن يتم الأجل في المعاملة بالأشهر الهلالية سواء كانت تامة أم ناقصة.

و إذا كان وقوع المعاملة بينهما في أثناء الشهر العربي، لفقاه فعدا من الشهر الأخير مقدار ما مضى من الشهر الأول، فإذا كانت المعاملة في العاشر من شهر رجب مثلا، و كان الأجل شهرا واحدا عدا من شهر شعبان مقدار ما مضى من رجب، فيحل الأجل في العاشر من شعبان، سواء كان رجب ناقصا أم تاما، و إذا كان أجل المبيع شهرين أتما شهر رجب الى الهلال، و عدا شهر شعبان ما بين الهلالين ثم عدا من شهر رمضان مقدار ما مضى من شهر رجب، فيحل الأجل في العاشر من شهر رمضان، سواء كان رجب و شعبان تامين أم ناقصين أم مختلفين، و كذلك إذا كان الأجل ثلاثة أشهر فيحل الأجل في العاشر من شهر شوال سواء كانت الأشهر

المتوسطة تامة أم ناقصة أم مختلفة.

و الأحوط ان يتم الشهر الأول المنكسر و هو شهر رجب ثلاثين يوما، و أحوط من ذلك ان يقع التصالح بين المتعاقدين عن ذلك.

المسألة 397:

إذا جعل أجل المال المبيع شهرا أو شهرين أو أكثر من الشهور الافرنجية، وجب أن يتم أيام الشهر بما يكمل عدته، سواء كانت عدته ثلاثين يوما أم أقل من ذلك أم أكثر، و سواء كان وقوع المعاملة في ابتداء الشهر أم في أثنائه، و كذلك الشهور الشمسية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 162

المسألة 398:

إذا حدد المتعاقدان الأجل بمجي ء أحد الشهور، فقالا الى شهر رجب أو الى شهر شعبان حل الأجل بأول جزء من ليلة هلال ذلك الشهر، و كذا إذا قالا في أول رجب أو في شهر رجب.

و إذا قالا في آخر شهر رجب، حل الأجل في آخر جزء منه.

و إذا قالا الى شهر ربيع أو الى شهر جمادى و لم يذكرا أي الربيعين أو أي الجماديين حمل على أولهما من هذه السنة، فإذا كانا قد مضيا من هذه السنة، كما إذا كان بيع السلف في شهر رجب حمل على أول الربيعين و أول الجماديين من السنة الآتية.

و إذا قالا إلى الجمعة أو الى السبت مثلا فالمراد أقرب جمعة أو أقرب سبت إليهما، و حل الأجل في أول جزء من نهار الجمعة أو السبت المذكورين.

و إذا قالا إلى أول جمعة من الشهر أو الى آخر جمعة منه و كان الشهر المعين غير معلوم الأول أشكل الحكم بالصحة، فلا يترك الاحتياط و لو بالتقايل في المعاملة ثم تجديدها مع الأجل المعين أو المصالحة بينهما عن ذلك.

المسألة 399:

لا يجوز للمشتري أن يبيع المال الذي اشتراه ببيع السلف إذا كان الثمن الذي يريد بيعه به من جنس المال المبيع و كان العوضان كلاهما من المكيل أو الموزون مع زيادة أحد العوضين على الآخر في المقدار للزوم الربا المحرم.

و مثال ذلك ان يشتري الرجل من أحد عشر وزنات من الحنطة مؤجلة إلى أجل مسمى، ثم يريد أن يبيع الحنطة المذكورة التي اشتراها بعشر وزنات و نصف من الحنطة كذلك، فيكون ذلك محرما لاجتماع شروط الربا في هذا البيع، و هو واضح. سواء كان البيع قبل أن يحل أجل المال أم بعد حلوله،

و سواء كان البيع الثاني على بائعه الأول أم على غيره، و سواء كان الثمن في البيع الثاني حالا أم مؤجلا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 163

المسألة 400:

الأحوط لزوما ان يجتنب المشتري بيع المال الذي اشتراه سلفا قبل أن يحل أجله في غير المكيل و الموزون أيضا، و مثال ذلك أن يشتري الرجل ببيع السلف خمسين مترا من قماش مخصوص مؤجلة إلى أجل معين، ثم يريد ان يبيع ما اشتراه قبل ان يحل أجله، فلا يجوز له ذلك على الأحوط، سواء أراد بيعه على بائعه الأول أم على غيره، و سواء كان الثمن في البيع الثاني من جنس المال المبيع أم من غير جنسه، و سواء كان الثمن المذكور حالا أم مؤجلا، و سواء كان العوضان في البيع الثاني متساويين أم متفاوتين في المقدار.

المسألة 401:

إذا حل أجل المال الذي اشتراه الرجل ببيع السلف، جاز له بيعه، سواء كان المبيع مما يكال أو يوزن أم كان من غيرهما، و سواء أراد المشتري بيع المال على بائعه الأول أم على غيره و سواء كان الثمن الذي يبيعه به من جنس المال المبيع أم من غير جنسه، فيجوز له جميع ذلك و يصح منه، الا إذا كان المال مما يكال أو يوزن و أراد بيعه بثمن من جنسه مع التفاوت بين العوضين في المقدار، فيحرم ذلك للزوم الربا و قد ذكرنا ذلك آنفا.

المسألة 402:

إذا حل أجل المال الذي اشتراه الإنسان سلفا و لم يقبض المال بعد من بائعه، و كان المال من المكيل أو الموزون، و رغب في أن يبيعه مرابحة، جاز له أن يبيعه مرابحة كذلك على بائعه الأول، و لا يترك الاحتياط باجتناب بيعه مرابحة على غير بائعه.

المسألة 403:

إذا حل الأجل الذي حدده المتبايعان للمال المبيع و دفع البائع المال على حسب ما عيناه في العقد من الجنس و الأوصاف و المقدار وجب على المشتري قبول ما دفعه اليه، و إذا دفعه اليه على حسب ما ذكراه من الجنس و دون ما عيناه من الصفة لم يجب على المشتري قبول ما دفعه اليه، و إذا رضي المشتري به و ان كان ناقص الصفة و قبضه منه راضيا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 164

به عن حقه أجزأ و برئت ذمة البائع، و إذا رضي المشتري به و لم يقبضه لم تبرأ ذمة البائع على الظاهر.

و كذلك الحكم إذا دفع البائع المال للمشتري ناقصا عن المقدار المعين، فلا يجب على المشتري قبول الناقص و إذا قبضه راضيا به عن حقه و ان كان أقل منه أجزأ و برئت ذمة البائع، و لا تبرأ ذمته إذا رضي المشتري بالمدفوع و لم يقبضه.

المسألة 404:

إذا دفع البائع المال المسلم فيه الى المشتري فوق الصفة التي اشترطها له في العقد، فان كان مراد المشتري من اشتراط الصفة في المال ان لا يكون ما يدفعه البائع إليه دون الصفة فالظاهر وجوب القبول على المشتري إذا دفعه اليه فوق الصفة المشترطة، و ان كان مراد المشتري أن يكون ما يدفعه البائع اليه على هذه الصفة المعينة لا دونها و لا فوقها، لم يجب على المشتري القبول، و إذا دفع البائع المال إلى المشتري زائدا على ما عيناه في العقد من المقدار لم يجب عليه القبول.

المسألة 405:

إذا حل الأجل المعين لدفع المال المسلم فيه و لم يقدر البائع على أدائه لأحد الأعذار التي أوجبت له العجز عن ذلك، كان المشتري مخيرا بين أن يفسخ البيع فيرجع على البائع بالثمن الذي دفعه اليه، و أن يصبر الى أن تحصل القدرة للبائع على أداء المال، و ليس له أن يطالب البائع بقيمة المبيع في وقت حلول أجله إذا كانت القيمة أكثر من الثمن المسمى بينهما في المعاملة.

و إذا تمكن البائع من أداء بعض المبيع و عجز عن أداء بعضه، كان المشتري مخيرا في الباقي الذي عجز البائع عن أدائه بين أن يفسخ البيع فيه فيسترد من البائع حصته من الثمن، و أن يصبر الى ان تحصل القدرة للبائع على تحصيل ذلك البعض و أدائه، و يشكل الحكم بجواز الفسخ له في الجميع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 165

و إذا اختار المشتري الفسخ في البعض الذي عجز عنه البائع ففسخ العقد فيه، ثبت للبائع جواز الفسخ في الجميع.

المسألة 406:

إذا لم يوجد المبيع في البلد الذي وجب على البائع التسليم فيه و كان موجودا في بلد آخر فإن أمكن للبائع أن ينقل المال الى بلد التسليم و يدفعه للمشتري فيه وجب عليه ذلك وفاء بالعقد، و ان لم يقدر البائع على ذلك أو كان نقل المال من البلد الذي يوجد فيه الى موضع التسليم موجبا للحرج أو الضرر على البائع تخير المشتري بين فسخ العقد، فيسترد الثمن من البائع و ان ينتظر حتى تحصل القدرة للبائع على نقل المال و لهما أن يتراضيا على تسليم المال المبيع في الموضع الذي يوجد فيه أو في موضع آخر يمكنه نقله اليه.

الفصل الرابع عشر في بيع الثمار و الزرع

المسألة 407:

لا يجوز- على الأحوط- للمالك أن يبيع ثمرة عام واحد من النخيل و الشجر قبل أن تظهر الثمرة فيها إذا لم يضم إلى الثمرة التي يريد بيعها ضميمة أخرى، و ان كان لجواز البيع وجه قوي، و لكن الاحتياط في الامتناع عن بيعها كذلك لا يترك، و يجوز له ان يبيعها عاما واحدا إذا أضاف إلى الثمرة ضميمة غيرها فباع الثمرة مع الضميمة معا، و يجوز له أن يبيع ثمرة عامين أو أكثر من ذلك، و ان لم تظهر الثمرة، و لم يضم إليها ضميمة، و سيأتي بيان المراد من الضميمة المقصودة في المقام و الشروط المعتبرة فيها.

المسألة 408:

إذا ظهرت الثمرة في النخيل و الشجر، و بدا صلاح الثمرة، جاز للمالك أن يبيعها عاما واحدا و عامين، و أكثر من ذلك، و لم يفتقر في صحة البيع و جوازه الى ضم ضميمة معها. و إذا ظهرت الثمرة فيها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 166

و لم يبد صلاح الثمرة جاز للمالك أن يبيعها إذا كان المبيع ثمرة عامين أو أكثر، و يجوز له أن يبيع ثمرة عام واحد إذا ظهرت الثمرة و لم يبد صلاحها، إذا ضم إلى الثمرة المبيعة ضميمة أخرى، فباع الثمرة مع الضميمة.

و نتيجة لما ذكرنا في المسألة، فيجوز للمالك بيع الثمرة بعد ظهورها، إذا بدا صلاح الثمرة، أو أراد المالك بيع ثمرة عامين أو أكثر، أو أراد بيعها مع الضميمة، و لا إشكال في الجواز في هذه الموارد.

و إذا ظهرت الثمرة، و لم يبد صلاحها، و أراد المالك بيع ثمرة عام واحد من غير ضميمة، فالظاهر جواز بيعها أيضا، و ان كان الأحوط الترك في هذه الصورة.

المسألة 409:

يبدو صلاح الثمرة في النخيل إذا اصفرت الثمرة أو احمرت، و يبدو صلاح الثمرة في غير النخيل من الشجر إذا انعقد الحب فيها بعد تناثر ورده، و لا اعتبار في أن يكون الثمر قابلا للأكل بحسب العادة و عدم ذلك.

المسألة 410:

يشترط في الضميمة التي يجوز معها بيع الثمرة قبل ظهورها أو بعد ظهورها و قبل بدو الصلاح فيها: أن تكون الضميمة مما يصح بيعها منفردة، و أن تكون مملوكة لمالك الثمرة، و أن يكون الثمن في البيع ثمنا للضميمة و الثمرة التي يراد بيعها معها على نحو الإشاعة بينهما.

و لا فرق بين أن تكون الضميمة مستقلة أو تابعة أو متبوعة، و مثال الضميمة المستقلة أن يحتاج البائع إلى بيع الثمرة قبل ظهورها، و يحتاج كذلك الى بيع وزنتين أو أكثر من الحنطة، فيبيعهما معا بعقد واحد و ثمن واحد، فتكون الحنطة مبيعا مقصودا بالبيع بالأصالة، كما هي ضميمة مصححة لبيع الثمرة في الوقت نفسه، و مثال الضميمة التابعة أن يحتاج البائع إلى بيع الثمرة فيضم إليها شيئا آخر مما يملكه ليصحح به بيع الثمرة، حقة أو حقتين من السكر مثلا، فالضميمة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 167

المذكورة غير مقصودة بالأصالة و انما يبيعها بتبع الثمرة، فهي تابعة غير مستقلة، و مثال الضميمة المتبوعة ان يريد المالك بيع الثمر و لما احتاج الى الضميمة باع الشجر مع الثمرة معا، فالأصول ضميمة متبوعة، و يصح بيع الثمرة في جميع ذلك.

المسألة 411:

يصح لمالك النخيل أو مالك الشجر أن يبيع الثمرة قبل ظهورها أو بعد ظهورها و قبل بدو صلاحها، و يجعل نفس أصول النخيل أو الشجر ضميمة مع الثمرة فيبيعهما معا، كما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة.

المسألة 412:

إذا أراد الإنسان بيع ثمرة نخيله و احتاج في بيعها إلى ضميمة، فله أن يجعل السعف اليابس و الكرب الموجودين في النخل ضميمة في البيع، فيصح له بيع الثمرة معها، و كذلك إذا أراد بيع ثمرة الشجر، فله أن يضم إلى الثمرة ما في الشجر من غصون يابسة أو ما في البستان من شجر يابس.

المسألة 413:

إذا ظهر ثمر بعض الشجر في البستان، و لم يظهر في البعض الآخر، جاز للمالك ان يبيع جميع الثمرة في البستان ما ظهر منها و ما يتجدد منها بعد ذلك، لعام واحد أو أكثر، و لم يحتج في جواز البيع إلى الضميمة، سواء كان الثمر من جنس واحد أم من جنس مختلف.

و كذلك الحكم في الشجرة الواحدة إذا ظهر بعض ثمرتها، فيجوز لمالكها أن يبيع جميع ثمرتها ما ظهر منها و ما يتجدد بعد ذلك لسنة واحدة أو أكثر، و إذا ظهرت ثمرة بستان جاز لمالكه ان يبيع ثمرة هذا البستان مع ثمرة بستان آخر له لم تظهر ثمرته بعد، سواء أراد بيع الثمرة لعام واحد أم أكثر.

المسألة 414:

إذا كان الشجر مما يثمر في العام مرتين و أراد مالكه أن يبيع الثمرتين معا لعام واحد قبل ظهورهما فالأحوط أن لا تباع كذلك الا مع الضميمة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 168

و لا يجري فيه حكم بيع الثمر لعامين، و قد ذهب بعض الأكابر إلى جريان هذا الحكم فيه، فأجاز فيه بيع الثمرتين معا لعام واحد من غير ضميمة، و هو غير بعيد، و لكن الاحتياط فيه مما لا يترك.

المسألة 415:

إذا باع المالك ثمرة النخيل أو ثمرة الشجر عاما أو عامين أو أكثر من ذلك على الوجوه التي تقدم بيانها ملكها المشتري، فإذا باع المالك بعد ذلك أصول النخيل أو الشجر على شخص آخر انتقلت الأصول إلى مشتريها مسلوبة هذه المنفعة، و لم يبطل بيع الثمرة بذلك، و إذا كانت للأصول منافع أخرى غير الثمرة المبيعة كالسعف و الغصون اليابسة و نحو ذلك فهي ملك لمشتري الأصول، فإذا انقضت الثمار المبيعة، و أثمرت الأصول بعد ذلك ثمارا جديدة كانت ملكا لمشتري الأصول.

المسألة 416:

إذا باع مالك النخيل أو الشجر ثمرتها على أحد كما تقدم ثم باع أصولها على شخص آخر، و كان مشتري الأصول جاهلا ببيع الثمرة على غيره كان له الخيار، فيجوز له أن يفسخ بيع الأصول و يسترد ثمنها من البائع إذا كان قد دفعه إليه.

المسألة 417:

إذا باع مالك النخيل أو مالك الشجر ثمرتها على النهج المتقدم ذكره، ثم مات البائع لم يبطل البيع بموته، و بقيت الثمرة ملكا لمشتريها، و انتقلت أصول النخيل و أصول الشجر إلى ورثة مالكها مسلوبة المنفعة مدة الثمار المبيعة، و لا خيار لهم في بيع الثمرة، فإذا انقضت الثمار المبيعة ملكوا الثمرة التي تتجدد بعدها، و إذا مات مشتري الثمرة قبل استيفائها انتقلت الثمرة إلى ورثته من بعده.

المسألة 418:

لا يجوز لمالك الأصول أن يتصرف في الأصول بما ينافي ملك الثمرة، كما إذا أراد ان يقلع الأصول فلا تثمر، أو يمنعها من السقي فلا تبلغ الثمرة، أو يتصرف فيها تصرفا يتلف الثمرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 169

المسألة 419:

إذا باع المالك الثمرة، فأصابتها احدى الآفات و تلفت قبل أن يقبضها المشتري من بائعها انفسخ البيع و رجعت الثمرة إلى بائعها و كان تلفها من ماله، و استرد المشتري ثمنها إذا كان قد دفعه للبائع، كما فصلنا القول فيه في المسألة المائتين و السابعة و الثمانين و ما بعدها في فصل التسليم و القبض، و قد تقدم هناك بيان معنى القبض أيضا.

و كذلك الحكم إذا سرق الثمرة سارق أو نهبها قبل أن يقبضها المشتري، فينفسخ البيع و يرجع كل مال من العوضين الى مالكه الأول فيكون تلف الثمرة من مال بائعها.

و لا يعم هذا الحكم ما إذا أتلف البائع بنفسه الثمرة أو أتلفها شخص آخر يمكن للمشتري ان يرجع عليه و يأخذ بدل التالف منه، فان البيع لا ينفسخ في هاتين الصورتين، و يرجع المشتري بمثل التالف أو قيمته على البائع في الصورة الأولى، و يرجع بهما على الشخص المتلف للثمرة في الصورة الثانية، و قد فصلنا القول في هذا في المسألة المائتين و التاسعة و الثمانين فليرجع إليها من أراد.

المسألة 420:

إذا باع المالك الثمرة و قبضها المشتري، ثم اصابتها بعد ذلك احدى الآفات فتلفت، أو سرقها منه سارق أو نهبها، فهي من مال المشتري و لا شي ء له على البائع.

المسألة 421:

يصح لمالك البستان أن يبيع ثمرته على المناهج التي تقدم بيانها و يستثني لنفسه أو لغيره ثمرة نخلة أو نخلات معينة و شجرة أو شجرات معينة، فلا تدخل في المبيع، فإذا طرأت على النخلات أو الشجرات التي استثناها أو على بعضها آفة فأفسدت ثمرتها خاصة لم ينقص بسبب ذلك من الثمرة المبيعة شي ء فهي جميعها لمشتريها، و كذلك الحكم في العكس، فإذا أصابت ثمرة البستان آفة فأفسدت جميعها بعد القبض أو أفسدت بعضها و لم يفسد من ثمرة النخلات أو الشجرات المستثنيات

كلمة التقوى، ج 4، ص: 170

شي ء فهي جميعا لمالكها و لا نقص عليه بسبب فساد ثمرة البستان، و مثله الحكم إذا غصب الثمرة غاصب أو سرقها سارق في كلا الفرضين.

المسألة 422:

يجوز لمالك النخيل و الشجر ان يبيع ثمرتها على المناهج التي تقدم ذكرها و يستثني لنفسه حصة مشاعة من الثمرة: الثلث منها أو الربع مثلا، و يجوز له أن يستثني لنفسه مقدارا معينا من الوزن: منا أو منين من التمر أو من العنب على سبيل الإشاعة، و يجوز له ان يستثني لنفسه مقدارا معينا من الوزن كذلك، منا أو منين، بنحو الكلي في المعين.

و الفارق بين الصورتين الأخيرتين هو قصد المتبايعين، فإذا قصدا أن للبائع حصة من الثمرة مقدارها منان شائعة في مجموع الثمرة بحيث يكون كل جزء من الثمرة مشتركا بين البائع و المشتري، كان من الصورة الأولى، و إذا قصد أن للبائع منين مرددين بين مجموع الأمنان المعينة الموجودة من الثمرة كان من الصورة الثانية.

المسألة 423:

إذا أصابت البستان احدى الآفات فأفسدت بعض ثمرته و بقي بعضها اختلف الأثر في المسألة المتقدمة باختلاف فروضها، فان كان المستثنى للبائع حصة مشاعة من الثمرة وزع الباقي من الثمرة على المشتري و البائع بحسب مالهما من الحصص في الثمرة، و لم يحتج الى تخمين مقدار التالف منها، فإذا كانت حصة البائع من الثمرة هي الربع مثلا، وزع الباقي كذلك فكان الربع من الباقي للبائع و ثلاثة أرباعه للمشتري و إذا كانت الحصة المستثناة للبائع من الثمرة هي الثلث كان له الثلث من الباقي و الثلثان للمشتري، و هكذا.

و إذا كان ما استثناه البائع لنفسه من الثمرة مقدارا معينا من الوزن على سبيل الإشاعة في مجموع الثمرة، كان الطريق إلى معرفة النقص هو التخمين من أهل الخبرة، فإذا كان التالف في نظر أهل الخبرة بسبب الآفة هو ربع الثمرة مثلا، سقط من المقدار المعين للبائع ربعه،

كلمة التقوى، ج 4،

ص: 171

فإذا كان المقدار المعين له منين من التمر أو من العنب، سقط منه ربع المنين، و إذا كان التالف في نظر أهل الخبرة هو ثلث الثمرة سقط من المنين ثلثهما و كان الباقي للمشتري.

و إذا كان المستثنى للبائع من الثمرة مقدارا معينا من الوزن بنحو الكلي في المعين، فالأحوط المصالحة بين البائع و المشتري في تحديد ما يصيبهما من الخسارة.

المسألة 424:

بيع الثمار و هي على النخيل و الأشجار إذا اجتمعت شروطه و مناهجه المتقدمة كسائر البيوع و المبيعات الأخرى، فيجوز بيعها بكل ما يصح أن يكون ثمنا لغيرها من الأشياء، فتباع بالنقود و الأمتعة، و الحبوب و الحيوان و سائر الأعيان المملوكة و المنافع و الأعمال، و الحقوق القابلة للنقل و الانتقال و التي تعد أموالا في نظر العقلاء كما فصلناه في المسألة المائة و السابعة عشرة.

نعم، لا يجوز أن يباع التمر على النخل بالتمر من النخل المبيع نفسه، و الظاهر عدم التحريم إذا كان الثمن من تمر غيره سواء كان في الذمة أم في الخارج، و الأحوط استحبابا تركه، و لا يجوز بيع الثمر على الشجر إذا كان الثمن من ثمر ذلك الشجر المبيع و لا يحرم إذا كان من غيره.

المسألة 425:

إذا اشترى الإنسان الثمرة و هي على أصولها، مع أحد الوجوه المصححة لبيعها، جاز له أن يبيعها على غيره، سواء كان قد قبضها من مالكها أم لم يقبضها بعد، و سواء كان الثمن الذي يريد ان يبيعها به بمقدار الثمن الذي اشتراها به أم أقل منه أم أكثر.

المسألة 426:

إذا بذر المالك الأرض و لم يظهر الزرع بعد، فلا يجوز له أن يبيعه قبل ظهوره، و تجوز له المصالحة عليه، و يجوز له أن يبيع الأرض و يبيع الزرع معها المبذور فيها بتبعها، سواء أراد بيعهما كذلك بثمن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 172

واحد لهما معا، أم جعل لكل واحد منهما ثمنا غير ثمن الآخر، و إذا ظهر الزرع، و بدت خضرته، جاز لمالكه أن يبيعه قصيلا، و جاز له أن يبيع جميع الزرع: القدر الظاهر منه مع جذوره و أصوله الثابتة في الأرض.

المسألة 427:

إذا ظهر الزرع فباعه مالكه قصيلا- و القصيل هو ما يقطع منه و هو أخضر لعلف الحيوان- فان كان قد بلغ أو ان قصله، أو لم يبلغ ذلك، و لكن المشتري قد اشترط على بائعه ان يبقى قائما في الأرض إلى أو ان قصله، أو كانت بين الزراع عادة متبعة أن يبقى الزرع المبيع قائما إلى أوان القصل، اتبع ذلك، و إذا اشترط البائع على المشتري أن يقطعه قبل ذلك اتبع شرطه، فإذا قطعه المشتري كذلك فقد استوفى حقه، فإذا نما الزرع بعد ذلك فالناتج الجديد ملك للبائع و إذا سنبل فالسنبل ملك له و إذا بلغ أوان قصله فلم يقطعه المشتري كان للبائع إلزامه بالقطع، و يجوز له إبقاؤه و مطالبة المشتري بأجرة الأرض مدة بقائه فيها، و إذا أبقاه حتى سنبل الزرع أشكل الحكم في السنبل، هل يكون ملكا للمشتري أو يكون ملكا للبائع أو مشتركا بينهما، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 428:

إذا ظهر الزرع فباعه المالك مع أصوله الثابتة في الأرض كان الزرع كله ملكا للمشتري، فيجوز له أن يقطعه قصيلا، و يجوز له أن يتركه حتى ينمو و يسنبل إذا أذن له البائع بإبقائه في الأرض، أو كان المشتري قد اشترط على البائع أن يبقى الزرع قائما فيها، و على المشتري أجرة الأرض لمالكها مدة بقاء الزرع عليها، إلا إذا اشترط عليه أن يبقى الزرع قائما في أرضه بدون أجرة حتى يسنبل، فيتبع شرطه، فإذا سنبل الزرع كان السنبل ملكا للمشتري.

و إذا قطع المشتري الزرع قصيلا، ثم نمت أصوله بعد القطع و سنبلت كان النمو المتجدد و السنبل ملكا للمشتري و عليه أجرة الأرض لمالكها على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 173

المسألة 429:

لا يصح بيع السنبل قبل أن يظهر في الزرع و ينعقد حبة، فإذا ظهر السنبل و انعقد الحب فيه جاز بيعه، فيصح للمالك حين ذاك ان يبيع السنبل وحده، و أن يبيعه مع أصوله، قائما على الأرض أو محصودا، و يكتفى في بيعه في هذه الحالات بالمشاهدة، فلا يشترط فيه معرفة مقداره بالكيل أو الوزن، فإذا ديس و صفيت الغلة منه و أريد بيعها بعد ذلك فلا بد من الكيل أو الوزن.

المسألة 430:

لا يجوز بيع سنبل الحنطة بحنطة من نفس السنبل المبيع، و لا بيع سنبل الشعير بشعير من ذلك السنبل نفسه، لاتحاد الثمن و المثمن، و يسمى ذلك بالمحاقلة، و لا يحرم بيع سنبل الحنطة بحنطة أخرى من غير ذلك السنبل سواء كان الثمن حنطة في الذمة أم في الخارج، و كذلك سنبل الشعير فلا يحرم بيعه بشعير آخر.

و يجري الحكم المذكور في جميع الحبوب، فلا يصح بيع سنبل الأرز و الدخن و الذرة و الماش و العدس و غيرها بحب من نفس السنبل المبيع، و يجوز إذا كان الثمن حبا من جنسه من غير السنبل المبيع.

المسألة 431:

لا يجري حكم الربا في المعاملة في البيع المذكور لأن السنبل غير مكيل و لا موزون كما ذكرنا آنفا، فيجوز البيع و ان تفاوت العوضان في المقدار.

المسألة 432:

لا يجوز بيع الخضر قبل ظهورها، سواء كانت الخضرة مما يلقط كالخيار و الباذنجان أم مما يقلع كالفجل و البصل، أم مما يجز كالكراث و النعناع و الريحان، و كذلك الحكم في القت و شبهه مما يزرع لعلف الدواب، فإذا ظهرت الخضر جاز بيعها كما سنذكره ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 433:

إذا ظهرت الخضرة جاز بيعها، فإذا كانت مما يلقط كالخيار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 174

و الباذنجان و الطماطه و اليقطين و البطيخ، صح بيعها و هي في شجرها:

لقطة واحدة، و لقطات معينة العدد، و يرجع في تحديد اللقطة إلى عرف الزراع و عادتهم المتعارفة بينهم في ذلك، فبعض الخضر يلقط يوما و يترك يوما، و بعضها يترك أكثر من ذلك، و بعض نتاج الخضرة لا يلقط في المرة الأولى لصغره فيترك للمرة الثانية، و قد لا يعدون ما تنتجه المزرعة في باكورتها لقطة، لقلته، أو لعزته و غلاء ثمنه.

المسألة 434:

انما يصح بيع ما يلتقط من الخضرة- و هو في شجرة كما ذكرنا- إذا كان النتاج مشاهدا، لترتفع بذلك الجهالة في المبيع، فيشكل الحكم بصحة البيع إذا كان النتاج غير مشاهد، و تكفي مشاهدة ما تمكن مشاهدته من النتاج من خلال ورق الشجر، بحيث يرتفع معظم الجهالة بذلك، و لا ينافي ذلك ان لا يشاهد بعضها الذي يستره الورق أو يكون بين المدر، و إذا باعه لقطتين أو أكثر فلا يضر في صحة البيع ان ما عدا اللقطة الأولى منها غير موجود حين البيع، لأنه مبيع بضميمة اللقطة الأولى.

المسألة 435:

إذا كانت الخضرة المقصودة بالشراء مستورة في الأرض غير مشاهدة كالجزر و الشلجم و الثوم، أشكل الحكم بجواز بيعها حتى تقلع، و يصح الصلح عليها.

المسألة 436:

إذا كانت الخضرة مما تجز ثم تنمو كالكراث و الريحان و النعناع و الكرفس جاز بيعها بعد ظهورها جزة واحدة و جزات معينة العدد، و القول في تحديد الحد و الجزات هو القول في تحديد اللقطة و اللقطات، فيرجع فيه الى ما يتعارف بين أهل الزراعة، و تضم الجزات المتأخرة و ان كانت معدومة حين البيع إلى الجزة الموجودة فيصح بيعها معا كما تضم ثمرات السنين الآتية إلى الثمرة الموجودة في العام الحاضر فيصح بيعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 175

و يباع ما يتعارف بيع ورقه كالحناء بعد ظهور الورق فيه خرطة واحدة أو خرطات، و المرجع في الخرطة أيضا هو المتعارف بين أهل ذلك العرف الخاص، و كذلك ورق التوت إذا تعارف بيعه كذلك لدود القز، فيباع خرطة و خرطات.

المسألة 437:

إذا كانت ثمرة النخيل مشتركة بين مالكين، جاز لأحد الشريكين أن يتقبل حصة شريكه الآخر من الثمرة، فيخرص مجموع ثمرة النخيل المشتركة بمقدار معلوم، و يتقبل حصة شريكه من ثمرة النخيل بمقدار حصته من مقدار الخرص، فيملك حصة شريكه بذلك، سواء زاد الخرص على مقدار الحصة في الواقع أم كان مساويا لها أم انقص منها.

و مثال ذلك أن يكون زيد و عمرو مشتركين في الثمرة على وجه المناصفة بينهما، فيخرص زيد مجموع الثمرة المشتركة بعشرين وزنة من التمر، و يتقبل حصة شريكه من الثمرة بعشر وزنات و هو نصف مجموع الثمرة بحسب الخرص، فتكون حصة عمرو من الثمرة ملكا لزيد بسبب هذه المعاملة و يجب عليه ان يدفع لعمرو عشر وزنات من التمر سواء كان ذلك زائدا على نصف الثمرة في الواقع أم مساويا أم ناقصا عنها.

و لا فرق في الحكم بين أن تكون الثمرة

مشتركة بين شريكين فقط أو أكثر، و سواء تساوت حصص الشركاء في الثمرة أم تفاوتت، فإذا خرص الشريك مجموع الثمرة، و تقبل حصص شركائه بمقدار حصصهم من الخرص ملك حصصهم، سواء تساوت أم تفاوتت، و عليه ان يؤدي لكل واحد منهم مقدار حصته من الخرص المعلوم.

المسألة 438:

يجوز أن يجعل المقدار الذي يتقبل به حصة الشريك كليا ثابتا في ذمته، و يجوز أن يجعله مقدارا من الثمرة نفسها، فإذا تلفت الثمرة بحدوث بعض الآفات فان كان ما تقبل به الحصة كليا في ذمته لم يسقط عنه ضمان حصة شريكه بتلف الثمرة فيجب عليه دفع المقدار الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 176

تقبل الحصة به، و ان كان ما تقبل به الحصة مقدارا من الثمرة نفسها فلا ضمان عليه إذا تلفت الثمرة.

المسألة 439:

يجري الحكم المتقدم بيانه في ثمر الشجر و في الزرع أيضا إذا كان الثمر أو الزرع مشتركا بين الرجل و بين غيره، فيجوز له أن يتقبل حصة شريكه من ثمر الشجر و من نتاج الزرع، سواء كان الشريك واحدا أم أكثر، و سواء تساوت حصص الشركاء أم تفاوتت، على النهج الذي تقدم ذكره في تقبل ثمرة النخيل من غير فرق بينها في الآثار و الأحكام.

المسألة 440:

الظاهر أن تقبل حصة الشريك من الثمرة و من الزرع معاملة مستقلة بنفسها و ليست بيعا و لا صلحا، و يصح إيقاعها بلفظ الصلح و بكل لفظ يكون ظاهرا في المعنى المقصود و دالا عليه في متفاهم الناس العقلاء و ليس لها صيغة خاصة.

المسألة 441:

يجوز للإنسان إذا مر بنخل أو شجر مثمر أن يأكل من الثمر بمقدار شبعه، سواء كانت به ضرورة عرفية إلى الأكل منه أم لم تكن، فله أن يأكل مما على النخل أو الشجر من الثمرة أو مما تساقط منه، بشرط أن لا يحمل من الثمرة شيئا، و أن لا يفسد للثمر أو للأغصان أو للأرض أو لشي ء من ممتلكات صاحب المال، و الظاهر انه يجوز له الأكل منها و ان كان قاصدا من أول الأمر أن يأكل من ثمرة النخل أو الشجر إذا مر به، و إذا حمل معه شيئا من الثمرة، حرم عليه ما حمل منها و لم يحرم عليه ما أكل.

المسألة 442:

الأحوط لزوما اختصاص هذا الحكم بثمرة النخل و الشجر، فلا يتعدى الى الزرع و الخضر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 177

المسألة 443:

الأحوط لزوما عدم شمول الحكم للشجر النادر و النخل الذي يعتز مالكه بثمرته فلا يجوز التناول منه إذا مر الإنسان به بل المنع منه هو الأقوى.

المسألة 444:

إذا كان للرجل الى مقصده طريقان فاختار المرور من أحدهما لأنه يمر بالنخل أو بالشجر فيأكل من ثمره، أشكل الحكم بالجواز، و كذلك إذا مر الرجل بالنخل أو الشجر و لم تكن له غاية و لا مقصد من سلوك الطريق إلا الأكل من الثمرة، و كذلك إذا كان للبستان سياج من جدار أو حضار أو شرك يحيط به، أو علم بكراهة المالك للأكل من ثمره، فالأحوط المنع في جميع هذه الفروض.

المسألة 445:

إذا كانت للإنسان نخلة في دار غيره أو في بستانه بحيث يشق على صاحب الدار أو البستان دخول مالك النخلة إليها، يصح لمالك النخلة أن يبيع ثمرتها على صاحب الدار أو البستان بمقدار خرصها تمرا من غيرها أو من تمرها أو كليا في ذمة المشتري، و يسمى هذا بيع العرية، و هو مستثنى من حرمة بيع ثمرة النخيل بتمر من النخيل نفسه و قد تقدم ذكره في المسألة الأربعمائة و الرابعة و العشرين و يسمى بيع المزابنة.

الفصل الخامس عشر في بيع الحيوان

المسألة 446:

يجوز أن يسترق الكافر الأصلي إذا لم يعتصم بدخوله في ذمة الإسلام أو بدخوله في معاهدة بينه و بين المسلمين، سواء كان في دار الكفر أم في دار الإسلام، و سواء كان صغيرا أم كبيرا، و ذكرا أم أنثى، و سواء حصل الاستيلاء عليه بالحرب و الاغتنام أم بغير ذلك من أساليب القهر و الغلبة، و لو بالسرقة و نحوها، و إذا وقع الرق عليه سرى في أعقابه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 178

و ان أسلم بعد الاسترقاق و أسلمت أعقابه، و يرتفع الرق عنه بالعتق إذا حصل أحد أسبابه التي وضعها الإسلام.

المسألة 447:

إذا قهر الكافر الحربي كافرا حربيا آخر فباعه على مسلم، و كان هذا البيع صحيحا في دين ذلك الكافر ألزم بما ألزمه به دينه، و ملكه المسلم بذلك، و كان ذلك بيعا، و ترتبت عليه أحكام البيع، سواء كان الكافر المستولي عليه أجنبيا عن الكافر البائع أم قريبا له، و ان كان أباه أو أخاه أو ولده أو أمه أو زوجته أو ممن ينعتق عليه في دين الإسلام، و إذا لم يكن البيع صحيحا في دينهم لم تجر عليه أحكام البيع، و لكن المسلم يتملكه بالاستنقاذ، و كذلك الحكم إذا قهره فباعه على كافر آخر ثم باعه الكافر على المسلم، فيجري فيه ما ذكرناه في المسألة.

المسألة 448:

لا يجوز أن يسترق المرتد الفطري و لا المرتد الملي، سواء كان ذكرا أم أنثى، و لا يجوز أن يسترق الكافر الأصلي إذا كان ذميا أو معاهدا في الإسلام، و ولد المرتد الذمي و المعاهد بحكم آبائهم.

المسألة 449:

إذا ملك الإنسان مملوكا بأحد الأسباب التي توجب تملكه و كان ممن يستقر ملكه إياه، جاز له بيعه على غيره و نقله الى ملكه بأحد المملكات الشرعية الاختيارية كالصلح و الهبة و جعله عوض إجارة أو جعالة أو صداق زوجة أو غير ذلك من المملكات، و جاز له بيع بعضه أو نقل بعضه الى ملك غيره بأحد المملكات.

المسألة 450:

يصح للرجل أن يتملك اي مملوك أراد من الناس إذا حصل له أحد الأسباب التي توجب ملكه، و يثبت بذلك ملكه إياه، و يستثنى من ذلك عدة أشخاص، لا يصح للرجل أن يتملكهم، و لا يستقر عليهم ملكه إذا ملكهم، و هم: (1) الأب و (2) الأم، و (3) الجد، و هو أبو الأب و أبو الأم، و ان كان أبا لأحدهما بواسطة واحدة أو أكثر، و (4)

كلمة التقوى، ج 4، ص: 179

الجدة، و هي أم الأب و أم الأم، و ان كانت أما لأحدهما بواسطة واحدة أو أكثر، و (5) الولد سواء كان ذكرا أم أنثى، و كذلك ولد الولد سواء كان بواسطة واحدة أم أكثر، و (6) الأخت، سواء كانت للأبوين أم لأحدهما، و (7) العمة و ان علت، و (8) الخالة و ان علت، على ما سيأتي بيانه فيها و في العمة، و (9) بنت الأخ، و ان كانت بنت ابنه أو بنت بنته، بواسطة واحدة أو أكثر، و (10) بنت الأخت و ان كانت بواسطة واحدة أو أكثر كما في بنت الأخ، سواء كانت صلة الرجل بهم من النسب أم من الرضاع.

المسألة 451:

العمة هي أخت رجل أولد الإنسان، كأخت أبيه، و أخت أحد أجداده من قبل أبيه، و ان كان جدا له بواسطة أو أكثر، و أخت أحد أجداده من قبل أمه و ان كان جدا بواسطة أو أكثر، سواء كانت أخت الرجل الوالد للأبوين أم لأحدهما في الجميع.

و الخالة هي أخت امرأة أولدت الإنسان، كأخت أمه، و أخت إحدى جداته من قبل أبيه و لو بواسطة أو أكثر، و أخت إحدى جداته من قبل أمه و ان كانت بواسطة واحدة

أو أكثر، سواء كانت أخت المرأة الوالدة للأبوين أم لأحدهما في جميع من ذكر.

المسألة 452:

إذا اشترى الرجل أحد هؤلاء المذكورين أو ملكه بسبب آخر، اختياري كالهبة و الصلح و غيرهما أو غير اختياري، كالإرث انعتق المملوك قهرا، و هذا هو المراد من عدم تملك الرجل لهم.

المسألة 453:

يصح للمرأة أن تتملك اي مملوك أرادت إذا حصل لها أحد الأسباب المملكة، و ثبت ملكها إياه عدا (1) الأب (2) الأم (3) الجد (4) الجدة (5) الولد على النهج الذي سبق بيانه فيهم جميعا في الرجل سواء كانت صلة المرأة بهم من النسب أم من الرضاع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 180

المسألة 454:

إذا ملك الرجل زوجته أو ملكت المرأة زوجها بعد التزويج بطل النكاح بينهما، و استقر ملك المالك منهما لصاحبه فلم ينعتق المملوك، و كذلك الحكم إذا ملك أحدهما بعض الآخر، كما إذا اشترى الرجل نصف زوجته أو ربعها من مالكها أو اشترت المرأة نصف زوجها أو ربعه من مالكه، فينفسخ نكاحهما و يستقر ملك البعض.

المسألة 455:

يكره للرجل أن يتملك غير من تقدم ذكرهم من أقاربه و أرحامه كأخيه و عمه و خاله و أولادهم و لو بالواسطة ذكورا و إناثا و ان كن ممن يحل له التزويج بهن.

المسألة 456:

لا يملك الكافر عبدا مسلما بشراء و لا بغيره من الأسباب الاختيارية للملك، و إذا كان للكافر عبد كافر، فأسلم العبد أجبر الكافر على بيع العبد من مسلم، و دفع اليه ثمنه، و إذا ملك المسلم عبدا مسلما بميراث أو غيره، فارتد المولى اجبر على بيع العبد من مسلم، إذا كان المرتد مليا، و انتقل الى الوارث المسلم في ما ينتقل اليه من الأموال إذا كان المرتد فطريا.

المسألة 457:

إذا أقر الشخص على نفسه بأنه عبد مملوك، و كان المقر بالغا عاقلا مختارا غير مكره و لا مضطر اضطرارا يوجب سلب اختياره، نفذ إقراره على نفسه و حكم عليه بالعبودية، الا ان يعلم أو يطمئن بكذبه فلا يؤبه بقوله، و إذا حكم بعبوديته بسبب إقراره فلا يلتفت الى رجوعه عن إقراره بعد ذلك الا ان يذكر لإقراره الأول تأويلا محتملا في حقه.

المسألة 458:

إذا اشترى الإنسان عبدا أو كانت لأحد عليه يد تقتضي انه مملوك له، فادعى أنه حر لم يسمع قوله حتى يقيم بينة شرعية على ما يقول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 181

المسألة 459:

إذا وطأ المالك جاريته المملوكة له ثم أراد بيعها، وجب عليه أن يستبرئها قبل البيع، فيدعها الى ان تحيض بعد وطئه إياها حيضة واحدة، فإذا طهرت من حيضها باعها إذا شاء، و إذا كانت لا تحيض و هي لم تبلغ سن اليأس من الحيض استبرأها بمضي خمسة و أربعين يوما بعد وطئه إياها ثم باعها.

المسألة 460:

إذا باع المالك جاريته بعد ما وطأها و لم يستبرئها صح بيعه إياها، و وجب على مالكها الجديد أن يستبرئها بحيضة أو بمضي خمسة و أربعين يوما من وطء مالكها الأول إياها، و لا يحل للمالك الجديد أن يطأها أو يحلل وطأها لأحد قبل الاستبراء، و إذا لم يعلم المالك الجديد أن بائعها استبرأها بعد الوطء و قبل البيع أم لا، وجب عليه الاحتياط فلا يجوز له وطؤها أو تحليل وطئها لأحد قبل الاستبراء.

المسألة 461:

إذا علم المشتري ان مالك الأمة لم يطأها، أو علم بأنه قد استبرأها قبل ان يبيعها جاز له وطؤها و تحليلها لغيره و لم يجب عليه استبراؤها.

المسألة 462:

إذا أخبره مالكها الأول بأنه قد استبرأ الأمة بعد الوطء، و قبل البيع، أو أخبره بأنه لم يطأ الجارية و كان أمينا صدقه المشتري و لم يجب عليه الاستبراء.

المسألة 463:

لا يجب على المرأة إذا أرادت أن تبيع أمتها أن تستبرئها قبل البيع إلا إذا كانت موطوءة وطئا محترما، كما إذا حللتها المرأة المالكة لأحد، فوطأها بالتحليل، فتجب عليها العدة من هذا النكاح، و لا يجب على المشتري أن يستبرئ الأمة إذا اشتراها من امرأة إلا في هذه الصورة إذا لم تستبرئها المالكة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 182

المسألة 464:

لا يجب الاستبراء في الأمة إذا كانت يائسا من المحيض، و لا يجب الاستبراء في الأمة إذا كانت حائضا في حين البيع، و يحرم على المشتري وطؤها في حال الحيض، فيكون وطء هذه الجارية محرما من جهة الحيض و محرما من حيث الاستبراء، و لا يجب الاستبراء في الأمة إذا كانت صغيرة غير بالغة، و ان لم يجز للمشتري و لا لغيره وطء الصغيرة قبل بلوغ التسع.

المسألة 465:

إذا كانت الجارية حاملا لم يجب على المالك ان يستبرئها قبل البيع، و لا يجوز للمشتري أن يطأها قبلا حتى تمضي للحمل أربعة أشهر و عشرة أيام من أول حمله، و يكره بعد ذلك، بل الأحوط له ترك جماعها حتى تضع حملها.

و هذا الحكم شامل لكل من انتقلت الى ملكه أمة و هي حامل، سواء انتقلت اليه بصلح أم بهبة أم بإرث أم بغير ذلك من وجوه التملك.

المسألة 466:

إذا وطأ المشتري الجارية التي اشتراها و قد استبان حملها عزل عنها عند جماعها، فان هو لم يعزل، فالأحوط له لزوما عدم جواز بيع الولد، بل يجب عتقه و ان يجعل له من ماله شيئا يعيش به.

المسألة 467:

لا يختص وجوب الاستبراء للأمة بالبائع و المشتري، بل يعم كل مالك للأمة إذا وطأها هو أو وطأها أحد بتحليله، و أراد المالك نقلها الى ملك غيره بصلح أو هبة أو أي سبب آخر من أسباب التمليك، فيجب عليه استبراء الأمة قبل ذلك. و يعم كل من انتقلت إليه الأمة بالملك، و قد وطئت قبل ذلك حتى إذا انتقلت إليه بالإرث أو بالاسترقاق، فيجب عليه استبراؤها إذا هي لم تستبرأ بعد وطئها.

المسألة 468:

إذا اشترى الرجل أمة و وطأها حيث يحل له وطؤها ظاهرا، ثم علم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 183

بعد ذلك أن مالكها غير من باعها، وجب على المشتري اجتنابها، و كان للمالك أن ينتزعها منه، و للمالك على المشتري بسبب وطئها عشر قيمتها إذا كانت بكرا و نصف عشر القيمة إذا كانت ثيبا، سواء وطأها مرة واحدة أم أكثر، و إذا حملت الأمة من المشتري كان للمالك عليه قيمة الولد يوم يولد حيا، و إذا كان المشتري جاهلا بالحال رجع على البائع بجميع ما يأخذه المالك منه من الغرامة.

المسألة 469:

الأقوى ان العبد يملك ما ملكه مولاه إياه من الأموال و المنافع و غيرها، و يملك ما يملكه غير مولاه من الأشياء إذا أذن له مولاه بذلك، و يملك ما يشتريه لنفسه و ما يربحه في تجارته أو معاملته، و يملك مال إجارته لنفسه أو لداره أو لشي ء من ممتلكاته إذا أذن له مولاه بذلك، و يملك ما يحوزه لنفسه من المباحات، و يملك- على وجه الاجمال- كلما يستفيده من الفوائد و الأموال من أنواع التكسب المحللة في الشريعة إذا أذن له مولاه بذلك.

و لكن العبد محجور عن التصرف في أمواله و في ما يملك، فلا ينفذ تصرفه فيها إلا بإذن مولاه، و يكفي في صحة تملكه و في صحة تصرفه في أمواله، بل و في عامة شؤونه الأخرى أن يأذن له مولاه بذلك إذنا عاما شاملا لجميع ذلك، فإذا قال له قد أذنت لك في جميع أنواع التكسب المحللة في الإسلام، و ان تتملك ما تربحه و تستفيده من أموال، و أن تتصرف فيها و في جميع شؤونك كما يتصرف الأحرار في أموالهم و شؤونهم،

كفاه ذلك، بل يكفيه ان يقول له أنت مأذون في مطلق الاكتساب و التملك و التصرف في أموالك.

المسألة 470:

لا يحل للرجل أن يطأ الأمة المشتركة بينه و بين غيره، سواء كان شريكه فيها واحدا أم أكثر، و إذا وطأها كذلك كان زانيا، و لزمه الحد بمقدار نصيب الشريك فيها، فإذا كان الشريك يملك النصف منها أقيم على الواطئ نصف الحد، و إذا كان يملك ثلاثة أرباعها أقيم على الواطئ ثلاثة أرباع الحد، و هكذا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 184

و إذا حملت الجارية من وطئه إياها، قومت عليه الجارية، و وجب عليه أن يدفع لكل شريك حصته من قيمتها، و انعقد الولد حرا، و على الواطئ أن يدفع لكل شريك حصته من قيمة الولد يوم ولادته حيا، بل من المحتمل أن تقوم الجارية على الواطئ بمجرد وطئه إياها إذا احتمل انها تحمل منه، و ان لم يستبن الحمل فيها بعد.

المسألة 471:

لا يقام على الواطئ الحد في المسألة المتقدمة إذا كان وطؤه للجارية بشبهة باعتقاد أنها محللة له شرعا، و لا يسقط تقويم الجارية عليه، و لا تقويم الولد بسبب ذلك.

المسألة 472:

الأحوط لزوما ان لا يفرق بين الأم و ولدها أو بنتها حتى يستغنى الولد أو البنت عن أمهما، و لعل الحكم لا يختص بالبائع و المشتري، بل يعم الواهب و المصالح و المستأجر و غيرهم ممن ينقل ملك الأمة أو الولد فيكون سببا في التفرقة بينهما، و يجوز ذلك في الحيوان، إلا إذا كانت تفرقة الطفل عن أمه توجب موت الطفل فيحرم ذلك لأنه إتلاف للمال المحترم.

المسألة 473:

يجوز للرجل أن يشتري بعض الحيوان مشاعا: نصفه مثلا أو ثلثه، فإذا كانت المنفعة المقصودة من الحيوان هي ركوبه و الحمل عليه و ادارة الرحى و الناعور و شبه ذلك، كالفرس و البغل و الحمار، ملك المشتري نصف منفعته أو ثلثها، و إذا استؤجر الحيوان لبعض المنافع كان له نصف الأجرة أو ثلثها، و إذا بيع كان له نصف الثمن أو ثلثه.

و إذا كان المقصود من الحيوان أكل لحمه أو بيعه ملك المشتري نصف اللحم أو ثلثه إذا ذبح الحيوان، و إذا بيع لحمه بعد الذبح أو قبله كان له نصف الثمن أو ثلثه. و كل هذا واضح غير خفي.

المسألة 474:

لا يجوز بيع جزء معين من الحيوان كالرأس أو الفخذين أو القوائم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 185

أو نصفه الذي فيه الرأس أو الذي فيه الذنب، إذا كان الحيوان مما يراد اقتناؤه للركوب أو الحمل عليه و نحو ذلك، فيكون بيع الجزء المعين كذلك باطلا.

نعم قد يصح بيع جلد الحيوان و ان كان محرم الأكل إذا كان قابلا للتذكية، فيشتري المشتري جلده قبل ان يذبح لينتفع بالجلد إذا ذبح، و إذا مرضت الفرس أو البغل أو الحمار حتى وقذها المرض و أراد المشتري ان ينتفع بجلدها لبعض الغايات فيشتريه من المالك و يذكي المالك الحيوان قبل الموت و يدفع له الجلد.

و يجوز بيع الجزء المعين من الحيوان الذي يقصد منه أكل لحمه، فإذا ذبح الحيوان أخذ المشتري الجزء الذي اشتراه لأكله أو لبيعه.

المسألة 475:

إذا اشترى الرجل الجزء المعين من الحيوان الذي يقصد منه أكل لحمه كرأس الحيوان و جلده أو بعض أجزائه المعينة الأخرى، ثم بيع الحيوان و لم يذبح، كان المشتري شريكا في الحيوان بنسبة الجزء الذي اشتراه الى مجموع الحيوان.

فيقوم الحيوان كله، و يقوم الجزء المعين الذي اشتراه المشتري، و تنسب قيمة الجزء المعين، إلى قيمة المجموع فإذا كانت قيمة الجزء تساوي ربع قيمة المجموع مثلا، فللمشتري ربع الثمن الذي يباع به الحيوان، و إذا كانت تساوي الخمس أو العشر كان للمشتري من الثمن بتلك النسبة.

فإذا كانت قيمة مجموع الحيوان عشرين دينارا و كانت قيمة الرأس و الجلد دينارين و هي عشر العشرين، فللمشتري عشر الثمن الذي يباع به الحيوان.

و كذلك الحكم إذا باع المالك الحيوان المأكول اللحم و استثنى لنفسه من الحيوان رأسه و جلده، فإذا ذبح الحيوان اختص البائع بالجزء المعين

الذي استثناه لنفسه، و إذا بيع الحيوان و لم يذبح كان البائع شريكا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 186

فيه بنسبة قيمة الجزء الذي استثناه لنفسه إلى قيمة مجموع الحيوان على النهج الذي تقدم بيانه.

المسألة 476:

إذا اشترك شخصان أو أكثر فاشتروا حيوانا مأكول اللحم بثمن معين دفعه جميعهم، و اشترط أحدهم على الآخرين: أن يكون له الرأس و الجلد من الحيوان، أو أن يكون له جزء معين منه غير ذلك، فإذا بيع الحيوان و لم يذبح، فالظاهر أن شركة الرجل الذي اشترط أن يكون له الرأس و الجلد بنسبة ماله الذي دفعه في الثمن الذي اشتروا به الحيوان، لا بنسبة الرأس و الجلد.

فإذا كان ثمن الحيوان الذي اشتروه به أولا عشرين دينارا، و كان الرجل الذي شرط لنفسه الرأس و الجلد، قد دفع منها أربعة دنانير، و هي خمس العشرين دينارا، كان شريكا في الثمن الجديد الذي يباع به الحيوان، بنسبة ماله الى الثمن الأول و هي الخمس كما ذكرنا، لا بنسبة قيمة الرأس و الجلد إلى قيمة الحيوان كما في المسألة السابقة، و الفارق هو النص. و كذلك الحكم إذا اشترى رجل الحيوان بعشرين دينارا مثلا، ثم شرك معه في الشراء رجلا آخر في الرأس و الجلد بأربعة دنانير، فإذا أرادا بيع الحيوان كان الرجل شريكا في الثمن الجديد بنسبة ماله في الثمن الأول لا بنسبة الرأس و الجلد.

المسألة 477:

إذا قال زيد لعمرو اشتر حيوانا: شاة مثلا أو بقرة، بشركتي معك، أو قال له و شركني معك فيه، فظاهر الأمر انه قد وكله على شراء الحيوان المشترك بينهما، فيصح له أن يتولى الشراء لنفسه و للموكل و ان يتم المعاملة عليه، و ظاهر الإطلاق في قوله بشركتي معك أو قوله و شركني معك فيه ان كل جزء من اجزاء الحيوان الذي يشتريه يكون مشتركا بينهما، و ان كل جزء من أجزاء الثمن فهو عليهما، و لازم ذلك المناصفة بينهما

في الحيوان و في ثمنه، فلكل واحد منهما من الحيوان مثل ما للآخر و على كل واحد منهما من الثمن مثل ما على الآخر، الا ان تقوم قرينة خاصة على ان المراد شركتهما على وجه آخر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 187

و مثال ذلك ان يعلم ان المقصود من شراء البقرة لهما هو الوفاء بحاجة الطرفين من اللبن و السمن و يعلم ان ما يحتاج اليه زيد مثلا من ذلك ضعف ما يحتاج اليه عمرو لكبر بيته و كثرة عياله و ضيوفه و قلة ذلك عند عمرو، و أن حاجة زيد بسبب ذلك الى ثلثي البقرة، و حاجة عمرو الى ثلثها، فإذا دلت القرينة على ذلك أو على غيره عمل عليها.

و كذلك إذا قال له اشتر سيارة أو مبردة ماء مثلا، أو شيئا آخر بشركتي، فيجري الحكم المتقدم و تتقرر دلالة الإطلاق على المناصفة بينهما على نهج ما سبق الا ان تقوم قرينة على تعيين غير ذلك.

المسألة 478:

إطلاق التوكيل في المسألة المتقدمة انما يقتضي أن يتولى عمرو شراء الحيوان أو الشي ء الآخر لنفسه و لموكله زيد بنحو الاشتراك و لا دلالة فيه على توكيله على تسليم حصة الموكل من الثمن للبائع، فلا بد من مراجعة الموكل في ذلك، و إذا دفع عمرو حصة موكله زيد من الثمن كان متبرعا و لا حق له بالرجوع بها عليه، الا ان تدل القرينة على توكيله في الدفع أيضا، و مثال ذلك ان يعزم عمرو على السفر الى بلد آخر فيطلب زيد منه أن يشتري الحيوان أو الشي ء الآخر من ذلك البلد بشركته معه و لا يدفع اليه مقدار حصته من الثمن و لا يمكن التأجيل فيه، فيكون التوكيل في

الشراء توكيلا في دفع الثمن أيضا، فإذا دفعه الوكيل في هذه الصورة كان له حق الرجوع على الموكل بما دفع.

الفصل السادس عشر في الإقالة

المسألة 479:

يستحب للرجل المسلم أن يقيل من طلب الإقالة منه بعد وقوع المعاملة بينهما، سواء كان المستقيل هو البائع أم المشتري، و سواء كان المستقيل نادما أم غير نادم، و لكن بدا له ان يرد البيع و ان كانت اقالة النادم آكد استحبابا، ففي الخبر عنه (ع): أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع اقاله اللّٰه عثرته يوم القيامة. و عن أبي عبد اللّٰه (ع): أربعة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 188

ينظر اللّٰه إليهم يوم القيامة: من أقال نادما، أو أغاث لهفان أو أعتق نسمة أو زوج عزبا.

المسألة 480:

الإقالة هي أن يفسخ المتعاقدان العقد بعد وقوعه بينهما، و لا يشترط فيها أن يتقدم طلب للإقالة من أحدهما، فإذا قال احد المتعاقدين: البائع أو المشتري من غير سبق طلب من صاحبه فسخت العقد بيننا فقال صاحبه قبلت أو قال: فسخت، كفى ذلك في تحقق الإقالة، و يكفي في تحققها أيضا ان يقول المتعاقدان معا: تفاسخنا، أو يقولا تقايلنا، أو يطلب احد المتعاقدين من صاحبه أن يقيله فيقول له صاحبه: أقلتك، أو يقول فسخت أو يقولا معا تفاسخنا.

المسألة 481:

لا يعتبر في إنشاء الإقالة لفظ مخصوص، بل تقع بأي لفظ يدل على المعنى المقصود و ان كان بلغة أخرى غير العربية، و تقع بالفعل أيضا، فإذا رد البائع الثمن على المشتري بقصد فسخ المعاملة بينهما ورد المشتري عليه المبيع كذلك فقد تحققت الإقالة. و إذا طلب احد المتعاملين من صاحبه الإقالة فرد عليه صاحبه ما في يده بقصد الفسخ تحققت الإقالة، و لزم الآخر أن يرد على الفاسخ الأول ما في يده أيضا.

المسألة 482:

يصح وقوع الإقالة في جميع العقود اللازمة، ما عدا عقد النكاح فلا يصح وقوع الإقالة فيه، من غير فرق بين النكاح الدائم و المنقطع، و في جريان الإقالة في عقد الضمان، و الهبة اللازمة، و الصدقة إشكال.

المسألة 483:

لا تصح الإقالة و الفسخ في الإقالة نفسها بعد وقوعها، فإذا أراد المتعاقدان إمضاء العقد بعد الإقالة منه فلا بد من تجديده مرة أخرى.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 188

المسألة 484:

إذا مات البائع أشكل الحكم في ان يقوم وارثه مقامه في صحة إقالة المشتري من البيع الواقع بينه و بين البائع، و إذا مات المشتري أشكل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 189

الحكم كذلك في قيام وارثه مقامه في الإقالة، فلا يترك الاحتياط في كلا الفرضين، و أشد من ذلك اشكالا ما إذا مات المتعاقدان معا، و أراد ورثتهما الإقالة من العقد.

المسألة 485:

إذا مات أحد المتعاقدين جاز لوارثه أن يطلب الإقالة من الطرف الآخر و هو احد المتعاقدين في الأصل، فإذا أقال الوارث صح على الظاهر.

المسألة 486:

لا تجوز الإقالة بزيادة على الثمن أو بنقصان منه، فيقيل المشتري البائع من العقد بشرط أن يزيده على الثمن الذي دفعه اليه مقدارا، أو يقيل البائع المشتري من العقد بشرط أن ينقص له من الثمن مقدارا.

و لا تجوز الإقالة بزيادة في المبيع أو بنقصان منه فيقيل البائع المشتري بشرط ان يدفع له مع المبيع شيئا غيره من جنسه أو من غير جنسه، أو يقيل المشتري البائع بشرط ان ينقص له من المبيع شيئا فتبطل الإقالة في جميع هذه الفروض و يبقى العقد على حاله و يبقى الثمن المسمى ملكا للبائع و المبيع المعين ملكا للمشتري.

المسألة 487:

إذا قال البائع للمشتري أو قال المشتري للبائع: أقلني من البيع و لك في ذمتي خمسة دنانير مثلا، أو و لك هذه السلعة المعينة، فأقاله صاحبه على ذلك، فللصحة وجه، و لا يترك الاحتياط باجتناب ذلك أو الرجوع الى المصالحة، و كذلك إذا استقالة صاحبه، فقال له أقلتك بشرط ان تعطيني هذه السلعة أو بشرط أن تقوم لي بهذا العمل.

المسألة 488:

يصح للبائع و المشتري أن يتقايلا في جميع ما وقع عليه العقد من الثمن و المثمن، فإذا انفسخ العقد بينهما رجع كل عوض منهما الى مالكه الأول، و لم يرجع معه نماؤه إذا كان قد تجدد للعوض نماء بعد العقد و قبل الإقالة، بل يبقى نماء المبيع ملكا للمشتري و يبقى نماء الثمن ملكا للبائع كما تقدم في نظائره في الفصول السابقة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 190

و يصح لهما أن يتقايلا في بعض ما وقع عليه العقد، فينفسخ البيع في خصوص ما تقايلا فيه و في قسطه من الثمن و يصح في الباقي.

المسألة 489:

إذا تعدد البائع في العقد الواحد، أو تعدد المشتري، أو تعددا معا صح ان تقع الإقالة من بعضهم دون بعض في مقدار حصته مع الجميع أو مع البعض، و لا يشترط في صحة الإقالة من البعض ان يرضى بها الآخرون.

المسألة 490:

تصح الإقالة في البيع و ان تلف أحد العوضين أو تلف كلاهما قبل وقوع الإقالة، فلا يكون التلف مانعا من صحتها، فإذا تقايل الطرفان و انفسخ العقد رجع المبيع الى ملك البائع و رجع الثمن الى ملك المشتري، فان كانت عين المال موجودة أخذها صاحبها، و ان كانت تالفة رجع صاحبها على الآخر بمثلها إذا كانت العين مثلية و رجع عليه بقيمتها يوم التلف إذا كانت قيمية.

و كذلك الحكم إذا تلف بعض العين و بقي بعضها، فيرجع صاحبها بعد الإقالة على الآخر بمثل ذلك البعض التالف إذا كان مثليا و بقيمته يوم تلفه إذا كان قيميا.

المسألة 491:

لا يمنع من وقوع الإقالة أن يخرج أحد العوضين الى ملك شخص آخر بهبة أو بيع أو صلح أو غير ذلك، و يكون حكمه حكم التلف، فإذا وقعت الإقالة، و قد باع المشتري المبيع على غيره رجع البائع الأول عليه بمثله أو بقيمته، و كذلك إذا وقعت الإقالة و قد نقل البائع الثمن الى ملك غيره بهبة أو صلح أو بيع، فيرجع المشتري عليه بمثل الثمن أو قيمته.

المسألة 492:

إذا وقعت الإقالة فوجد البائع في عين المبيع عيبا حدث بها و هي في يد المشتري رجع على المشتري بالعين و بأرش العيب الذي وجده فيها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 191

و كذلك إذا كان الثمن عينا شخصية و بعد الإقالة وجد المشتري في عين الثمن عيبا حدث فيها و هي في يد البائع فيرجع على البائع بالعين و أرش العيب.

و الحمد للّٰه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 193

كتاب الصلح

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 195

كتاب الصلح

المسألة الأولى:

الصلح هو التوافق و التسالم بين طرفين أو أكثر على إيجاد أمر بينهما، كتمليك عين من أحد الطرفين للطرف الآخر بعوض أو بغير عوض، أو تمليك منفعة كذلك أو نقل حق، أو إسقاط حق ثابت أو محتمل الثبوت، أو إبراء من دين ثابت أو محتمل الثبوت، و نحو ذلك.

و قد عرفه جماعة بأنه عقد شرع للتراضي و التسالم بين شخصين على أمر، و الأول بيان للنتيجة التي تقع بين المتصالحين، و الثاني بيان للسبب الذي يؤدي الى حصول النتيجة.

المسألة الثانية:

الصلح جائز بين المسلمين، الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، كما ورد عن الرسول (ص) و المراد انه ثابت و نافذ الأثر بين المسلمين الا ما استثناه (ص).

و لا يشترط في صحة الصلح أن يسبق بين المتصالحين نزاع و خصومة أو أن يكون المورد قابلا لحدوث نزاع و خصومة، بل يصح أن يقع ابتداء، فيتسالم شخصان على أن يملك أحدهما صاحبه شيئا معينا بعوض معلوم أو بغير عوض، أو يملكه منفعة داره أو دابته مدة معلومة بعوض معلوم أو بغير عوض.

المسألة الثالثة:

لا يختص الصلح بأن يقع بين شخصين أو بين طرفين فقط، بل يصح وقوعه بين أكثر من ذلك و مثال ذلك أن يتنازع زيد و عمرو و بكر في أرض مثلا فيدعي كل واحد من الثلاثة ان جميع الأرض المتنازع فيها ملك له خاصة، فيصح لهم أن يتصالحوا بينهم، فيملكوا كل واحد منهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 196

قسما من الأرض بعوض أو بغير عوض، و يصح لهم أن يملكوا الأرض كلها واحدا منهم بعوض يدفعه للآخرين.

و يصح أن يقع الصلح بين فريقين، فإذا تنازع ورثة زيد و ورثة عمرو في الدار بعد موت المورثين، فادعى كل واحد من الفريقين ان جميع الدار ملك لمورثه، فللفريقين أن يصطلحا فيملكا الدار لأحد الفريقين بعوض معين يدفعه للفريق الثاني، فيصح الصلح، و يقتسم الفريق الذي ملك الدار دارهم بينهم بحسب سهامهم الثابتة لهم في المواريث، و يقتسم الفريق الثاني الذي ملك العوض عوضهم كذلك.

المسألة الرابعة:

الصلح عقد شرعي مستقل يقابل سائر العقود الشرعية الأخرى و لا يكون راجعا إلى شي ء منها و ان كان مشابها له في الأثر في بعض موارده، فإذا تسالم زيد و عمرو مثلا، فصالح زيد عمرا عن داره المعينة بألف دينار و قبل عمرو بذلك و أخذ العوض من زيد، فالمعاملة الواقعة صلح و ليست بيعا و ان أشبهت البيع في انها تمليك عين الدار بعوض معلوم، و لذلك فلا يشترط فيه شرائط البيع و لا تلحقه أحكامه، فإذا كان العوض و المعوض في المعاملة من الذهب أو الفضة لم يشترط فيها ان يحصل التقابض قبل الافتراق، لأن ذلك شرط في بيع الصرف، و ليس شرطا في الصلح، و لا يثبت فيه خيار المجلس

للمتعاقدين، و لا يثبت فيه خيار الحيوان إذا كان العوض أو المعوض حيوانا، فإنهما من أحكام البيع و ليسا من أحكام الصلح، و هكذا.

و إذا صالح الرجل صاحبه فملكه الدار بغير عوض فالمعاملة الواقعة بينهما صلح و ليست هبة و ان أشبهتها في انها تمليك عين بغير عوض، و لذلك فلا يشترط فيها شروط الهبة.

و إذا صالح صاحبه فملكه سكنى داره مدة سنة بعوض معين، فهو صلح كذلك و ليس اجارة و ان أفاد فائدة الإجارة، فملك المنفعة في المدة بعوض معلوم، و لذلك فلا تجري فيه أحكام الإجارة. و إذا صالحه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 197

عن دين له في ذمته فأسقطه عنه بغير عوض، فهو صلح و ليس إبراء و ان أشبهه في النتيجة فلا تجري عليه أحكام الإبراء و هكذا.

المسألة الخامسة:

الصلح عقد من العقود كما ذكرنا أكثر من مرة، و لذلك فلا بد فيه من الإيجاب و القبول في جميع موارده، حتى في مورد المصالحة على إبراء ذمة المدين من الدين الثابت و في مورد المصالحة على إسقاط الحق عن من عليه الحق، فإن إبراء ذمة المدين من الإيقاعات، فيكفي فيه إنشاؤه من صاحب الدين و لا يفتقر الى قبول من عليه الدين، و كذلك إسقاط الحق فإنه من الإيقاعات، فيتحقق بإنشائه من صاحب الحق و لا يحتاج الى قبول من عليه الحق، و لكنهما حينما يؤتى بهما على وجه الصلح، فلا بد فيهما من إيجاب صاحب الدين و صاحب الحق، و لا بد فيهما من قبول المدين و من عليه الحق، و قد أشرنا الى هذا في المسألة المتقدمة.

المسألة السادسة:

ليس لعقد الصلح صيغة مخصوصة، فيصح إنشاؤه بأي لفظ يفيد معنى التسالم و التراضي بالأمر الذي يريد المتصالحان إقراره بينهما إذا كان اللفظ دالا على ذلك المعنى في المتفاهم العرفي.

و اللفظ المعروف في إنشاء هذا العقد: أن يقول الموجب لصاحبه في تمليك العين صالحتك عن دارك المعينة مثلا بألف دينار، فيقول صاحبه: قبلت المصالحة عن الدار بألف دينار، أو رضيت بالمصالحة، أو اصطلحت عن الدار بالعوض المعلوم.

و يقول الموجب في تمليك المنفعة: صالحتك عن سكنى دارك المعينة مدة سنة بعوض كذا، فيقبل المصالح بذلك و يقول له في إبراء الذمة صالحتك على إبراء ذمتك من الدين الذي استحقه عليك، فيقبل المدين، و يقول في إسقاط الحق صالحتك على إسقاط حقك من الشفعة مثلا الثابت لك في بيع هذه الدار بعوض كذا أو بدون عوض، فيقبل المصالح، و هكذا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 198

المسألة السابعة:

إذا تم عقد الصلح بين الموجب و القابل ثبت مضمونه، و كان من العقود اللازمة على كلا الطرفين حتى في المورد الذي تكون فائدة الصلح فيه فائدة الهبة الجائزة، فلا يجوز لأحدهما فسخه، إلا إذا تراضى المتصالحان معا بالفسخ، فأقال كل منهما صاحبه، و الا إذا شرط أحد الطرفين في ضمن عقد الصلح أن يكون له خيار الفسخ في مدة معينة، و قبل صاحبه بشرطه، فإذا فسخ من جعل له حق الخيار في الوقت المعين صح و انفسخ العقد.

المسألة الثامنة:

لا يجري في عقد الصلح خيار الحيوان إذا كان أحد العوضين حيوانا، و لا يجري فيه خيار المجلس و لا يجري فيه خيار التأخير، و قد ذكرنا في فصل الخيارات من كتاب التجارة ان هذه الخيارات الثلاثة تختص بالبيع و لا تجري في ما سواه من العقود.

و تجري في عقد الصلح بقية الخيارات المتقدم ذكرها في فصل الخيارات من كتاب التجارة، كخيار الغبن، و خيار الشرط و خيار العيب.

و لا يجري خيار الشرط في عقد الصلح الذي يفيد فائدة إبراء الذمة أو إسقاط الدعوى.

المسألة التاسعة:

إذا وجد المصالح في العين التي ملكها بعقد الصلح عيبا كان له حق الفسخ كما ذكرنا و يجوز له إمضاء العقد بالعوض المسمى، و هل يجوز له أخذ الأرش و هو التفاوت ما بين قيمة الصحيح و قيمة المعيب فيه اشكال، و كذلك الحكم في عوض العين المصالح عنها إذا كان العوض معينا و وجده مالكه بالصلح معيبا فيجوز له فسخ العقد، و يجوز له إمضاؤه بالعوض المسمى و يشكل ثبوت الأرش.

و يشكل أيضا الحكم بجواز الرد من احداث السنة الذي يثبت في البيع الذي تقدم بيانه في المسألة المائتين و الثانية و الخمسين من كتاب التجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 199

المسألة العاشرة:

يجوز أن يتعلق عقد الصلح بالأعيان، و إذا تعلق الصلح بالعين أفاد تمليكها لمن وقع له الصلح.

و تمليك العين لأحد بعقد الصلح قد يكون بعوض، و قد يكون بغير عوض، و الشي ء الذي يجعل عوضا للعين في عقد الصلح يمكن أن يكون عينا كذلك، و مثال ذلك: ان يصالح زيد عمرا عن داره المعينة بألف دينار، فتكون الدار ملكا لزيد، و يكون العوض ملكا لعمرو، و يمكن ان يكون العوض منفعة من المنافع و مثال ذلك: أن يصالح زيد عمرا عن الدار المعينة بملك السكنى في دار معينة لزيد مدة معلومة، فتكون الدار المعوضة ملكا لزيد، و منفعة الدار الأخرى في المدة المعلومة ملكا لعمرو، و يصح أن يكون العوض دينا من الديون، و مثال ذلك أن يصالح زيد عمرا عن داره المملوكة له بدين معلوم يستحقه زيد و هو الموجب في ذمة عمرو، أو بدين معلوم يستحقه زيد في ذمة شخص ثالث، و يصح أن يكون العوض حقا من الحقوق الثابتة لمن

وقع له الصلح، و مثال ذلك: ان يصالح زيد عمرا عن الدار بحق التحجير الثابت لزيد على أرض معلومة.

فيصح الصلح في جميع الصور الخمس و تكون فائدة الصلح فائدة البيع في أربع صور منها، و هي ما كان مضمونه تمليك العين بعوض، و تكون فائدته فائدة الهبة في صورة واحدة منها، و هي ما كان مضمون الصلح تمليك العين بغير عوض، و يستثنى من الصور الخمس الموارد التي تجتمع فيها شرائط الربا، فلا يصح الصلح فيها، فلا بد من ملاحظة هذه الموارد و الاجتناب عنها، و سيأتي التنبيه عليها ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 11:

يجوز أن يتعلق عقد الصلح بمنفعة معينة من المنافع المملوكة لمن يقع معه الصلح، و إذا تعلق الصلح بالمنفعة المذكورة أفاد تمليكها لمن وقع له الصلح كما ذكرنا في الصلح على العين.

و تمليك المنفعة لأحد بعقد الصلح قد يكون بعوض و قد يكون بغير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 200

عوض، و الشي ء الذي يجعل عوضا للمنفعة يمكن أن يكون عينا، و مثال ذلك: أن يصالح زيد عمرا على ان يملك السكنى في داره المعينة مدة سنة من تأريخ العقد بمائة دينار، فتكون سكنى الدار ملكا لزيد في المدة المعينة، و يكون العوض ملكا لعمرو، و يمكن أن يكون العوض منفعة معينة أخرى، و مثال ذلك أن يصالح زيد عمرا عن أن يملك السكنى في داره الواقعة في النجف مدة سنة، بملك السكنى في دار زيد الواقعة في الكوفة مدة سنة كذلك، فتكون سكنى دار عمرو المعينة ملكا لزيد و سكنى دار زيد المعينة ملكا لعمرو، و قد يكون عوض المنفعة دينا، و قد يكون حقا على نهج ما تقدم في تمليك العين.

و

يصح الصلح على المنفعة في الصور الخمس، و تكون فائدته فائدة عقد الإجارة في أربع صور منها و هي ما يكون مضمون الصلح فيها تمليك المنفعة بعوض، و يكون صلحا مطلقا إذا كان تمليك منفعة بغير عوض.

المسألة 12:

إذا تعلق الصلح بدين و كانت المصالحة على الدين مع المدين نفسه أفاد عقد الصلح سقوط الدين عنه، سواء كان الصلح عنه بعوض أم بغير عوض، و سواء كان العوض عن الدين عينا أم منفعة، أم دينا مثله، أم حقا من الحقوق، و ينتقل العوض الى ملك الدائن المصالح بدلا عن دينه الذي سقط بالمصالحة إذا كان العوض عينا أو منفعة أو حقا أو دينا على شخص ثالث.

و إذا كان العوض دينا عليه سقط أيضا بالمصالحة، و مثال ذلك أن يكون زيد مدينا لعمرو مائة دينار مثلا، و يكون عمرو مدينا لزيد عشرين وزنة من الحنطة، فيصالح زيد عمرا عن دينه الذي يستحقه في ذمته و هو المائة دينار بالدين الذي يستحقه زيد في ذمة عمرو و هو العشرون وزنة من الحنطة، فيصح الصلح و يسقط الدينان معا، و تستثنى من ذلك الموارد التي يحصل فيها الربا لاجتماع شرائطه، فلا يصح الصلح فيها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 201

المسألة 13:

يجوز أن يتعلق الصلح بدين للمصالح على الغير، و مثال ذلك أن يصالح زيد خالدا عن دين لزيد نفسه في ذمة عمرو، فإذا تم الصلح على ذلك ملك خالد الدين المعين الذي وقع الصلح عليه و كان خالد هو الدائن لعمرو بدل زيد، سواء كانت المصالحة على الدين المذكور بعوض أم بغير عوض، و يصح أن يكون العوض عنه عينا، و يصح أن يكون منفعة، و أن يكون حقا و أن يكون دينا، و تلاحظ المسألة الآتية.

و يملك المصالح و هو زيد في المثال المتقدم: العين أو المنفعة أو الحق الذي جعله في عقد الصلح عوضا له عن دينه، و يملك الدين أيضا إذا كان العوض المجعول

له دينا على شخص آخر، و إذا كان العوض دينا لخالد على زيد نفسه سقط هذا الدين عن زيد بالمصالحة.

المسألة 14:

لا يصح الصلح إذا تحققت في المورد شروط الربا في المعاملة، فإذا أراد الإنسان الصلح مع غيره عن عين بعوض، و كانت العين و العوض من جنس واحد و هو من المكيل أو من الموزون لم تصح المصالحة إذا كان العوض و المعوض في العقد متفاوتين في المقدار سواء كان العوض عن العين عينا مثلها، أم كان دينا من جنسها.

و نتيجة لذلك، فإنما يصح الصلح على العين بالعين أو بالدين إذا كان العوضان مختلفين في الجنس، أو كانا من غير المكيل و لا الموزون، أو كان العوضان متساويين في المقدار.

و إذا أراد الصلح عن دين بعوض، و كان الدين و عوضه المجعول له في الصلح من جنس واحد و هو من المكيل أو من الموزون لم تصح المصالحة إذا كان الدين و عوضه متفاوتين في المقدار، سواء كان العوض دينا في الذمة مثله أم كان عينا، و سواء كانت المصالحة مع المدين نفسه أم مع شخص غيره.

و نتيجة لذلك، فإنما يصح الصلح على الدين بالدين أو بالعين إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 202

كان العوضان مختلفين في الجنس، أو كان جنسهما غير مكيل و لا موزون، أو كان العوضان متساويين في المقدار.

المسألة 15:

إذا كان لزيد دين على عمرو بمبلغ من الفضة أو الذهب، فصالحه عن المبلغ ببعضه، فان كان المقصود من المصالحة بينهما إسقاط المقدار الزائد عن المدين و إبراء ذمته منه، كان الصلح صحيحا و برئت بذلك ذمة عمرو عن بقية الدين، و إن كان المقصود من الصلح إيقاع المعاوضة بين الزائد و الناقص من المبلغ كان الصلح باطلا و لم تبرأ ذمة عمرو من بقية الدين.

و إذا كان الدين من غير المكيل و

لا الموزون كالأوراق النقدية صح الصلح عليه بأقل منه، و صح بيعه كذلك، سواء كان البيع أو الصلح مع المدين نفسه أم مع غيره.

المسألة 16:

إذا تعلق الصلح بحق من الحقوق، فان كان الحق المصالح عليه قابلا للنقل الى الغير، كحق التحجير و حق الاختصاص، صح الصلح عليه و انتقل الحق الى من وقع له الصلح، سواء كان الصلح عن الحق بعوض أم بغير عوض، و سواء كان العوض المجعول له عينا أم منفعة أم دينا أم حقا، على التفصيلات التي تقدم بيانها في المسائل السابقة، و يملك الذي وقع معه الصلح العوض.

و إذا كان الحق الذي تعلق الصلح به غير قابل للنقل الى الغير، و لكنه قابل للإسقاط، كحق الشفعة، فإنها لا تنتقل لغير الشريك، و كحق الخيار فإنه لا ينتقل لغير من اشترط أو ثبت له الخيار، أفاد عقد الصلح سقوط هذا الحق عمن عليه الحق، سواء كانت المصالحة عنه بعوض أم بغير عوض.

المسألة 17:

قد اتضح مما تقدم أن الصلح انما يصح تعلقه بالحق إذا كان الحق قابلا للنقل الى الغير، فإذا تعلق به الصلح أفاد نقله الى من وقع له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 203

الصلح، أو كان قابلا للإسقاط و ان لم يكن قابلا للنقل، فإذا تعلق به الصلح أفاد سقوطه عمن عليه الحق.

و من الحقوق القابلة للنقل و للإسقاط كليهما حق الزوجة في قسمة ليالي الزوج بين زوجاته، فإنه قابل للإسقاط من الزوجة، و لذلك فيصح للرجل أن يصالح زوجته عن حقها هذا بمبلغ من المال، فإذا صالحها كذلك سقط عنه هذا الحق فلم يجب عليه أن يجعل لها ليلة من الليالي الأربع.

و هو كذلك قابل للنقل إلى إحدى زوجات الرجل الأخرى، و لذلك فيصح لبعض زوجات الرجل أن تصالح زوجته الأخرى عن الحق المذكور فتكون الليلة الخاصة بتلك الزوجة للزوجة التي صالحتها.

و لا يجري

الصلح في المجعولات الشرعية التي لا تقبل الاسقاط، و ان سميت في بعض الإطلاقات حقا، كحق الأب على ولده، و حق الولد على أبيه، و حق مطالبة الدائن بدينه إذا كان حالا، و حق الموكل في أن يعزل وكيله عن وكالته، و حق الزوج المطلق في أن يرجع بمطلقته الرجعية، و حق المرأة في أن ترجع ببذلها في طلاق الخلع أو المبارأة، و الظاهر ان هذه المذكورات جميعا و أمثالها انما هي أحكام شرعية و ليست من الحقوق، و لذلك فلا تكون موردا للصلح، و اما الحقوق فلا بد و أن تكون قابلة للإسقاط.

المسألة 18:

يجوز للشخص أن يصالح مالك بعض الأشياء على أن ينتفع الشخص ببعض هذه الأشياء من غير ان يملك منها شيئا أو يملك شيئا من منافعها، فيسكن بيت المالك أو يتجر في دكانه، أو يتنقل في سيارته أو يخرج لمنزله جناحا في فضاء ملكه أو يجعل سقفه معتمدا على جداره أو على دعامة في بيته، أو يشق في أرض المالك نهرا يجري فيه الماء إلى أرض المصالح، و نحو ذلك من الانتفاعات للمصالح مع ان الملك لمالكه، فيجوز لهما اجراء عقد الصلح على ذلك بعوض و بغير عوض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 204

المسألة 19:

يشترط في كل واحد من المتصالحين أن يكون بالغا، و أن يكون عاقلا، و ان يكون قاصدا للمعاملة، و أن يكون مختارا، على النحو الذي تقدم اشتراطه في المتبايعين، و تجري في جميع ذلك التفاصيل التي تقدم بيانها في مسائل شروط المتعاقدين، و يعتبر في كل واحد من المتصالحين أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو لفلس.

المسألة 20:

إذا أوقع الإنسان الصلح على المال أو على الحق أو على الدين الذي لا يملك التصرف فيه كان فضوليا، فان أجازه مالك الأمر فيه صح، و الا كان باطلا، كما هو الحال في البيع و بقية العقود.

المسألة 21:

إذا أوقع الفضولي عقد الصلح الذي يفيد فائدة إبراء ذمة المدين من الدين، أو الذي يفيد فائدة إسقاط الحق عمن عليه الحق، أو الذي يفيد فائدة إسقاط الدعوى من المدعي، جرى فيه حكم الفضولي كما ذكرناه في المسألة المتقدمة، و كانت صحة العقد موقوفة على اجازة من بيده أمر العقد، فإذا أجازه صح و ان لم يجزه بطل، و لا يكون حكمه حكم إبراء الذمة و إسقاط الحق أو الدعوى فان المذكورات من الإيقاعات التي يشكل الحكم بصحة الفضولي فيها.

المسألة 22:

يجوز للمالك أن يجري عقد الصلح على ثمرة نخيله و على ثمرة شجرة قبل ظهور الثمرة فيملكها لأحد عاما واحدا أو عامين أو أكثر، و لا يشترط في صحة المصالحة عليها لعام واحد أن يضم إليها ضميمة كما يشترط ذلك في صحة البيع، و يجوز له أن يجري عقد الصلح كذلك على الخضر قبل ظهورها في الشجر و على البقول و على الزرع قبل بروزه من الأرض، و لا يجري عليها حكم البيع الذي ذكرناه في فصل بيع الثمار.

المسألة 23:

قد يتعذر على المتصالحين أو على أحدهما معرفة مقدار المال الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 205

يريدان المصالحة عليه تعذرا تاما، كما إذا اختلط مال أحدهما بمال الآخر حتى لم يتميز و لم يعلما بقدر كل واحد من المالين بوجه من الوجوه، و أرادا التخلص من ذلك بالصلح بينهما.

و كما إذا علم زيد بأن لعمرو في ذمته مبلغا من الدين و هو لا يعرف قدره، و قد نسي عمرو الدين، أو نسي مقداره، و أراد زيد براءة ذمته من الدين بالمصالحة.

و كما إذا علم زيد بأن إحدى الدارين اللتين في يده ملك لعمرو و لم يعلم هو و لا عمرو بها على التعيين، و لا دليل لهما على تعيينها، و أراد المصالحة عليها.

و لا ريب في صحة الصلح على ذلك في هذه الصورة، و اغتفار الجهالة بالمال في مثل ذلك، فإذا صالح أحد الشخصين صاحبه- في المثال الأول- عن ماله الواقعي بنصف المال المختلط أو بثلثه مثلا، أو بمال آخر من أمواله الخاصة، و قبل صاحبه بذلك، صح الصلح و ملك كل واحد منهما ما اختص به بعقد الصلح، و لم تضر بذلك جهالتهما بالمقدار.

و إذا

صالح زيد عمرا- في المثال الثاني- عن دينه الذي يستحقه في ذمته بمقدار يعينانه من المال أو بعين معلومة من أموال زيد أو بشي ء آخر مما يملكه: منفعة أو دينا أو حقا، و قبل عمرو بذلك، صح الصلح بينهما و برئت ذمة زيد من الدين و لم تضر الجهالة بمقداره.

و إذا صالح زيد عمرا- في المثال الثالث- عن داره المملوكة له في الواقع بإحدى الدارين أو بمبلغ معين من المال أو بشي ء آخر يصح أن يكون عوضا للدار و قبل عمرو بالمصالحة صحت بينهما و لم تضرها الجهالة بعين الدار.

المسألة 24:

قد يتعذر على المتصالحين أو على أحدهما معرفة مقدار المال في الوقت، و هما يريدان المصالحة فيه على المال، كما إذا علم زيد بأن لصاحبه نصف هذه الصبرة من الطعام أو ربعها، و هما لا يعلمان مقدار مجموع الصبرة من الوزن أو الكيل، ليعلما مقدار ما يملكه منها أحدهما على

كلمة التقوى، ج 4، ص: 206

الخصوص، و ليس لديهما بالفعل مكيال و لا ميزان يقدران فيه المال، و هما يريدان المصالحة عليه في الوقت الحاضر.

و كما إذا علم زيد بأن لعمرو عنده مبلغا من المال أو أن له عليه مقدارا من الدين و هما لا يعلمان بالفعل مقدار ذلك المال أو الدين، لبعدهما عن البلد الذي توجد فيه المثبتات للمال أو الدين المبينات لمقداره، و لا يمكنهما تأخير المصالحة الى ان يعرفا مقدار المال.

و الظاهر جواز المصالحة في هذه الصورة أيضا، و اغتفار الجهالة بالمقدار كما في الصورة المتقدمة، فيصالح أحد الشخصين صاحبه عن ماله- في المثال الأول- بمقدار من الصبرة أو بمبلغ يعينانه من المال، أو بشي ء معين يتراضيان به عوضا عن المال المصالح

عليه، و يصالح زيد عمرا- في المثال الثاني- عن ماله الواقعي أو عن دينه بمقدار يتراضيان به أو بشي ء آخر يتفقان عليه.

المسألة 25:

إذا لم يعلم المتصالحان بمقدار المال المصالح عليه بالفعل، و أمكن لهما أن يعلما بمقداره بأن يزنا المال أو يكيلاه، أو بأن يرجعا الى الدفاتر و الأوراق المثبتة للمال و المعينة لمقداره، فالأحوط لهما عدم اجراء عقد الصلح على المال حتى يعلما بمقداره.

المسألة 26:

إذا كان لزيد عند عمرو مقدار من المال أو كان له عليه مبلغ من الدين، و كان عمرو يعلم بمقدار المال أو الدين الذي لزيد عليه، و زيد نفسه لا يعلم بمقداره، فصالح عمرو زيدا عن المال أو الدين المذكور بأقل منه، لم تبرأ ذمة عمرو بهذه المصالحة إلا بمقدار ما أدى من الدين و بقيت ذمته مشغولة بالباقي منه و لا يحل له الزائد من المال، إلا إذا علم زيد بذلك و رضي بما حصل، أو كان زيد في حال إجراء المصالحة راضيا بها على كل حال سواء كان المقدار الذي صولح به بمقدار حقه أم أقل منه، فتصح المصالحة و تبرأ ذمة عمرو من بقية الدين، و يحل له الزائد من المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 207

و كذلك الحكم إذا كان عمرو لا يعلم بمقدار ما لزيد من المال أو الدين على وجه التفصيل، و لكنه يعلم على وجه الإجمال ان المقدار الذي صالح زيدا به أقل من القدر الواجب عليه، فلا يحل له الزائد و لا تبرأ ذمته من بقية الدين إذا كان زيد لا يعلم بذلك.

المسألة 27:

قد تقدم هاهنا و في فصل الربا من كتاب التجارة: ان حرمة الربا في المعاملة لا تختص بالبيع بل تجري في الصلح و في غيره من المعاوضات إذا اجتمعت فيها شروط حرمته، فإذا أراد أحد الصلح مع غيره عن مال بعوض، و كان العوض من جنس المال المصالح عليه، و كانا من المكيل أو الموزون، فلا بد و أن يكون العوضان متساويين في المقدار، فان زاد أحد العوضين على الآخر كان الصلح باطلا للزوم الربا.

نعم إذا كان الصلح الجاري بينهما مقابلة بين مصالحتين مستقلتين تتعلق

إحداهما بأحد المالين و تتعلق المصالحة الثانية بالمال الآخر، و ليس مبادلة بين عوضين، كان صحيحا.

و مثال ذلك ان يكون لزيد عشرون منا من الحنطة الحمراء، و يكون لعمرو خمسة و عشرون منا من الحنطة الصفراء فيصالح زيد عمرا عن العشرين منا التي كانت لزيد و يملكه إياها بغير عوض، على شرط ان يصالحه عمرو عن الخمسة و العشرين منا التي كانت لعمرو فيملكه إياها بغير عوض، فإذا جرى العقدان بينهما كذلك كانا صحيحين، و ملك كل واحد من المتصالحين ما انتقل اليه بالصلح و لم يلزم الربا في المعاملة.

المسألة 28:

انما يلزم الربا في المعاملة و يكون محرما، و تكون المعاملة باطلة إذا كان المتعاقدان يعلمان بزيادة أحد العوضين المتجانسين على الآخر، فلا يكون من الربا المحرم و لا تبطل المعاملة إذا كانت زيادة أحد العوضين على الآخر محتملة و ليست معلومة.

و مثال ذلك ان يكون لزيد عند عمرو مقدار من الأرز، و يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 208

لعمرو عند زيد مقدار من الأرز أيضا و هما لا يعلمان بقدر مال زيد عند عمرو و لا بقدر مال عمرو عند زيد، فيحتمل تساوي المالين في المقدار و يحتمل تفاوتهما، فيجوز لهما أن يتصالحا بينهما فيملك كل واحد منهما ما عنده عوضا عن ماله عند صاحبه و لا يضر بذلك احتمال زيادة أحد العوضين على الآخر.

المسألة 29:

قد اتضح مما بيناه في ما سبق انه يصح للإنسان أن يصالح غيره عن دين بدين، سواء كان الدين المعوض عنه و الدين العوض حالين أم مؤجلين، أم كان أحدهما حالا و الآخر مؤجلا، و سواء كان العوضان من جنس واحد أم كانا مختلفين في الجنس، و سواء كان المدين بهما شخصا واحدا أم شخصين، فيصح لزيد أن يصالح خالدا فيملكه دينه على بكر بدين خالد على عمرو، و يصح لزيد أن يصالح خالدا فيملكه دينه على عمرو، بدين خالد على عمرو نفسه، فتصح المصالحة عنه في جميع الصور إلا إذا كان الدينان من جنس واحد و هو من المكيل أو الموزون، فلا يصح الصلح عليهما إذا كانا متفاوتين في المقدار.

المسألة 30:

إذا أراد الشريكان فسخ عقد الشركة بينهما أو كانا قد فسخا العقد و بقي المال مشتركا بينهما، جاز لأحد الشريكين أن يصطلح مع الآخر على أن يكون له رأس مال الشركة، و يكون الربح و الخسران فيها للشريك الآخر، و إذا كانت الشركة بينهما باقية لا يريدان فسخها أشكل جواز هذا الصلح بينهما، و الأحوط تركه.

المسألة 31:

يجوز للمدعي و المدعى عليه أن يصطلحا بعد ترافعهما في الدعوى فيجعلا لكل واحد منهما شيئا من المدعى به، أو يتراضيا عنه بمال أخر، و لا ينافي ذلك ان المدعي قد ادعى انه يملك جميع المال، و لا ينافيه إنكار المنكر حق المدعي، فإذا اصطلحا بينهما ببعض صور الصلح، سقطت دعوى المدعي، و سقط حقه الذي كان له قبل الصلح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 209

في يمين المنكر، و ليس له أن يجدد المرافعة عند الحاكم الأول أو يجدد الدعوى عند حاكم آخر.

المسألة 32:

ما ذكر من الأحكام في المسألة السابقة إذا اصطلح المتداعيان انما هو فصل تنقطع به دعوى المدعي في ظاهر الشريعة، و لكنه لا يحل به المحرم الواقعي و لا يثبت به غير الحق، و نتيجة لذلك، فإذا ادعى المدعي دينا على المدعى عليه و كان صادقا في دعواه، و أنكره المنكر، ثم صالحه بنصف الدين، فقد وصل الى الدائن نصف حقه و لم تبرأ ذمة المنكر من بقية الدين بالمصالحة المذكورة، و وجب عليه التخلص منه، و هو آثم بإنكاره حق المحق، إلا إذا كان محقا في إنكاره بحسب اعتقاده، فلا اثم عليه في الإنكار، و لكن المال باق في ذمته، فإذا تبين له خطأ اعتقاده بعد ذلك وجب عليه التخلص من الدين و لم يكفه الصلح الأول، الا إذا علم بأن المدعي قد رضي بالصلح عن جميع حقه.

و إذا ادعى المدعي الدين و كان مبطلا في قوله أثم بذلك و حرم عليه ما يأخذه من المدعى عليه بالصلح، إلا إذا علم بأن المدعى عليه قد رضي بالمصالحة و طابت نفسه بدفع ما دفع اليه من المال.

المسألة 33:

إذا تنازع شخصان في ملكية شي ء، فادعى أحدهما ملكية الشي ء و أنكر الآخر، ثم طلب المدعى عليه من المدعي أن يصالحه عن ذلك الشي ء، فلا يعد طلبه المصالحة من المدعي إقرارا منه بحقه فان الصلح يصح مع الإقرار و الإنكار.

و إذا قال المدعى عليه للمدعي بعني الشي ء الذي تدعي به، أو قال له ملكني إياه، كان هذا القول من المدعى عليه إقرارا منه بأنه لا يملك الشي ء المدعى به، و في دلالة قوله هذا على ان الشي ء المدعى به ملك للمدعي إشكال.

المسألة 34:

إذا ملك شخص ثوبا قيمته عشرة دنانير مثلا، و ملك شخص آخر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 210

ثوبا قيمته خمسة عشر دينارا ثم اشتبه أحد الثوبين بالآخر حتى لا يعرف ثوب أحد الرجلين من ثوب الآخر، فيجوز لأحد الرجلين ان يجعل لصاحبه الخيرة في أن يأخذ أي الثوبين شاء، فإذا اختار صاحبه ثوبا منهما كان له أخذه و التصرف فيه، و كان الثوب الثاني للآخر، و يكون هذا التخيير مصالحة بينهما فيملك كل واحد من الرجلين الثوب الذي صار اليه.

و إذا تعاسرا و كان مقصدهما من شراء الثوبين بيعهما و التكسب بهما، بيع الثوبان، و قسم ثمنهما على الرجلين بنسبة قيمة كل ثوب منهما الى مجموع القيمتين، فيدفع لمالك الثوب الذي قيمته عشرة دنانير خمسان من الثمن، و يدفع لمالك الثوب الذي قيمته خمسة عشر دينارا ثلاثة أخماسه.

و إذا كان مقصدهما من الشراء اقتناء الثوبين و لبسهما، رجعا في تعيين المشتبه إلى القرعة، فيدفع لكل واحد من المالكين الثوب الذي عينته له القرعة. و كذلك إذا اختلف الرجلان في المقصد فكان مقصد أحدهما من الشراء بيع الثوب و كان مقصد الثاني لبسه، فيرجع

الى القرعة.

المسألة 35:

إذا كان الثوبان المذكوران متساويين في النوع و في المالية، و انما اختلفت قيمتهما في الشراء لاختلاف القيمة في السوق يوم شراء الرجل الأول منهما لثوبه عن يوم شراء الثاني لثوبه، لم يجر فيهما التفصيل المتقدم بل يرجع في التعيين إلى القرعة.

المسألة 36:

لا يتعدى الحكم المتقدم ذكره الى غير الثوب من الأشياء و المبيعات، فإذا ملك رجل متاعا قيمته عشرة دنانير و ملك رجل آخر متاعا قيمته خمسة عشر دينارا ثم اشتبه احد المتاعين بالآخر فلم يعرف مال أحد الرجلين من مال الآخر لم يجر فيه ما تقدم، بل يرجع في التعيين إلى القرعة. فيعطى لكل واحد من المالكين المتاع الذي تعينه له القرعة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 211

المسألة 37:

إذا استودع أحد مقدارا من ماله عند ثقة، و استودع رجل آخر مقدارا من ماله عند ذلك الثقة أيضا ثم تلف مما في يد الثقة مقدار من غير تعد و لا تفريط، و لم يدر ان التالف من أي المالين، فهاهنا صور تجب ملاحظتها للتعرف على أحكامها.

(الصورة الأولى): أن تكون وديعة أحد الرجلين مساوية لوديعة الرجل الآخر في المقدار و مثال ذلك ان تكون وديعة الرجل الأول عشرة دنانير و وديعة الرجل الثاني عشرة دنانير كذلك و الحكم في هذه الصورة أن يكون تلف التالف من كلا المستودعين، و يقسم الباقي من مال الوديعتين بينهما بالمناصفة، فإذا كان التالف من المال في المثال خمسة دنانير فهو من كليهما و الباقي منه و هو خمسة عشر دينارا يكون بينهما على التنصيف لكل واحد منهما سبعة دنانير و نصف.

المسألة 38:

(الصورة الثانية): ان تكون الوديعتان مختلفتين في المقدار، و يكون التالف بقدر احدى الوديعتين و أقل من الثانية، و مثال ذلك أن تكون وديعة الرجل الأول خمسة دنانير، و تكون وديعة الرجل الثاني عشرة دنانير و يكون التالف من البين خمسة دنانير بمقدار الوديعة الأولى و أقل من الثانية، و الحكم في هذه الصورة ان يدفع لصاحب الوديعة الكبرى ما زاد على المقدار التالف من مقدار وديعته، و يقسم ما بقي من المال على المالكين بالتنصيف، فيدفع للرجل الثاني في المثال و هو صاحب الوديعة الكبرى خمسة دنانير فان ذلك هو المقدار الزائد من وديعته على المقدار التالف، و يبقى من المال خمسة دنانير فتقسم بين الرجلين بالمناصفة فيكون لصاحب الوديعة الأولى و هي الصغرى ديناران و نصف، و لصاحب الوديعة الثانية و هي الكبرى سبعة دنانير و

نصف، و يصيب كل واحد منهما من التلف ديناران و نصف.

و إذا كانت الوديعة الأولى درهما، و كانت الوديعة الثانية درهمين- كما هو المورد المنصوص- ثم تلف درهم اعطي صاحب الدرهمين درهما و هو الزائد من وديعته على مقدار التالف، ثم قسم الدرهم الباقي بين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 212

المالكين نصفين فيكون لصاحب الدرهم نصف درهم و لصاحب الدرهمين درهم و نصف، و يصيب الواحد منهما من التلف نصف درهم.

المسألة 39:

(الصورة الثالثة): ان تكون الوديعتان مختلفتين في المقدار، و يكون التالف أقل من كل واحدة من الوديعتين، و مثال ذلك ان تكون وديعة الرجل الأول أربعة دنانير و وديعة الرجل الثاني ستة دنانير، ثم يتلف من البين ديناران، و الحكم في هذه الصورة أن يدفع لكل واحد من الرجلين ما زاد من وديعته على المقدار التالف، ثم يقسم الباقي من المال بينهما نصفين. فيدفع للرجل الأول في المثال، ديناران، و هما الزائد من وديعته على مقدار التالف، و يدفع للرجل الثاني أربعة دنانير، و هي الزائد من وديعته كذلك على مقدار التالف، ثم يقسم الباقي و هو ديناران بين الرجلين بالمناصفة، فيكون مجموع ما يحصل لصاحب الوديعة الأولى ثلاثة دنانير و يكون مجموع ما يحصل لصاحب الوديعة الثانية خمسة دنانير، و يصيب كل واحد منهما من التلف دينار واحد.

و ما ذكرناه من الأحكام في الصور الثلاث المتقدم ذكرها يجري في المال إذا كان مثليا كالدراهم و الدنانير و الحبوب و غيرها و لم يمتزج بعضه ببعض حتى ينتفي التمييز بين المالين و تحصل الشركة بين المالكين كما هو المفروض في الصور المتقدمة جميعا.

المسألة 40:

(الصورة الرابعة): إذا كانت الوديعتان الآنف ذكرهما في المسائل المتقدمة من المال المثلي و امتزج المالان امتزاجا تاما حتى انتفى التمييز بين المالين و أصبح مالا واحدا و حصلت الشركة بين المالكين ثم تلف من المال الممتزج مقدار، و الحكم في هذه الصورة ان يكون التلف على المالكين بنسبة المالين و مثال ذلك: أن يستودع احد الرجلين عند الثقة منين من الدهن، و يستودعه الرجل الآخر منا واحدا من الدهن أيضا، ثم يمتزج المالان عند الودعي من غير تعد و لا تفريط

من الأمين- حتى يحصل الاشتراك بين المالكين في المال، ثم يتلف من واحد من المجموع، فيقسم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 213

الباقي بين المالكين أثلاثا ثلث منه لصاحب المن الواحد، و ثلثان لصاحب المنين، و يصيب كل واحد منهما من التلف بتلك النسبة فثلث على صاحب المن و ثلثان على صاحب المنين.

المسألة 41:

(الصورة الخامسة): إذا كان المال في الوديعتين قيميا كالحيوان و الثياب و الأمتعة الأخرى ثم تلف بعضه، فلا بد من المصالحة بين المالكين أو تعيين التالف بالقرعة، فيكون تلفه على مالكه.

المسألة 42:

يجوز للإنسان أن يتصرف في فضاء ملكه ما يشاء، فله أن يخرج فيه جناحا لمنزله أو روشنا أو شباكا مطلا أو ما شاء، و له أن يعلى بناءه كما يريد و لو بإقامة عدة طبقات و ان أشرف البناء على منزل غيره.

نعم يشكل ان يفتح فيه شباكا أو نافذة تطل على منزل غيره، و تطلع على ما يستقبح العقلاء و المتدينون الاطلاع عليه من أمورهم و شؤونهم و لا يرضون به، و الأحوط لزوما تركه، و لا يخلو من قوة في بعض مراتبه، بل يشكل ذلك و ان رضي به الجار نفسه، و لا تصححه المصالحة مع الجار على إخراج الشباك أو النافذة على عورة بيته، بعوض أو بغير عوض.

و انما يشكل ذلك أو يمنع إذا كان هناك من يطلع، و اما إذا أمن الطرفان من المطلع، و انما كان فتح النافذة أو الشباك لمجرد التهوية أو الاستضاءة فلا منع و لا اشكال، و يصح ذلك مع المصالحة و بدونها.

المسألة 43:

يجوز للإنسان ان يخرج لمنزله جناحا أو روشنا أو نافذة أو شباكا في الشارع العام و على الطريق النافذ إذا كان الجناح أو الروشن الذي يخرجه عاليا لا يزاحم المارة و وسائل النقل و ناقلات الأحمال التي تمر بالشارع أو الطريق و لا يضر بها، و ليس لأحد أن يمنعه من ذلك، و ان كان الجناح الذي يريد أن يجعله لمنزله يستوعب عرض الطريق، فليس لصاحب الدار التي تقابله في الطريق ان يمنعه من ذلك، الا ان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 214

يسبقه فيخرج له روشنا أو جناحا فيمنعه بمقدار عرض جناحه أو روشنه الذي أخرجه لمنزله و بمقدار ما يحتاج اليه من الفضاء للتهوية

و الشمس و شبه ذلك من الضرورات التي لا بد منها.

و لا يجوز للإنسان أن يجعل الجناح أو الروشن أو الساباط الذي يخرجه لمنزله معتمدا على جدار غيره أو على بنائه إلا برضاه أو مصالحته، و إذا كان إخراج الجناح أو الروشن الذي يجعله في الطريق النافذ على نحو يوجب كونه مشرفا على دار غيره أشكل الحكم بجوازه من غير رضى ذلك الغير، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.

المسألة 44:

إذا كان لمنزل الرجل جناح أو روشن على الشارع أو على الطريق فانهدم أو هدمه هو عامدا و كان من قصده أن يجدد بناء الجناح أو الروشن في موضعه أو يشغل الموضع بشي ء آخر كبناء غرفة مثلا، لم يجز لغيره أن يشغل ذلك الفضاء ببناء جناح أو غيره. و ان لم يقصد الأول ذلك جاز لغيره أن يشغل الموضع بما يريد مما لا يضر بالمارة، و لم يفتقر في جواز ذلك الى الاستيذان من الباني الأول أو الى مصالحته.

المسألة 45:

إذا جعل الرجل لمنزله جناحا أو روشنا في الطريق النافذ و لم يستوعب عرض الطريق لم يمنع ذلك صاحب الدار المقابلة له في ذلك الطريق من أن يحدث له روشنا أو جناحا إذا كان لا يمنع الأول مما يحتاج إليه في روشنه أو جناحه من الشمس أو التهوية و غيرها من الضرورات التي لا بد منها، و يشكل بل يمنع إذا منعه من ذلك.

المسألة 46:

يجوز للإنسان أن يفتح له بابا جديدا على الشارع العام، أو على الطريق النافذ، و ان كان له باب آخر على الشارع نفسه أو على غيره، و يجوز له ان يفتح عليه شباكا أو أكثر، و نافذة أو أكثر، و ان يجعل على الطريق ميزابا لماء المطر و غيره، و أن يفتح عليه بعض المجاري لفضلات الماء و الغسالات إذا لم تضر بالمارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 215

و يجوز بل يحسن للإنسان أن يحفر في الطريق بالوعة لتصريف مياه الأمطار و غيرها فيه إذا هو أحكم الأسس و الجدر و السقف و لم يضر ذلك بمرور وسائط النقل و غيرها، بل و يجوز له أن يحفر فيه بالوعة لمنزله إذا هو أحكم أسسها و جدرانها و سقفها كذلك و لم تضر بالمارة.

المسألة 47:

الطريق غير النافذ، و هو الذي تحيط به الدور من جوانبه الثلاثة، فلا يسلك فيه من طريق الى طريق آخر، و يسمى بالسكة المرفوعة، و يسمى بالدريبة، و قد ذهب جماعة من العلماء إلى انه ملك مشترك بين أصحاب الدور التي تفتح أبوابها إلى الطريق نفسه دون غيرهم و ان كان حائط داره اليه.

و يشكل الحكم بملكية هذا الطريق الخاص إذا لم يكن له سبب مملك آخر، بل يمنع ذلك، و انما هو حق خاص بأصحاب الدور المذكورة في بعض الشؤون و ليس حقا مطلقا لهم، و نتيجة لذلك فلا يجب على غيرهم أن يستأذنوا من أرباب الدور إذا أرادوا الدخول الى الدريبة، أو أرادوا الوقوف فيه لبعض المقاصد إذا لم يزاحموا بذلك أهل الدور، و ان كان فيهم الأيتام و القاصرون.

و نتيجة لذلك فإذا سد بعض أصحاب الدور بابه من الدريبة و

فتح بابا الى غيرها سقط حقه منها و أصبح من غير أهلها، و لم يحتج الى ناقل شرعي لملكيته.

و نتيجة لذلك فإذا فتح بعض المجاورين بابا الى الدريبة باذن أصحاب الدور فيها أصبح شريكا لهم فيها كبقيتهم فتشمله أحكامهم و خصوصا مع طول الدريبة، و كثرة الدور فيها، الى غير ذلك من اللوازم التي تدل على انها حق و ليست ملكا.

المسألة 48:

لا يجوز لأحد من غير أصحاب الدور في الطريق غير النافذ أن يفتح فيه بابا أو يحدث فيه جناحا أو يبني فيه ساباطا أو ينصب فيه ميزابا أو يحفر فيه بالوعة أو سردابا أو يحدث فيه أي شي ء آخر إلا بإذن أصحاب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 216

الحق فيه، و هم أصحاب الدور التي تفتح أبوابها في الطريق النافذ كما تقدم، سواء كان ما يحدثه مضرا بهم أم لا، و لا يكفيه الاذن من بعضهم، و يجوز له الصلح معهم على جميع ذلك أو على شي ء منه، و لا يكفيه الصلح مع بعضهم إذا لم يأذن له الباقون.

المسألة 49:

إذا أذن أصحاب الحق في الدريبة للمجاور بفتح باب فيها أو صالحهم على ذلك بعوض أو بدون عوض، ففتح الباب كان من أهلها و أصبح شريكا لهم في الحق كما ذكرنا آنفا، و إذا أذنوا له في ما سوى ذلك أو صالحهم عليه فأحدث له جناحا أو حفر بالوعة أو سردابا أو أحدث ساباطا أو غيره لم يصبح بذلك من أهل الدريبة و لم يشاركهم في الحق، و لم يجز لهم أو لبعضهم أن يمنعه مما فعله بإذنهم أو بالمصالحة معهم و تلاحظ المسألة الرابعة و الخمسون الآتية.

المسألة 50:

لا يجوز لبعض أصحاب الدور في الدريبة ان يحدث فيها شيئا مما تقدم ذكره الا برضى بقية شركائه فيها، فلا يبني روشنا أو جناحا أو ساباطا أو يحفر بالوعة أو سردابا، بل و لا يفتح له بابا آخر إلا بإذنهم أو بالمصالحة معهم، و يجوز له أن يسد الباب الأول و يفتح له بابا آخر فيها، و إذا أذنوا له بشي ء من ذلك أو صالحهم عليه، فأحدثه لم يجز لهم و لا لبعضهم ان يمنعه منه بعد ذلك و لا يكفيه الاذن من بعضهم أو الصلح معه إذا لم يأذن الباقون.

المسألة 51:

إذا باع بعض أصحاب الدور داره في الطريق غير النافذ على رجل آخر أصبح المشتري هو صاحب الحق في الطريق، سواء علم الشركاء الباقون بالبيع أم لم يعلموا، و سواء اذن من يعلم منهم بالبيع أم لم يأذن.

المسألة 52:

إذا أحدث المجاور جناحا أو ساباطا أو غيره في الطريق غير النافذ

كلمة التقوى، ج 4، ص: 217

باذن أصحاب الحق فيه أو بمصالحتهم ثم باع داره على رجل آخر أصبح المشتري هو مالك الدار و الجناح المستحدث فيها و لم يجز لأهل الدريبة منعه من جناحه أو ساباطه.

المسألة 53:

يجوز لكل واحد من أصحاب الدور في الدريبة أن يستطرق فيها إلى منزله دخولا و خروجا، هو و أولاده و عائلته و ضيوفه و أصدقاؤه و من يرغب في زيارته و دوابه، و له أن يعقد في بيته بعض المجالس التي يعقدها أمثاله لذكريات بعض المعصومين (ع) أو لغير ذلك من المناسبات التي يعتادها نظراؤه في المجتمع، و يحل لمن يرغب في حضور المجالس أن يدخل اليه فيها و لا يفتقر في جميع ذلك الى الاستيذان من شركائه في الدريبة، و ان كان فيهم اليتامى و القاصرون، بل يجوز له الجلوس فيها إذا لم يزاحم حقوق الآخرين، كما إذا كان جلوسه فيها مانعا من خروج بعض العائلات الى حاجاتهن.

المسألة 54:

إذا صالح الرجل جاره على أن يبني على حائطه بناء، أو على ان يجعل سقفه معتمدا على جدار الجار، فيضع عليه أخشابه أو جذوعه أو حديدة، أو استأجر منه الجدار لذلك أو شرط عليه ذلك في عقد لازم، وجب على الجار أن يفي بذلك و لم يجز له أن يمنعه من ذلك لا قبل البناء و لا بعده.

و إذا استأذن الرجل جاره لشي ء من ذلك، من غير صلح و لا اجارة و لا شرط، فأذن له جاز للجار أن يرجع في أذنه قبل البناء، أو قبل أن يضع السقف على الجدار.

و يشكل الحكم جدا في جواز رجوع الجار عن اذنه بعد البناء، أو بعد ان يضع السقف على الجدار، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة بينهما أما بإبقاء البناء أو السقف مع الأجرة، أو بهدمه مع الأرش.

و لا يجوز للرجل أن يبني على جدار جاره بناء أو يجعل سقفه معتمدا عليه من غير اذن و لا صلح

و لا اجارة، و لا شرط في ضمن عقد، فإذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 218

هو فعل ذلك وجب عليه هدمه أو التخلص من حرمته ببعض الصور الممكنة.

المسألة 55:

لا يجوز لأحد المالكين أن يتصرف في الجدار المشترك بينهما فيبني عليه بناء أو يجعل عليه سقفا أو يدخل فيه خشبة أو وتدا، أو يخرج فيه كوة أو روزنة، إلا بإذن شريكه أو بإحرازه رضاه بشاهد الحال أو بعض القرائن، و تجوز له الاستعمالات اليسيرة كالاتكاء عليه و الاستناد له و تعليق الثوب عليه و شبه ذلك، و ان لم يستأذن منه في ذلك و لم يحرز رضاه، و إذا صرح الشريك بالمنع أو أظهر الكراهة لم يجز ذلك.

و يجوز الاستظلال بظله و الاستضاءة بنوره و ان صرح بالمنع فان مثل ذلك لا يعد تصرفا في ماله، فلا يكون محرما.

المسألة 56:

إذا احتاج النهر المشترك بين مالكين إلى التنقية أو احتاج البئر المشترك أو العين المشتركة إلى التعمير لم يجبر الشريك على الاشتراك في التنقية و التعمير، و إذا أراد أحد الشريكين تنقية النهر و تعمير العين أو البئر من ماله و لم يأذن له شريكه بالتصرف رفع الأمر إلى الحاكم فخيره بين بيع حصته من شريكه أو من غيره و المشاركة مع شريكه في التعمير و التنقية أو الاذن له في ذلك. و إذا أنفق الشريك على النهر أو على العين من ماله فجرى الماء و نبع كان الماء مشتركا بين المالكين و لم يختص به الشريك المنفق، و لم يجز له منع الآخر منه.

المسألة 57:

إذا اشترى الإنسان دارا أو ملكها بسبب آخر من هبة أو إرث أو غير ذلك، و وجد ان جاره قد وضع سقفه على جدار منزله الذي اشتراه و لم يعلم ان وضع السقف على جداره كان بحق أو بغير حق، حكم بأنه عن حق، فلا يجوز لمالك الدار أن يطالب جاره برفع سقفه عن الجدار، و إذا انهدم السقف لم يجز له أن يمنع الجار من تجديد بنائه و إعادته

كلمة التقوى، ج 4، ص: 219

إلى وضعه الأول، الا إذا علم بأن الجار كان عاديا في فعله فوضع السقف من غير اذن المالك الأول للدار أو ثبت ذلك ببينة شرعية، فيجوز ذلك.

المسألة 58:

إذا صالح الإنسان غيره على مال، فملكه إياه بعوض أو بغير عوض و اشترط عليه في عقد الصلح أن يجعل ذلك المال وقفا عند موته إذا لم يكن له وارث من بعده، صح الصلح و لزم الشرط، و وجب على المصالح أن يفي بذلك.

المسألة 59:

إذا كبرت الشجرة في منزل الإنسان أو في بستانه حتى خرجت أغصانها إلى فضاء دار غيره أو بستانه، و لم يرض جاره ببقائها كذلك لزم مالك الشجرة أن يعطف أغصانها من حد ملكه أو يقطعها، و خصوصا إذا زاحمت شجر الجار أو بناءه، و يجوز له أن يصالح الجار في ذلك على أن يبقى أغصان الشجرة في فضاء ملكه و يأكل ثمارها الموجودة في تلك الأغصان، فإذا قبل الجار صح الصلح و نفذ.

و إذا صالحه كذلك ثم ماتت تلك الشجرة أو يبست أغصانها تلك، أو قطع مالكها الأغصان عامدا، ثم نمت شجرة اخرى و خرجت أغصانها إلى فضاء دار ذلك الجار أو بستانه لم يشملها الصلح الأول، و وجب على مالك الشجرة استيذان الجار في إبقاء الأغصان أو مصالحته، فان لم يفعل وجب عليه عطف أغصان الشجرة أو قطعها من حد ملكه.

المسألة 60:

إذا أفاد الصلح فائدة الهبة فصالح الرجل صاحبه و ملكه عينا بغير عوض، لم يجر عليه حكم الهبة فلا يشترط في صحته القبض كما يشترط ذلك في صحة الهبة، و لا يجوز لمالك العين الأول ابطال الصلح، و الرجوع بعينه كما يجوز للواهب أن يرجع في هبته.

و الحمد للّٰه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 221

كتاب الهبة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 223

كتاب الهبة

المسألة الأولى:

الهبة المبحوث عنها في هذا الكتاب هي ما قابلت الوصية الى أحد بشي ء بعد الموت، و قابلت الصدقة عليه في حال الحياة، و قابلت وقف الشي ء على أحد بنحو التمليك، و شبه ذلك مما يتضمن تمليك الشي ء مجانا من غير عوض، و قد عرف الهبة جماعة من الفقهاء بأنها تمليك عين مجانا، و هذا التعريف في ظاهره عام يشمل جميع المذكورات فإنها تمليك عين مجانا و من غير عوض، فهو تعريف للهبة بالمعنى العام الشامل للجميع و ليس تعريفا للهبة الخاصة التي هي موضع البحث في هذا الكتاب، و قد يتكلف لإخراج بعض المذكورات عن التعريف بأن المقصود فيه ان الهبة تمليك عين مجانا تمليكا منجزا بالفعل و عليه فلا يشمل الوصية فإن التمليك فيها معلق بعد الموت، و ان المراد انها تمليك غير مشروط بالقربة و عليه فلا يعم الصدقة فإنها تمليك مشروط بالقربة، و الأمر سهل بعد وضوح المعنى المقصود.

المسألة الثانية:

الهبة المبحوث عنها هنا هي ما يرادف المنحة و النحلة في المعنى، و الظاهر انها أخص في معناها من كلمة العطية، فإن العطية تشمل الصدقة، و قد تستعمل بالمعنى العام فتشمل الوصية الى الرجل بعد الموت فهي عطية أيضا، و تشمل الوقف على نحو التمليك للذرية أو لغيرهم فإنه عطية كذلك.

و من الهبة الخاصة: الهدية، و هي ما يدفع الى الغير على سبيل التجلة و التكريم، و لا يعتبر في صدق معنى الهدية أن يبعث بالشي ء الى المهدي اليه بيد رسول، فإذا دفع المالك الشي ء الى الرجل بيده على نحو التكريم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 224

فهو هدية و تختص الهدية بالمنقولات، فإذا أعطاه دارا أو عقارا يقال وهبه الدار و لا يقال

أهدي إليه دارا أو عقارا.

و من الهبة الخاصة: الجائزة، و هي ما يدفع الى السابق، تقديرا له على سبقه في بعض المجالات، و ما يدفع الى المجيد في شي ء تقديرا له على إجادته في الشي ء، و قد تستعمل الجائزة بمعنى الهبة فتكون أعم من المعنى الخاص لكلمة الجائزة.

و الواهب هو دافع الهبة، و الموهوب له هو من تدفع اليه، و قد يقال له المتهب، و الموهوب هو الشي ء المدفوع.

المسألة الثالثة:

الهبة المبحوث عنها عقد من العقود، و لذلك فهي تحتاج إلى الإيجاب من الواهب أو من وكيله و الى القبول من الموهوب له أو من وكيله.

و يحصل الإيجاب في عقد الهبة بأي لفظ يكون دالا على تمليك الشي ء الموهوب، و من ألفاظه التي يتعارف اجراء الإيجاب بها، و هبتك، و ملكتك المال المعين، و هذا المال لك، و يحصل القبول كذلك بأي لفظ يدل على الرضا بالتمليك المذكور، و من ألفاظه المعروفة: قبلت الهبة، و رضيت بها، و تملكت الشي ء.

و لا يشترط في عقد الهبة أن يكون إنشاؤه باللغة العربية، فيصح أن يقع إيجابه و قبوله بأي لغة أخرى يعرفها المتعاقدان، و يصح إيقاعه بالمعاطاة الدالة على المعنى المراد، فإذا دفع الواهب أو وكيله الشي ء بقصد إنشاء التمليك لصاحبه، و قبض الموهوب له أو وكيله الشي ء بقصد التملك صح العقد و نفذ.

المسألة الرابعة:

يشترط في الواهب أن يكون بالغا، و أن يكون عاقلا، و أن يكون قاصدا للمعنى في إنشاء العقد، و أن يكون مختارا في فعله، على النحو الذي تقدم بيانه في عقد البيع في الشروط المذكورة. و يشترط في الواهب أن يكون غير محجور عليه لسفه فيه أو لفلس، و يشترط فيه ان يكون مالكا للشي ء الموهوب، فلا يصح ان يهب الرجل ملك غيره،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 225

الا ان يأذن له المالك قبل اجراء العقد فيكون وكيلا عنه، أو يجيز عقده بعد ان يوقعه فيكون من الفضولي الذي تصححه الإجازة، و لا يصح أن يهب ما لا يملكه مثله فلا يهب المسلم خمرا و لا خنزيرا، لأن المسلم لا يملكهما فلا يصح أن يهبهما و ان كان الشخص الموهوب له ذميا.

المسألة الخامسة:

يشترط في الموهوب له ان يكون بالغا و أن يكون عاقلا إذا كان هو الذي يتولى إنشاء قبول العقد من الواهب، و تصح الهبة للصغير و للمجنون إذا كان الولي هو الذي يقبل عنهما عقد الهبة، و تصح الهبة للصغير المميز إذا قبل إنشاء العقد من الواهب بالوكالة عن الولي، بعد أن أتم الولي المعاملة بنفسه كما تقدم في أول فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة.

و يشترط في الموهوب له إذا كان بالغا عاقلا ان يكون قاصدا للمعنى الذي يتولى إنشاءه في العقد، و ان يكون مختارا في فعله على النحو الذي تقدم في نظائره.

و يشترط في الموهوب له أن يكون ممن يصح له تملك الشي ء الموهوب، و لذلك فلا تصح هبة المصحف و لا العبد المسلم للكافر و ان كان ذميا أو معاهدا، و لا تصح هبة الخمر أو الخنزير للمسلم و ان

كان الواهب ذميا.

المسألة السادسة:

يشترط في الواهب و في الموهوب له أن يكون حرا، فلا تصح الهبة من العبد المملوك إذا لم يأذن له سيده بالهبة و ان كان الشي ء الموهوب ملكا له، و لا تصح الهبة له كذلك إذا لم يأذن له مولاه و إذا أذن له مولاه في أن يهب لغيره صح له ذلك سواء كان المأذون فيه أن يهب من ماله أم من مال سيده أم من مال غيرهما إذا رضي مالك المال.

و إذا وهب له مولاه شيئا من ماله صح له قبولها، بل الظاهر أنه يملك المال بهبة سيده و لا يحتاج الى قبوله و إذا أذن له مولاه في قبول الهدية من الآخرين صح له أن يقبل الهدية منهم و نفذت الهبة إذا قبلها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 226

و يكفيه الاذن العام في أن يتولى جميع ذلك. فيصح له أن يهب من ماله و ان يقبل الهبة من غيره.

المسألة السابعة:

تصح الهبة من المريض و ان كانت هبته في مرض موته و ان كان ما وهبه يزيد على مقدار ثلثه من جميع تركته، و قد ذكرنا في كتاب الحجر ان منجزات المريض في مرض موته تصح و تخرج من الأصل.

المسألة الثامنة:

المعروف بين الفقهاء ان الهبة هي تمليك الأعيان، و بذلك عرفها جماعة منهم، و هذه هي الهبة المصطلحة، و لا يبعد القول بصحة الهبة في المنافع أيضا و صحة هبة الحقوق القابلة للنقل، و ان لم تكن من الهبة المعروفة بين الفقهاء، و يدل على صحتهما و نفوذهما عموم أدلة الوفاء بالعقود، و على هذا فيصح للرجل أن يهب صاحبه سكنى داره المعينة مدة ستة أشهر من يوم الهبة أو مدة سنة أو أكثر، و يصح له أن يهبه حقه من التحجير في يوم الأرض المعينة، و يصح للمرأة أن تهب حقها من قسمة ليالي الزوج بين زوجاته لإحدى زوجاته الأخريات فينتقل ملك منفعة الدار الى الموهوب له في المثال الأول و ينتقل اليه حق التحجير في المثال الثاني و ينتقل إلى الزوجة الأخرى حق القسم في المثال الأخير.

المسألة التاسعة:

الأقوى صحة هبة الدين الذي يملكه الإنسان في ذمة غيره مطلقا، فتصح هبة الدين للمدين نفسه، فإذا وهبه الدين الذي في ذمته أفادت الهبة له فائدة إبراء الذمة، فيملك المدين الدين الذي في ذمته و يترتب على ذلك سقوط الدين عنه و براءة ذمته منه، و لا بد في صحة هذه الهبة من قبول المدين أيضا كسائر عقود الهبة، و ان لم يعتبر القبول في الإبراء، و هي في ذلك نظيرة بيع الدين على المدين نفسه و نظيره مصالحة المدين على الدين الذي في ذمته، فلا بد فيهما من قبول المدين و ان أفادا فائدة إبراء الذمة، و قد تقدم ذكرهما في كتاب التجارة و في كتاب الصلح.

و تصح كذلك هبة الدين لغير من عليه الدين، و يكون قبض الموهوب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 227

المعتبر

في صحة الهبة بقبض مصداق الدين و لو بعد حين، فإذا قبل الموهوب له و قبض مصداق الدين صحت الهبة و ملك الموهوب له المال.

المسألة العاشرة:

يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له المال الموهوب، و لا يشترط في قبضه الفورية، بل يصح القبض و تصح الهبة به و ان تأخر عن العقد مدة طويلة، و سنذكره في ما يأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 11:

القبض المعتبر في صحة الهبة هو استيلاء القابض على الشي ء المقبوض و وضع يده عليه سواء كان من المنقول أم من غيره، و قد أوضحناه في المسألة المائتين و الخامسة و الثمانين من كتاب التجارة و أشرنا إليه في مواضع أخرى.

و يحصل قبض الدين بقبض مصداقه، فإذا وهب زيد خالدا دينه الذي يستحقه في ذمة عمرو و هو مائة دينار أو عشرون منا من الحنطة، مثلا، و قبض خالد مصداق الدين من عمرو و لو بعد مدة صحت الهبة و ملك خالد المال الموهوب و يحصل قبض التحجير الموهوب بقبض الأرض المحجرة، و يحصل قبض حق القسم الموهوب للزوجة بوصول الزوج إليها في الليلة المعينة لها. و سيأتي بيان ما يتحقق به قبض المنفعة في كتاب الإجارة ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 12:

يشترط- على الأحوط لزوما- في صحة القبض في الهبة أن يكون القبض باذن الواهب، فلا يكفي قبض الموهوب له المال إذا لم يأذن به الواهب، كما إذا خرج الموهوب له الى المال في موضعه، فاستولى عليه من غير علم الواهب و لا اذنه، فلا بد من تجديد القبض بعد الاذن على الأحوط.

المسألة 13:

إذا وهب المالك لأحد شيئا، و كان الشي ء الموهوب في يد الموهوب له في حال الهبة، فإن دلت القرائن الحافة على إقرار الواهب لهذا القبض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 228

الموجود و اعتباره قبضا مصححا للهبة، كفى ذلك في تحقق الشرط، و لم يحتج معه الى قبض آخر، و لا الى مضي زمان بعد العقد و المال في يد الموهوب له و ان لم تدل القرائن على ذلك، فالأحوط لزوما اعتبار الاذن بعد العقد و مضي زمان يكون فيه المال في يد الموهوب له ليتحقق الشرط بذلك.

المسألة 14:

إذا وهب الأب ولده الصغير شيئا، و كان الشي ء الموهوب في يد الأب، فالأحوط لزوما أن يقصد الأب القبض عن الطفل بعد اجراء عقد الهبة، و لا يكتفي بالقبض الموجود، لأنه قبض لنفسه، لا للطفل الموهوب له، و كذلك إذا وهب الجد أبو الأب شيئا لولد ولده، و الشي ء الموهوب في يد الجد الواهب فعليه أن يقصد بعد الهبة القبض عن الطفل ليتحقق الشرط بذلك، و مثلهما الوصي القيم على الصغير المنصوب من الأب أو من الجد إذا وهب للصغير المولى عليه شيئا مما في يد القيم، فيجري فيه الحكم المذكور على الأحوط بل و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بأن يقبض الحاكم الشرعي أو من يعينه عن الطفل أيضا مع قبض القيم المذكور عنه.

و إذا وهب غير الولي للطفل شيئا فلا بد من قبض الشي ء الموهوب و يتولى ولي الطفل قبول الهبة و القبض بالولاية عليه. و بحكم الطفل المجنون الذي يتصل جنونه بصغره فتكون الولاية عليه للأب و الجد أبى الأب و للقيم المنصوب من أحدهما بعد موتهما، فتجري فيه الفروض المتقدمة و أحكامها.

المسألة 15:

تصح هبة الحصة المشاعة من الشي ء كما إذا وهب الرجل صاحبه نصف داره المعينة أو نصف بستانه المعين، و يحصل قبض الحصة المشاعة الموهوبة بأن يأذن الواهب للرجل الموهوب له في ان يقبض الشي ء بأجمعه، فإذا قبضه كذلك فقد قبض في ضمنه الحصة المشاعة الموهوبة منه.

و يتحقق قبض الموهوب له الحصة الموهوبة كذلك بأن يجعل الواهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 229

وكيلا في قبض الحصة عنه، فإذا قبضها الواهب بالوكالة عنه صح ذلك و كفى في تحقق الشرط.

المسألة 16:

إذا كانت عين الشي ء مشتركة بين مالكين، فوهب أحدهما حصته من الشي ء لشخص ثالث، أمكن للشخص الموهوب أن يقبض مجموع الشي ء بإذن الشريك، فيتحقق بذلك قبض الحصة الموهوبة في ضمن قبضه للمجموع، فإذا قبض الموهوب له جميع الدار المشتركة، و كان قبضه بإذن الشريك فقد قبض نصفها، و هو الحصة الموهوبة له حسب الفرض.

و إذا قبض المجموع بغير اذن الشريك، تحقق قبض الحصة المشاعة الموهوبة له في ضمنه، فتصح الهبة بذلك لتحقق شرطها و ان كان متعديا و آثما في قبض حصة الشريك بغير إذنه.

المسألة 17:

إذا وهب الرجل لغيره شيئا كليا في الذمة أو كليا في المعين، كما إذا وهبه وزنة من الحنطة في ذمة الواهب، أو وهبه وزنة من الحنطة في هذه الصبرة المعينة، صحت الهبة و أمكن للموهوب له قبض الكلي الموهوب بقبض مصداقه، فإذا دفع اليه الواهب وزنة من الحنطة و قبضها منه تحقق القبض في المثال الأول، و إذا دفع اليه وزنة حنطة من الصبرة المعينة و قبضها تحقق القبض في المثال الثاني، و يتحقق القبض أيضا في مثال الصبرة بقبض جميع الصبرة بإذن مالكها، و بتوكيله في أن يقبض المقدار الموهوب منها بالوكالة عن الموهوب له.

المسألة 18:

لا تشترط المبادرة في قبض الشي ء الموهوب في صحة عقد الهبة، فإذا تأخير القبض لم تبطل الهبة بذلك، و ان تأخر عن العقد مدة طويلة، سواء كان التراخي عن عمد أم عن غفلة أم عن نسيان أم عن غيبة الواهب أو الموهوب له أو المال، فمتى تحقق القبض صحت الهبة إذا لم يفسخ العقد و لم يمت أحد المتعاقدين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 230

المسألة 19:

لا تنفذ الهبة و لا يترتب عليها الأثر إلا بعد تحقق الشرط و هو القبض، فإذا تأخر القبض مدة و حصل للمال الموهوب نماء قبل القبض فهو للواهب، و إذا حصل القبض و لو بعد مدة تحقق ملك الموهوب له المال من حينه، فإذا تجدد له نماء بعد ذلك فهو للموهوب له.

المسألة 20:

إذا مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب له المال بطل عقد الهبة، و كان المال من تركة الواهب، فينتقل الى ورثته من بعده ميراثا، و ليس للموهوب له أن يطالب ورثة الواهب بتسليم المال اليه ليقبضه، و لا يقوم الورثة مقام مورثهم الواهب في ذلك إذا أرادوه، فإذا رغبوا في ذلك أوقعوا له هبة جديدة و مكنوه من قبض المال.

و إذا مات الموهوب له قبل أن يقبض المال من الواهب بطلت الهبة كذلك و لم يصح لورثته أن يطالبوا الواهب بإقباض المال، و ليس للواهب أن يقبضهم لهبة مورثهم، و إذا رغب في ذلك أنشأ لهم هبة جديدة و دفع لهم المال.

المسألة 21:

إذا وهب الرجل شيئين من أمواله لشخصين بعقد واحد، لكل واحد منهما شي ء معين خصه به، فقبل أحد الشخصين الهبة، و قبض الشي ء الموهوب له، و لم يقبل الآخر العقد، أو قبل العقد و لم يقبض المال الموهوب حتى مات هو أو مات الواهب، صحت الهبة في حصة الأول و نفذت، و بطلت في حصة الموهوب له الثاني.

و كذلك الحكم إذا وهبهما شيئا واحدا من ماله: دارا أو بستانا، فقبل أحدهما و قبض حصته من المال الموهوب و لم يقبل الآخر أو قبل العقد و لم يقبض حصته حتى مات هو أو مات الواهب، فتصح الهبة في حصة الأول و تبطل في حصة الثاني.

المسألة 22:

إذا وقع عقد الهبة بين الواهب و الموهوب و حصل القبض صحت الهبة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 231

كما ذكرنا أكثر من مرة، و هاهنا صور تختلف أحكامها بعد ذلك من حيث لزوم الهبة و عدم لزومها.

(الصورة الأولى): أن يكون الموهوب له من أرحام الواهب و ذوي قرباه: أبا أو أما له، أو ولدا، أو أخا، أو قريبا له، و الحكم في هذه الصورة أن تكون الهبة له لازمة من جهة الواهب، فلا يجوز له بعد العقد و القبض أن يرجع في هبته و يسترد المال الموهوب من قريبه.

و يشمل الحكم المذكور من كان بعيدا في قرابته إذا كان ممن يعد رحما للواهب في نظر أهل العرف كابن ابن العم و ابن ابن الخال، فضلا عن جد الجد أو جد الأب، و ابن ابن الأخ أو الأخت، فالرحم شامل لهم جميعا سواء كان الرحم كبيرا أم صغيرا و مسلما أم كافرا، و ذكرا أم أنثى.

و لا يشمل الحكم المذكور من يتصل

بالواهب بالمصاهرة كأبي الزوجة و أمها و أخيها، و كأبي الزوج و أمه و أخيه.

المسألة 23:

إذا وهب الرجل زوجته شيئا من المال أو وهبت المرأة زوجها لم يشملهما الحكم المذكور فيجوز للواهب منهما ان يرجع في هبته للآخر على كراهة، إلا إذا كانا من الأرحام، فلا يجوز للواهب الرجوع.

المسألة 24:

(الصورة الثانية): ان تكون الهبة معوضا عنها، سواء كان العوض الذي دفعه الموهوب له كثيرا أم قليلا، و سواء اشترط عليه في الهبة أن يعوض عنها بشي ء أم لم يشترط عليه ذلك و لكنه أثاب الواهب على هبته فدفع له عوضا عنها. و الحكم في هذه الصورة أن تكون الهبة لازمة من جهة الواهب كذلك، فلا يجوز له الرجوع في الهبة.

و يعتبر في الفرض الأخير من هذه الصورة- و هو ما يدفع فيه الموهوب له الى الواهب عوضا من غير شرط- ان يكون ما يدفعه بقصد التعويض عن الهبة، فلا يكفي ما يدفعه الى الواهب بدون قصد التعويض،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 232

و يعتبر فيه أيضا ان يرضى الواهب بذلك، فلا يكفي إذا دفع الموهوب له عوضا و لم يرض به الواهب.

المسألة 25:

(الصورة الثالثة): ان يقصد الواهب في هبته وجه اللّٰه تعالى و التقرب بالهبة اليه و الحكم في هذه الصورة كذلك ان تكون الهبة لازمة على الواهب فلا يجوز له الرجوع فيها.

المسألة 26:

(الصورة الرابعة): أن تنتفي الحالات الثلاث عن الهبة، فليست هبة لذي قرابة و ليست ذات عوض، و لم يقصد الواهب بها التقرب الى اللّٰه، و الحكم في هذه الصورة انه يجوز للواهب ان يرجع في هبته فيسترد المال الذي وهبه، إذا كان المال الموهوب قائما بعينه كما في النصوص.

و يستثنى من الحكم بجواز الرجوع في الهبة في الصورة المذكورة عدة موارد يأتي ذكرها.

المسألة 27:

إذا تلفت عين المال الموهوب، فليس للواهب ان يرجع في هبته إياها و يسترد من الموهوب له مثلها أو قيمتها، و كذلك إذا تلف بعض المال بحيث صدق مع تلف ذلك البعض ان المال الموهوب ليس قائما بعينه في نظر أهل العرف، فلا يجوز للواهب ان يرجع بالهبة.

المسألة 28:

إذا تصرف الموهوب له في المال الموهوب فنقله عن ملكه ببيع على غيره أو هبة أو صلح، أو وقف المال على بعض المصالح أو على بعض الناس، أو أعتق العبد الموهوب، فهو في حكم التالف، فلا يجوز للواهب أن يرجع في هبته بعد هذا التصرف الناقل، و كذلك إذا نقل بعض المال عن ملكه بحيث يصدق معه ان المال ليس قائما بعينه فلا يجوز له الرجوع في الهبة.

المسألة 29:

إذا تصرف الموهوب له في المال الموهوب تصرفا يغير عين المال و مثال ذلك ان يطحن الحنطة الموهوبة له أو يخبز الدقيق أو يقطع الثوب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 233

و يفصله، أو يمزج المال بغيره مزجا ينتفي معه التمييز بين المالين سواء مزجه بنجسة أم بغير جنسه، فلا يجوز للواهب أن يرجع في هبته بعد هذا التصرف المغير للعين، و كذلك إذا كان التصرف المغير في بعض المال بحيث صدق معه ان العين ليست قائمة فلا يجوز له الرجوع بها.

المسألة 30:

إذا تصرف الموهوب له في المال تصرفا لا تتغير به العين كما إذا لبس الثوب أو غسله و كما إذا ركب الدابة أو علفها أو سقاها أو ركب السيارة أو سكن الدار لم يمنع ذلك من ان يرجع الواهب بهبته، فله ان يسترد المال إذا لم يكن الموهوب له ذا رحم و لم تكن الهبة ذات عوض، و لم يقصد بها التقرب الى اللّٰه كما تقدم بيانه.

المسألة 31:

إذا تصرف الموهوب له في الثوب الموهوب فصبغه أو صبغ السيارة ففي كون ذلك من التصرف المغير للعين اشكال، فلا يترك الاحتياط بعدم رجوع الواهب في الهبة، و بالمصالحة بين الطرفين إذا هو رجع في هبته.

المسألة 32:

إذا جاز للواهب أن يرجع في هبته، صح له أن يرجع بهبته كلها فيسترد جميع المال الموهوب من الشخص الموهوب له، و صح له ان يرجع ببعض هبته فإذا كان قد وهب للشخص شيئين بعقد واحد فله أن يرجع بهبة أحد الشيئين، و يبقى الهبة في الشي ء الثاني، و إذا كان قد وهبه شيئا واحدا فله أن يرجع بهبة بعضه مشاعا و معينا فإذا كان قد وهبه دارا، فله ان يرجع بهبة نصف الدار مشاعا و له أن يرجع بهبة نصفها المحاذي لدار فلان مثلا.

و إذا وهب شيئين لرجلين بعقد واحد و قبضا ما وهب لهما و كانت الهبة جائزة، جاز له أن يرجع في هبة أحد الرجلين دون الآخر.

المسألة 33:

تطلق الهبة على نوعين: معوضة و غير معوضة، و المعوضة من الهبة على نحوين: الأولى هي ما شرط الواهب فيها على الشخص الموهوب له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 234

أن يعوضه عن هبته بعوض معين أو غير معين، سواء و في الموهوب له بشرطه أم لم يف و لم يعوض، و تسمى هذه بالهبة المشروطة.

و الثانية هي ما دفع الموهوب له للواهب عوضا عن هبته، قليلا أم كثيرا، سواء شرط الواهب عليه ذلك أم دفع الموهوب له العوض من غير شرط. و تلاحظ المسألة الرابعة و العشرون. و الهبة غير المعوضة هي التي لم يشترط الواهب فيها العوض، و لم يدفع الموهوب له للواهب عنها عوضا.

المسألة 34:

إذا أطلق الواهب هبته و لم يشترط فيها على الشخص الموهوب له أن يدفع اليه عن الهبة عوضا، لم يجب على الموهوب له ان يدفع إليه شيئا على الأقوى، سواء كان الواهب أدنى منزلة من الموهوب له أم كان مساويا له في المنزلة أم ارفع، و ان كان الأحوط استحبابا أن يدفع الموهوب له عوضا للواهب إذا كان الواهب ادنى منه منزلة.

و إذا دفع الموهوب له الى الواهب عوضا عن هبته من غير شرط لم يجب على الواهب أن يقبل العوض المدفوع اليه، و إذا أخذ العوض لزمت الهبة، و لم يجز للواهب ان يرجع بها كما تقدم في المسألة الرابعة و العشرين، و لم يجز للموهوب له ان يرجع بالعوض الذي دفعه على الأحوط بل على الأقوى.

المسألة 35:

إذا شرط الواهب على الشخص الموهوب له في العقد أن يدفع اليه عوضا عن هبته و تم العقد و وقع القبض على ذلك لزم على الموهوب له أن يدفع للواهب العوض المشترط عليه، و يجوز له أن يرد الهبة فإذا هو ردها لم يجب عليه التعويض عنها، و إذا هو لم يرد الهبة و لم يدفع العوض الذي اشترطه الواهب جاز للواهب أن يرجع في هبته كما تقدم بيانه.

المسألة 36:

إذا اشترط الواهب على الموهوب له ان يدفع عن الهبة عوضا، و عين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 235

العوض الذي يدفعه و تم على ذلك الإيجاب و القبول و وقع عليه القبض، تعين على الموهوب له دفع العوض المعين، إذا هو لم يرد الهبة على الواهب.

و إذا أطلق الواهب و لم يعين عوضا خاصا، أجزأ الموهوب له أن يدفع للواهب شيئا يسيرا عوضا عن هبته، الا أن تقوم قرينة خاصة أو عامة من عادة و نحوها على أن يكون العوض المدفوع بمقدار المال الموهوب مثلا أو قيمة أو أكثر منه، فيتعين على الموهوب له ذلك، و يجوز له ان يرد الهبة كما تقدم فلا يجب عليه دفع العوض.

المسألة 37:

إذا أراد الواهب أن يشترط في عقد الهبة على الموهوب له أن يدفع له عوضا عن هبته، فيمكن له أن يشترط عليه ان يدفع العوض على وجه الهبة، فيقول له مثلا: وهبتك هذه الدار المعينة، بشرط أن تهبني دارك المعينة في الكوفة عوضا عن ذلك، فيكون مضمون العقد هبة في مقابلة هبة، فإذا قبل صاحبه بالشرط و وهب له داره في الكوفة فقد دفع اليه العوض المشترط عليه، و يشترط القبض في صحة الهبة الثانية كما يشترط في صحة الهبة الأولى.

و يصح للواهب ان يشترط على الموهوب له ان يبيع عليه شيئا معينا بثمن معين أو بثمن مثله، فيقول له مثلا وهبتك هذه الدار المعلومة بشرط أن تبيعني بستانك الواقع في كربلاء بألف دينار، أو يقول له بشرط أن تبيعني البستان بالثمن الذي يقومه به أهل الخبرة، فيكون المضمون هبة مشروطة ببيع، فإذا قبل الموهوب له بذلك، ثم باعه البستان بالثمن المحدد فقد وفي له بالشرط و

دفع اليه عوض الهبة.

و يجوز له ان يشترط على الموهوب له ان يملكه شيئا معينا بالصلح، أو يصالحه على أمر، فيقول له مثلا وهبتك هذه السلعة بشرط أن تصالحني عن سيارتك المعينة بسيارتي هذه، أو يقول له: بشرط ان تصالحني عن حقك في الشفعة في البستان الذي اشتريته في الكوفة، فيكون المضمون هبة مشروطة بصلح، فإذا قبل صاحبه العقد المشروط ثم صالحه كما طلب فقد وفى بشرطه و أعطاه عوض هبته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 236

و يجوز له أن يشترط على الموهوب له أن يبرئه من دين له في ذمته، أو يسقط له حقا ثبت له عليه، فيقول له وهبتك هذا المتاع بشرط ان تبرئ ذمتي من دينك الذي تستحقه علي، أو من نصفه، أو بشرط ان تؤجلني به الى سنة، أو يقول له بشرط أن تسقط خيارك في الدار التي اشتريتها منك، فيكون مضمون العقد هبة مشروطة بإبراء ذمة أو بإسقاط حق، فإذا قبل الموهوب له العقد و أبرأ ذمة الواهب من الدين أو أجله فيه أو أسقط له الخيار فقد وفى له بما اشترط و دفع له عوض الهبة.

و يصح له ان يشترط على الموهوب له أن يعمل له عملا فيبني له داره أو يقوم له بعمل خاص، فيقول له: وهبتك هذا الشي ء بشرط ان تتجر لي في بضاعتي مدة شهر، أو بشرط أن تدافع عني في مرافعتي مع فلان، فيكون مضمون العقد هبة مشروطة بعمل، فإذا قبل الموهوب له العقد و قام للواهب بالعمل الذي طلب منه فقد وفى بالشرط و دفع اليه العوض. و هكذا.

المسألة 38:

إذا وهب رجل امرأة دارا له أو عقارا، و اشترط على المرأة في عقد الهبة أن

تزوجه نفسها و قبلت المرأة الهبة منه و الشرط، و قبضت المال الموهوب على ذلك، لزم عليها أن تفي للواهب بالشرط سواء كان قد عين لها مقدار الصداق في اشتراطه التزويج بها أم ترك الخيار لها في تقديره، فقال لها- مثلا- وهبتك الدار المعينة، بشرط أن تزوجيني نفسك على صداق قدره ألف دينار، أو قال بشرط أن تزوجيني نفسك على ما تعينين من الصداق.

فإذا قبلت بذلك و قبضت الدار الموهوبة، صحت الهبة و صح الشرط، و كان مضمون العقد هبة في مقابلة عقد نكاح، فإذا هي زوجته نفسها، فقد دفعت اليه عوض الهبة الذي اشترطه عليها، فلا يحق للرجل أن يرجع في هبته إياها، و يجوز للمرأة أن ترد الهبة على الرجل فلا يجب عليها دفع العوض المشترط كما ذكرنا مرارا، و إذا هي لم ترد الهبة على الرجل و لم تزوجه نفسها جاز للرجل أن يرجع في هبته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 237

المسألة 39:

إذا وهب الرجل رجلا آخر دارا أو عقارا مثلا و اشترط عليه في عقد الهبة أن يزوجه بنته الصغيرة، و قبل الموهوب له الهبة منه و الشرط و حصل القبض على ذلك، و كانت شروط تزويج الواهب بالصغيرة متوفرة فشروط الولاية على البنت تامة في أبيها الموهوب له، و لا مفسدة في تزويج الواهب بها.

أقول: إذا تحقق في الفرض جميع ذلك صحت الهبة و صح الشرط، و وجب على الأب الموهوب له ان يزوج بنته الصغيرة من الواهب، و يجوز له أن يرد الهبة، فلا يجب عليه الوفاء بالشرط.

و إذا زوجه الصغيرة كما اشترط لزمت الهبة على الواهب فلا يجوز له ان يرجع بها، و إذا لم يرد الموهوب له الهبة

و لم يف للواهب بالشرط، كان للواهب ان يرجع بالهبة، و الأمر في الصداق كما تقدم.

المسألة 40:

إذا اشترط الواهب على الرجل الموهوب له في العقد أن يزوجه بنته الرشيدة، و كانت البنت قد أوكلت أمر تزويجها إلى أبيها، بحيث كان أبوها الموهوب له مستجمعا لشروط الولاية على البنت و الوكالة منها، كان له أن يقبل الشرط، و إذا هو قبل الهبة و قبل الشرط جرى فيه الحكم المتقدم في المسألة السابقة سواء بسواء.

المسألة 41:

إذا اشترط الرجل الواهب على الموهوب له في العقد أن يزوجه أخته أو بنته التي لا ولاية له عليها لم يكن له أن يقبل الشرط من الواهب لعدم قدرته على الوفاء به و كانت الهبة باطلة لعدم قبول الموهوب له.

المسألة 42:

إذا وهبت المرأة لرجل شيئا من مالها و اشترطت عليه في عقد الهبة ان يتزوج بها، جاز للموهوب له أن يقبل الهبة و يقبل الشرط إذا لم يكن له مانع شرعي من التزوج بها، و إذا قبل الهبة و الشرط و قبض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 238

المال الموهوب وجب عليه الوفاء بالشرط على النحو المتقدم و تترتب عليها الآثار المتقدم بيانها.

المسألة 43:

إذا وهب الرجل غيره شيئا من ماله و اشترط عليه في عقد الهبة شيئا يعود نفعه الى شخص ثالث، و مثال ذلك أن يهبه سلعة، و يشترط على الموهوب له ان يهب زيدا و هو غيرهما عينا مخصوصة من مال الموهوب له، أو يبرئ زيدا من دين يستحقه في ذمته أو يسقط له حقا من حقوقه، أو يشترط عليه ان يبيع على الشخص المذكور شيئا معينا من ماله أو أن يصالحه في شي ء أو أن يزوجه بنته، فهل يكون ذلك من التعويض المتقدم بيانه و تترتب عليه لوازمه؟.

قد يقال بذلك، فان الوفاء بالشرط الذي يشترطه الواهب غاية من غاياته، و قد يترتب عليه غرض لاحظه أو مثوبة يرجوها، و ان لم يعد اليه نفع الشرط بحسب الظاهر، و لكن المسألة مشكلة، فلا يترك فيها الاحتياط، و أشد من ذلك اشكالا ما إذا كان الشرط الذي يشترطه الواهب مما يعود نفعه الى الشخص الموهوب له بنفسه، فلا تترك فيه مراعاة الاحتياط.

المسألة 44:

إذا تم الإيجاب و القبول في عقد الهبة، و قبض الشخص الموهوب له المال، صحت الهبة، و ترتب أثرها، فملك الموهوب له المال، و ملك كل نماء يتجدد للمال بعد العقد و القبض، فإذا كان المورد مما يجوز للواهب فيه أن يرجع في هبته، فرجع في الهبة و استرد المال الموهوب، لم يسترجع معه نماءه المنفصل الذي تجدد بعد العقد و القبض، كالولد، و اللبن الذي انفصل عن الضرع، و الثمر الذي جذ من النخيل أو قطف من الشجر، و لم يسترجع معه النماء الذي يكون في حكم المنفصل كالحمل في بطن الدابة، و اللبن في الضرع و الثمر على النخيل أو على الشجر قبل

جذاذه و قطافه.

و اما النماء المتصل كالطول و الكبر في الحيوان و الشجر، و كالسمن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 239

في الحيوان، و كالنمو و بلوغ الثمرة في الشجر، و نحو ذلك، فهو تابع للعين، فإذا استرد الواهب عين المال استرد معها هذه النماءات المتصلة.

المسألة 45:

إذا كان السمن في الحيوان أكثر مما يتعارف في مثله، فالأحوط المصالحة عنه بين الموهوب له و الواهب إذا هو رجع في هبته و استرد المال.

و كذلك في الصوف و الوبر و الشعر في الحيوان، و نحو ذلك من النماءات المتصلة و لكنها تصلح للانفصال، فالأحوط المصالحة عنها بين الموهوب له و الواهب إذا هو رجع في الهبة و استرد المال الموهوب.

المسألة 46:

إذا رجع الواهب في هبته حيث يجوز له ذلك و وجد المال الموهوب معيبا، استرد العين القائمة و لم يستحق أرشا على العيب الذي وجده فيها.

المسألة 47:

إذا تم عقد الهبة و قبض الموهوب له المال ثم مات الواهب، لزمت الهبة و لم يجز لورثة الواهب الرجوع فيها و ان كانت الهبة لأجنبي و غير معوضة، أو كانت مشروطة و لم يف الموهوب له بالشرط فلا يقوم ورثة الواهب مقام أبيهم في جواز الرجوع بالهبة.

و إذا مات الشخص الموهوب له- في مثل الفرض المذكور- لزمت الهبة كذلك، و انتقل المال الموهوب الى ورثته، و لم يجز للواهب أن يرجع في الهبة و يسترد المال، و أولى من ذلك بالحكم ما إذا مات المتعاقدان كلاهما و بقي ورثتهما، فلا يجوز الرجوع بالهبة.

المسألة 48:

إذا وهب الإنسان لغيره شيئا، و قبض الشخص الموهوب له المال، و كانت الهبة لازمة، لأن الرجل الموهوب له ذو قرابة من الواهب، أو لأن الهبة قد عوض عنها، أو لأن الواهب قد قصد بها التقرب الى اللّٰه، لم يجز للواهب أن يتصرف في المال الموهوب ببيع أو صلح أو إجارة أو رهن أو غير ذلك، فإذا باع العين الموهوبة كان البيع فضوليا، فان أجازه الموهوب له صح و الا كان باطلا، و كذلك إذا صالح عليه أحدا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 240

أو آجره إياه أو رهنه عنده كان تصرفه فضوليا لا يصح الا بإجازة الموهوب له.

المسألة 49:

إذا وهب الإنسان شيئا لغيره كذلك و كانت الهبة غير لازمة، ثم باع الواهب عين المال فان كان حينما باع المال الموهوب ذاكرا لهبته غير غافل عنها و لا ناس لها، فالظاهر صحة بيعه و يكون بيعه المال رجوعا منه في الهبة.

و إذا كان حينما باع المال ناسيا لهبته أو غافلا عنها، ففي كون البيع في هذه الحال رجوعا في الهبة إشكال، و لا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط و لو بالمصالحة من الطرفين.

المسألة 50:

إذا كانت الهبة غير لازمة، و أراد الواهب أن يرجع بها، فيمكن له أن ينشئ الرجوع بالقول، فيقول: رجعت بهبتي لفلان، أو فسخت عقد الهبة بيني و بينه، أو غير ذلك من الألفاظ التي تؤدي المعنى المراد.

و يمكن له أن ينشئ الرجوع بالفعل، فيأخذ عين المال الموهوب من يد الموهوب له بقصد فسخ العقد، أو يبيع العين على غيره بقصد الرجوع بالهبة، أو يؤجر العين، أو يرهنها أو يملكها لغيره بالمصالحة أو يوقف العين أو يعتق العبد الموهوب، و يقصد في جميع هذه الأفعال الرجوع بالهبة.

المسألة 51:

لا يشترط في صحة رجوع الواهب في هبته ان يعلم الموهوب له برجوعه فيها، فإذا أنشأ الرجوع فيها بالقول أو بالفعل صح ذلك و ان لم يعلم الموهوب له برجوعه.

المسألة 52:

قد ذكرنا في المسألة الخامسة و العشرين: ان من الهبات اللازمة التي لا يجوز للواهب الرجوع فيها: الهبات التي يقصد الواهب بها وجه اللّٰه سبحانه و يتقرب بها اليه، و ذكرنا في أول كتاب الهبة: ان الهبة المبحوث

كلمة التقوى، ج 4، ص: 241

عنها في هذا الكتاب و التي تذكر فيه أحكامها تخالف الصدقة في المعنى و الفرق بين المعنيين واضح لا ينبغي ان يخفى.

فالصدقة في واقع أمرها إحسان من المعطي الى الفقير على وجه القربة، فقد تكون إحسانا إليه بتمليك المال له و مواساته به، و قد تكون إحسانا إليه بصرف المال عليه بإطعام أو اكساء أو إسكان أو شبه ذلك من غير تمليك، و قد تكون إحسانا إليه بإبراء ذمته من دين أو حق، و كلها إعطاء و إحسان و مواساة تختلف في لب معناها المقصود عن نوع الإعطاء و نوع الإحسان و نوع المواساة في الهبة.

و الهبات التي يتقرب بها الى اللّٰه سبحانه و يقصد بها وجهه الكريم كثيرة، و هي متفاوتة في الفضل و تحصيل الزلفى لديه.

فالهبة للأبوين و الهدية لهما من أفضل ما يتقرب به الولد الى اللّٰه و يقصد به وجهه، فهي صلة لهما و من أجلى مظاهر البر و الرحمة بهما و الإحسان إليهما، و قد تواترت الأدلة في فضل ذلك و الأمر به و البحث الشديد عليه، و خصوصا البر بالأم و صلتها و الإحسان إليها.

و كذلك الهبة للأولاد: البنين و البنات، فقد تكثرت الأدلة و تنوعت

في الدلالة على الرأفة بهم، و الرفق بهم في شؤونهم، و الإحسان إليهم و لا سيما الضعفاء المحتاجون منهم.

و صلة الأرحام و البر بهم و التكريم لهم و القيام بتسديد حوائجهم و اعوازهم، فهي من كبير ما يتقرب به العبد الى اللّٰه، و عظيم ما يوجب الزلفة عنده، و الأدلة على ذلك كثيرة وفيرة.

و في أحاديث العترة الطاهرة من أهل البيت (ع): ان صلة الرحم أعجل الطاعات ثوابا، و معنى ذلك أن من وصل رحمه ينال ثواب صلته في الدنيا قبل الآخرة، كما ان قطيعة الرحم من اعجل الخطيئات عقوبة.

فقد ورد عن الامام محمد بن علي الباقر (ع) عن كتاب علي (ع): ان أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، و ان القوم ليكونون فجارا، فيتواصلون فتنمي أموالهم و يثرون، و ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 242

و من عظيم القربات الى اللّٰه الصلة و البر بالإخوان في اللّٰه من المؤمنين و ان لم يكونوا أرحاما و أقرباء، و خصوصا أهل العلم و التقوى منهم، المقربون عند اللّٰه و ذوو المنزلة لديه و الذين يكون التقرب منهم تقربا الى اللّٰه، و إدخال السرور عليهم إدخالا للسرور على المعصومين ساداتهم.

و من القربات الكبيرة الى اللّٰه: الصلة و الهدايا للذرية الطيبة من ولد الرسول (ص) و أبناء الأئمة الهداة (ع) من المؤمنين المتقين الذين تكون صلتهم صلة لأجدادهم الطاهرين صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين.

المسألة 53:

يجوز للأب أن يخص بعض أولاده بالهبة أو العطية، و لا يهب و لا يعطي الآخرين منهم إذا كان لمن وهب له أو أعطاه مزية في العلم أو التقوى أو إحدى المميزات الشرعية الأخرى، لا

توجد في غيره منهم، و يجوز له أن يهب للجميع و يعطيهم، و يفضل صاحب المزية بزيادة على من سواه، بل الظاهر انه يجوز له ان يخصه بالهبة أو يفضله على غيره إذا كانت له احدى المميزات المحمودة بين العقلاء و ان لم تكن شرعية و يجوز له أن يخص بعضهم كذلك بالعطية، أو يفضله على غيره، مع التساوي و عدم المزية، على كراهة في ذلك و لعل الكراهة تكون أشد إذا كان غير المخصوص أو المفضل هو صاحب المزية.

و يحرم التخصيص أو التفضيل إذا كان ذلك يوجب وقوع البغضاء و الحقد و العداء و الفتنة بينهم، و الأحوط لزوما اجتنابه إذا كان مظنة لوقوع ذلك، أو كان سببا لانحراف الآخرين منهم و وقوعهم في الضلال بل الظاهر التحريم في الفرض الأخير إذا علم بوقوع ذلك.

المسألة 54:

إذا كانت الهبة مما يجوز للواهب أن يرجع بها، ثم اشترط الشخص الموهوب له على الواهب في ضمن احد العقود اللازمة ان لا يرجع في هبته، و قبل الواهب بذلك، وجب على الواهب أن يفي له بالشرط فلا يجوز له ان يرجع بالهبة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 243

المسألة 55:

يكره للواهب أن يرجع في هبته حيث تكون الهبة جائزة يصح له الرجوع فيها، فقد ورد عن الإمام أبي عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من رجع في هبته كالراجع في قيئه.

المسألة 56:

لا يشترط في صحة الهبة ان يعلم الواهب و الموهوب له بمقدار المال الموهوب، فإذا وهبه ما في الكيس، أو وهبه هذه الصبرة من الطعام و هما لا يعلمان مقدار ما في الكيس من المال، و ما تحتوي عليه الصبرة من الطعام، صحت الهبة، و كذا إذا وهبه نصف الصبرة أو ربعها، و هما لا يعرفان بمقدارها حتى يعرفا مقدار النصف أو الربع الموهوب منها، أو وهبه ما في ذمته من الدين و قد نسي الطرفان مقدار الدين، فتصح الهبة في جميع هذه الفروض.

نعم لا بد من تعيين الجزء إذا وهبه جزءا مشاعا من الشي ء، فلا يصح ان يهبه جزءا من الدار و لا يعين أن الجزء الموهوب هو ثلث الدار أو ربعها. و لا بد من تعيين المقدار إذا وهبه كليا في ذمة الواهب، فلا يصح أن يهبه مقدارا كليا من الحنطة في الذمة من غير أن يعين المقدار، منا واحدا أو عشرة أمنان.

المسألة 57:

إذا وهب الرجل غيره شيئا معينا، و قبض الموهوب له المال الموهوب، ثم استبان بعد ذلك ان المال الموهوب ملك غير الواهب، بطلت الهبة، و جاز لمالك المال ان يأخذ ماله حيث وجده، و إذا كان المال تالفا، جاز لمالكه ان يرجع بمثله إذا كان مثليا و بقيمته إذا كان قيميا.

و يتخير في أن يرجع بذلك على الواهب أو على الموهوب له، و إذا رجع المالك به على الموهوب له، جاز لهذا أن يرجع على الواهب بما غرم للمالك. لأنه مغرور من قبله.

المسألة 58:

إذا وهب الرجل غيره شيئا كليا، و دفع الى الموهوب له فردا خاصا من الكلي، و بعد أن قبضه الموهوب له ظهر ان الفرد المدفوع اليه ملك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 244

غير الواهب، جاز للمالك أن يأخذ ما يملكه و هو الفرد المدفوع، و جاز للواهب أن يدفع للموهوب له فردا غيره، و إذا دفعه اليه تحقق بذلك القبض، و صحت الهبة، و يجوز له ان لا يدفع إليه شيئا لعدم تحقق القبض بالدفع الأول فلم تصح الهبة لعدم شرطها.

المسألة 59:

إذا وهب أحد غيره مالا معينا، فأتلف الشخص الموهوب له عين المال الموهوب، فالظاهر بطلان الهبة، لعدم تحقق شرط صحتها و هو القبض، و إتلاف الشخص الموهوب له المال لا يعد قبضا له لتصح الهبة بذلك، و على الموهوب له ضمان المال الذي أتلفه لمالكه و هو الواهب، فيدفع له مثله إذا كان مثليا، و قيمته إذا كان قيميا.

المسألة 60:

إذا دفع الشخص الموهوب له الى الواهب عوضا عن هبته و قبضه الواهب ثم ظهر ان العوض مملوك لغير دافعه، جاز لمالكه أن يأخذ عين ماله حيث وجدها إذا كانت موجودة، و إذا كان المال تالفا جاز لمالكه أن يرجع بمثله أو قيمته، و يتخير في ان يرجع بذلك على الواهب أو على الموهوب له و إذا رجع به على الواهب رجع الواهب على الموهوب له بما اغترم، و صارت الهبة غير معوضة.

و الحمد للّٰه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 245

كتاب الإجارة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 247

كتاب الإجارة و هو يحتوي على عدة فصول:

الفصل الأول في العقد و ما يعتبر فيه و في صحته

المسألة الأولى:

الإجارة هي المعاوضة على المنفعة، سواء كانت المنفعة عملا أم غيره من الفوائد التي ينتفع بها من الشي ء، كسكنى الدار، و عرض المبيعات، و التكسب بالبيع و الشراء في الحانوت أو المحل، و ركوب الدابة أو السيارة أو السفينة.

و الإجارة قد تتعلق بأعيان أموال يملكها الشخص المؤجر، فتوجب نقل ملك المنفعة المقصودة لتلك الأعيان لمن استأجرها بالعوض المعين، و قد تتعلق بنفس انسان حر أو عبد، فتوجب ملكية عمله المعين المقصود لمن استأجره بالعوض المعين، و على وجه الاجمال، فوضوح مفهوم الإجارة بين الناس و عند أهل العرف و العقلاء منهم يغني عن الإطالة في شرح مفهومها و بيان تعريفها، و انها عقد من العقود، فكل ذلك واضح لا خفاء فيه.

المسألة الثانية:

لا بد في عقد الإجارة من الإيجاب و القبول، و الإيجاب فيها هو اللفظ الدال على إنشاء العلاقة بين الشخص المستأجر و العين المستأجرة، أو النفس المؤجرة بالعوض المعين، و هذه العلاقة المنشئة تستتبع تمليك المنفعة المقصودة للمستأجر في إجارة العين، و تستتبع تمليك العمل المعين للشخص في إجارة النفس و اللفظ الصريح في هذا المعنى، هو أن يقول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 248

الموجب للمستأجر: آجرتك هذه الدار أو هذا الدكان أو هذا البستان مدة شهر مثلا بعشرين دينارا، أو يقول: أكريتك الدار أو العقار، أو يقول له: آجرتك نفسي مدة شهر، لبناء الدار المعينة بمائة دينار.

و القبول هو اللفظ الدال على الرضا بما أنشأه الموجب من العلاقة و ما يتبعها من تملك منفعة أو تملك عمل بالعوض المعين، و اللفظ الصريح في هذا المعنى، هو أن يقول المستأجر: قبلت، أو رضيت، أو استأجرت أو استكريت و ليس من العبارة الصريحة أن يقول

الموجب للمستأجر: ملكتك سكنى الدار مدة شهر بعشرين دينارا مثلا، فيقول المستأجر تملكت المنفعة أو يقول قبلت تملكها بالعوض المعلوم، و ان كان الظاهر صحة العقد بذلك، و يشكل الحكم بالصحة إذا قال المؤجر: بعتك منفعة الدار أو قال بعتك سكناها مدة شهر بعشرين دينارا، و الأحوط تركه.

المسألة الثالثة:

يصح إنشاء عقد الإجارة بأي لفظ يكون دالا على المعنى المذكور بحسب المتفاهم العرفي بين الناس و ان كان بلغة غير عربية، و يكتفى من الأخرس و من يتعذر عليه النطق بالإشارة المفهمة للمعنى، فتكون الإشارة قائمة مقام اللفظ في ذلك و يصح بها العقد في الإيجاب و القبول.

المسألة الرابعة:

الأقوى كفاية المعاطاة في عقد الإجارة، فإذا دفع مالك العين داره المعينة أو دكانه أو أي عين أخرى ذات منفعة إلى المستأجر بقصد إنشاء العلاقة المذكورة بين المستأجر و العين المستأجرة، و يقصد تمليك منفعتها المعينة بالعوض المعلوم، و تسلم المستأجر منه العين بقصد إنشاء القبول صح العقد.

و كذلك في إجارة النفس للعمل، فإذا شرع العامل في العمل المستأجر عليه و جعل نفسه تحت اختيار المستأجر للخدمة مثلا أو للعمل المعين، و استولى المستأجر عليه لاستيفاء العمل منه وقعت المعاطاة و صحت الإجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 249

المسألة الخامسة:

الأحوط لزوما ان لا يتقدم القبول على الإيجاب في عقد الإجارة- ان لم يكن ذلك هو الأقوى- و قد تقدم في صيغة البيع نظير ذلك.

و يصح ان يقع الإيجاب من المستأجر للعين و القبول من المؤجر، فيقول مستأجر الدار لمالكها: استأجرت دارك المعينة للسكنى فيها مدة شهر بعشرين دينارا، فيقول صاحب الدار قبلت ذلك أو رضيت به، و يقول المستأجر للمؤجر، آجرتك مدة شهر لتعمل لي العمل المعين بعوض كذا فيقول المؤجر: قبلت أو رضيت بذلك أو آجرتك نفسي لذلك.

المسألة السادسة:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن يكون المتعاقدان- و هما المؤجر و المستأجر- بالغين، فلا يصح العقد إذا كانا صغيرين غير مميزين، أو كان أحدهما صغيرا غير مميز، فلا تصح الإجارة إذا وقع العقد منهما و هما كذلك، و لم يوقعها الولي عنهما، و ان بعد الفرض، و لا يصح العقد كذلك- على الأحوط لزوما- إذا كانا معا صغيرين مميزين، أو كان أحدهما صغيرا مميزا.

و يشترط في صحة العقد أن يكونا عاقلين، فلا يصح إذا كانا معا مجنونين غير مميزين، أو كان أحدهما كذلك، و لا يصح- على الأحوط لزوما- إذا كانا مجنونين و كان جنونهما غير رافع للتمييز، أو كان أحد المتعاقدين كذلك.

المسألة السابعة:

إذا كان الصبي مميزا، و قام وليه بالمعاملة في إجارة دار يملكها الصبي مثلا، حتى أتم مقدمات المعاملة بينه و بين المستأجر، ثم وكل الولي الصبي في إنشاء صيغة الإجارة، فأجراها الصبي بالوكالة عن الولي على الوجه الصحيح، فالظاهر صحة الإجارة.

و يصح أن يتولى الصبي المميز اجراء عقد الإجارة على مال غيره إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 250

و كله مالك المال فأجرى العقد بالوكالة عنه على الوجه الصحيح، و ان لم يأذن له الولي بذلك، و قد تقدم نظير ذلك في كتاب التجارة.

المسألة الثامنة:

يشترط في كل واحد من المؤجر و المستأجر أن يكون قاصدا للمعنى المراد حين إنشائه عقد الإجارة، فإذا أنشأ الموجب اللفظ و هو غير قاصد لإيجاد المعنى المقصود في المعاملة- كما إذا نطق باللفظ و هو هازل في قوله أو ساه أو غالط- وقع باطلا، و كذلك القابل، فإذا نطق بلفظ القبول و هو غير قاصد المعنى وقع باطلا.

المسألة التاسعة:

يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون مختارا في إجراء المعاملة، فلا تصح الإجارة إذا كان كلا المتعاقدين أو كان أحدهما مكرها على فعله، و قد تقدم بيان معنى الإكراه في فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة، فلتراجع، و لتراجع المسائل المتعلقة بذلك فإن أكثرها جارية هنا.

المسألة العاشرة:

إذا أنشأ الموجب الإجارة و هو مكره على فعله، ثم ارتفع عنه الإكراه بعد ذلك، و رضي بإجارته الأولى و أجاز عقده فيها مختارا صح العقد و ترتب عليه أثره، و كذلك القابل إذا أنشأ القبول مكرها ثم أجاز العقد بعد ان ارتفع الإكراه عنه، فينفذ العقد و يترتب عليه أثره، و من ذلك يتضح ان الاختيار شرط للنفوذ.

المسألة 11:

إذا أنشأ المؤجر أو المستأجر عقد الإجارة مكرها على الفعل، و كان الإكراه بحق، فالإجارة صحيحة نافذة، و مثال ذلك أن يكون زيد قد اشترط على عمرو في ضمن عقد لازم أن يؤجره داره مدة سنة مثلا، و قبل عمرو بالشرط، ثم امتنع بعد ذلك عن الوفاء بالشرط، فأجبره الحاكم الشرعي على الوفاء، فيصح العقد و ان كان المؤجر مكرها على الفعل، و كذلك إذا كان الشرط على المستأجر فامتنع عن الاستيجار و أجبره الحاكم على الوفاء بالشرط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 251

المسألة 12:

إذا اضطر الرجل إلى إجارة داره مثلا، كما إذا كان مدينا أو أجبره متسلط على دفع مبلغ ظلما، فاضطر بسبب ذلك الى إجارة داره أو عقاره لتسديد المبلغ للدائن أو للمتسلط، فالإجارة صحيحة، و قد سبق نظير ذلك في كتاب التجارة.

المسألة 13:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن يكون المؤجر أو المستأجر غير محجور عليه لسفه، فلا يصح للسفيه المحجور عليه ان يؤجر داره أو شيئا من أمواله، و إذا آجره و هو كذلك، وقعت الإجارة باطلة، إلا إذا أذن له الولي، فأوقع الإجارة بإذنه، أو أوقع الإجارة ثم أجاز الولي إجارته بعد العقد، و كذلك في المستأجر إذا كان سفيها محجورا عليه، فلا يصح عقده إلا بإذن وليه قبل العقد أو بإجازته بعد العقد.

و الأحوط لزوما أن لا يؤجر السفيه نفسه لعمل يكتسب به، الا إذا أذن له الولي بذلك قبل العقد، أو أجاز إجارته نفسه بعد العقد.

المسألة 14:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن لا يكون أحد المتعاقدين محجورا عليه لفلس، فلا يصح للمفلس المحجور عليه أن يؤجر داره أو شيئا من أمواله إلا بإذن الغرماء، أو إجازتهم لمعاملته بعد وقوع العقد، و يصح له أن يؤجر نفسه لعمل عند أحد أو لخدمة.

المسألة 15:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن لا يكون أحد المتعاقدين عبدا مملوكا فلا يصح للعبد ان يؤجر شيئا من أمواله أو يؤجر نفسه لخدمة أو لعمل، أو يؤجر مال سيده أو يؤجر مال غير سيده إلا إذا أذن له سيده بذلك قبل العقد أو أجاز معاملته بعد وقوع العقد، و إذا كانت المعاملة على مال غير سيده فلا بد من اذن مالك المال أو إجازته مضافا الى إذن سيده أو إجازته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 252

المسألة 16:

يشترط في العين المستأجرة أن تعين في عقد الإجارة إذا كانت الأفراد التي يراد اجارة أحدها مختلفة في الصفات التي يرغب فيها المستأجرون، فإذا قال المالك للمستأجر: آجرتك احدى هاتين الدارين أو أحد هذين الدكانين، فان كانت الداران أو الدكانان اللذان يعينهما مختلفين في الصفات المرغوبة، فلا بد من تعيين الدار أو الدكان في عقد الإجارة و إذا لم يعين الفرد الذي تراد إجارته كانت الإجارة باطلة.

و إذا كان الفردان اللذان يعينهما متساويين في الصفات المرغوبة في الإجارة، فالظاهر الصحة و يتخير المستأجر بين الدارين أو الدكانين، و كذلك الحكم إذا آجره احدى السيارتين أو أحد العبدين و غير ذلك.

المسألة 17:

يشترط في العين المستأجرة أن تكون معلومة عند كلا المتعاقدين، اما بالمشاهدة إذا كانت العين حاضرة، و اما بذكر أوصافها التي يرتفع بذكرها الجهل، و التي تكون وجودها و نقصها موجبا لاختلاف رغبة الناس في إجارتها، و هذا إذا كانت العين غائبة أو كانت كلية، فلا تصح اجارة دار أو دكان مثلا، و هو غير مشاهد و لا موصوف.

المسألة 18:

يشترط في العين المستأجرة أن تكون مقدورا على تسليمها للمستأجر، فلا تصح إجارة دابة شاردة أو سيارة مسروقة، أو عبد آبق، إلا إذا استطاع المؤجر تسليمه للمستأجر بحيث لا تفوته المنفعة المقصودة.

و لا تصح اجارة العبد الآبق مع الضميمة- على الأحوط لزوما- بل لعله هو الأقوى.

المسألة 19:

يشترط في العين التي يراد استيجارها أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مع بقائها.

و هذا الشرط ينحل في حقيقته الى شرطين، الأول: أن تكون العين ذات منفعة ممكنة الحصول، فلا تصح اجارة العين إذا انعدمت منها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 253

المنفعة المقصودة و مثال ذلك ان تستأجر أرض للزراعة فيها، و هي مما يتعذر وصول الماء إليها، و لا يوجد الماء الكافي لسقيها من مطر و غيره، أو تكون مما يتعذر نمو الزرع فيها لغلبة الملح عليها و كثرة السبخ فيها، و مثال ذلك أيضا ان تستأجر دار للسكنى فيها و هي مما ينعدم وجود الماء فيها و في ما حولها للشرب و الاستعمال و لا يمكن نقل الماء إليها و لا خزنه فيها أو تكون مما تنعدم فيها احدى الضرورات الأخرى للحياة.

الشرط الثاني ان تكون، العين مما ينتفع بها مع بقائها، فلا يصح ان يستأجر الشي ء الذي لا ينتفع به الا بإذهاب عينه كالخبز لا ينتفع به الا بأكله و ماء الشرب لا ينتفع به الا بشربه، و الحطب و النفط و الغاز لا ينتفع به الا بوقده و اشعاله و حرقه.

المسألة 20:

يشترط في العوضين في عقد الإجارة، و هما المنفعة التي يطلبها المستأجر، و بدل الإجارة الذي يطلبه المؤجر: أن يكونا مملوكين، فلا تصح الإجارة إذا كانت المنفعة أو الأجرة ملكا للغير، الا على نحو العقد الفضولي و سيأتي بيانه ان شاء اللّٰه تعالى.

و يتحقق ملك المنفعة بتبع ملك العين المستأجرة، فمن ملك الدار مثلا أو الأرض ملك منفعتهما بالتبع، و يتحقق ملك المنفعة أيضا باستئجار العين، فمن استأجر دار زيد منه مدة سنة مثلا، ملك سكنى الدار في تلك المدة المحدودة،

فإذا لم يشترط المؤجر عليه أن يستوفي سكنى الدار بالمباشرة و لم يكن ذلك هو الذي ينصرف إليه إطلاق العقد، جاز له أن يملك سكنى الدار لغيره بإجارة أو هبة أو صلح أو غير ذلك.

و يحصل ملك المنفعة بالوقف كما إذا وقف المالك داره أو أرضه على ذريته أو على طائفة معينة أو أفراد مخصوصين، على نحو تكون منفعة الدار أو الأرض ملكا للموقوف عليهم، لا على نحو السكنى أو استيفاء المنفعة بالمباشرة، فيجوز لولي الوقف إجارتها لهم.

و يحصل ملك المنفعة بأحد أسباب التمليك الأخرى للمنفعة كما إذا وهب الرجل سكنى داره لأحد مدة معينة، بناء على المختار من صحة هبة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 254

المنافع كما ذكرناه في كتاب الهبة في المسألة الثامنة، و كما إذا ملكه المنفعة بالصلح، أو جعلها ثمنا في عقد البيع أو صداقا في عقد التزويج أو جعلتها المرأة عوضا للخلع أو المباراة و غير ذلك من الأسباب المملكة، فإذا ملكها الشخص بأحد هذه الأسباب جاز له ان يملكها غيره بالإجارة.

و تصح الإجارة إذا كانت المنفعة بمنزلة المملوكة شرعا، كما إذا آجر الحاكم الشرعي أو وكيله بعض الموقوفات عند طروء بعض الحالات المبيحة لاجارة أعيانها، لتصرف منافعها من الإجارة في المصاريف التي عينها الواقف.

و كما إذا آجر الحاكم الشرعي أو وكيله الدار التي يشتريها بمال الزكاة من سهم سبيل اللّٰه عند اقتضاء الأمر شراءها، و قد ذكرنا ذلك في فصل شرائط العوضين من كتاب التجارة، فإذا اشترى الدار كذلك صحت له إجارتها لينفق مال الإجارة في سبيل اللّٰه كذلك.

و يتحقق ملك عوض الإجارة بأحد الأنحاء التي يتحقق بها ملك الأعواض الأخرى في البيع و الصلح و بقية المعاوضات.

المسألة 21:

يشترط

في كل واحد من العوضين أن يكون مالا عند العقلاء، و قد ذكرنا في المسألة السابعة عشرة، و المسألة المائة و الثامنة عشرة: من كتاب التجارة المعيار الذي يكون به الشي ء مالا في نظر أهل العرف فلتراجع المسألتان.

المسألة 22:

يشترط في المنفعة أن تكون محللة في الإسلام، فلا تجوز الإجارة و لا تكون صحيحة إذا كانت المنفعة محرمة و مثال ذلك أن يؤجر المالك منزله أو محله أو دكانه ليعمل فيه المسكر، أو ليحرز فيه، أو ليكون موضعا لبيعه أو لشربه، أو ليكون موضعا للبغاء أو الفسوق أو لشي ء من المحرمات، أو يؤجر الإنسان نفسه أو سيارته أو سفينته أو دابته لحمل الخمر أو لحمل غيره من المسكرات، أو يستأجر الجارية للغناء و الرقص و شبه ذلك من المحرمات أو يؤجرها لذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 255

و قد يستغنى عن هذا الشرط بالشرط المتقدم في المسألة العشرين، و هو اشتراط كون المنفعة مملوكة فإن المنفعة المحرمة ليست مملوكة.

المسألة 23:

إذا كانت للعين التي يراد استيجارها منافع عديدة يمكن ان تستوفى منها، فلا بد في عقد الإجارة من أن تعين المنفعة المقصودة في العقد و التي يبذل المستأجر بإزائها المال، فإذا كانت الدار يمكن أن تكون للسكنى فيها، و يمكن أن تتخذ مخزنا لبعض الأموال، و يمكن أن يجعل معرضا لبعض البضائع في التجارة، و يمكن أن تستعمل معملا لبعض المنتوجات، و يمكن أن تتخذ موضعا لنزول المسافرين، فلا تصح اجارة الدار حتى يعين المستأجر في العقد اي منافع الدار يريد تملكها.

و كذلك العقار و الأرض و سائر الأعيان المملوكة إذا كانت المنفعة فيها تقع على أنواع، فيجب تعيين المنفعة المقصودة و يصح للمستأجر أن يستأجر العين بجميع منافعها، فتكون جميع منافع العين المستأجرة ملكا له يستوفي منها ما يشاء.

المسألة 24:

يعتبر في المنفعة التي يراد تملكها بعقد الإجارة أن تكون معلومة المقدار، و يحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال استيجار الدار للسكنى فيها، و استيجار الدكان أو المحل للبيع و الشراء فيه، و نحو ذلك بتقدير المدة فيستأجر الدار مدة سنة مثلا أو مدة شهر، و كذلك حينما يستأجر الدكان أو المحل أو الأرض و نحوها، و لا بد في جميع ذلك من تعيين الزمان، فيقول المؤجر مثلا: آجرتك الدار لتسكنها أو الدكان لتتجر فيه مدة شهر من حين صدور العقد، أو من أول يوم من شهر رجب.

و يكفي في تعيين زمان الإجارة أن تدل القرينة على تعيينه، و إذا أطلق العقد و لم يذكر فيه زمانا خاصا، فالإطلاق يدل على التعجيل، و ينتج من ذلك ان أول مدة الإجارة هو حين صدور العقد.

و يحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال استيجار الدابة أو السيارة للركوب

بتحديد المسافة، فيؤجره الدابة، أو السيارة للركوب فيها خمسة فراسخ أو عشرين كيلومترا مثلا، و لا بد فيها من تعيين الزمان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 256

كما تقدم و يمكن أن يحددها بالمدة أيضا، فيستأجر الرجل الدابة أو السيارة من مالكها للركوب و التنقل عليها مدة ساعتين مثلا أو مدة يوم، أو يستأجر منه الدابة أو السيارة مدة أسبوع أو أكثر لتبقى تحت ارادته و تصرفه في هذه المدة يتنقل فيها متى شاء و اين شاء، و لا بد فيها من تعيين الزمان، و إذا لم يعين الزمان في ما تحدد المنفعة فيه بالمدة أو بالمسافة و لم تدل القرائن على التعيين كانت الإجارة باطلة.

و يحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال البناء و خياطة الثوب بتقدير موضوع العمل المستأجر عليه، فإذا عين الثوب الذي يريد خياطته و مقدار طوله و عرضه، و نوع الخياطة التي يريدها من الخياط، و عين الجدار أو البيت أو الدار التي يريد بناءها أو تعميرها و نوع البناء الذي يريده من العامل، كفى ذلك، و الظاهر اعتبار تعيين الزمان فيه على النهج السابق في نظائره.

المسألة 25:

الظاهر أنه يكفي في صحة إجارة السيارة و نحوها من وسائل النقل إلى مكة أو إلى المدينة أو الى غيرهما من البلدان، العلم بين البلدين من المسافة على وجه الاجمال، و ان جهل مقدارها على نحو التفصيل، فان الجهل به كذلك و بمقدار ما يتطلبه السير من الزمان لا يوجب غررا على احد المتعاقدين.

و هذا هو المتعارف عند عامة العقلاء، فيكفي هذا المقدار من العلم بالمنفعة في صحة هذه الإجارة و أمثالها إذا كان رافعا للجهالة في نظر أهل العرف و رافعا للغرر، و هي

بسبب ذلك لا تعد معاوضة على منفعة مجهولة، نعم لا بد من تعيين زمان السفر، و لو بالقرائن التي تدل على تعيين الزمان، كما إذا كان لسفر القافلة موعد محدد، أو كانت لإجازة الدولة للسفر تأريخ معين، و أشباه ذلك من القرائن العامة أو الخاصة الدالة على التعيين.

و نظير ما تقدم أن يستأجر الرجل السيارة للسفر فيها إلى مكة ثم للعود فيها الى بلده بعد أداء الحج أو العمرة، أو يستأجرها للسفر فيها إلى مكة ثم إلى المدينة أو بالعكس، ثم الى وطنه، أو يستأجرها للسفر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 257

فيها كذلك، و لتكون معدة له في جميع تنقلاته في المواضع و المشاعر أيام حجه و زيارته حتى يعود الى وطنه، فان العرف يكتفي بالمقدار المتقدم ذكره في تحديد المنفعة المستأجر عليها و لا يعدها من المجهول.

المسألة 26:

يشترط في الأجرة، و هي العوض الذي يدفعه المستأجر بدلا عن المنفعة التي يتملكها بالإجارة، أن تكون معلومة المقدار، فان كانت مما يعرف مقداره بالكيل أو بالوزن، أو بالعدد أو كانت مما يذرع أو مما يقدر بضبط المساحة، وجب أن تعتبر كذلك بما يعلم به مقدارها من ذلك، و ان كانت مما يكتفى فيه بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة و الغرر كفى ذلك في صحة الإجارة عليها كما يكتفى به في البيع و غيره من المعاوضات.

المسألة 27:

يصح في بدل الإجارة أن يكون عينا شخصية، و يجوز أن يكون أمرا كليا في الذمة، حالا أم مؤجلا إلى أجل مسمى، و يجوز أن يكون كليا في مال معين، فيقول المؤجر لصاحبه، آجرتك الدار المعينة شهرا بعشرين دينارا في ذمتك أو يقول: بعشرين دينارا من هذا المال المعين، و يجوز أن يكون كسرا مشاعا من مال معين، فيقول: آجرتك الدار شهرا بنصف هذه السلعة أو ربعها، و يصح أن تكون الأجرة عملا من الأعمال، و أن تكون منفعة من المنافع، و أن تكون حقا من الحقوق القابلة للنقل على التفصيل الذي تقدم بيانه في الثمن من كتاب التجارة في فصل شرائط العوضين.

و يقدر العمل و المنفعة و الحق الذي يجعل عوضا في الإجارة بما تقدر به هذه الأمور في ثمن المبيع و حين تجعل أعواضا في المعاملات الأخرى.

المسألة 28:

إذا كانت المنفعة المقصودة بالإجارة مما تقدر بالزمان كسكنى الدار، و استئجار الرجل ليكون سائقا له في سيارته أو عاملا له في متجره أو معمله، فلا بد و أن تضبط المدة في العقد على وجه لا تقبل الزيادة و النقص،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 258

فتضبط بعدد الأيام مثلا أو بعدد الأسابيع أو الشهور أو السنين، و لا يصح أن تجعل المدة إلى مقدم زيد من سفره، أو الى أوان جذاذ التمر أو قطاف الثمرة أو حصاد الزرع.

المسألة 29:

إذا استأجر الرجل صاحبه لعمل معين و قدر له مدة معينة على نحو يطبق فيها اجزاء العمل على اجزاء المدة شيئا فشيئا، حتى ينتهي العمل المستأجر عليه بانتهاء المدة، و مثال ذلك ان يستأجره لصيام ثلاثين يوما في شهر رجب مثلا، أو يستأجره لبناء مسجد معين المقدار في عشرين يوما معينة فيبدأ بالبناء في أول المدة و ينجز منه في كل يوم شيئا حتى يتم البناء مع تمام الأمد.

فإن علم ان المدة المعينة تتسع لانجاز العمل المستأجر عليه فيها، كانت الإجارة صحيحة نافذة، و مثال ذلك أن يستأجره لصيام عشرين يوما من شهر رجب من أول الشهر الى يوم العشرين منه فتصح الإجارة و يجب الوفاء بها، و ان علم ان الزمان المعين لا يتسع للعمل المستأجر عليه كانت الإجارة باطلة، و إذا احتمل كل من الأمرين كما في المثال الأول، فقد يتم شهر رجب فيتسع لصيام ثلاثين يوما، و قد ينقص، فلا يتسع لذلك، أشكل الحكم بالصحة.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 258

المسألة 30:

إذا استأجر الإنسان من المكاري دابة لحمل بعض الأثقال، و كانت الأجناس التي يراد حملها مختلفة في أجرة حملها، أو كان بعضها مما يضر حمله بالدابة أو كان بعضها مما يمنع حمله من قبل الدولة مثلا و نحو ذلك، فلا بد في صحة الإجارة من تعيين الجنس الذي يريد المستأجر حمله على الدابة، و إذا كانت الأغراض لا تختلف في ذلك لم يشترط ذكر الجنس.

و لا بد أيضا من تعيين مقدار ما يحمل على الدابة إذا كان المقدار مما تختلف فيه الأجرة أو

كان بعض المقادير مضرا بالدابة، و إذا لم تختلف الأغراض في ذلك لم يجب تعيين المقدار، و يكفيه ان يعين المقدار بما يرتفع به الغرر من مشاهدة أو وصف.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 259

و كذلك الحكم إذا استأجر من غيره سيارة أو حاملة أثقال لحمل بعض الأجناس و نقلها، فلا بد من ذكر الجنس و المقدار إذا كان مما تختلف فيه الأجرة أو تختلف فيه الأغراض و إذا لم تختلف الأجرة و لا الأغراض الأخرى لم يشترط ذكرهما.

المسألة 31:

إذا استأجر الإنسان من المكاري دابة للسفر عليها الى بلد معين، و كان الطريق الى ذلك مختلفا، فلا بد من تعيين الطريق الذي يريد سلوكه في السفر، و الزمان الذي يريد أن يكون السير فيه، أ هو الليل أم النهار، و إذا أراد السفر في النهار، أ في أطرافه أم في عامة النهار، لاختلاف الأغراض بين الناس في كل ذلك، فلا بد من تعيين المراد، و إذا اختلفت الأغراض باختلاف الراكب فلا بد من تعيينه، فقد لا يرغب المكاري في صحبته، و قد يجد في ذلك حرجا أو خوفا، و على وجه الاجمال، فلا بد من التعيين عند اختلاف الغايات و الأغراض في الراكب و المركوب و الطريق و الوقت و غير ذلك.

و كذلك الحكم إذا أراد أن يستأجر من غيره سيارة للسفر فيها، فلا بد من التعيين عند اختلاف الغايات و الأغراض في شي ء من ذلك، سواء أراد أن يستأجر السيارة وحدها، أم يستأجر السيارة و السائق و لا يجب التعيين في مالا تختلف الأغراض فيه.

المسألة 32:

إذا أراد الإنسان أن يستأجر دابة لحراثة أرض، فلا بد و أن تكون الأرض التي يريد حرثها معلومة المقدار و المساحة، جريبا مثلا أو جريبين أو أكثر، فلا تصح الإجازة إذا كانت الأرض مجهولة المقدار و لا بد أيضا من مشاهدة الأرض المقصودة أو وصفها بما يرفع الغرر إذا كانت الأرضون حولها مختلفة في صعوبة الحرث و سهولته، فان ذلك مما يوجب الاختلاف في مقادير الأجرة، أو في الأغراض الأخرى التي يبتغيها المتعاملون في ما بينهم، فيكون عدم التعيين موجبا للغرر و الجهالة.

و إذا كانت الأرض متساوية، بحيث لا يوجب اختلافها اختلافا في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 260

الأجرة أو في الأغراض الأخرى بين المتعاملين، فلا يجب التعيين و المشاهدة للأرض المقصودة إذا كانت معلومة المقدار.

و كذلك في الحكم ما إذا استأجر الإنسان احدى الآلات الحديثة لحراثة أرضه، فتجري فيها الفروض و الأحكام المتقدمة، سواء استأجر الآلة وحدها أم استأجر الآلة و الحارث.

المسألة 33:

إذا قال صاحب الدار لمن يريد أن يستأجرها منه: آجرتك الدار الى شهر واحد، أو قال له: آجرتك إياها إلى شهرين، صحت الإجارة في المثالين إذا قبل المستأجر العقد، و كان مبدأ مدة الإجارة من حين العقد.

و إذا قال له آجرتك الدار الى شهر أو الى شهرين على نحو الترديد بين مدتين في عقد الإجارة كانت الإجارة باطلة.

المسألة 34:

إذا قال مالك الدار لمن يريد أن يستأجرها منه: آجرتك الدار كل شهر بخمسة دنانير مثلا و كان المقصود من هذا العقد: أنه آجره الدار اجارة واحدة مدة غير محددة، و أن عوض الإجارة عن كل شهر يسكن فيه الدار خمسة دنانير، فلا ريب في بطلان الإجارة، لعدم تعيين المدة، و عدم معلومية مقدار الأجرة.

و إذا كان المقصود أنه آجره الدار إجارات متعددة، لكل شهر على انفراده اجارة مستقلة بخمسة دنانير، مهما بقي ساكنا في الدار، فالظاهر صحة الإجارة في الشهر الأول بالأجرة المعينة و بطلان العقد في بقية الشهور.

المسألة 35:

إذا أجريت المعاملة بين المالك و المستأجر على النحو الأخير في المسألة المتقدمة، فيمكن تصحيح المعاملة في الشهور الباقية، بأن تجرى الإجارة في كل شهر منها بنحو المعاطاة بين الطرفين على النحو السابق في الشهر الأول، فيسكن المستأجر الدار و يدفع للمؤجر خمسة دنانير في كل شهر بقصد إنشاء الإجارة فيه بهذه المعاطاة، و هكذا، و هذا هو المتعارف في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 261

إجارة الفنادق للنزلاء فيها، و في إجارة البيوت المعدة للإجارة شهريا أو سنويا، و اجارة الدكاكين و المحلات المعدة للإجارة، فتجري الإجارة بنحو المعاطاة في الأشهر اللاحقة على النهج الذي جرت عليه الإجارة في الشهر الأول.

المسألة 36:

إذا قال صاحب الثوب للخياط: ان خطت ثوبي هذا بدرز واحد فلك درهم واحد، و ان خطته بدرزين فلك درهمان، و قصد بعبارته اجارة الخياط على ذلك، فالظاهر صحة الإجارة- إذا قبل الخياط العقد- و تكون اجارة له على الإتيان بأحد العملين على نحو التخيير بينهما، و هو في ذلك نظير الواجب التخييري في الواجبات الشرعية، و نتيجة لذلك فيجب على الخياط أن يأتي بأي العملين شاء، و إذا أتى به استحق على المستأجر ما عين له من الأجرة في العقد.

و إذا قصد بقوله المذكور إنشاء الجعالة، صحت جعالة كما قصد، فإذا أتى الخياط بأحد العملين استحق على الجاعل ما عين له من العوض.

و مثله في الحكم ما إذا قال للخياط: ان خطت ثوبي هذا في هذا اليوم فلك درهمان، و ان خطته غدا فلك درهم واحد، فان قصد الإجارة صحت اجارة على وجه التخيير، و ان قصد الجعالة صحت جعالة على نهج ما سبق.

و الفارق بين الإجارة و الجعالة: ان الإجارة عقد من

العقود، و لذلك فلا بد فيها من قبول الخياط في الفرض المذكور، و إذا تم العقد اشتغلت ذمة العامل و هو الخياط للمستأجر بالعمل من حين العقد، و اشتغلت ذمة المستأجر و هو صاحب الثوب بالعوض للخياط من حين العقد كذلك.

و اما الجعالة فهي إيقاع، و لذلك فلا تفتقر الى القبول من العامل، و لا تشتغل ذمة صاحب الثوب بالعوض قبل أن يأتي العامل بالعمل، و لا تشتغل ذمة العامل بالعمل، و إذا هو أتى به باختياره استحق العوض المجعول على صاحب الثوب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 262

المسألة 37:

إذا استأجر الإنسان المكاري و دابته ليوصله عليها الى بلد معين في وقت معين أو استأجر السائق و سيارته لذلك على وجه يكون إيصاله إلى الموضع في الوقت المعين قيدا في العمل الذي استأجره عليه، فلم يوصله الأجير إلى الموضع في الوقت المحدد.

فان كان عدم إيصاله في الوقت لضيق الزمان عن ذلك، كانت الإجارة باطلة لعدم القدرة على الوفاء بها.

و إذا كان الزمان يسع ذلك و لكن الأجير تباطأ فلم يوصله في الوقت، فإن أمكن للأجير أن يأتي بالعمل في الوقت المحدد، من حيث أن الزمان لا يزال يتسع لذلك، وجب عليه أن يأتي بالعمل في الوقت فيوصل المستأجر إلى البلد المعين في الوقت المحدد، و إذا قام بالعمل كذلك فأوصله في الوقت استحق عليه الأجرة المعينة، و ان لم يمكنه أن يأتي بالعمل المستأجر عليه في الوقت لم يستحق من الأجرة شيئا.

و نظير ذلك في الحكم ما إذا أخذ المستأجر إيصاله إلى المكان في الوقت المعين شرطا في عقد الإجارة لا قيدا في العمل المستأجر عليه، و قبل الأجير بالشرط و لم يوصله في الوقت كما

شرط فتجري فيه الفروض المتقدم ذكرها في القيد و تنطبق عليها أحكامها، فتبطل الإجارة في الفرض الأول، و هو ما إذا ضاق الزمان عن الإتيان بمتعلق الإجارة و يجب على الأجير الإتيان بالعمل المشروط في الفرض الثاني و هو ما كان الوقت لا يزال يتسع للإتيان بالعمل.

و إذا أتى به كذلك استحق الأجرة المعينة، و إذا لم يتسع الوقت و لم يمكن ذلك لم يستحق من الأجرة شيئا، فالشرط المذكور بحكم القيد في جميع ذلك.

المسألة 38:

لا تختص الأحكام المذكورة في المسألة المتقدمة بالفروض الخاصة التي ذكرت فيها، بل تجري في كل عمل يستأجر عليه الأجير، و يقيد العمل في الإجارة بقيد معين، من زمان خاص أو مكان خاص أو وصف خاص، و شبه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 263

ذلك من القيود، ثم يأتي الأجير بالعمل بغير قيده المعين، فتأتي فيه الفروض الآنف ذكرها في المسألة المتقدمة و يجري في كل فرض منها حكمه الذي بيناه له، فتبطل الإجارة في الفرض الأول، و يجب على الأجير أن يأتي بالعمل مع قيده في الفرض الثاني، فان لم يمكنه ذلك لم يستحق من الأجرة شيئا، و هو الفرض الأخير.

و قد ذكرنا أن شرط الإتيان بالعمل في الزمان المعين، بحكم القيد في جميع الفروض، و هو كذلك في سائر الأعمال التي يشترط ذلك فيها على الأجير.

المسألة 39:

إذا استأجر الإنسان أجيرا لعمل معين، و اشترط عليه في عقد الإجارة شرطا، و قبل الأجير بالشرط، و لكنه لم يف للمستأجر به، فأتى بالعمل المستأجر عليه و لم يأت بالشرط، و مثال ذلك أن يستأجر زيدا لبناء داره، و يشترط عليه في عقد الإجارة أن يجعل عمرا عاملا معه في البناء، و قبل زيد بالعقد مع الشرط، ثم بنى الدار و لم يدخل عمرا معه في العمل.

و الحكم في ذلك أنه يثبت للمستأجر خيار فسخ الإجارة لتخلف شرطه الذي اشترطه على الأجير، فيكون مخيرا بين أن يفسخ عقد الإجارة، فلا يدفع لزيد الأجرة المسماة له في العقد، و أن يمضي الإجارة فيدفع له الأجرة المسماة، و إذا اختار الوجه الأول ففسخ العقد لزمه أن يدفع لزيد أجرة المثل لعمله الذي أتى به.

المسألة 40:

إذا استأجر الرجل السيارة و السائق ليوصله بها الى كربلاء، و كان من مقصده أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة، أو استأجره ليوصله إلى مكة، و كان من مقصده أن يعتمر في شهر رجب، فلم يوصله السائق إلى كربلاء حتى فات يوم عرفة، أو لم يوصله إلى مكة حتى انسلخ شهر رجب، لم تبطل الإجارة بذلك و استحق عليه صاحب السيارة جميع الأجرة المسماة الا ان يكون العمل الذي استأجره عليه مقيدا بإيصاله

كلمة التقوى، ج 4، ص: 264

في الوقت أو يكون ذلك مشترطا عليه في عقد الإجارة كما تقدم في المسألة السابعة و الثلاثين.

و يكفي في الاشتراط أن يتبانى المتعاقدان على ذلك بحيث يجري العقد على ما تبانيا عليه و ان لم يذكراه صريحا في العقد.

المسألة 41:

إذا استأجر الإنسان السائق و سيارته أو المكاري و دابته ليوصله بها الى موضع معين، و قال له: ان اوصلتني الى الموضع في يوم الجمعة، فلك خمسة دراهم مثلا، و ان اوصلتني اليه بعد ذلك فلك ثلاثة دراهم، و هو يقصد إجارته على أحد العملين، فالظاهر صحة الإجارة، و يكون من قبيل الواجب التخييري على العامل، فإذا اختار أحد الفردين المستأجر عليهما و أتى به صح و استحق على المستأجر الأجرة التي عينها لذلك الفرد و قد تقدم نظيره.

المسألة 42:

إذا استأجر السائق و سيارته أو المكاري و دابته ليوصله الى مكان معين بخمسة دنانير مثلا، و اشترط عليه في عقد الإجارة أن يوصله الى المكان في يوم معين، فان هو لم يوصله في ذلك اليوم نقص من كراه عن كل يوم يؤخره فيه عن الوقت المعين نصف دينار مثلا، صح الشرط إذا قبل به و وجب العمل عليه، فإذا أخره عن اليوم المعين نقص من أجرته حسب ما اشترطه عليه ما لم يحط بجميع الكراء.

المسألة 43:

يصح أن تكون مدة الإجارة متصلة بالعقد، و يصح أن تكون منفصلة عنه، و مثال الأول: أن يؤجر المالك زيدا داره ليسكنها من حين العقد الى ثلاثين يوما مثلا أو الى ستة أشهر، و هذا هو الواقع في غالب المعاملات، و مثال الثاني أن يؤجره الدار- و هما في شهر محرم أو في شهر صفر أو قبلهما- ليسكنها من هلال شهر ربيع الأول إلى نهايته، فتصح الإجارة في كلتا الصورتين.

و إذا آجره الدار أو المحل مدة معينة، و لم يذكر في العقد ابتداء

كلمة التقوى، ج 4، ص: 265

المدة، انصرفت الى المتصل بالعقد، الا أن تدل قرينة خاصة أو عامة على غير ذلك فتتبع دلالة القرينة.

و من القرائن أن تكون العين مستأجرة في الزمان الأول بعد العقد، فإذا آجرها المالك ثانيا مدة شهر مثلا و لم يعين ابتداء هذه المدة كان ذلك دليلا على ان المراد اجارة شهر بعد انتهاء مدة الإجارة الأولى، سواء كان المستأجر الثاني هو المستأجر الأول أم غيره.

المسألة 44:

إذا استأجر السائق أو المكاري ليوصله الى كربلاء بخمسة دنانير مثلا، و اشترط له في ضمن العقد انه ان أوصله إليها قبل الزوال من يوم الجمعة أعطاه ستة دنانير صح الشرط و لزم العمل عليه، و إذا استأجره ليوصله الى كربلاء قبل الزوال من يوم الجمعة بخمسة دنانير، و اشترط عليه في ضمن العقد، انه يعطيه أربعة دنانير فقط إذا هو تباطأ فأخر وصوله الى ما بعد الزوال، صح كذلك، و وجب العمل عليه و قد تقدم هذا الحكم قبل مسألتين.

الفصل الثاني الإجارة عقد لازم

المسألة 45:

الإجارة عقد من العقود اللازمة على كل واحد من المتعاقدين، فإذا تم العقد بينهما، و توفرت جميع شروطه المتقدم ذكرها وجب على كل واحد منهما إنفاذ العقد و ترتيب آثاره و أحكامه و لم يجز لهما فسخه، إلا إذا تقايل الطرفان ففسخا العقد برضاهما معا، أو كان لأحدهما أو لكليهما حق الخيار في العقد لوجود أحد أسبابه الموجبة لثبوته له ففسخ العقد أخذا بحقه.

و كذلك الحكم إذا أجريت الإجارة بينهما بنحو المعاطاة على الأقوى، فهي لازمة لا يجوز فسخها الا بالتقايل أو فسخ صاحب الخيار.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 266

المسألة 46:

إذا آجر المالك داره أو عقاره مدة معينة، ثم باع العين المستأجرة بعد ما آجرها، لم تبطل الإجارة بالبيع، و لم ينفسخ عقدها، بل تنتقل العين بالبيع إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، و تبقى المنفعة ملكا للمستأجر حتى تنتهي مدة الإجارة، فإذا انقضت كانت منافعها التي تتجدد بعد ذلك ملكا للمشتري تبعا للعين.

و إذا كان الشخص الذي اشترى العين جاهلا بأن العين مستأجرة، ثبت له حق الخيار في أن يفسخ البيع فيسترد الثمن من البائع إذا كان قد دفعه اليه، أو يمضي البيع بالثمن المسمى، و ليس له حق في ان يمضي البيع و يطالب البائع بالأرش، و هو التفاوت بين قيمة العين و هي ذات منفعة، و قيمتها و هي مسلوبة المنفعة.

و كذلك الحكم إذا كان المشتري يعلم بأن العين التي اشتراها مستأجرة، و لكنه يعتقد ان مدة إجارتها قليلة ثم ظهر له أن المدة أطول مما كان يعتقد، فيثبت له الخيار بين فسخ البيع و إمضائه بالثمن المسمى و لا يحق له أن يمضي البيع و يطالب البائع بالأرش.

و إذا كان المشتري

عالما بإجارة العين التي اشتراها، و بمدة إجارتها لم يثبت له خيار الفسخ.

المسألة 47:

إذا باع المالك العين بعد أن آجرها كما هو الفرض المتقدم ذكره، فانتقلت العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة كما بيناه في المسألة المتقدمة، ثم فسخ المستأجر عقد الإجارة، لثبوت حق الخيار له في عقد الإجارة، أو للتقايل من المتعاقدين، رجعت المنفعة إلى المشتري تبعا للعين على الأقوى، و لا حق للبائع فيها.

و كذلك، إذا اعتقد البائع و المشتري أن مدة الإجارة لا تزال بعد باقية، و ان العين مسلوبة المنفعة فباع المالك العين و اشتراها المشتري و هما يعتقدان ذلك، ثم ظهر لهما بعد البيع ان مدة الإجارة قد انتهت

كلمة التقوى، ج 4، ص: 267

قبل البيع، فإن المنفعة بعد البيع تكون للمشتري يملكها بتبع العين على الأقوى.

المسألة 48:

إذا آجر المالك داره أو عقاره على زيد مدة سنة مثلا، ثم باع العين المستأجرة على زيد نفسه في أثناء مدة الإجارة لم ينفسخ عقد الإجارة بالبيع على الأقوى، فيجب على زيد دفع الأجرة للمالك إذا لم يكن قد دفعها له من قبل، كما يجب عليه دفع ثمن العين، و إذا انفسخ عقد البيع بينهما بأحد أسباب الفسخ من خيار أو غيره، بقيت الإجارة بحالها و بقيت المنفعة ملكا للمستأجر، و هو المشتري، و إذا انفسخ عقد الإجارة لحدوث بعض أسباب الفسخ فيها من خيار و نحوه، رجعت المنفعة ملكا للمشتري و ملكها تبعا للعين.

المسألة 49:

إذا باع الإنسان عينا يملكها على أحد، و آجر وكيله المفوض تلك العين نفسها على شخص آخر مدة معينة، فقد يسبق بيع المالك العين على اجارة الوكيل إياها في الزمان، و قد تسبق اجارة الوكيل العين على بيع المالك إياها، و قد يقترن البيع و الإجارة في الزمان.

الصورة الأولى أن يكون بيع المالك العين سابقا في الزمان على إجارتها من قبل الوكيل، و لا ريب في صحة البيع و بطلان الإجارة في هذه الصورة.

الصورة الثانية ان تكون اجارة الوكيل العين سابقه في الزمان على بيعها من قبل المالك، و الظاهر صحة الإجارة و البيع كليهما، فيملك المستأجر المنفعة بإجارة الوكيل له، و تنتقل العين من المالك الى المشتري مسلوبة المنفعة، و يثبت للمشتري خيار الفسخ إذا كان جاهلا بإجارة العين على نهج ما ذكر في المسألة السادسة و الأربعين.

الصورة الثالثة: أن يكون بيع المالك العين و اجارة الوكيل إياها مقترنين في الزمان، و الظاهر صحة البيع و الإجارة معا كما في الصورة الثانية فيملك المستأجر المنفعة بالإجارة، و تنتقل العين

إلى المشتري مسلوبة المنفعة و يكون للمشتري خيار فسخ البيع مع جهله بالإجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 268

المسألة 50:

إذا آجر المالك غيره بعض الأعيان التي يملكها من دار أو عقار أو غير ذلك الى مدة معينة، أو آجرها عنه وكيله المفوض، ثم مات المالك في أثناء مدة الإجارة، لم ينفسخ عقد الإجارة بموته، و بقيت المنفعة ملكا للمستأجر حتى تنتهي المدة المعينة، و يلزمه أن يدفع لورثة المالك الأجرة المسماة إذا لم يكن دفعها لمورثهم في حياته، و لا تنفسخ الإجارة كذلك بموت المستأجر إذا مات في أثناء المدة بل تبقى المنفعة ملكا لورثته من بعده و عليهم أن يدفعوا الأجرة المسماة لمالك العين المستأجرة من تركة المستأجر إذا لم يكن قد دفعها في حياته. و تستثنى من الحكم صورة واحدة يأتي بيانها في المسألة اللاحقة.

المسألة 51:

إذا آجر المالك داره على زيد مدة معلومة، على أن يسكن المستأجر الدار بنفسه على نحو التقييد بذلك، أو على نحو الاشتراط في ضمن العقد، ثم مات المستأجر و هو زيد في أثناء المدة، فالظاهر بطلان الإجارة في بقية المدة، و يسترد ورثة المستأجر من المالك أو من ورثته إذا كان ميتا ما قابل ذلك من الأجرة، و كذلك إذا آجره الدكان مثلا على ان يكون المستأجر هو الذي يبيع فيه بنحو المباشرة فإذا مات المستأجر بطلت الإجارة في بقية المدة و استرد ورثته حصتها من الأجرة.

المسألة 52:

إذا استأجر زيد الدار من مالكها مدة معلومة و لم يشترط المالك عليه أن يسكنها بنفسه بنحو المباشرة، ملك المنفعة بهذه الإجارة، و جاز له أن يؤجر الدار المعينة على غيره بقدر مدته أو أقل منها، و إذا آجر الدار كذلك على أحد، ثم مات المؤجر أو المستأجر الثاني في أثناء المدة، لم تنفسخ الإجارة الثانية بذلك، كما تقدم في إجارة مالك الدار.

المسألة 53:

إذا ملك الإنسان المنفعة ملكا محدودا بزمان حياته فقط، و مثال ذلك ان يوصي له مالك الدار بمنفعتها بعد موت المالك ما دام الموصى له في قيد الحياة، فإذا مات المالك الموصى، جاز للموصى له ان يسكن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 269

الدار الموصى بها ما دام حيا، و جاز له أن يؤجرها على غيره و يملك أجرتها، و إذا آجر الدار المذكورة على غيره مدة معلومة ثم مات المؤجر الموصى له في أثناء المدة بطلت الإجارة بموته في بقية المدة، و لم يستحق ورثته من أجرة بقية المدة شيئا، و يجوز لورثة مالك الدار أن يجيزوا عقد الإجارة في بقية المدة لأن المنفعة رجعت ملكا لهم بعد موت الموصى له، فإذا أجازوا العقد ملكوا اجرة بقية المدة.

و لا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر إذا كان المؤجر الموصى له لا يزال حيا.

المسألة 54:

إذا وقف الرجل داره أو أرضه أو إحدى الأعيان التي يملكها على ذريته أو على طائفة أخرى لتكون منفعة الوقف ملكا لهم بطنا بعد بطن، ملك الموقوف عليهم منفعة العين الموقوفة ما داموا أحياء، فإذا آجر البطن السابق منهم العين الموقوفة صحت إجارته و ملك الأجرة ما دام موجودا، فإذا مات في أثناء مدة الإجارة بطلت إجارته، و احتاج البطن اللاحق الى تجديد الإجارة مع المستأجر أو مع غيره إذا شاء، و لا يكفي أن يجيز البطن اللاحق اجارة البطن السابق على الأظهر، لأنه لم يكن مالكا حين الإجارة.

المسألة 55:

إذا آجر المتولي الشرعي للوقف العين الموقوفة، و كانت إجارته لمصلحة البطون، أو لمصلحة الوقف على العموم نفذت إجارته و لم تبطل بموت المتولي نفسه و لا بموت البطن الموجود في حال الإجارة من الموقوف عليهم، بل و لا بموت البطن اللاحق له و ما بعده إذا كانت مدة إجارة المتولي لا تزال مستمرة، سواء كان المتولي المؤجر من الموقوف عليهم أم لا.

و إذا آجر المتولي العين الموقوفة لمصلحة البطن اللاحق، فالظاهر نفوذ إجارته على البطن اللاحق إذا كان وليا عليهم، و إذا لم يكن وليا عليهم توقفت صحة إجارته على إجازتهم على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 270

المسألة 56:

إذا آجر الشخص نفسه لبعض الأعمال، من خياطة، أو كتابة، أو بناء، أو غير ذلك على أن يتولى الإتيان بالعمل بنفسه للمستأجر و لا يستأجر و لا يستنيب فيه غيره، ثم مات الأجير قبل أن يتمكن من الإتيان بالعمل المستأجر عليه، بطلت الإجارة لعدم بقاء محلها، و هو الأجير.

و إذا آجر نفسه لمثل ذلك، و مضى عليه من الوقت ما يمكنه فيه أن يأتي بالعمل المستأجر عليه و لكنه تأخر و لم يأت بالعمل، ثم مات بعد ذلك، اشتغلت ذمة الأجير للمستأجر بأجرة مثل العمل، و استحق هو على المستأجر أن يدفع له الأجرة المسماة في العقد.

المسألة 57:

إذا آجر الشخص نفسه لأن يقوم للمستأجر بخياطة ثوبه أو بكتابة كتابه، أو بناء داره أو بغير ذلك من الأعمال المعينة، على أن يكون العمل المستأجر عليه في ذمة الأجير سواء أتى بالعمل بنفسه أم استناب فيه غيره، و مات الأجير و لم يأت بالعمل، لم تبطل الإجارة بموته، بل يبقى دينا في ذمته، و يستوفى من تركته، و تثبت له الأجرة المسماة في العقد على المستأجر تدفع لورثته.

المسألة 58:

إذا استأجر الإنسان شخصا لبعض الأعمال المعينة، على أن يكون العمل المستأجر عليه للمستأجر نفسه خاصة لا لغيره، فيقوم الأجير بخدمته مثلا، أو بمعالجته من بعض الأمراض، أو بتقويم خطه أو بتعليمه بعض المعلومات الخاصة، و نحو ذلك مما يختص بالمستأجر نفسه و لا يتعدى الى سواه، ثم مات المستأجر قبل أن يتمكن الأجير من الوفاء بالعمل الذي استأجره عليه، بطلت الإجارة لعدم بقاء محلها و هو المستأجر.

و إذا استأجره لمثل ذلك، و مضى من الوقت ما يمكن الأجير أن يأتي فيه بالعمل المستأجر عليه، و لكنه تأخر، و لم يقم بالعمل حتى مات المستأجر، اشتغلت ذمة الأجير للمستأجر بأجرة مثل العمل، فيدفعها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 271

لورثته، و ثبتت للأجير الأجرة المسماة في العقد على المستأجر، فتستوفي له من تركته.

و إذا استأجره كذلك ليقوم له بعمل معين يكون في ذمة الأجير، سواء كان المستأجر هو الذي يستوفي منه العمل أم غيره، ثم مات المستأجر لم تبطل الإجارة بموته، و انتقل الملك إلى ورثة المستأجر فيكونون هم المالكين لعمل الأجير بعد موت مورثهم.

المسألة 59:

يجوز للولي الشرعي على الصغير أن يؤجر أملاكه في أيام صغره و عدم رشده إذا اقتضت مصلحة الصغير إيجارها، و تصح الإجارة بذلك و تترتب أحكامها، و اشتراط وجود المصلحة انما هو في غير الأب و الجد للأب من الأولياء، و اما فيهما فيكفي في صحة تصرفهما في مال الطفل عدم المفسدة و قد تقدم ذلك في كتاب التجارة، و نتيجة لذلك، فإذا آجر الولي دار الصبي مع وجود الشرط المذكور، صحت الإجارة و لم تبطل بموت ذلك الولي المؤجر إذا مات في أثناء المدة، و لا يجوز للولي من بعده

ان ينقض إجارته، فلا ينقض الجد إذا كان هو الباقي اجارة الأب التي أوقعها في حياته، و كذلك العكس، و لا ينقض الوصي المنصوب على الطفل من أبيه أو من جدة اجارة الولي السابق عليه لمال الصبي إذا أوقعها الولي الأول في حياته و كانت المصلحة تقتضي ذلك.

المسألة 60:

يجوز للولي الشرعي أن يؤجر أملاك الصبي مدة معينة إذا اقتضت المصلحة ذلك و كانت من التي هي أحسن، سواء كانت المدة قصيرة أم طويلة، و ان كانت المدة التي آجرها الولي تستمر الى زمان بلوغ الصبي و رشده، و ليس للصبي بعد بلوغه و رشده أن ينقض اجارة وليه المتقدمة.

المسألة 61:

يجوز لولي الصبي أن يؤجر الصبي نفسه عند بعض الثقات لبعض الأعمال في أيام صغره و عدم رشده إذا اقتضت المصلحة ذلك، و تصح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 272

هذه الإجارة و لا تبطل بموت الولي المؤجر، و لا يجوز نقضها للولي الآخر من بعده كما تقدم في إجارة أملاكه.

و إذا آجر الصبي وليه كذلك مدة تستمر الى زمان بلوغه و رشده جاز على الأقوى للصبي بعد بلوغه و رشده أن ينقض الإجارة المذكورة في بقية المدة.

و إذا اقتضت ضرورة الصبي أن يؤجره وليه مدة تستمر الى زمان بلوغه و رشده، فالأحوط لزوما الرجوع فيها الى الحاكم الشرعي.

المسألة 62:

يجوز للمرأة الخلية من الزوج أن تؤجر نفسها للخدمة أو لبعض الأعمال الأخرى مدة معينة و إذا هي آجرت نفسها كذلك ثم تزوجت لم تبطل الإجارة بالتزويج، فيجب عليها القيام بالعمل الذي استؤجرت عليه و ان كان منافيا لحق الزوج من الاستمتاع و غيره.

و يجوز للمرأة المتزوجة أن تؤجر نفسها للأعمال غير المنافية لحق الزوج، و لا يجوز لها أن تؤجر نفسها لإعمال تنافي حق الزوج إلا بإذن الزوج، و إذا هي آجرت نفسها لإعمال تنافي حقه توقفت صحة الإجارة على إجازته فإن أجاز العقد صحت و الا كانت باطلة.

المسألة 63:

إذا آجر السيد عبده أو أمته للخدمة عند أحد أو لبعض الأعمال الأخرى مدة معينة صحت إجارته و وجب على العبد أو الأمة أن يقوم بالأعمال التي استؤجر عليها، و إذا أعتقهما مالكهما بعد أن آجرهما للعمل لم تبطل الإجارة بالعتق.

و لا يجب على المستأجر أن يقوم بالإنفاق عليهما إلا إذا اشترط المالك عليه ذلك في عقد الإجارة كما لا تجب نفقتهما على المالك بعد العتق، و الأوجه أن نفقتهما في بقية المدة تكون من كسبهما إذا أمكن لهما الاكتساب أو من مالهما إذا كان لهما مال، فان لم يكن لهما مال و لم يمكن لهما الاكتساب، فنفقتهما من بيت المال إذا عد الإنفاق عليهما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 273

من المصالح العامة للمسلمين، و ان لم يتحقق ذلك وجبت نفقتهما على المسلمين وجوبا كفائيا.

المسألة 64:

إذا علم المستأجر بأن في العين التي يريد أن يستأجرها عيبا، و استأجرها من مالكها مع علمه بوجود العيب فيها، فلا خيار له في عقد الإجارة، و كذلك إذا علم بوجود العيب فيها في حال إجراء المعاملة، ثم أتم العقد مع علمه بالعيب، فلا خيار له بعد ذلك.

و إذا وجد المستأجر العيب في العين بعد ما استأجرها، و كان العيب سابقا في وجوده على عقد الإجارة، و لكن المستأجر يجهل بوجوده حينما أجرى المعاملة على العين. فقد يكون العيب الذي وجده مما تنقص به منفعة العين، و يكون مما تتجزأ به الأجرة في نظر العقلاء، مثل خراب بعض البيوت من الدار المستأجرة، و خراب بعض مرافقها، و قد يكون مما تنقص به منفعة العين و لا يكون كذلك، و قد يكون مما لا تنقص به المنفعة و لكنه مما تختلف

معه الرغبة من الناس في إجارة العين و تتفاوت به أجرتها، ففي المسألة صور:

(الصورة الأولى): أن يجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا يوجب النقص في منفعة العين، و يكون مما تتجزأ معه أجرة العين، و قد مثلنا لذلك بخراب بعض مساكن الدار المستأجرة و بيوتها و بعض المرافق فيها.

و الحكم في هذه الصورة أنه يثبت للمستأجر بهذا العيب حق الخيار في إجارة العين، فيجوز له أن يفسخ العقد فيرد العين المستأجرة على مالكها، و يسترد منه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و يجوز له أن يمضي عقد الإجارة و يقسط الأجرة المسماة، فتقدر أجرة المثل للدار المعينة مع خراب البعض من بيوتها و مرافقها، و تقدر أجرة مثلها مع كونها عامرة البيوت و المرافق، و تنسب القيمة الأولى الى الثانية، و يسترد من الأجرة المسماة بنسبة التفاوت ما بين الأجرتين، و يجوز للمستأجر أن يرضى بالإجارة فيمضي عقدها بالأجرة المسماة، من غير تقسيط، و إذا بادر المؤجر فأصلح خراب البيوت و المرافق من الدار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 274

بحيث لم يفت على المستأجر شي ء من المنفعة في نظر أهل العرف، ففي ثبوت الخيار المذكور له تأمل بل لا يبعد عدم ثبوته، و لا يترك الاحتياط.

(الصورة الثانية): أن يكون العيب الذي وجده المستأجر في العين مما تنقص به منفعتها، و لا يكون مما تتجزأ به الأجرة عند العقلاء كالعرج في الدابة المستأجرة للركوب، و كالخروق في بعض سقوف الدار و التكسر في بعض شبابيكها بنحو لا تكون مانعة من وقوع المطر أو لا تكون واقية من البرد أو الحر، و الحكم في هذه الصورة انه يثبت للمستأجر بهذا العيب حق الخيار في الإجارة،

فيجوز له أن يفسخها فيرد العين على مالكها و يسترد منه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و يجوز له أن يمضي العقد بالأجرة المسماة، و يشكل الحكم بجواز مطالبة المؤجر بأرش النقصان.

و إذا بادر المؤجر فأصلح العيب بحيث لم يفت على المستأجر شي ء من المنفعة في نظر أهل العرف، ففي ثبوت الخيار له تأمل بل لا يبعد عدم ثبوته كما سبق في نظيره، و لا يترك الاحتياط.

(الصورة الثالثة): أن يكون العيب الذي وجده المستأجر في العين المستأجرة مما لا تنقص به منفعتها، و لكنه مما تختلف مع وجوده رغبة الناس في استيجار العين و تتفاوت به أجرتها، كما إذا آجره المكاري دابة للركوب فوجدها مقطوعة الأذن أو مبتورة الذنب، و كما إذا استأجر من أحد دارا للسكنى فيها فوجدها مجاورة لشخص لا يرغب اشراف البلد في مجاورته، أو وجدها في محلة لا يحسن لأمثاله السكنى فيها و الحكم في هذه الصورة أنه يثبت للمستأجر أيضا الخيار بالعيب، فيجوز له أن يفسخ الإجارة و يرد العين على صاحبها و يسترد منه الأجرة، و يجوز له أن يمضي عقد الإجارة بالأجرة المسماة، و لا أرش.

(الصورة الرابعة): أن يجد المستأجر في العين التي استأجرها عيبا لا يوجب نقصا في منفعة العين و لا يوجب نقصا في الأجرة، و لا خيار للمستأجر في هذه الصورة و لا أرش.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 275

المسألة 65:

إذا حدث في العين التي استأجرها الإنسان عيب بعد ان تم عقد الإجارة عليها و قبل أن يقبض العين، أو حدث فيها بعد العقد و القبض كليهما، أشكل الحكم بثبوت الخيار للمستأجر فلا يترك الاحتياط لزوما في كلا الفرضين، و خصوصا في الفرض الثاني

و قد استوفى المستأجر بعض منفعة العين و مضى بعض المدة.

المسألة 66:

إذا استأجر الرجل من المالك عينا كلية غير مشخصة، و دفع المالك له فردا معينا من الكلي ليقبضه و يستوفي منفعته، فوجد الفرد الذي دفعه المالك اليه معيبا، كما إذا استأجر منه دابة كلية ليركبها فدفع إليه دابة من دوابه فرآها معيبة و كما إذا استأجر منه دارا كلية موصوفة، ليسكنها و كانت للمالك عدة دور يملكها و هي على نسق واحد من الوصف و دفع المالك إليه احدى الدور فوجدها معيبة، جاز للمستأجر أن يطالب المالك بإبدال الفرد المعيب بفرد آخر صحيح لا عيب فيه، و لا يثبت للمستأجر خيار العيب، و لا يجوز له فسخ الإجارة، فإذا تعذر على المالك أن يدفع البدل ثبت للمستأجر الخيار حين ذاك و جاز له فسخ الإجارة.

المسألة 67:

إذا استأجر الرجل من صاحبه بعض أملاكه و جعل عوض الإجارة عينا شخصية و جرى العقد على ذلك، و مثال ذلك أن يستأجر منه داره أو دكانه بعشرة أمنان معينة من الحنطة، فقال له المؤجر آجرتك الدار المعينة مدة شهرين مثلا بهذه الأمنان العشرة الخاصة من الحنطة، و قبل المستأجر و دفع اليه الأمنان، و لما قبض المؤجر الأجرة المعينة وجدها معيبة، فيجري في الأجرة المعينة في هذا الفرض التفصيل السابق ذكره في العين المستأجرة إذا وجدها المستأجر معيبة، فإذا كان المؤجر عالما بوجود العيب في عين الأجرة قبل المعاملة، و اجرى العقد مع علمه بالعيب في الأجرة المعينة، صحت الإجارة و لم يثبت للمؤجر خيار العيب، و كذلك إذا علم بوجود العيب حين المعاملة، فأتم العقد مع علمه بالعيب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 276

و إذا كان المؤجر جاهلا بوجود العيب في عين الأجرة و كان وجود العيب فيها سابقا

على العقد، ثبت للمؤجر الخيار، فيجوز له أن يفسخ عقد الإجارة و يرد الأجرة المعيبة على المستأجر، و يسترد منه العين المستأجرة و يجوز له أن يرضى بالإجارة فيمضي العقد بالأجرة المسماة المعيبة، و يشكل الحكم بجواز مطالبة المؤجر للمستأجر بأرش النقصان في الأجرة، كما تقدم الإشكال في نظيره في المسألة الرابعة و الستين في الصورة الثانية منها.

المسألة 68:

إذا استأجر الرجل من غيره شيئا، و كان مال الأجرة الذي وقع عليه العقد بين الطرفين منفعة خاصة لعين من الأعيان الشخصية، كما إذا استأجر من صاحبه دارا ليسكنها مدة ستة أشهر و جعل العوض لذلك منفعة دكان يملكه المستأجر مدة سنة كاملة، و حين قبض المؤجر الدكان ليستوفي منفعته و هي عوض اجارة داره وجد الدكان معيبا، و هو يجهل وجود العيب، فيجري فيه التفصيل المتقدم ذكره في عيب العين المستأجرة، و تجري فيه فروضها و تنطبق على الفروض أحكامها، و تراجع المسألة الرابعة و الستون.

المسألة 69:

إذا كانت الأجرة في عقد الإجارة أمرا كليا، و دفع المستأجر للمؤجر منه فردا خاصا، و قبضه عوضا عن إجارته، و بعد القبض وجد المؤجر الفرد المدفوع اليه معيبا، جاز للمؤجر أن يطالب المستأجر بإبدال الفرد المدفوع اليه بفرد صحيح لا عيب فيه، و لا يثبت له خيار الفسخ كما تقدم نظير ذلك في العين المستأجرة في المسألة السادسة و الستين.

المسألة 70:

إذا استأجر الشخص من غيره شيئا يملكه مدة معينة بعوض معلوم، أو استأجره لعمل معين بعوض معلوم، ثم ظهر للمستأجر أنه مغبون في الإجارة، ثبت له خيار الغبن فيها، و جاز له أن يفسخ العقد و يرد العين المستأجرة و يسترد منه الأجرة المسماة، و أن يرضى بالعقد بالأجرة المسماة، إلا إذا شرط المؤجر عليه في ضمن العقد سقوط حقه من الخيار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 277

إذا كان مغبونا، و قبل هو بالشرط، فلا يثبت له الخيار حين ذاك.

و كذلك إذا ظهر للمؤجر أنه مغبون في الأجرة، فيثبت له الخيار على نهج ما تقدم إلا إذا اشترط عليه المستأجر في ضمن العقد سقوط الخيار إذا كان مغبونا.

المسألة 71:

لا يحق للمغبون منهما أن يطالب الغابن بالتفاوت ما بين الأجرتين، و لا يجب عليه القبول إذا بذل الغابن له التفاوت المذكور.

المسألة 72:

لا يثبت الخيار للمستأجر و لا للمؤجر إذا كان عالما بالغبن قبل العقد، أو علم به حين اجراء عقد الإجارة بينهما، فأتم العقد مع علمه بالغبن.

المسألة 73:

يجوز للغابن أن يصالح المغبون على إسقاط حقه من الخيار، فإذا صالحه على ذلك بمقدار من المال، و قبل المغبون بالمصالحة سقط حقه من الخيار، و لم يجز له أن يفسخ العقد، و وجب على الغابن أن يدفع له العوض الذي جرى عليه الصلح، إلا إذا ظهر له انه مغبون في عقد الصلح أيضا، فيجوز له فسخ الصلح ثم فسخ الإجارة.

المسألة 74:

إذا استوفى المستأجر منفعة العين المستأجرة في جميع المدة المعينة في عقد الإجارة أو في بعضها، ثم ظهر الغبن للمغبون من المتعاقدين، لم يسقط بذلك حقه من الخيار، فيجوز له ان يفسخ الإجارة و يرد العين المستأجرة و الأجرة المسماة في العقد الى مالكهما، و تثبت لمالك العين المستأجرة أجرة المثل عن منفعتها التي استوفاها المستأجر.

و كذلك الحكم في الإجارة على العمل، فإذا أتم الأجير العمل الذي استؤجر عليه أو أتم بعضه، ثم ظهر الغبن للمغبون، فيجوز له فسخ الإجارة ورد الأجرة المسماة إلى مالكها، و تكون للعامل أجرة المثل عن عمله الذي أتى به للمستأجر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 278

المسألة 75:

يجوز للمؤجر أن يشترط لنفسه على المستأجر الخيار في ضمن عقد الإجارة في مدة معينة، فإذا شرط ذلك لنفسه و قبل المستأجر بذلك، ثبت له الخيار في الوقت الذي عينه، و جاز له أن يفسخ عقد الإجارة فيه، و يجوز ذلك للمستأجر أيضا، فإذا شرط الخيار لنفسه في ضمن العقد في وقت معين، و قبل المؤجر بذلك ثبت له الخيار كما شرط، و جاز له الفسخ.

و يجوز اشتراط ذلك لهما معا، بل يجوز لهما و لأحدهما أن يشترط الخيار في العقد لشخص ثالث غيرهما، فيكون الشخص الثالث هو صاحب الخيار، فيجوز له أن يفسخ الإجارة في الوقت المعين، كما سبق نظيره في فصل الخيارات من كتاب التجارة.

و يجوز لمالك العين المستأجرة ان يشترط لنفسه خيار فسخ الإجارة إذا هو رد الأجرة المسماة على المستأجر في وقت معين، و يجوز للأجير أن يشترط ذلك لنفسه إذا هو رد العوض على مستأجرة في وقت معلوم، فإذا رد المشترط منهما العوض في الوقت الذي عينه جاز له

ان يفسخ الإجارة كما شرط و قد سبق نظيره في البيع.

و يجوز لكل واحد من المتعاقدين أن يشترط على صاحبه أنه يستشير شخصا ثالثا في أمر الفسخ في وقت معين فان رجح له الفسخ فسخ العقد، و ان رجح له إبقاء العقد أبقاه، فإذا قبل صاحبه بالشرط نفذ و لزم العمل به.

المسألة 76:

إذا استوفى المستأجر المنفعة التي استأجر العين لها في بعض المدة، ثم حل الوقت الذي اشترط فيه أحد المتعاقدين الخيار لنفسه، لم يمنعه ذلك من أن يأخذ بخياره، فيجوز له بعد حضور الوقت المعين و بعد رد العوض إذا اشترط الخيار بذلك: أن يفسخ العقد و يرد العين المستأجرة إلى مالكها، و يرد الأجرة المسماة إلى دافعها، و تثبت لمالك العين المستأجرة أجرة المثل عن منفعتها التي استوفاها المستأجر، و كذلك الحكم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 279

في الفرض الأخير، فإذا قام الأجير ببعض العمل الذي استؤجر عليه، ثم حضر وقت الخيار لصاحب الخيار و كمل شرطه، جاز له أن يفسخ العقد، و كانت للأجير أجرة المثل للعمل الذي قام به للمستأجر.

المسألة 77:

إذا شرط المؤجر أو المستأجر في عقد الإجارة على صاحبه شرطا و قبل به صاحبه ثم لم يف له بالشرط، ثبت للمشترط خيار تخلف الشرط، على النحو الذي فصلناه في مبحث الخيارات من كتاب التجارة.

و هكذا يجري في الإجارة جميع الخيارات التي تقدم بيانها في مبحث الخيارات عدا ما استثني منها، فيجري في الإجارة خيار تبعض الصفقة، و خيار تعذر التسليم، و خيار تخلف الوصف، و خيار الشركة، و لا يجري فيها خيار المجلس، و لا خيار الحيوان، و لا خيار التأخير ثلاثة أيام، و قد ذكرنا في فصل الخيارات و في كتاب الصلح ان هذه الخيارات الثلاثة تختص بالبيع وحده، و لا تجري في ما سواه من المعاملات، و اما خيار ما يفسد ليومه فيشكل الأمر فيه، و لعله من أفراد خيار التأخير فيكون مما يختص بالبيع.

المسألة 78:

إذا أفلس المستأجر و حجر عليه الحاكم الشرعي لقصور أمواله عن الوفاء بجميع ديونه الحالة عليه، و كانت الأجرة المسماة أحد ديونه التي حجر عليه من أجلها، تخير المالك بين أن يفسخ الإجارة فيسترد العين المستأجرة و منفعتها التي ملكها للمستأجر في مدة الإجارة، و أن يبقى الإجارة بحالها، و يضرب بدينه و هو الأجرة المسماة في أموال المفلس مع بقية الغرماء.

و هذا الخيار هو خيار التفليس الذي يذكره الفقهاء في كتاب البيع، و في كتاب الحجر، و نظيره أيضا الخيار الذي يثبت للبائع إذا وجد عين ماله الذي باعه على المفلس في جملة أمواله المحجورة، و كان ثمن المال المبيع أحد الديون التي حجر على المفلس من أجلها، فيتخير البائع في هذه الصورة بين أن يفسخ البيع فيأخذ عين ماله و لا يشاركه فيه احد من

كلمة التقوى، ج 4، ص: 280

الغرماء، و ان يمضي البيع و يضرب بدينه و هو الثمن مع سائر الغرماء في أموال المفلس.

المسألة 79:

إذا ثبت الخيار للمؤجر أو للمستأجر، ففسخ العقد في أول المدة المعينة للإجارة، رجعت العين المستأجرة و منفعتها كاملة إلى مالكها و هو المؤجر، و رجعت الأجرة المسماة كاملة إلى مالكها و هو المستأجر، و لا شبهة في ذلك.

و إذا فسخ صاحب الخيار بعد مضي شطر من المدة و قد استوفى المستأجر بعضا من المنفعة، أو قام الأجير ببعض العمل المستأجر عليه، و كان سبب الخيار الذي أخذ به و فسخ من أجله ثابتا من حين العقد كما إذا كان المستأجر مغبونا من حين العقد و لم يعلم بالغبن الا بعد ذلك، و كما إذا كان في العين المستأجرة عيب حين العقد أو قبله و لم يعلم به المستأجر إلا بعد ذلك، و كما إذا اشترط لنفسه خيار الفسخ بعد شهر من العقد مثلا أو إذا هو رد العين على المالك بعد شهر، ففي مثل هذه الصور يتخير صاحب الخيار بين ان يفسخ العقد من أصله فيرجع اليه تمام الأجرة المسماة، و تثبت للمؤجر أجرة المثل بالنسبة الى ما مضى، و أن يفسخ العقد من ذلك الحين فتقسم الأجرة المسماة بين المؤجر و المستأجر، فيكون للمؤجر منها بنسبة ما مضى من المدة إلى مجموعها، و يرجع الى المستأجر منها بنسبة ما بقي. و إذا كان سبب الخيار طارئا في أثناء المدة، كما إذا انهدمت الدار المستأجرة في أثناء المدة، ففسخ صاحب الخيار بموجب خياره، قسمت الأجرة المسماة بينهما كما تقدم في الشق الثاني، فكان للمؤجر من الأجرة بنسبة ما مضى من المدة و

رجع الى المستأجر منها بنسبة ما بقي منها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 281

الفصل الثالث يملك العوضان في الإجارة بنفس العقد

المسألة 80:

إذا تم عقد الإجارة بين المتعاملين، ملك المستأجر منفعة العين المستأجرة بنفس العقد ملكا تاما مستقرا، و لم يتوقف تحقق ملكه لها و لا استقراره على حصول أمر آخر، و ملك المؤجر الأجرة المسماة بنفس العقد كذلك ملكا تاما مستقرا، و لم يتوقف تحقق ملكه لها و لا استقراره على حصول أمر آخر، و وجب على كل واحد منهما تسليم العوض الذي عينه، لصاحبه الذي ملكه بالعقد، و لكن لا يحق لأحدهما أن يطالب بالعوض الذي ملكه من صاحبه، حتى يسلم هو لصاحبه العوض الآخر الذي ملكه لصاحبه فلا يطالب المستأجر المالك بتسليم المنفعة حتى يسلمه هو الأجرة، و لا يطالب المالك المستأجر بدفع الأجرة، حتى يسلمه هو المنفعة.

و كذلك الحال في الإجارة على العمل، فيملك المستأجر العمل المعين على الأجير، و يملك الأجير الأجرة المسماة على المستأجر بنفس العقد ملكا مستقرا، فيجب على كل واحد منهما أن يسلم صاحبه عوضه الذي صار اليه، و لا يحق لأحدهما أن يطالب بعوضه حتى يسلم هو ما وجب عليه.

المسألة 81:

يتحقق تسليم المنفعة بتسليم العين ذات المنفعة، فإذا آجر المالك غيره دارا ليسكنها، أو دكانا ليبيع فيه و يشتري، أو دابة ليركبها، و سلم اليه العين المستأجرة، فقد سلمه منفعتها، و جاز له أن يطالب المستأجر بالأجرة المسماة له بالعقد إذا لم يكن دفعها اليه.

و يتحقق تسليم العمل المستأجر عليه بإتمام العمل، سواء كان العمل مما يتعلق بالنفس، كالصلاة و الصوم و الحج و العمرة و الزيارة، أم كان مما يتعلق بمال للمستأجر و هو في يد الأجير و تحت استيلائه كخياطة ثوب المستأجر و صياغة خاتمه و نسخ كتابه، أم لم يكن تحت

كلمة التقوى، ج 4، ص:

282

استيلاء الأجير كبناء منزل المستأجر و زرع بستانه، أو حفر بئر أو استخراج عين فيه، أو إصلاح جهاز أو آلة في منزله.

و الظاهر أنه يجوز للعامل أن يطالب المستأجر بأجرة ما أنجز له من العمل الذي استأجره عليه و لا يتوقف جواز المطالبة على إتمام العمل كله، و خصوصا إذا كان العمل ينحل إلى إعمال، كالصلاة و الصوم و شبههما، و يتضح ذلك جليا إذا كان العمل المستأجر عليه طويلا جدا، كما إذا استأجر الشخص لخدمة عدة من السنين، أو لصوم أشهر كثيرة نعم لا يحق للأجير أن يطالب المستأجر بأجرة غير ما أنجز له من العمل.

و يتحقق تسليم الأجرة بإقباضها إذا كانت معينة شخصية، و بإقباض مصداقها الذي يتحقق وجودها به إذا كانت كلية، و بتسليم العين التي تستوفى منها إذا كانت منفعة.

المسألة 82:

إذا اشترط المؤجر أو المستأجر في العقد تأجيل التسليم في المنفعة أو في الأجرة المسماة، إلى أجل مسمى نفذ الشرط و لزم العمل بموجبه، و لم يجز للآخر المطالبة به حتى يحل أجله، و إذا اشترط المؤجر في عقد الإجارة تقديم تسليم الأجرة على تسليم المنفعة أو العكس لزم الوفاء بالشرط، و كذلك إذا اشترط الأجير تقديم تسليم الأجرة على العمل فيجب اتباع الشرط، و إذا كان المتعارف بين الناس أو كانت العادة المعروفة بين أصحاب البلد أو أصحاب العمل ان تسليم الأجرة قبل تسليم المنفعة أو قبل تسليم العمل كان ذلك بحكم الشرط فيلزم اتباعه.

المسألة 83:

إذا تراضى المتعاقدان فسلم كل واحد منهما ما وجب عليه تسليمه من عوض لصاحبه دفعة واحدة أو ابتدأ أحدهما بتسليم ما لديه أولا ثم سلمه الآخر من بعده، أو قبل بتأخير التسليم من صاحبه مدة، أو تراضيا فجعل أحدهما العوض الذي عنده بيد أمين، و سلم الآخر العوض الذي عنده لصاحبه، أو تراضيا بغير ذلك من الصور صح لهما ما تصالحا عليه و رتبا أثر العقد حسب اتفاقهما، و إذا تعاسرا و لم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 283

يتفقا على وجه من الوجوه أجبرهما الحاكم الشرعي على إنفاذ العقد في صورة من الصور.

المسألة 84:

إذا امتنع مؤجر العين من تسليمها للمستأجر، و كان المستأجر باذلا لعوض الإجارة غير ممتنع من تسليمه، أو كان قد اشترط على المؤجر تأجيل تسليم الأجرة إلى أجل مسمى، جاز للمستأجر أن يجبر المؤجر على تسليم العين المستأجرة، و ان لم يمكن له أن يجبره على ذلك، ثبت للمستأجر خيار الفسخ، فيجوز له أن يفسخ الإجارة، و يسترد من صاحبه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و يجوز له أن يمضي الإجارة و يطالب المؤجر بعوض ما فاته من المنفعة، و كذلك الحكم إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة، و كان المؤجر باذلا للعين المستأجرة أو كان قد شرط على المستأجر تأجيل تسليمها إلى أجل مسمى، فيجوز للمؤجر أن يجبره على تسليم الأجرة، فان لم يمكن له إجباره ثبت للمؤجر الخيار المذكور.

المسألة 85:

إذا سلم المؤجر العين المستأجرة للمستأجر، ثم أخذها منه بعد التسليم بلا فاصلة، أو تركها عنده بعض المدة ثم أخذها منه، جرى فيه الحكم المتقدم في المسألة السابقة، فيجوز للمستأجر أن يجبره على التسليم، فان لم يمكن له إجباره ثبت للمستأجر الخيار المتقدم ذكره، و إذا هو اختار فسخ الإجارة و كان فسخه في ابتداء المدة كما هو الفرض الأول رجع على المؤجر بجميع الأجرة المسماة، و ان كان فسخه في أثناء المدة كما هو الفرض الثاني رجع على المؤجر بما يقابل بقية المدة من الأجرة المسماة، و له أن يمضي الإجارة و يطالب المؤجر بعوض ما فاته من المنفعة، و هو الشق الثاني من الخيار الذي ثبت له.

المسألة 86:

إذا استأجر الرجل عينا و سلمه المؤجر العين في ابتداء مدة الإجارة و بقيت العين في يده الى ان انقضت المدة استقرت عليه الأجرة و ان لم يستوف المنفعة من العين إذا كان عدم استيفائه المنفعة باختياره، كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 284

إذا استأجر من المالك دارا معينة، فاستلمها من المالك و لم يسكنها باختياره، و كما إذا استأجر منه محلا أو حانوتا معينا، فقبضه منه و لم يتجر فيه باختياره، و كما إذا استأجر منه سيارة معينة لتكون تحت تصرفه في تنقلاته، فقبضها و لم يستوف منفعتها كذلك حتى انقضت المدة، فيجب على المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر، و مثله في الحكم ما إذا بذل المؤجر العين المستأجرة فلم يقبضها المستأجر و لم يتسلمها منه باختياره حتى انقضت مدة الإجارة، فتستقر الأجرة المسماة على المستأجر بذلك و يجب عليه دفعها الى المؤجر.

و كذلك الحكم إذا استأجر الإنسان عينا كلية، و سلم إليه المؤجر فردا

خاصا من ذلك الكلي بقصد الوفاء بالعقد، كما إذا استأجر منه دارا كلية موصوفة، و كانت لدى المالك عدة من الدور كما وصف، و سلم إليه احدى الدور وفاء بعقده و بقيت الدار في يده حتى انقضت مدة الإجارة، فيجب عليه دفع الأجرة المسماة للمؤجر و ان لم يسكن الدار التي استلمها باختياره، و مثله ما إذا بذل له المؤجر الفرد الذي عينه من الكلي فلم يتسلمه المستأجر باختياره حتى انقضى الأجل، فيجب عليه دفع الأجرة للمؤجر.

المسألة 87:

إذا استأجر الإنسان أجيرا ليعمل له عملا معينا في وقت معين، بأجرة معينة، كما إذا استأجره لينسخ له كتابا في أيام معلومة، أو استأجره ليخيط ثوبه المعين، أو يصلح له سيارته الخاصة في وقت معين و هيأ الأجير و بذل نفسه للعمل المستأجر عليه، و لم يعطه المستأجر الكتاب المعين ليكتبه، و لم يسلمه الثوب أو السيارة، و هو مختار في ذلك حتى انقضت المدة المضروبة لذلك العمل، وجب على المستأجر أن يدفع للأجير أجرته المسماة، سواء شغل الأجير نفسه في تلك المدة بعمل آخر أم لا، و سواء كان العمل الذي قام به لنفسه أم لشخص غيره.

المسألة 88:

إذا استأجر الإنسان عينا و سلمه المؤجر العين المستأجرة و لم يستوف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 285

المستأجر المنفعة منها حتى انقضت مدة الإجارة و كان معذورا في عدم استيفاء المنفعة فهاهنا صور.

(الصورة الأولى): أن يكون عذر المستأجر في عدم استيفاء المنفعة عاما له و لغيره، كما إذا حدثت حرب منعت من الوصول الى الدار المستأجرة أو الحانوت ليسكن في الدار و يكتسب في الحانوت، و كما إذا منعت الدولة السفر الى البلد فلم يمكنه الوصول الى الدار أو الحانوت لينتفع بهما و لو بالإجارة من غيره و كما إذا منعه مطر شديد أو نزول ثلج كثير من ركوب السيارة المستأجرة و استعمالها حتى انقضى الوقت، و الظاهر بطلان الإجارة في هذه الصورة، و لا تلزم المستأجر الأجرة.

و إذا استوفى المستأجر المنفعة في بعض المدة، ثم منعه العذر العام من استيفاء المنفعة في بقية المدة صحت الإجارة في بعض المدة الذي استوفى فيه منفعة العين، فتكون للمؤجر حصة ذلك البعض من الأجرة المسماة، و بطلت الإجارة في

الباقي الذي لم يتمكن فيه من استيفاء المنفعة، فلا يكون للمؤجر فيه شي ء من الأجرة.

المسألة 89:

(الصورة الثانية): أن يكون عذر المستأجر عن استيفاء المنفعة خاصا به، كما إذا سجن فلم يستطع سكنى الدار المستأجرة أو التكسب في الحانوت، أو الركوب في السيارة، أو مرض فلم يتمكن من ذلك، و هذا الفرض يقع على أنحاء.

النحو الأول: أن يكون المؤجر قد اشترط على المستأجر في ضمن العقد على نحو التقييد، أن يكون هو الذي يستوفى منفعة العين بنفسه، و المراد بالتقييد أنه خص الإجارة به، فلا تشمل الإجارة ما إذا استوفى المنفعة غيره، و يكون الشرط بنحو وحدة المطلوب كما يقول بعض الفقهاء.

النحو الثاني: أن يكون المؤجر قد اشترط على المستأجر ذلك، على نحو لا يقيد الإجارة به، و يكون من الشرط في ضمن العقد بنحو تعدد المطلوب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 286

النحو الثالث: أن يطلق المؤجر عقد الإجارة فلا يشترط على المستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه.

فإذا كان الفرض على النحو الأول، و هو أن يكون المؤجر قد قيد إجارته بأن يكون المستأجر هو المستوفي للمنفعة بنفسه لا بغيره، فالظاهر بطلان الإجارة إذا سجن المستأجر أو مرض أو طرأ له عذر خاص آخر، فلم يتمكن من استيفاء المنفعة بنفسه، لتعذر المنفعة الخاصة المقصودة بالإجارة، و لا تثبت الأجرة للمؤجر.

المسألة 90:

الصورة الثالثة: ان يكون عذر المستأجر عن استيفاء المنفعة خاصا به كالمرض و السجن، و يكون المؤجر قد شرط عليه أن يستوفي منفعة العين بنفسه على نحو الاشتراط في ضمن العقد و تعدد المطلوب فالإجارة غير مقيدة بالشرط، و لكن الالتزام بالشرط مطلوب أيضا، فإذا مرض المستأجر أو سجن فلم يستوف المنفعة لذلك لم تبطل الإجارة لعدم تعذر المنفعة فيمكن له أن يستوفيها بإجارة الدكان أو الدار من غيره، و لكن يثبت الخيار

في الفسخ أو الإمضاء للمؤجر، بسبب تخلف شرطه الذي شرطه على المستأجر.

المسألة 91:

الصورة الرابعة: أن يكون عذر المستأجر في عدم استيفائه منفعة العين المستأجرة خاصا به كما تقدم، و يكون المؤجر قد أطلق عقد الإجارة و لم يشترط على المستأجر في استيفاء المنفعة شيئا، فإذا مرض المستأجر أو سجن و لم يستوف المنفعة بنفسه، لم تبطل الإجارة بذلك و ثبتت للمؤجر الأجرة المسماة في العقد و لا خيار له.

المسألة 92:

إذا سلم المؤجر العين المستأجرة، و قبضها المستأجر منه و لم يستوف منفعتها في بعض المدة جرت في هذه المسألة جميع الفروض المتقدم ذكرها، فقد يكون المستأجر مختارا في عدم استيفاء المنفعة في بعض المدة، و قد يكون معذورا في ذلك، و إذا كان معذورا فيه، فقد يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 287

العذر عاما له و لغيره و قد يكون خاصا به الى آخر ما قدمنا ذكره من الفروض في المسألة السابقة، و ينطبق على كل فرض منها حكمه الذي تقدم بيانه فلا فرق بين ما إذا كان عدم استيفاء المنفعة في جميع المدة و في بعضها.

و كذلك إذا كانت الإجارة على العمل فلم يستوف المستأجر بعض العمل المستأجر عليه فتجري الفروض كلها و تبطل الإجارة في مورد البطلان منها، و تصح حيث تصح، و يثبت الخيار حيث يثبت هناك.

المسألة 93:

إذا استأجر الإنسان أجيرا حرا لعمل من الأعمال أو لمنفعة من المنافع المحللة، ملك المستأجر منه عمله و منفعته المستأجر عليهما، و أصبحا مضمونين عليه، فإذا هيأ الأجير نفسه و بذلها لتوفية العمل و المنفعة المستأجر عليهما، و لم يستوفهما المستأجر باختياره، ضمن للأجير عمله و منفعته و وجب عليه دفع الأجرة المسماة، كما تقدم في المسألة السابعة و الثمانين.

و كذلك إذا ملك منه العمل و المنفعة بصلح أو هبة، أو جعله ثمنا في بيع أو عوضا في معاملة شرعية صحيحة فيكون العمل و المنفعة مملوكين له و مضمونين عليه بعوضهما.

و لا يضمن عمل الحر و لا منفعته بمجرد التفويت من غير أن يملكهما بعقد أو معاملة، كما إذا شغله بشي ء حتى فات منه العمل أو المنفعة، بل و حتى إذا حبسه بحق أو

بغير حق، و كان كسوبا.

و يضمن الرجل عمل العبد المملوك و منفعته إذا استأجره لهما من سيده و لم يستوف المستأجر المنفعة أو العمل باختياره، فيلزمه دفع الأجرة المسماة، و كذلك إذا آجر العبد نفسه باذن مولاه.

و يملك الرجل أعمال العبد و منافعه إذا ملكهما إياه مولاه أو وكيل المولى بصلح أو معاملة شرعية صحيحة أو جعلهما عوضا في بعض المعاملات، و يملك أعماله و منافعه كذلك إذا ملكهما العبد نفسه إياه بإذن مولاه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 288

المسألة 94:

إذا استأجر الرجل من غيره دابة فشردت بحيث لا يمكن للمستأجر العثور عليها و استيفاء المنفعة المعلومة منها، و كان شرودها قبل التسليم أو بعده و قبل أن يتمكن المستأجر من استيفاء منفعتها كانت الإجارة باطلة، و رجعت الأجرة المسماة إلى المستأجر، و إذا كان شرود الدابة في أثناء المدة، بطلت الإجارة في ما بقي من المدة، و تقسطت الأجرة المسماة بين المؤجر و المستأجر بالنسبة، فيثبت للمؤجر منها بنسبة ما مضى من المدة و يرجع الى المستأجر منها بنسبة ما بقي، فإذا مضى من المدة ثلثها مثلا كان للمؤجر ثلث الأجرة المسماة و للمستأجر ثلثاها، و إذا مضى نصف المدة كان لكل واحد منهما نصف الأجرة، و كذلك الحكم إذا استأجر الرجل العبد من مالكه، فأبق العبد بحيث لا يقدر على استيفاء منفعته، أو استأجر السيارة فسرقت و لم يمكن العثور عليها، فيجري فيها التفصيل المذكور.

المسألة 95:

إذا غصب العين المستأجرة أحد قبل أن يقبضها المستأجر، فلم يستطع أن يستوفي منها شيئا من منفعتها، تخير المستأجر بين أن يفسخ عقد الإجارة، فيرجع على المؤجر بالأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و أن يبقى الإجارة و يرجع على الغاصب بأجرة المثل للعين المغصوبة مدة الإجارة.

و إذا كان الغصب بعد أن قبض المستأجر العين المستأجرة، لم يجز له أن يفسخ الإجارة، و كان له ان يرجع على الغاصب بأجرة المثل، سواء كان الغصب في أول مدة الإجارة أم في أثنائها.

و كذلك الحكم إذا لم يغصب المتسلط العين، و لكنه منع المستأجر من استيفاء المنفعة، فإن كان ذلك قبل قبض العين تخير المستأجر بين أن يفسخ الإجارة و يرجع على مؤجرها بالأجرة، و أن يمضي الإجارة و

يرجع على الظالم بأجرة المثل، و ان كان منعه بعد قبض العين لم يجز للمستأجر أن يفسخ الإجارة و كان له الرجوع على الظالم بأجرة المثل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 289

و إذا غصب الغاصب العين المستأجرة قبل قبضها، ثم أرجعها إلى المستأجر في أثناء المدة لم يسقط بذلك خيار المستأجر، و إذا أراد الفسخ فالأحوط له لزوما ان لم يكن هو الأقوى: ان لا يفسخ إلا في الجميع.

و كذلك الحكم إذا منعه قبل القبض عن استيفاء المنفعة من غير غصب للعين، ثم رفع منعه في أثناء المدة.

المسألة 96:

إذا استأجر الرجل عينا شخصية، فتلفت العين المستأجرة قبل أن يقبضها المستأجر من صاحبها بطلت إجارتها، و كذلك إذا تلفت العين بعد قبضها بلا فاصلة من الزمان، أو تلفت قبل حلول مدة الإجارة في ما إذا كانت المدة منفصلة عن زمان العقد، فتبطل الإجارة في هذه الفروض الثلاثة، و لا يستحق المؤجر شيئا من الأجرة.

و إذا تلفت العين بعد مضي بعض المدة بطلت الإجارة في بقية المدة، و رجع المستأجر على المؤجر بما قابل بقية المدة من الأجرة المسماة، فإذا كان الباقي نصف المدة رجع المستأجر بنصف الأجرة، و إذا كان الباقي ثلث المدة رجع بثلث الأجرة، و هكذا.

و إذا تفاوتت أجزاء المدة في مقاديرها من الأجرة، كما إذا كانت أجرة العين في أيام الصيف أكثر أو أقل من أجرتها في أيام الشتاء، و كما إذا كانت أجرتها في أيام الموسم أغلى من سائر الأيام، لوحظت النسبة ما بين الأيام و رجع بما قابل بقية المدة بنسبتها إلى أجرة مجموع المدة.

المسألة 97:

إذا تلف بعض العين التي استأجرها، بطلت الإجارة في ذلك البعض التالف بنسبته الى مجموع العين، فإذا كان التالف نصف العين مثلا بطل العقد في نصف الإجارة، و إذا كان التالف ربع العين بطل العقد في ربع الإجارة، و هكذا، و توجه التفصيل الذي تقدم ذكره في تلف جميع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 290

العين، فإذا كان تلفه قبل القبض أو بعده بلا فاصل من الزمان أو قبل حضور مدة الإجارة، بطلت الإجارة في ذلك البعض التالف، و لم يستحق المؤجر من أجرته شيئا، و إذا كان تلفه بعد مضي بعض المدة، بطلت اجارة البعض التالف في بقية المدة، و رجع المستأجر على المؤجر

بما قابل بقية المدة من الأجرة المسماة، و كان للمستأجر خيار تبعض الصفقة في إجارة البعض الباقي من العين غير التالف.

المسألة 98:

ما ذكرناه في المسألتين المتقدمتين في تلف جميع العين المستأجرة و في تلف بعضها من الأحكام انما هو في التلف السماوي الذي لا يستند الى سبب اختياري من الإنسان، و منه ما إذا أتلف العين حيوان أو أتلف بعضها، و كان الإتلاف يستند الى الحيوان نفسه، كما إذا صال الحيوان على الدابة المستأجرة فقتلها، أو ضرب الآنية المستأجرة برجله فكسرها.

و إذا كان إتلاف الحيوان للعين مستندا الى فعل الإنسان و تحريضه مثلا لحقه حكم ذلك الإنسان تقديما للسبب على المباشر.

المسألة 99:

إذا أتلف المستأجر العين المستأجرة بعد أن قبضها من المؤجر، فلا ريب في صحة الإجارة، فيجب على المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر، و يجب عليه دفع قيمة العين التالفة.

و إذا هو أتلف العين المستأجرة قبل أن يقبضها من المؤجر، فقد ذكر جماعة من الأكابر ان إتلاف المستأجر للعين بمنزلة قبضها، فتصح الإجارة كما في الفرض السابق.

و هذا الحكم على إطلاقه ممنوع، فان القبض هو الاستيلاء على العين، و إتلاف المستأجر للعين لا يكون قبضا لها حتى يكون معه نحو استيلاء من المستأجر على العين، كما إذا استولى على الآنية فكسرها، أو على الحيوان فقتله أو على الفرش و الثياب فأحرقها، فإذا تحقق منه استيلاء على العين المستأجرة تحقق القبض و صحت الإجارة، و لزم المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر، و وجب عليه دفع قيمة العين التالفة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 291

و إذا لم يتحقق الاستيلاء على العين لم يحصل القبض، فإذا تلفت العين بطلت الإجارة، و وجب على المستأجر أن يدفع قيمة العين لإتلافها.

المسألة 100:

إذا أتلف المؤجر العين المستأجرة قبل أن يقبضها المستأجرة منه، فالظاهر بطلان الإجارة بذلك، و لا شي ء لكل من المستأجر و المؤجر على الآخر، و إذا هو أتلفها بعد القبض تخير المستأجر بين أن يفسخ الإجارة فيسترد الأجرة المسماة من المؤجر إذا كان قد دفعها اليه، و أن يمضي الإجارة و يرجع على المؤجر بقيمة المنفعة التي أتلفها مع العين.

المسألة 101:

إذا أتلف العين المستأجرة شخص آخر غير المؤجر و المستأجر كان ضامنا لما أتلفه، فإن كان قد أتلف العين بعد أن تمت الإجارة و قبض المستأجر العين، ضمن المتلف للمستأجر قيمة المنفعة التي ملكها بالإجارة، و ضمن لمالك العين قيمة العين و هي مسلوبة المنفعة، و إذا كان قد أتلف العين قبل أن يقبضها المستأجر بطلت الإجارة بذلك، فلا شي ء للمستأجر على المتلف، و ضمن المتلف قيمة العين و المنفعة معا لمالكهما و هو المؤجر.

المسألة 102:

إذا استأجر أحد من غيره عينا كلية، و دفع المالك المؤجر له فردا معينا من الكلي، ثم تلف الفرد الذي عينه المؤجر و سلمه اليه لم تبطل الإجارة بذلك، و مثاله أن يستأجر الرجل من المالك آنية موصوفة لوضع الطعام و الشراب فيها، فيدفع اليه مالك الأواني آنية معينة كما وصف، أو يستأجر منه دابة للركوب، أو بقرة للحلب فيدفع اليه المالك دابة أو بقرة يعينها له كما وصف في عقد الإجارة، فإذا تلف الفرد الخاص الذي عينه المالك و دفعه للمستأجر، لم تبطل الإجارة بتلفه، و وجب على المؤجر أن يدفع له فردا غير التالف، سواء كان الفرد التالف مضمونا على المستأجر أو على غيره أم لا.

المسألة 103:

إذا استأجر أحد أجيرا ليعمل له عملا في عين يملكها، بأن يخيط له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 292

ثوبا أو يصلح له آلة أو جهازا معينا، أو يجلد له كتابا، و دفع المستأجر إليه العين التي استأجره للعمل فيها، ثم تلفت العين المذكورة بطلت الإجارة، فإذا كان تلف الثوب أو الجهاز أو الكتاب قبل ابتداء العمل به، رجعت الأجرة المسماة كلها الى مالك العين و هو المستأجر، و إذا كان التلف بعد أن قام الأجير بشي ء من العمل و أنجزه رجع الى المستأجر ما قابل بقية العمل من الأجرة المسماة، و يستحق الأجير منها ما قابل العمل الذي أنجزه، سواء كان تلف العين المذكورة سماويا أم كان بإتلاف أحد، و لا ينافي ذلك أن تكون العين مضمونة على المتلف في بعض الصور، و سيأتي التعرض لذلك ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 104:

إذا دفع المستأجر إلى الأجير العين التي استأجره للعمل فيها، فسلم اليه الثوب ليخيطه أو الجهاز ليصلحه، أو الكتاب ليجلده، ثم أتلف المستأجر نفسه العين التي دفعها الى الأجير قبل العمل أو في أثنائه لم تبطل الإجارة بذلك على الأقوى، و قد تقدم في المسألة السابعة و الثمانين و في المسألة الثالثة و التسعين: ان الرجل إذا استأجر أجيرا ليعمل له عملا، و هيأ الأجير نفسه و سلمها للمستأجر ليقوم له بالعمل، و لم يستوف المستأجر منه منفعته و عمله، و هو مختار في عدم استيفائه استحق عليه الأجير الأجرة المسماة.

و نتيجة لذلك فإذا كان الأجير قد سلم نفسه ليقوم بالعمل في الفرض المذكور في المسألة استحق على المستأجر الأجرة و لم يسقط استحقاقه بإتلاف المستأجر للعين المذكورة.

و إذا أتلف المستأجر الثوب أو الجهاز أو

الكتاب قبل أن يسلم الأجير نفسه و يهيئها للعمل فالظاهر بطلان الإجارة في هذه الصورة فلا يستحق الأجير على المستأجر شيئا.

المسألة 105:

إذا استأجر إنسان من غيره دارا فانهدمت الدار أو انهدم بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 293

بيوتها، ففي هذا الفرض صور نتعرض لها و لبيان أحكامها في ضمن مسائل.

(الصورة الأولى): ان ينهدم جميع الدار المستأجرة حتى تسقط بسبب انهدامها عن أن ينتفع بها أصلا في الجهة المقصودة بالإجارة، و الحكم في هذه الصورة هو بطلان الإجارة، و ان أمكن الانتفاع بالدار في جهة أخرى غير الجهة المقصودة.

فإن حدث انهدام الدار كذلك قبل أن يقبضها المستأجر من مالكها رجعت الأجرة المسماة كلها إلى المستأجر و كذلك الحكم إذا انهدمت الدار بعد أن قبضها المستأجر و قبل أن يمضي عليها شي ء من المدة و هي في يده ليسكن فيها، أو قبل أن يصل الزمان الذي حدد للسكنى في العقد حين تكون مدة السكنى منفصلة عن حين العقد، فتبطل الإجارة و ترجع الأجرة المسماة إلى المستأجر في هذه الفروض.

و إذا كان انهدام الدار بعد أن مضى شي ء من مدة الإجارة و هي في يد المستأجر بطلت الإجارة و رجع الى المستأجر من الأجرة المسماة بنسبة الباقي من المدة إلى مجموعها، فإذا كان الباقي نصف المدة مثلا رجع الى المستأجر نصف الأجرة، و إذا كان الباقي ثلاثة أرباع المدة رجع إليه ثلاثة أرباع الأجرة و هكذا.

المسألة 106:

(الصورة الثانية): أن تنهدم الدار و لا تخرج بسبب انهدامها عن الانتفاع أصلا، فيمكن أن ينتفع بها بعد انهدامها في الجهة المقصودة بالإجارة و لكن بمرتبة ناقصة، فلا تبطل الإجارة بانهدام الدار في هذه الصورة، بل يثبت للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة، و ان يمضيها بالأجرة المسماة و إذا هو اختار ففسخ الإجارة، فالحكم في الأجرة هو ما ذكرناه في المسألة التاسعة

و السبعين، فلتراجع.

المسألة 107:

(الصورة الثالثة): أن ينهدم بعض بيوت الدار بحيث يسقط ذلك البعض المنهدم منها عن الانتفاع به مطلقا في الجهة المقصودة بالإجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 294

و يأتي في هذه الصورة الفرضان المتقدم ذكرهما في المسألة المائة و الخامسة، في انهدام جميع الدار، فقد يكون انهدام بعض بيوت الدار على النحو المذكور، قبل أن يقبضها المستأجر، أو بعد القبض بغير فاصلة من الزمان، أو قبل أن يأتي الزمان المعين للسكنى في عقد الإجارة، و قد يكون انهدام بعض بيوت الدار بعد مضي شي ء من مدة الإجارة، و لكن الفرضين هنا لا يختلفان في المهم من الحكم.

فإذا كان انهدام بعض بيوت الدار على أحد الوجوه الثلاثة الأولى، بطلت الإجارة في البعض المنهدم من الدار، و صحت في البعض الباقي غير المنهدم منها، بنسبة هذا البعض الباقي الى مجموع الدار، فإذا كان الباقي غير المنهدم نصف الدار صحت الإجارة فيه بنصف الأجرة المسماة، و إذا كان الباقي ثلثي الدار صحت الإجارة فيه بتلك النسبة من الأجرة، و يثبت للمستأجر خيار تبعض الصفقة في إجارة البعض الباقي غير المنهدم من الدار، فيجوز له فسخ هذه الإجارة و إمضاؤها بحصة هذا البعض من الأجرة.

و إذا كان انهدام بعض بيوت الدار في أثناء مدة الإجارة، بطلت فيه كذلك، و رجع الى المستأجر من حصة البعض المنهدم من الأجرة بنسبة الباقي من المدة إلى مجموع المدة، فإذا كانت حصة البعض المنهدم من الأجرة المسماة تساوي نصفها، و كان الباقي من المدة هو نصف المدة، رجع الى المستأجر نصف الحصة المذكور، و هو ربع الأجرة المسماة، و يثبت للمستأجر خيار تبعض الصفقة في إجارة البعض الباقي غير المنهدم من الدار.

المسألة 108:

(الصورة الرابعة): أن

ينهدم بعض بيوت الدار، و لا يخرج ذلك البعض المنهدم عن الانتفاع به بل يكون مما يمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة من الإجارة و لكن بمرتبة ناقصة، و لا تبطل الإجارة في هذه الصورة، و يكون للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة و ان يمضيها بالأجرة المسماة و تراجع المسألة التاسعة و السبعون في ما يتعلق بالأجرة إذا هو فسخ العقد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 295

المسألة 109:

انما يكون انهدام الدار أو انهدام بعض بيوتها موجبا لبطلان الإجارة في الجميع أو في البعض كما فصلناه في المسائل المتقدمة، إذا كان الانهدام سببا لانعدام المنفعة المقصودة في نظر أهل العرف فإذا بادر مؤجر الدار بعد انهدامها أو انهدام بعضها الى تعمير ما انهدم منها، على نحو لا يفوت بسبب مبادرته على المستأجر شي ء من المنفعة المقصودة أصلا، أو على نحو لا يفوت عليه شي ء يعتد به من المنفعة، فالظاهر عدم بطلان الإجارة في هذه الصورة، و عدم جواز الفسخ إذا كان المنهدم هو البعض.

و من أمثلة ذلك أن يستأجر زيد الدار من مالكها في شهر محرم أو صفر ليسكنها ستة أشهر من أول شهر ربيع الأول، ثم تنهدم الدار أو ينهدم بعض بيوتها، و يبادر مالك الدار الى عمارتها و إصلاح ما انهدم منها قبل أن يأتي أول مدة الإجارة و هو شهر ربيع الأول، فلا يفوت على المستأجر شي ء من المنفعة المقصودة، و من أمثلة ذلك ان يستأجر من المالك حانوتا أو محلا مدة معينة فينهدم الحانوت المستأجر أو المحل في الليل، و يبادر مالكه الى تعميره قبل أن يصبح الصبح، فلا يفوت على المستأجر شي ء من المنفعة، و من أمثلة ذلك أن يستأجر الدار

و فيها بيوت يحتاج إليها في الصيف خاصة أو يحتاج إليها في الشتاء خاصة فينهدم في أيام الشتاء البيت الذي يحتاج إليه في الصيف أو بالعكس، و يسارع مالك الدار فيعمر البيت المنهدم قبل أن يصل زمان الحاجة اليه، و لا يفوت على المستأجر شي ء من المنفعة، فلا تبطل الإجارة في جميع هذه الصور و لا يثبت للمستأجر حق الخيار.

و كذلك الحكم إذا بادر المالك بعمارة ما انهدم من الدار في هذه الصور و أمثالها، و فات بسبب ذلك من المنفعة شي ء قليل لا يعتد به في نظر العقلاء، فلا تبطل الإجارة و لا يكون للمستأجر حق الخيار.

و إذا كان انهدام الدار أو انهدام بعضها يوجب فوت جميع المنفعة بالفعل على المستأجر، أو يوجب فوت شي ء معتد به من المنفعة بالفعل، كانت الإجارة باطلة في الجميع أو في البعض من حين انعدام المنفعة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 296

و لا يجدي نفعا في تصحيح الإجارة أن يبادر المؤجر الى تعمير المنهدم بعد ان تحقق انعدام المنفعة و تحقق البطلان.

المسألة 110:

إذا وقع عقد الإجارة بين المالك و المستأجر، ملك المستأجر منفعة العين التي استأجرها ملكا مستقرا من حين العقد، و ملك المؤجر الأجرة المسماة ملكا مستقرا من حين العقد كما ذكرنا في المسألة الثمانين، فإذا تلفت العين المستأجرة أو تلف بعضها بطلت الإجارة بذلك، و رجعت الأجرة كلها أو رجع بعضها إلى المستأجر حسب ما فصلناه في المسائل المتقدمة، و رجوع الأجرة أو رجوع بعضها إلى المستأجر يكون من حين بطلان الإجارة لا من أول الأمر، و قد تعرضنا لذلك و لدفع الاشكال عنه في تعليقتنا على كتاب الإجارة من العروة الوثقى.

المسألة 111:

إذا أوقع الرجلان بينهما احدى صور الإجارات الدارجة بين الناس و جرت على ذلك معاملتهما فاستوفى المستأجر المنفعة و استلم المؤجر مال الإجارة، ثم انكشف لهما ان الإجارة التي أوقعاها بينهما فاسدة وجب على المؤجر أن يرجع الأجرة التي قبضها إلى المستأجر، و ثبتت للمؤجر أجرة المثل عن جميع ما استوفاه المستأجر من المنفعة، و عن كل منفعة للعين فاتت تحت يده و كانت مضمونة عليه بتعد أو تفريط أو إتلاف أو غير ذلك من موجبات الضمان.

و كذلك الحكم إذا كانت الإجارة على عمل من الأعمال ثم استبان فسادها، فترجع الأجرة المسماة إلى مالكها و هو المستأجر، و تكون للعامل عليه أجرة المثل عن عمله، و لا فرق في الحكم في الموردين بين أن يكون المؤجر و المستأجر عالمين ببطلان الإجارة بينهما أو جاهلين به أو كان أحدهما عالما و كان الآخر جاهلا.

و إذا علم بأن المالك متبرع بالمنفعة، أو بأن المستأجر متبرع بالأجرة، أو بأن الأجير متبرع بالعمل، فلا ضمان على صاحبه باستيفائها.

و إذا كان فساد المعاملة من حيث انهما قد أوقعا

الإجارة بينهما بلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 297

عوض أو من حيث انهما جعلا الأجرة فيها ما لا مالية له عرفا كالخنفساء، فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بالتصالح بينهما.

المسألة 112:

يجوز لمالك العين أن يؤجر جزءا مشاعا منها على أحد، فيؤجره نصف داره المعينة أو نصف دكانه المعلوم، و يكون قبض الجزء المشاع بقبض العين كلها باذن المالك، و يكون المستأجر بعد العقد شريكا مع المالك في منفعة العين، و يجوز لأحد الشريكين في العين أن يؤجر حصته المشاعة منها، و إذا آجرها على أحد لم يجز له أن يسلم العين للمستأجر إلا بإذن شريكه فيها.

و إذا سلمه إياها بغير اذن الشريك عصى بذلك و أثم و ترتبت على التسليم آثاره، و إذا آجره المالك حصته المشاعة من العين المشتركة كان المستأجر شريكا مع المالك الآخر في منفعة العين.

المسألة 113:

يجوز أن يستأجر اثنان عينا شخصية واحدة، فيكونان شريكين في منفعتها، سواء كانت العين لمالك واحد فيؤجرها لهما معا بعقد واحد و أجرة واحدة، أو يؤجر أحدهما حصة مشاعة منها بعقد و أجرة، ثم يؤجر الثاني الحصة الثانية بعقد آخر و أجرة أخرى، أم كانت لمالكين فيؤجرانها عليهما بعقد واحد أو بعقدين.

المسألة 114:

إذا استأجر رجلان دارا مثلا، فاشتركا في منفعتها على أحد الوجوه، جاز لهما أن يسكنا الدار معا بالتراضي بينهما، فيخصصا لكل واحد منهما بعض بيوت الدار أو بعض الطبقات منها، أو يسكناها على نحو الاشتراك في البيوت إذا أمكن لهما ذلك و صح كما إذا كانت عائلة كل كل منهما من محارم الآخر، و يجوز لهما أن يقتسما الدار بالتعديل في المساكن و القرعة كما يقتسم الشريكان الدار و العقارات المشتركة بينهما، و يجوز لهما أن يقتسما المنفعة بالمهاباة، فيسكن أحدهما في الدار شهرا أو شهرين مثلا، ثم يسكن الآخر من بعده بقدر ما سكن الأول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 298

و هكذا، و يجوز لهما إذا كانت الإجارة مطلقة أن يؤجر أحدهما حصته للآخر فتكون المنفعة كلها خالصة للمستأجر، و يجوز لهما أن يؤجرا الدار على شخص آخر و يقتسما أجرتها بينهما بنسبة ما لكل واحد من الحصة في منفعة الدار.

و إذا كانا قد استأجرا دابة للركوب و لم يمكن الترادف أو لم يصح، أمكن لهما أن يقتسما المنفعة بالمهاياة فيركبها أحد المستأجرين يوما أو يومين مثلا، ثم يركبها الآخر بقدر ما ركبها الأول، و يمكن ان يقتسماها بالمناوبة في الركوب فيركبها أحدهما فرسخا ثم يركبها الآخر فرسخا.

المسألة 115:

إذا آجر المالك الدار كلها لأحد مدة معينة، ثم تبين للمستأجر أن نصف الدار التي استأجرها مملوكة لغير المؤجر، و لم يجز المالك الآخر عقد الإجارة في حصته من الدار ثبت للمستأجر خيار الفسخ إذا كان جاهلا بأن الدار مشتركة، فيجوز له أن يفسخ العقد و يسترد الأجرة و يجوز له أن يمضي الإجارة في نصف الدار بنصف الأجرة المسماة.

المسألة 116:

إذا آجره المالك نصف الدار مدة معينة، فقبل المستأجر و هو يعتقد ان النصف الآخر من الدار ملك للمالك نفسه فهو شريكه في المنفعة، ثم علم ان النصف الآخر من الدار لمالك آخر، لم يثبت للمستأجر بذلك خيار الشركة، و ليس له حق الفسخ، إلا إذا كانت الشركة مع ذلك المالك الآخر نقصا على المستأجر يوجب مهانته أو كانت توجب له غبنا أو حرجا، فيجوز له الفسخ حين ذاك.

المسألة 117:

يجوز أن تكون مدة الإجارة منفصلة عن زمان العقد كما ذكرناه في المسألة الثالثة و الأربعين فيستأجر الرجل الدار من مالكها ليسكنها في شهر رمضان المقبل، و هما في شهر رمضان الحاضر مثلا، و لا يمنع من صحة ذلك طول المدة الفاصلة بين العقد و مدة الإجارة، و لا يمنع من صحة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 299

ذلك أن تكون الدار المستأجرة بالفعل لشخص آخر، إذا كان تسليم الدار مقدورا في الوقت المعين للسكنى.

المسألة 118:

يجوز للزوجة أن تؤجر نفسها للعمل عند أحد إذا كان العمل لا ينافي حقوق الزوج الواجبة عليها، كحق الاستمتاع، و ان لا تخرج من بيته إلا باذنه، و لا يجوز لها أن تؤجر نفسها لما ينافي شيئا من حقوقه إلا باذنه، و إذا هي آجرت نفسها لشي ء من ذلك بغير اذنه توقفت صحة الإجارة على اجازة الزوج فإن أجازها صحت و ان لم يجزها بطلت.

المسألة 119:

إذا أذن الرجل لزوجته أن تؤجر نفسها للعمل في ما ينافي بعض حقوقه، فآجرت نفسها كذلك أو هي آجرت نفسها للعمل فأجاز الزوج إجارتها، فليس للزوج ان يرجع في اذنه أو يمنعها من العمل الذي آجرت له نفسها ما دامت مدة الإجارة، فإذا انتهت المدة لم يجز لها العمل بعد ذلك و لم يجز لها تجديد الإجارة عليه الا بإذن الزوج أو إجازته.

المسألة 120:

لا يجوز للزوج أن يؤجر نفسه للعمل إذا كان منافيا لحق الزوجة الواجب عليه في قسمة الليالي، و لا تصح الإجارة إلا بإذن الزوجة قبل العقد أو إجازتها بعد العقد، و إذا هي أذنت له فآجر نفسه كذلك أو أجازت إجارته بعد وقوعها لم يصح لها أن ترجع في اذنها أو إجازتها فتطالب الزوج بحقها من الليالي ما دامت مدة الإجارة، فإذا انقضت المدة لم يكن له البقاء في العمل أو تجديد الإجارة له الا برضى الزوجة، إلا إذا كانت قد أسقطت له حقها.

الفصل الرابع العين المستأجرة امانة في يد المستأجر

المسألة 121:

إذا استأجر أحد من المالك عينا و استلمها منه ليستوفي منفعتها فالعين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 300

أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إذا تلفت في يده أو تلف بعضها أو حدث فيها عيب، إلا إذا تعدى المستأجر فتصرف في الأمانة بأكثر مما يقتضيه الإذن الشرعي من التصرف، أو فرط فلم يصنها بما تصان به الأمانة، فيكون ضامنا حين ذاك لما يحدث عليها من تلف أو عيب.

و مع عدم التعدي و لا التفريط منه، فلا ضمان عليه في شي ء من ذلك، سواء حدث التلف أو العيب في العين في أيام مدة الإجارة، أم قبلها إذا كان قبضه إياها باذن مالكها، أم حدث بعد انقضاء مدة الإجارة إذا هو لم يفرط في تسليم العين الى مالكها، بل كان معذورا في تأخير التسليم اليه، أو كان قد أدى العين الى مالكها بعد انتهاء مدة الإجارة فأبقاها المالك في يد المستأجر فترة لبعض الأغراض.

المسألة 122:

إذا شرط المالك على المستأجر في ضمن العقد ان يكون ضامنا للعين المستأجرة إذا تلفت أو تلف بعضها أو حدث فيها عيب و هي في يده و ان لم يتعد و لم يفرط فيها، فهل يصح من المالك هذا الشرط؟ يشكل الحكم بصحته، فلا يترك الاحتياط بعدم اشتراط ذلك.

و يصح للمالك ان يشترط على المستأجر أن يدفع له مقدارا معينا من المال إذا تلفت العين في يده أو عابت و لا يكون هذا من اشتراط الضمان، بل هو من اشتراط التعويض عن الخسارة.

المسألة 123:

إذا سلم المالك العين إلى المستأجر فقبضها منه و كانت الإجارة باطلة لعدم توفر شروط الصحة فيها، و المستأجر لا يعلم ببطلان الإجارة، ثم تلفت العين في يد المستأجر أو عابت، فالظاهر عدم ضمانه تلفها و عيبها إذا هو لم يتعد و لم يفرط كما في الإجارة الصحيحة، سواء كان المالك المؤجر عالما ببطلان الإجارة أم لا.

المسألة 124:

إذا استأجر المالك أجيرا ليعمل له عملا في عين يملكها، فدفع اليه ثوبا ليخيطه أو دفع اليه آلة ليصلحها أو دفع إليه فضة أو ذهبا ليصوغهما،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 301

كانت العين المدفوعة إلى الأجير أمانة في يده كالعين المستأجرة فلا ضمان على الأجير إذا تلفت تلك العين في يده أو حدث فيها عيب إلا إذا تعدى الأجير أو فرط في الأمانة أو كان هو المتلف للعين أو العائب لها.

المسألة 125:

يجوز للمستأجر أن يشترط في ضمن العقد على الأجير أن يكون ضامنا للعين التي دفعها اليه ليعمل فيها إذا هي تلفت في يده أو حدث فيها عيب و ان لم يتعد و لم يفرط، فيشترط على الخياط أن يكون ضامنا للثوب و على العامل أن يكون ضامنا للآلة التي أعطاه إياها ليصلحها و على الصائغ أن يكون ضامنا للذهب و الفضة اللذين دفعهما اليه ليصوغهما فيجوز له هذا الشرط و يجب العمل به إذا اشترطه على الأجير و قبل به، و ليست هذه العين كالعين المستأجرة في الاشكال في هذا الحكم.

المسألة 126:

يتحقق تسليم العمل بإتمامه كما ذكرنا ذلك في المسألة الحادية و الثمانين، فيجوز للعامل بعد إتمام العمل أن يطالب المستأجر بأجرة عمله، و ان لم يدفع اليه العين التي أتم العمل فيها، فلم يدفع اليه الثوب الذي خاطه له و الآلة التي أصلحها و الخاتم أو القرط الذي صاغه، بل و ان تلفت العين بعد إتمام العمل فيها من غير تعد و لا تفريط من الأجير و لم يكن هو المتلف لها.

المسألة 127:

إذا أتلف الخياط الثوب بعد أن أكمل خياطته، أو أتلف الأجير الكتاب بعد أن أتم تجليده أو أتلف الآلة بعد ان أتم إصلاحها، ضمن للمالك المستأجر قيمة الثوب مخيطا و قيمة الكتاب مجلدا، و قيمة الآلة صالحة، و استحق هو على المستأجر الأجرة المسماة لعمله الذي أتمه له.

المسألة 128:

إذا أتلف العين المذكورة شخص ثالث بعد أن أتم الأجير عمله فيها ضمن الشخص المتلف للمالك قيمة العين بعد العمل، فيضمن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 302

للمالك قيمة الثوب تام الخياطة، و قيمة الكتاب مجلدا و قيمة الآلة صالحة، كما تقدم في ضمان الأجير، و لم تسقط بذلك الأجرة المسماة عن المستأجر فيلزمه دفعها للعامل وفاء بالإجارة، و قد تقدم في المسألة التاسعة و التسعين حكم ما إذا أتلف المستأجر العين بعد أن أتم العامل عمله فيها.

المسألة 129:

الأقوى ان المدار في ضمان العين المضمونة على قيمتها يوم تلفها، لا على قيمتها يوم الأداء و لا على أعلى القيم بين اليومين.

المسألة 130:

إذا استأجر الشخص أحدا لحمل متاع على ظهره أو على دابته أو في سيارته الى مكان معين بأجرة معينة، فحمل الأجير المتاع الى المكان المعين، ثم أتلفه بعد وصوله أو تلف المتاع و قد تعدى الأجير أو فرط في الأمانة، كان الأجير ضامنا للمستأجر قيمة المتاع في ذلك المكان، و استحق الأجير على المستأجر أجرته المسماة له في حمل المتاع.

المسألة 131:

إذا استأجر أحد أجيرا لعمل من الأعمال، فأفسد الأجير في عمله كان ضامنا لما أفسده إذا كان قد تجاوز الحد المأذون فيه. و مثال ذلك أن يستأجر خياطا ليخيط له ثوبا أو ليفصله، فيفسد الخياط الثوب، أو يستأجر نجارا ليصنع له بابا فيفسد النجار الباب، أو يستأجر عاملا ليصلح له بعض الأدوات أو الآلات أو الأجهزة فيفسد العامل ذلك الشي ء، و كما إذا جنى الحجام في حجامته و البيطار في معالجته الدابة، و هكذا كل عامل يستأجر لعمل معين، فيفسد في عمله، يكون ضامنا لما أفسده، إذا هو تجاوز الحد المأذون فيه في ذلك العمل.

و الحد المأذون فيه هو القدر المتعارف و المتبع بين أهل الخبرة و أهل المعرفة بذلك الأمر، فإذا تجاوز العامل هذا القدر كان ضامنا لما يحدث في عمله من فساد، و إذا لم يتجاوز الحد المأذون فيه لم يبعد القول بعدم ضمانه لذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 303

المسألة 132:

إذا استأجر الشخص أحدا ليذبح له حيوانا، فذبحه على وجه أوجب تحريم لحمه، كان الذابح ضامنا لقيمة الحيوان حيا، سواء كان الذابح قصابا أم لا، و كذلك إذا تبرع له أحد فذبح الحيوان و حرم لحمه، فإنه يكون ضامنا و المتبرع كالأجير للعمل في الحكم المذكور، فإذا أفسد المتبرع في عمله كان ضامنا لما أفسده إذا كان قد تجاوز الحد المأذون فيه في جميع الفروض المتقدمة و الآتية.

المسألة 133:

إذا استأجر الإنسان خاتنا ليختن ولده، فأفسد الخاتن في ختانه، فقطع الحشفة مثلا أو قطع بعضها، أو تعدى عن موضع القطع، كان ضامنا لما أفسد مع تجاوزه عن الحد المأذون فيه في الختان و إذا هو لم يتجاوز في عمله عن الحد المأذون فيه فتحرك الطفل مثلا أو اضطرب من غير تقصير من الخاتن أو المساعد فلا يبعد عدم ضمانه كما تقدم في نظائره.

و هذا في غير الفساد المؤدي إلى تلف النفس، و إذا أدى الى ذلك فالظاهر هو الضمان.

بل الظاهر الضمان في الختان مع عدم التجاوز عن الحد المأذون فيه، إذا كان الخاتن جراحا بصيرا يعتمد عليه في إجراء هذه العمليات و في تمييز ما يضر منها مما لا يضر، فيكون هذا الجراح ضامنا لما يحدث في ختانه من فساد و ان لم يبلغ إفساده إلى تلف النفس، كما إذا قطع الحشفة أو بعضها، أو جرح الطفل جرحا مضرا أو سبب له حدوث قرحة، و نحو ذلك، الا مع التبرؤ من الضمان على النحو الذي سنذكره في تبرؤ الطبيب من الضمان، و المتبرع كالأجير في كل ذلك.

المسألة 134:

الظاهر ان الطبيب و ان كان حاذقا يضمن ما يفسده إذا كان في مقام العلاج للمريض و لو بالتسبيب، و كان أقوى في التأثير من المباشر في حدوث الفساد، سواء باشر علاج المريض بنفسه، فزرق الإبرة في بعض أوردته مثلا أو أجرى له بعض العمليات، أو سلط عليه بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 304

الأجهزة، أم لم يباشر ذلك بنفسه فأمره بشرب الدواء أم وصفه له أم قال له و هو في مقام العلاج و بعد ان شخص الداء، الجرعة المعينة من الدواء الفلاني نافعة من هذا

المرض، أو قال له: لا أرجح على استعمال هذا المستحضر شيئا، أو قال لو كنت مريضا أو كان بعض أهلي مصابا بهذا المرض لعالجته باستعمال هذه الجرعة، أو غير ذلك مما يعين فيه الداء و يرجح له تناول الدواء المعين و يذكر له مقاديره و مواعيده، فإذا حصل الفساد بشي ء من ذلك كان الطبيب ضامنا لما حصل، و المتبرع كالأجير في كل ذلك.

المسألة 135:

لا يضمن الطبيب ما يحدث، إذا لم يكن في مقام المعالجة للمريض و الكشف عن داية، فذكر دواء لمرض يشبه مرضه، فاستعمله المريض و أوجب له مضاعفة في المرض أو تلفا، و لا يضمن الطبيب ما يحدث إذا شخص داء المريض و عين له الدواء، فأخذ المريض منه أكثر من المقدار الذي وصفه الطبيب، أو استعمل معه دواء آخر لم يصفه الطبيب، و لا يضمن الطبيب ما يحدث إذا عين للمريض دواء خاصا، فأعطاه الصيدلاني دواء غيره ذكر انه عوض عن ذلك الدواء أو أنه أنفع منه في معالجة المرض، فاستعمله و لم يرجع الى الطبيب.

المسألة 136:

إذا تبرأ الطبيب قبل المعالجة من الضمان، و قبل المريض إذا كان رشيدا مختارا، أو قبل ولي المريض إذا كان قاصرا، ببراءة الطبيب، و لم يقصر الطبيب في بذل جهده و طاقته في الكشف و في المعالجة فإنه يبرأ من التبعة بذلك، فلا ضمان عليه في ما يحدث بمعالجته من فساد أو تلف.

و كذلك الحكم في البيطار إذا تبرأ مما يحدث في معالجة الحيوان، و في الخاتن الجراح إذا تبرأ من التبعة في ختان المختون، فلا يكون عليهما ضمان إذا أفسدا في عملهما.

المسألة 137:

إذا حمل الحمال المتاع أو الشي ء على ظهره أو على رأسه، فعثر في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 305

طريقه و سقط ما يحمله على الأرض و انكسر كان الحمال ضامنا للشي ء الذي أتلفه، و إذا وقع ما يحمله على شي ء آخر فكسره أو أتلفه كان له ضامنا، و إذا تلفا معا ضمنهما معا.

المسألة 138:

إذا حمل الحمال المتاع أو الشي ء على ظهر دابته، فعثرت الدابة في مسيرها و وقع الشي ء المحمول على الأرض فتحطم و تلف أو حدث به عيب، لم يضمن صاحب الدابة شيئا من ذلك. و إذا كان صاحبها هو السبب في عثرتها كما إذا ساقها بعنف أو ضربها أو نخسها أو حملها على السير في مزلق أو في طريق كثير الحفر و العقبات، فعثرت لذلك و تحطم ما على ظهرها كان ضامنا لما حدث، و إذا كان السبب في عثرة الدابة و وقوع المتاع انسان آخر كان ذلك الإنسان هو الضامن، و إذا كان السبب حيوان آخر فلا ضمان.

المسألة 139:

إذا أتى الرجل الى الخياط بقطعة من القماش، و قال له: ان كانت هذه القطعة تكفيني قميصا، ففصلها لي قميصا، فقطعها الخياط و فصلها، ثم ظهر ان القطعة لا تكفي لذلك، فالظاهر ان الخياط ضامن للمال بهذا التصرف، فان المالك انما أذن له بتفصيل القطعة إذا كانت كافية للقميص فيكون اذنه له بالتصرف مقيدا بذلك، و إذا لم تكف لذلك فلا اذن من المالك، و يكون الخياط ضامنا بتصرفه.

و إذا سأله المؤجر: هل تكفي هذه القطعة لي قميصا، فقال الخياط نعم، فقال له ففصلها لي قميصا، ففصلها الخياط ثم ظهر انها لا تكفي، فالحكم بالضمان أو بعدمه في هذا الفرض موضع اشكال و تردد، و لا بد فيه من مراعاة الاحتياط.

المسألة 140:

إذا آجر المالك عبده المملوك له لبعض الأعمال فأفسد العبد في عمله، فالظاهر أن الضمان يكون على العبد في كسبه، سواء كان إفساده بتفريط منه أم بغير تفريط، فإذا لم يف كسب العبد بذلك اتبع به بعد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 306

أن يعتق، و لا ضمان على مولاه. و كذلك الحكم إذا آجر العبد نفسه باذن مولاه لبعض الأعمال، فأفسد في عمله.

و هذا كله انما هو في ضمان الأموال و الأعيان إذا أتلفها العبد أو أحدث فيها نقصا أو عيبا، و إذا كانت جناية العبد على انسان فقتله أو جرحه أو جنى عليه في عضو من أعضائه أو جارحة من جوارحه، فللمسألة تفاصيل تذكر في مواضعها من كتاب الديات و كتاب القصاص، و لم نتعرض لها هنا لكونها ليست موضعا للابتلاء و ان كان أصل المسألة كذلك.

المسألة 141:

إذا استأجر الشخص من أحد سفينة أو دابة أو سيارة، فحملها مالا الى مكان معين، فسرق المال المحمول فيها أو تلف كله أو بعضه، فلا ضمان على صاحب السفينة أو الدابة أو السيارة إذا هو لم يتعد و لم يفرط في أمانته.

و يجوز للمستأجر أن يشترط عليه في ضمن العقد ضمان المال إذا سرق منه شي ء أو تلف أو نقص، فإذا شرط عليه ذلك و قبل بالشرط وجب الوفاء به، فإذا تلف من المال شي ء أو سرق أو حدث فيه عيب، وجب على المؤجر أن يؤدي للمستأجر قيمة ما نقص أو سرق، و أرش ما عاب.

المسألة 142:

لا يجوز للمستأجر الدابة للحمل، أن يحمل عليها أكثر مما يتعارف حمله على أمثالها، و إذا اشترط مؤجر الدابة عليه في ضمن العقد أن لا يزيد في حملها على مقدار معين من الأمتعة، لم يجز له أن يتجاوز عن ذلك المقدار و إذا زاد في حملها على المقدار المتعارف في الصورة الأولى، و على المقدار المشترط في الصورة الثانية وجب عليه أن يدفع للمؤجر الأجرة المسماة بدلا للمقدار المتعارف الذي حملها إياه، و أجرة المثل للزيادة التي أضافها و وجب عليه أن يدفع للمؤجر مع ذلك قيمة الدابة إذا عطبت، و أرش النقصان إذا حدث فيها عيب بسبب ذلك، و قد تقدم ان المدار على القيمة في يوم التلف.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 307

المسألة 143:

إذا استأجر الرجل دابة ليحمل متاعه عليها الى مكان معين، أو ليركبها الى ذلك المكان فلا يجوز له أن يتجاوز بها الى أبعد من موضع الإجارة، و إذا هو فعل ذلك وجب عليه أن يدفع للمؤجر الأجرة المسماة إلى المكان المعين، و وجب عليه أن يدفع له أجرة المثل للمقدار الزائد من المسافة، و وجب عليه مع ذلك أن يدفع للمؤجر قيمة الدابة إذا عطبت بسبب ذلك، و أن يدفع له أرش النقصان إذا عابت.

المسألة 144:

يجوز لمستأجر الدابة للركوب أو للحمل أن يضربها إذا وقفت أو تباطأت في سيرها أو حرنت و يجوز له أن يكبحها باللجام و نحوه إذا أسرعت، إذا كان الضرب أو الكبح بالمقدار المتعارف في سوق الدابة و زجرها، و لا تجوز له الزيادة على ذلك، و إذا زاد في ضربها أو كبحها على المقدار المتعارف كان ضامنا لما يحدث على الدابة بسبب ذلك، و إذا هو لم يزد على المتعارف، فاتفق أن حدث للدابة بسبب الضرب أو الكبح المتعارف تلف أو نقص، فلا ضمان فيه على الأقوى.

و إذا شرط مالك الدابة على المستأجر في ضمن العقد أن لا يضربها و لا يكبحها حتى على النحو المتعارف لم يجز له ذلك، فإذا خالف الشرط فضربها أو كبحها على النحو المتعارف كان ضامنا لما يحدث عليها بسبب ذلك و إذا منعه المالك عن الضرب و الكبح المتعارف و لم يشترطه في العقد فالظاهر انه لا يكون بذلك محرما و لا سببا للضمان.

و إذا استأجر السيارة للركوب و التنقل فيها، على أن يكون المستأجر أو سائقه هو الذي يتولى قيادتها، لم يجز له أن يتعدى عن الحد المتعارف في سرعة السير و في

حمل الأمتعة فيها الا مع اشتراط ذلك أو رضى المالك به، و إذا تجاوز عن الحد من غير شرط منه و لا رضى من المالك كان ضامنا لما يحدث فيها و كذلك في طول فترة المسير إذا كان ذلك مما يضر بالسيارة، فلا يجوز الخروج عن المتعارف فيها الا مع الشرط من المستأجر أو رضى المالك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 308

المسألة 145:

يجوز للإنسان أن يستأجر أحدا لحراسة أمواله أو مكتبه أو متجره أو حراسة داره أو بستانه عن السرقة أو التعدي من الآخرين، و لحراسة نفسه و عائلته من بعض المخاوف الأخرى التي يمكن الاحتراز عنها، و يطلب فيها الأمن.

و يجوز أن يستأجر الشخص أو الأشخاص حراسا لجملة من الدور و المحلات و الحوانيت و المتاجر، في شارع أو سوق أو محلة أو منطقة، و لا بد من تعيين حدود الحراسة و موضعها و مواقيتها، و مدة الإجارة و الأجرة و أقساطها إذا كانت مقسطة.

المسألة 146:

لا يضمن الحارس إذا سرق المال أو الدار أو البستان الذي استؤجر لحفظه، أو حدثت سرقة أو تعد في الموضع الذي استؤجر لحراسته، الا مع التقصير في الحراسة و الحفظ، و الظاهر أن غلبة النوم على الحارس من التقصير، فإذا غلبه النوم فحدثت السرقة كان ضامنا.

و كذلك إذا اشترط المستأجر على الحارس في ضمن عقد الإجارة أن يكون ضامنا لما يحدث في موضع حراسته و في أوقاتها من سرقة و نحوها، فإذا قبل بالشرط كان ضامنا لما يحدث من ذلك، أو اشترط عليه كذلك ان يؤدي من ماله قيمة ما يسرق من الأموال التي استؤجر لحفظها، فإذا قبل بالشرط وجب عليه الوفاء به.

المسألة 147:

إذا استؤجر الرجل لحفظ المال و حراسة الدار أو الدور فحدثت السرقة في مجال حراسته فالظاهر انه لا يستحق الأجرة المسماة له في عقد الإجارة، لعدم حصول العمل الذي استؤجر عليه و هو الحفظ و الحراسة سواء كان مقصرا في عمله أم لا.

المسألة 148:

إذا استناب الحارس غيره ليقوم بدوره في الحراسة، فحدثت السرقة في أثناء ذلك، فان كان المستأجر قد اشترط عليه في ضمن العقد أن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 309

يتولى الحراسة بنفسه كان ضامنا للمال المسروق لتقصيره و عدم وفائه بالشرط، و كذلك إذا كان الذي استنابه في الحراسة ممن لا يوثق بقيامه بالدور فيكون ضامنا و إذا كانت إجارته مطلقة سواء باشر الحراسة بنفسه أم استناب فيها و كان من استنابه ممن يوثق بحراسته، جاز له ذلك و لا يكون ضامنا مع عدم التقصير.

المسألة 149:

الثياب التي ينزعها أهلها في المسلخ عند دخولهم الى الحمام لا تكون وديعة عند صاحب الحمام و لذلك فلا يكون صاحب الحمام ضامنا لها إذا سرقت أو تلفت أو أصابها عيب أو سرق ما فيها من مال أو غيره، الا إذا كان حدوث ذلك بفعل منه أو تسبيب. و إذا أودعها أصحاب الثياب عند صاحب الحمام و قبل الوديعة أصبحت امانة عنده، و لا يضمنها إذا سرقت أو سرق ما فيها أو تلفت أو عابت، إلا إذا تعدى أو فرط في الامانة، و إذا اشترط أصحاب الثياب عليه ضمانها و قبل بالشرط، ففي نفوذ هذا الشرط و ثبوت الضمان عليه إشكال إذا هو لم يتعد و لم يفرط في الوديعة.

المسألة 150:

إذا استؤجر صاحب الحمام لحفظ الثياب المتروكة من أهلها في المنزع و قبل الإجارة كانت الثياب أمانة في يده، فيضمنها إذا تعدى أو فرط أو قصر في حراستها، و يضمنها كذلك إذا شرط عليه في عقد الإجارة أن يكون ضامنا لها عند التلف أو السرقة أو حدوث العيب، و قبل الشرط.

الفصل الخامس مدار الإجارة أن يملك المؤجر المنفعة و ان لم يملك العين

المسألة 151:

تصح الإجارة من الشخص إذا كان مالكا للمنفعة و ان لم يكن مالكا للعين ذات المنفعة، و من أمثلة ذلك أن يملك منفعة العين بإجارة مطلقة، أو يملكها بصلح، أو هبة، بناء على ما هو المختار من صحة هبة المنافع،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 310

و من أمثلة ذلك أن يملك المنفعة ثمنا لمبيع قد باعه، و ان تملك المرأة المنفعة صداقا لها في زواجها، و أن يملكها الرجل من زوجته عوضا في خلع أو مباراة، و أن يملكها الشخص بوصية من أحد له بالمنفعة أو وقف على أن تكون منفعة العين الموقوفة ملكا له، فإذا ملك المنفعة بأحد هذه الوجوه أو غيرها و لم يملك العين، جاز له أن يؤجر تلك المنفعة لغيره مدة معينة فيملكها إياه و تصح الإجارة منه إذا تمت شروطها، سواء كان المستأجر منه هو المؤجر الأول الذي ملكه المنفعة أم غيره.

المسألة 152:

الواجب في الإجارة هو تسليم المنفعة المقصودة للمستأجر ليستوفيها بعد ما ملكها بالعقد، و اما العين المستأجرة فإنما يجب على المؤجر تسليمها للمستأجر إذا توقف عليه استيفاء المنفعة، كما إذا آجره الدار للسكنى، فان سكنى الدار لا يمكن أن يتحقق بدون تسليم الدار المعينة للمستأجر للكون و الإقامة فيها، و كما إذا آجره الحانوت و المخزن لحفظ البضائع، و عرضها و البيع و الشراء فيهما، فان استيفاء هذه المنافع لا يكون الا بعد تسلم الحانوت و المخزن من مالكهما و استعمالهما في الوجه المقصود، و كما إذا استأجر الرجل أدوات الخياطة أو آلات النساجة أو النجارة أو الحدادة للانتفاع بها في عمله، فان استيفاء منفعة هذه الأدوات و الآلات لا يمكن أن يكون الا بعد تسليم المؤجر اليه هذه

الأعيان ليدير بها عمله، فيكون تسليم العين المستأجرة واجبا على المؤجر في هذه الفروض و أمثالها.

و إذا لم يتوقف استيفاء المنفعة على تسليم العين، و أمكن أن يستوفي المستأجر منفعته المقصودة و العين المستأجرة بيد مالكها أو بيد من ينوب عنه، لم يجب على المؤجر تسليم العين اليه، كما إذا استأجر السيارة أو السفينة، أو الدابة للركوب، فان من الممكن ان يركب المستأجر السيارة و ينتقل فيها و هي بيد مالكها أو من ينوب عنه و يكون هو المتولي لقيادتها كما هو المتعارف، و كذلك السفينة و الدابة و وسائل النقل الأخرى، و كما إذا استأجر الدار لمنفعة يمكن استيفاؤها و الدار بيد مالكها، كما يستأجر النزلاء و المسافرون الفندق للنزول و المبيت، و الاستراحة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 311

فيه، و هو في يد مالكه، فلا يجب على المؤجر تسليم العين المستأجرة في هذه الفروض و أمثالها إلا إذا اشترط المستأجر على المالك تسليم العين، فيجب عليه تسليمها عملا بالشرط.

المسألة 153:

إذا استأجر زيد العين من مالكها مدة معينة، و ملك المنفعة، و كانت الإجارة مطلقة فلم تقيد الإجارة بأن يكون المستأجر هو الذي يستوفي منفعة العين بنفسه، جاز للمستأجر- و هو زيد- ان يؤجر العين على غيره و يملكه المنفعة التي ملكها بالإجارة الأولى، كما تقدم بيانه، فإذا آجرها على عمرو مثلا وجب عليه ان يسلم المنفعة التي آجرها الى عمرو بعد ان ملكه إياها.

فإن كان استيفاء المنفعة يتوقف على تسليم العين المستأجرة كما في مثال اجارة الدار للسكنى، وجب على المؤجر الثاني و هو زيد أن يسلم العين المستأجرة إلى عمرو ليستوفى المنفعة التي ملكها، و ان لم يأذن له مالك الدار بتسليمها

اليه، و لا يكون بسبب ذلك ضامنا للعين إذا تلفت أو حدث فيها عيب.

نعم لا يجوز لزيد ان يسلم العين الى عمرو إلا إذا كان أمينا، و إذا فرط زيد في ذلك فسلم العين إلى المستأجر الثاني و لم يكن أمينا كان ضامنا للعين بسبب هذا التفريط فيجب عليه دفع قيمتها لمالكها إذا تلفت و يجب عليه دفع أرش نقصانها إذا حدث فيها عيب.

المسألة 154:

إذا استأجر زيد العين من مالكها إجارة مطلقة، ثم آجرها زيد على مستأجر غيره، و كان استيفاء المنفعة من العين لا يتوقف على تسليم العين، و قد مثلنا لذلك بإجارة السيارة و السفينة و الدابة للركوب، صحت الإجارة الثانية كما تقدم و وجب على زيد تسليم المنفعة الى من استأجرها منه، و لم يجز له ان يسلم العين اليه، بل يستوفي المستأجر الثاني المنفعة من العين و هي بيد مالكها أو من ينوب عنه كما ذكرنا.

و إذا كان المستأجر الأول و هو زيد قد اشترط على المالك أن يسلمه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 312

العين، وجب على المالك ان يسلمها الى زيد كما شرط له، و لم يجز لزيد أن يسلمها بعد أن يقبضها الى من استأجرها منه الا برضى المالك و اذنه و إذا سلمها اليه بغير اذن المالك كان ضامنا.

و إذا اشترط المستأجر الثاني على مؤجره و هو زيد أن يسلمه العين كان هذا الشرط باطلا.

و إذا كان زيد قد اشترط على المالك في الإجارة الأولى أن يسلمه العين و يسلمها لمن يستأجرها منه صح الشرط و وجب العمل به.

المسألة 155:

إذا استأجر زيد العين من مالكها مدة معينة و كانت الإجارة مقيدة بأن يكون زيد هو الذي يستوفي منفعة العين بنفسه، فلا يجوز في هذه الصورة لزيد أن يؤجر العين من غيره و إذا آجرها منه كانت هذه الإجارة باطلة، و لا تصح إلا إذا أجازها مالك العين.

فإذا آجر زيد العين- في هذه الصورة- على عمرو، و لم يجز مالك العين إجارته، و استوفى عمرو، و هو المستأجر من زيد منفعة العين، فالظاهر وجوب دفع الأجرة المسماة لمالك العين على زيد و هو

الذي استأجر العين منه، و ذلك بمقتضى عقد الإجارة بينهما، و يجب على عمرو و هو المستأجر الثاني للعين، ان يدفع لزيد- و هو المستأجر الأول لها- قيمة المثل للمنفعة التي استوفاها فأتلفها عليه، فان زيدا قد استحق المنفعة بالإجارة من المالك، فيلزم عمرا ضمانها، و إذا كان ما استوفاه عمرو من المنفعة أكثر مما استحقه زيد بإجارته الأولى من المالك، وجبت للمالك أجرة المثل عن هذه الزيادة، فإذا أخذها المالك من عمرو و هو الذي استوفاها، و كان عمرو جاهلا مغرورا من المستأجر الأول و هو زيد رجع عليه بما غرمه للمالك و هو أجرة المثل للزيادة.

المسألة 156:

إذا آجر المالك عينا يملكها من شخص، و قيد الإجارة بأن يكون مستأجر العين هو الذي يستوفي منفعتها بنفسه، لم يجز للمستأجر أن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 313

يؤجر العين من غيره، و إذا هو آجرها كذلك كانت هذه الإجارة باطلة كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.

و الحكم ببطلان الإجارة الثانية في هذه الصورة يختص بما إذا كانت هذه الإجارة على الغير منافية للقيد المأخوذ في عقد الإجارة الأولى، فإذا كانت الإجارة الثانية لا تنافي قيد الإجارة الأولى فهي صحيحة.

و مثال ذلك كما أفاده بعض الأكابر أن يؤجر المالك داره على امرأة، و يقيد إجارته بأن تكون المرأة هي التي تسكن الدار المستأجرة بنفسها، ثم تتزوج المرأة المذكورة بعد استئجارها الدار، فيكون إسكانها واجبا على زوجها لأنه من نفقتها الواجبة عليه، فإذا احتاج الزوج الى دار لإسكان زوجته المذكورة فيها، جاز للمرأة أن تؤجر زوجها الدار المتقدم ذكرها لتسكنها بنفسها و تصح الإجارة عليه لأنها لا تنافي قيد الإجارة الأولى من المالك.

و يجري مثل ذلك في بقية الأفراد

الذين تجب نفقتهم على الشخص، فإذا استأجر الرجل دارا ليسكنها بنفسه و قيد المالك الإجارة بذلك، و كان الرجل المستأجر للدار واجب النفقة على ولده، و أراد الولد دارا يسكن فيها أباه، صح للأب ان يؤجر ولده الدار المتقدم ذكرها لاسكانه بنفسه، و هكذا في الأم و الولد.

المسألة 157:

إذا آجر المالك العين من أحد، و اشترط عليه في ضمن العقد ان لا يؤجر العين من آخر، و قبل المستأجر بالشرط، لم يجز للمستأجر أن يؤجر العين من غيره، و إذا خالف الشرط فآجرها من احد كانت هذه الإجارة باطلة، و إذا استوفى المستأجر الثاني منفعة العين، فالحكم في الضمان نظير ما تقدم في المسألة المائة و الخامسة و الخمسين.

و كذلك إذا اشترط المالك على المستأجر في ضمن العقد أن يستوفي المنفعة بنفسه لنفسه و مثله ما إذا انصرف العقد الى اعتبار المباشرة في استيفاء المنفعة لقرينة عامة أو خاصة تقتضي ذلك، فيكون هذا الانصراف بحكم الشرط في ضمن العقد، فلا يجوز للمستأجر ان يؤجر العين من غيره

كلمة التقوى، ج 4، ص: 314

و إذا آجرها كانت هذه الإجارة باطلة، و يجري الحكم المشار إليه في المنفعة إذا استوفاها المستأجر الثاني.

المسألة 158:

إذا استأجر الإنسان عينا خاصة من مالكها إجارة مطلقة على النحو المتقدم بيانه و لم يشترط المالك عليه في العقد أن يستوفي المنفعة بنفسه و لم ينصرف العقد الى اعتبار المباشرة في ذلك بقرينة عامة أو خاصة تدل عليه، جاز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة بما يساوي الأجرة المسماة التي استأجر العين بها، و بأقل منها، و يجوز أن يؤجرها بأكثر منها على الأقوى، سواء كان قد أحدث في العين حدثا كما إذا بيض الدار أو صبغها أو أنشأ فيها بعض المرافق أو المجاري أم لم يحدث فيها شيئا، و سواء كانت الأجرة التي يطلبها من جنس الأجرة الأولى أم من غير جنسها، فيجوز له ذلك في الجميع عدا ما يأتي استثناؤه في المسألة الآتية ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 159:

إذا استأجر الإنسان من المالك بيتا أو دارا أو دكانا، أو استأجر أجيرا، و كانت الإجارة مطلقة كما تقدم في المسألة السابقة جاز له أن يؤجرها بما يساوي الأجرة السابقة، و بأقل منها، و لا يجوز له أن يؤجرها بأكثر منها، و ان كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة، و الأحوط لزوما إلحاق الرحى و السفينة بالأعيان الأربع المذكورة في الحكم، فلا يؤجرهما بأكثر من أجرتهما السابقة.

و الأحوط استحبابا ان لا يؤجر مطلق الأعيان بأكثر من الأجرة المسماة التي استأجرها بها إلا إذا أحدث فيها حدثا.

المسألة 160:

إذا استأجر أرضا و كانت الإجارة مطلقة كما تقدم، جاز له ان يؤجر الأرض بأقل مما استأجرها به و بما يساويه على الأقوى و يجوز أيضا بأكثر منه على كراهة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 315

المسألة 161:

إذا استأجر الإنسان بيتا أو دارا أو دكانا أو أجيرا بأجرة معينة على النحو المتقدم، جاز له ان يؤجر بعض البيت أو بعض الدار أو بعض الدكان، بأقل من الأجرة المعينة و بما يساويها، فإذا كان قد آجر الدار بعشرة دنانير مثلا جاز له أن يؤجر بعض الدار من غيره بعشرة دنانير، و بأقل منها و لم يجز له ان يؤجر البعض بأكثر من العشرة، إلا إذا كان قد أحدث في العين المستأجرة حدثا، و هكذا إذا آجر الدار أو البيت أو الدكان بعشرة دنانير فسكنها بعض المدة ثم أراد أن يؤجرها في بقية المدة، فيجوز له ان يؤجرها بأقل من الأجرة المسماة و بما يساويها و لا يجوز له ان يؤجرها بأكثر منها الا إذا أحدث فيها شيئا.

و كذلك الحكم في الأجير، فإذا أراد أن يؤجره للعمل عند غيره في بعض المدة أو لبعض العمل، فيجوز له ان يؤجره بالأقل و بالمساوي و لا يجوز بالأكثر، و الأحوط لزوما إلحاق السفينة بالمذكورات في هذا الحكم.

المسألة 162:

إذا استأجر الرجل أحدا لعمل معين بأجرة معينة، و لم يشترط عليه في ضمن العقد أن يكون هو المباشر للعمل بنفسه، و لم ينصرف العقد الى اعتبار مباشرة الأجير للعمل بقرينة عامة أو خاصة تدل على ذلك، جاز للأجير أن يستأجر شخصا غيره للإتيان بذلك العمل، إذا كانت أجرة الشخص الذي يستأجره مساوية لأجرته هو المسماة له من المالك، أو أكثر منها، و لا يجوز له ان يؤجره بأقل منها، الا إذا قام الأجير الأول ببعض العمل و ان كان قليلا، فيجوز له في هذه الصورة أن يستأجر غيره ليتم العمل بأقل من الأجرة المسماة له من المالك، و

كذلك إذا غرم الأجير الأول من ماله شيئا على العمل، فيجوز له ذلك أيضا.

و مثال الأول أن يستأجر المالك الخياط لخياطة ثوبه، فيفصل الخياط الثوب أو يخيط منه قليلا ثم يستأجر غيره ليتم خياطة الثوب بأقل من الأجرة التي دفعها له المالك، فيصح له ذلك.

و مثال الثاني ان يشتري الخياط من ماله أو يستأجر بعض اللوازم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 316

التي يحتاج إليها في خياطة الثوب في المثال المتقدم ذكره ثم يستأجر غيره ليقوم بخياطة الثوب بأقل من الأجرة فيصح له ذلك إذا دفع ما اشتراه أو استأجره بماله الى أجيره ليخيط به الثوب و كان مما يصدق معه الغرامة عرفا.

المسألة 163:

إذا استؤجر الأجير للقيام بعمل معين بأجرة معينة، و لم يشترط عليه المباشرة للعمل، و لا انصرف العقد الى ذلك، جاز للأجير ان يستنيب في العمل أحدا غيره، فيوكله الى ولده مثلا أو الى أحد العاملين عنده أو الى صديقه ممن يعتمد عليه في إتمام العمل على الوجه المطلوب، فإذا استؤجر لصلاة ستة أشهر مثلا أو لصيام شهر، جاز له أن يوكله الى أحد المذكورين، فإذا أتى به على الوجه المطلوب كفى في الوفاء بالإجارة و استحق الأجرة المسماة على المستأجر.

و إذا كان العمل المستأجر عليه يتعلق بعين خاصة للمالك كخياطة ثوب دفعه اليه، و تجليد كتاب و إصلاح جهاز لم يجز للأجير أن يدفع العين الى أحد المذكورين الا برضى مالك العين و اذنه، و إذا دفعها الى أحد من غير اذن المالك كان ضامنا للعين إذا أصابها تلف أو نقصان أو عيب.

و يكفي أن تقوم قرينة على رضى المالك و اذنه بالدفع إليهم من عادة أو تعارف أو غيرهما.

المسألة 164:

إذا استؤجر زيد للإتيان بعمل معين بأجرة معينة و لم يشترط المستأجر عليه ان يباشر العمل بنفسه فبادر شخص آخر و أتى بالعمل الذي استؤجر عليه زيد حتى أنجزه، فإن قصد هذا العامل التبرع عن زيد في الإتيان بالعمل المطلوب منه كفى ذلك عن زيد و استحق الأجرة المسماة له من المستأجر، و ان لم يقصد العامل التبرع بالعمل عن زيد بطلت اجارة زيد لحصول العمل المستأجر عليه فلا يستحق زيد الأجرة المسماة له و لا يستحق العامل نفسه شيئا لكونه متبرعا بالعمل من غير اجارة و لا طلب من المالك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 317

المسألة 165:

إذا استؤجر زيد للعمل المعين بأجرة معينة و اشترط المستأجر عليه في العقد ان يباشر العمل بنفسه، فبادر شخص و أتى بالعمل المطلوب قبل أن يتمكن الأجير زيد من مباشرته بطلت اجارة زيد كذلك فلا يستحق الأجرة المسماة، و لم يستحق العامل شيئا كما تقدم.

المسألة 166:

إذا استأجر أحد زيد العمل معين و اشترط عليه أن يأتي بالعمل بنفسه كما هو الفرض السابق، و سلم الأجير نفسه للمستأجر و هيأها للعمل، ثم أمر المستأجر شخصا آخر أن يأتي بذلك العمل المعين أو استأجره لذلك بإجارة جديدة، فسبق هذا الشخص زيدا و أتى بالعمل المعين قبله، فالظاهر أن زيدا و هو الأجير الأول قد استحق الأجرة المسماة على المستأجر، فإن تفويت منفعته على المستأجر كان باختيار المستأجر فلا يسقط بذلك حق الأجير و يستحق العامل الثاني على المستأجر أجرة المثل لعمله بأمره و كذلك إذا كان قد استأجره للعمل لأن هذه الإجارة باطلة بعد الإجارة الأولى فيستحق العامل أجرة المثل على العمل لا الأجرة المسماة فيها.

المسألة 167:

إذا آجر الشخص نفسه لأحد مدة معينة ليقوم له ببعض الأعمال فيها، و كانت للأجير عدة من المنافع و الأعمال يمكن له أن يقوم بها لنفسه أو لمستأجره، فقد تكون الإجارة متعلقة بعمل الأجير الخارجي من غير أن يشغل ذمته بشي ء، كما يؤجر صاحب الدار داره المعينة لأحد ليسكنها مدة معينة، فإن مستأجر الدار انما ملك بعقد الإجارة سكنى الدار في المدة، و لم يملك في ذمة صاحب الدار شيئا، و كذلك الأجير في الصورة المتقدم ذكرها، فهو يؤجر نفسه لعمل معين أو أعمال معينة من أعماله الخارجية على وجه يكون ذلك العمل أو تلك الأعمال الخارجية ملكا المستأجر، من غير ان تشتغل ذمة الأجير له بشي ء، و هذه الصورة تقع على وجهين:

الوجه الأول: أن يؤجر الشخص نفسه لعمل واحد معين، أو أعمال

كلمة التقوى، ج 4، ص: 318

معلومة معينة في مدة الإجارة على الوجه المذكور، كما إذا آجر نفسه لأحد، ليكون له كاتبا في المدة

المعينة، أو ليكون له كاتبا و حاسبا و مترجما، في تلك المدة.

الوجه الثاني: أن يؤجر نفسه لتكون جميع منافعه و أعماله الخارجية ملكا للمستأجر مدة معينة على النحو المتقدم ذكره.

و قد تكون الإجارة متعلقة بعمل أو أعمال تكون في ذمة الأجير و دينا من ديونه يقوم بالوفاء بها في مدة الإجارة، و هذه الصورة تقع على وجوه:

الوجه الأول: أن يقيد المستأجر الإجارة بأن يقوم الأجير بالعمل أو الأعمال التي استأجره عليها و يباشر الإتيان بها بنفسه.

الوجه الثاني: ان يشترط المستأجر ذلك على الأجير في ضمن العقد بنحو تعدد المطلوب.

الوجه الثالث: أن لا يشترط المستأجر عليه المباشرة لا بنحو التقييد و وحدة المطلوب، و لا بنحو تعدد المطلوب فللفرض صور، و لكل صورة منها أحكامها كما سيأتي تفصيله ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 168:

الصورة الأولى: أن يؤجر الشخص نفسه لتكون جميع منافعه و أعماله الخارجية ملكا للمستأجر مدة معينة، من غير ان تشتغل ذمة الأجير له بشي ء، و من الواضح جدا أن فرض تمليك أعماله الخارجية يعني ان المملوك للمستأجر هي أعمال الأجير بنحو المباشرة فلا يكفي عمل غيره في الوفاء بالإجارة.

فإذا آجر الشخص نفسه كذلك، لم يجز له في مدة الإجارة أن يعمل لنفسه و لا لغيره أي عمل له مالية و يعد منفعة من المنافع، سواء كان عمله للغير بإجارة أم بجعالة أم تبرعا، فان جميع ذلك مما ينافي حق المستأجر، فلا يجوز إلا باذنه.

و يجوز للأجير في هذا الفرض أن يأتي بالأعمال التي لا تنافي حق

كلمة التقوى، ج 4، ص: 319

المستأجر و التي يكون عقد الإجارة منصرفا عنها، فلم تدخل في ملك المستأجر، كقراءة بعض السور في أثناء عمله، و كما إذا كان

العمل الذي وقعت عليه الإجارة هو عمل النهار، فلا يشمل العمل في الليل، أو هو منصرف عنه، فيجوز للأجير ان يعمل لنفسه أو لغيره في الليل تبرعا أو بإجارة أو بجعالة، و إذا أوجب ذلك له ضعفا عن العمل المستحق عليه في النهار لم يجز له، و يكون منافيا لحق المستأجر.

المسألة 169:

إذا خالف الأجير الحكم في المسألة المتقدمة، فأتى بجميع الأعمال التي وقعت عليها الإجارة أو أتى ببعض تلك الأعمال لغير المستأجر الذي ملكها، فان كان قد استوفى العمل لنفسه ثبت للمستأجر الخيار، فيجوز له أن يفسخ الإجارة، فيسترجع جميع الأجرة المسماة التي دفعها للأجير، و يجوز له أن يبقى الإجارة، و يطالب بأكثر الأمرين من عوض ما فاته من الأعمال و المنافع بسبب تعدي الأجير و مخالفته لعقد الإجارة، و عوض المنفعة أو المنافع التي استوفاها الأجير لنفسه، و إذا اختار المستأجر الوجه الأول ففسخ الإجارة و استرجع تمام الأجرة المسماة، و كان الأجير قد أتى له ببعض العمل قبل الفسخ كانت للأجير أجرة المثل لما أتى به من عمل أو أعمال.

و ان كان الأجير قد خالف و أتى بجميع الأعمال أو ببعضها تبرعا منه لغيره، جرى فيه الحكم المتقدم ذكره في ما إذا استوفى العمل لنفسه، فيثبت للمستأجر الخيار بين فسخ الإجارة و إمضائها على التفصيل و الأحكام التي مر بيانها هنا، و إذا كان تبرع الأجير للغير بأمر ذلك الغير أو استدعائه، جاز للمستأجر مضافا الى ذلك إذا هو أبقى الإجارة و لم يفسخ العقد أن يرجع على ذلك الغير المتبرع له بقيمة ما استوفاه من المنفعة.

و ان كان الأجير قد خالف و أتى بجميع الأعمال أو ببعضها لغيره بإجارة أخرى بينه

و بين ذلك الغير أو بجعالة منه، جاز للمستأجر الأول أن يجيز هذه الجعالة أو الإجارة الثانية التي وقعت بين الأجير و ذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 320

الغير فإذا أجازها كانت له الأجرة المسماة في تلك المعاملة بين الأجير و ذلك الغير، و يجوز للمستأجر الأول ان يفسخ الإجارة الأولى التي وقعت بينه و بين الأجير، فيسترد منه جميع الأجرة المسماة بينهما، و يجوز له كذلك أن يبقى الإجارة الأولى فلا يفسخها و يطالب بأكثر الأمرين من عوض المقدار الذي فاته من أعمال الأجير و منافعه بسبب مخالفة الأجير و تعديه، و من عوض الأعمال أو العمل الذي أتى به الأجير للغير إجارة أو جعالة، و يتخير المستأجر في ان يرجع في ذلك على الأجير نفسه أو على ذلك الغير فان العمل قد استوفي بأمره و استدعائه.

و إذا اختار المستأجر فسخ الإجارة الأولى و كان الأجير قد أتى له ببعض الأعمال قبل الفسخ وجب على المستأجر ان يدفع للأجير أجرة المثل عما أتى به من العمل.

المسألة 170:

الصورة الثانية: أن يؤجر الشخص نفسه لعمل معين أو لإعمال معينة خارجية، على أن يكون العمل أو الأعمال التي آجر نفسه للقيام بها ملكا للمستأجر في المدة المحدودة للإجارة، من غير أن تشتغل ذمته للمستأجر بشي ء، كما أوضحناه في المسألة المائة و السابعة و الستين، و قد مثلنا لهذه الصورة في ما تقدم بأن يؤجر الشخص نفسه ليكون كاتبا للمستأجر مدة شهر مثلا، أو ليكون كاتبا و حاسبا و مترجما له في المدة المعينة، فإذا آجر الشخص نفسه لذلك، لم يجز له أن يأتي بذلك العمل المعين أو بتلك الأعمال في المدة المعينة لنفسه و لا لغير المستأجر

من الناس، لا تبرعا و لا بإجارة و لا بجعالة، و لم يجز له ان يشتغل بشي ء آخر ينافي حق المستأجر بحيث لا يستطيع مع اشتغاله بهذا المنافي ان يأتي بالعمل الذي استحقه عليه المستأجر كما إذا استأجره للكتابة في وقت فاشتغل في الوقت نفسه بالخياطة أو بالنسج أو بالنجارة.

و كذلك إذا لم يذكر في الإجارة مدة معينة و لكنه عين فيها أول زمان العمل على أن يبتدئ الأجير بالعمل في ذلك الوقت، ثم لا يتماهل و لا ينصرف حتى يتم العمل، فلا يجوز للأجير ان يأتي في ذلك الوقت بذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 321

العمل لغير المستأجر، و لا يجوز له أن يشتغل بما ينافيه، و يجوز له أن يأتي بعمل آخر لا ينافيه كما إذا استؤجر للكتابة، فصام لنفسه أو لغيره تبرعا أو بالإجارة إذا لم يوجب ضعفه عن القيام بحق المستأجر.

المسألة 171:

إذا خالف الأجير الحكم في المسألة السابقة، فأتى بالعمل المعين في الوقت المعين لنفسه أو لغيره و غير المستأجر، تبرعا لذلك الغير أو بإجارة منه أو بجعالة، جرت عليه نظائر الأحكام المتقدم ذكرها في مخالفة الصورة الأولى في المسألة المائة و التاسعة و الستين.

فإذا هو خالف، فأتى بالعمل لنفسه في الوقت الذي ملك المستأجر فيه العمل، تخير المستأجر بين أن يفسخ عقد الإجارة بينه و بين الأجير، فيسترد منه جميع الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و كانت للأجير عليه أجرة المثل إذا كان الأجير قد أتى له ببعض العمل قبل مخالفته و فسخ المستأجر، و أن يمضي الإجارة الواقعة بينهما، فتكون للأجير أجرته المسماة له، و يطالبه المستأجر بأكثر الأمرين، و هما عوض ما فات المستأجر من العمل

بسبب مخالفة الأجير، و عوض العمل الذي استوفاه الأجير لنفسه.

و مثله الحكم في ما إذا خالف الأجير فأتى بالعمل المعين في الوقت تبرعا منه لغير المستأجر، فيكون المستأجر مخيرا بين الفسخ و الإمضاء على نهج ما سبق بيانه في فرض إتيان الأجير بالعمل لنفسه، و إذا كان تبرع الأجير للغير بأمر ذلك الغير و استدعائه، و اختار المستأجر أن يبقى الإجارة، جاز له أن يرجع على ذلك الغير المتبرع له بقيمة المثل للعمل الذي استوفاه من الأجير.

و إذا خالف الأجير فأتى بالعمل في الوقت المعين لغير المستأجر الأول بإجارة ثانية أو بجعالة منه، تخير المستأجر الأول كما فصلناه في المسألة المائة و التاسعة و الستين، فيصح له أن يجيز الإجارة الثانية أو الجعالة فإذا أجازها كان له العوض المسمى فيها للأجير، و يجوز له أن يفسخ الإجارة الأولى و يسترد الأجرة المسماة من الأجير و على المستأجر في هذا الفرض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 322

ان يدفع للأجير أجرة المثل إذا كان قد أتى له ببعض العمل قبل المخالفة و الفسخ، و يجوز للمستأجر أن يبقى الإجارة الأولى و يدفع للأجير أجرته المسماة له، و يطالبه بأكثر الأمرين، و هما عوض ما فاته من العمل بسبب مخالفة الأجير، و عوض العمل الذي قام به الأجير للمستأجر الثاني أو الجاعل، و يصح له ان يرجع في ذلك على هذين فان الاستيفاء قد حصل بأمرهما و استدعائهما.

و إذا خالف الأجير، فاشتغل في الوقت المعين بما ينافي العمل المستأجر عليه، كان للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة فيسترد الأجرة المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها اليه، و أن يمضي الإجارة فيدفع للأجير أجرته المسماة له و يطالبه

بعوض العمل الذي فوته عليه بفعل المنافي.

المسألة 172:

الصورة الثالثة: أن يؤجر الشخص نفسه للمستأجر ليقوم له بعمل واحد أو بأعمال تشتغل بها ذمة الأجير و تكون دينا عليه من ديونه يلزمه الوفاء بها في مدة الإجارة المعينة، و الإجارة مقيدة بأن يكون الأجير نفسه هو الذي يأتي بالعمل مباشرة.

فإذا آجر الشخص نفسه كذلك لم تحرم عليه الأعمال إذا كانت لا تنافي الوفاء بالإجارة و لا تمنع منه، فيجوز له أن يأتي بمثل العمل المستأجر عليه و بغيره مما لا ينافيه، سواء أتى بالعمل لنفسه أم لشخص آخر و سواء أتى به للغير متبرعا به أم مستأجرا عليه، و لا يجوز له أن يأتي بأي عمل ينافي وفاءه بالإجارة و يمنع منه، و إذا خالف الأجير ذلك فأتى بعمل لا يمكنه معه أن يفي بالإجارة و يأتي بالعمل المستأجر عليه، كان المستأجر مخيرا بين أن يفسخ الإجارة فيسترجع الأجرة المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها اليه، و أن يمضي الإجارة فتكون للأجير أجرته المسماة له و يثبت للمستأجر حق مطالبته بقيمة العمل المستأجر عليه و الذي فوته الأجير عليه بسبب المخالفة.

و إذا خالف الأجير فآجر نفسه لعمل ينافي الوفاء بالإجارة الأولى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 323

ثبت للمستأجر التخيير المتقدم ذكره في الفرض السابق، فيجوز له أن يفسخ الإجارة الأولى فيسترد الأجرة و ان يبقيها و يطالب الأجير بقيمة العمل المستأجر عليه.

و هل تصح الإجارة الثانية إذا أجازها المستأجر الأول، أو أسقط حقه في الإجارة الأولى، فيه اشكال فلا يترك الاحتياط فيه و في فروعه، بل الظاهر العدم في الفرض الثاني فان الحق في الإجارة لا يسقط بالإسقاط.

المسألة 173:

الصورة الرابعة: أن يؤجر الشخص نفسه للمستأجر لعمل أو أعمال تكون في ذمة الأجير،

على النهج الذي ذكرناه في الصورة الثالثة، و يشترط المستأجر في ضمن العقد على الأجير أن يأتي بالعمل المستأجر عليه بنحو المباشرة، و يكون الاشتراط بنحو تعدد المطلوب لا بنحو تقييد الإجارة بذلك.

فإذا آجر الشخص نفسه للعمل على هذا الوجه جاز للأجير أن يأتي بأي عمل شاء إذا كان لا ينافي الوفاء بالإجارة و بالشرط و لا يمنع منه، و لا يجوز أن يقوم بعمل ينافي ذلك، و إذا خالف الأجير هذا الحكم فأتى بالعمل المنافي له ثبت للمستأجر الخيار الذي تقدم بيانه في الصورة الثالثة و بيان لوازمه.

و إذا خالف الأجير فآجر نفسه لعمل ينافي الوفاء بالإجارة الأولى و بشرطها ثبت للمستأجر ذلك الخيار أيضا مع لوازمه المذكورة، و أمكن للمستأجر أن يسقط شرطه للمباشرة فإذا أسقط الشرط وجب على الأجير ان يفي بكلتا الاجارتين، فيفي بالإجارة الأولى للمستأجر الأول و يأتي بالعمل له لا بنحو المباشرة، و يفي بالإجارة الثانية للمستأجر الثاني و يأتي بالعمل له بنحو المباشرة، و يستحق بذلك كلتا الأجرتين.

و هل يصح للمستأجر الأول أن يجيز الإجارة الثانية؟ يشكل الحكم بصحة ذلك، و لا تترك مراعاة الاحتياط فيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 324

المسألة 174:

الصورة الخامسة: ان يؤجر الشخص نفسه للمستأجر لعمل أو أعمال تكون في ذمة الأجير على نهج ما تقدم، و تكون الإجارة مطلقة فلا يشترط المستأجر فيها على الأجير مباشرة العمل بنفسه لا بنحو وحدة المطلوب و لا بنحو تعدد المطلوب، و إذا آجر الشخص نفسه كذلك جاز له أن يأتي بأي عمل شاء لنفسه أو لغيره، و جاز له أن يؤجر نفسه لغير المستأجر الأول لمثل ذلك العمل و لغيره، و وجب عليه أن يفي بعقد الإجارة

في الوقت المحدد إذا كان موقتا، سواء أتى بالعمل مباشرة أم باستنابة غيره تبرعا أم بإجارة أم بجعالة.

المسألة 175:

إذا استأجر الإنسان من أحد سيارة أو سفينة أو دابة للركوب فيها الى مكان معين، فحملها متاعا أو طعاما الى الموضع نفسه أو الى غيره، وجب على المستأجر أن يدفع للمالك أكثر الأمرين من الأجرة المسماة له في عقد الإجارة، و من أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها.

و كذلك الحكم إذا استأجر منه دارا ليسكنها مدة معلومة فاستعملها فندقا لنزول المسافرين، أو استأجر المحل أو الدكان ليستعمله مخزنا، فاتخذه متجرا أو معملا.

و مثله ما إذا استأجر دابة أو سيارة لحمل متاع معين، و قيد المالك الإجارة بذلك، فحملها المستأجر بعد ما قبضها غير ذلك المتاع عامدا أو مشتبها، فيكون للمالك في هذه الفروض و ما أشبهها، أكثر الأمرين من الأجرة المسماة و من أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها المستأجر.

و نظيره في الحكم ما إذا استأجر الرجل أجيرا لعمل معين من الأعمال، فحمله المستأجر على غير ذلك العمل و استوفاه منه و كان العامل غافلا أو جاهلا كما إذا آجره وكيله أو وليه و هو لا يعلم، فيثبت للأجير أكثر الأمرين.

المسألة 176:

إذا استأجر الإنسان رجلا ليعمل له عملا معينا في وقت معين، فعمل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 325

الأجير للمستأجر عملا آخر غير العمل الذي استأجره له لم يستحق الأجير عليه شيئا، و مثال ذلك أن يستأجر زيد خالدا ليكون له كاتبا مدة شهر مثلا، فشغل خالد نفسه بالخياطة أو النساجة لزيد حتى أتم شهر الإجارة، فلا يستحق الأجير خالد على زيد شيئا، لا أجرة المثل لخياطته أو نساجته له لأنه لم يستأجره لذلك، و لا الأجرة المسماة لأنه لم يأت بالكتابة، سواء كان عامدا في فعله أم مخطئا.

و يجوز للمستأجر أن يمضي الإجارة بينه و بين

الأجير، فإذا أمضاها استحق الأجير عليه الأجرة المسماة له في العقد و استحق المستأجر على الأجير أجرة المثل للمنفعة التي ملكها و فاتت منه و هي الكتابة في المثال.

المسألة 177:

إذا آجر المالك دابته أو سيارته لزيد ليحمل متاعه الى موضع معين فاشتبه المالك، و حمل متاع عمرو، لم يستحق صاحب الدابة أو السيارة شيئا على زيد، لأنه لم يقم له بالعمل المستأجر له، و لا على عمرو، لأنه لم يستأجر لحمل متاعه.

و يجوز للمستأجر و هو زيد أن يمضي الإجارة، فإذا أمضاها استحق صاحب الدابة أو السيارة عليه الأجرة المسماة، و استحق المستأجر زيد أجرة المثل عن المنفعة التي ملكها و فاتت عليه و هي حمل متاعه الى الموضع المعين كما ذكرنا في المسألة المتقدمة.

المسألة 178:

إذا استأجر الرجل من المالك سيارة معينة أو دابة معينة ليركبها الى موضع معين، و سلمه المالك السيارة أو الدابة الخاصة التي عينها في العقد، و مكنه منها مدة يمكنه فيها استيفاء المنفعة المقصودة، ثم اشتبه المستأجر فأخذ سيارة أو دابة أخرى للمالك و ركبها الى المكان المعين، وجب على المستأجر أن يدفع للمالك الأجرة المسماة للسيارة أو الدابة المعينة، و أجرة المثل للسيارة أو الدابة الأخرى التي ركبها و استوفى منفعتها، و كذلك الحكم إذا استأجر الدابة منه و مكنه منها كما تقدم، ثم اشتبه المستأجر و ركب دابة لعمرو، فتجب الأجرة المسماة لدابة زيد و اجرة المثل لدابة عمرو.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 326

كلمة التقوى، ج 4، ص: 326

و لا تجب الأجرة المسماة بمجرد الإجارة إذا لم يمكنه المالك من الدابة أو السيارة، أو مكنه و لم تمض مدة يمكن المستأجر استيفاء المنفعة فيها.

المسألة 179:

إذا استأجر الرجل السيارة من مالكها ليحمل فيها طعاما أو متاعا أو شيئا آخر مما يحل حمله و سلمه المالك السيارة لذلك فحمل فيها خمرا، وجب على المستأجر ان يدفع الأجرة المسماة لصاحب السيارة و حل لصاحب السيارة أخذها، لأنها أجرة عن المنفعة المحللة المقصودة، و ليست أجرة لحمل الخمر.

و إذا حملها المستأجر بعد ما قبضها خلا و خمرا وجبت عليه الأجرة المسماة لحمل الخل، و يشكل الحكم بوجوب أجرة المثل لحمل الخمر، و إذا غصب السيارة من مالكها كان ضامنا لها و لمنافعها المحللة و ان لم يستوفها الغاصب فإذا أرجع السيارة إلى مالكها وجب عليه ان يدفع اليه

أجرة المثل عن منفعتها المحللة في مدة الغصب و ان لم يستوفها الغاصب و إذا حملها خمرا أشكل الحكم بوجوب أجرة المثل لحمل الخمر.

المسألة 180:

إذا آجر الإنسان نفسه للصوم في يوم معين أو في أيام معينة عن شخص، ثم آجر نفسه للصوم في ذلك اليوم أو في تلك الأيام المعينة عن شخص آخر، فالظاهر عدم صحة الإجارة الثانية، سواء كان عامدا أم مخطئا أم ناسيا للإجارة الأولى حين إيقاع الإجارة الثانية.

و إذا فسخت الإجارة الأولى بخيار من الأجير أو من المستأجر، أو بإقالة منهما، ثم أجاز الأجير إجارته الثانية قبل وصول موعد الصوم لم يبعد الحكم بصحتها.

و كذلك الحكم إذا آجر نفسه للصوم في الأيام المعينة ثم آجر نفسه لسفر يوجب القصر و الإفطار في تلك الأيام فتبطل الإجارة الثانية إلا إذا فسخت الأولى بخيار أو إقالة ثم أجاز الثانية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 327

المسألة 181:

لا تصح اجارة العين المملوكة إلا بإذن مالكها أو اذن وليه قبل اجراء العقد أو إجازته أو اجازة وليه بعد وقوع العقد، سواء كانت العين المستأجرة دارا أم عقارا أم غيرهما، و لا يصح بقاء المستأجر بعد انتهاء أمد الإجارة في الدار أو الدكان أو المحل إلا بإذن المالك و رضاه أو اذن وكيله المفوض أو اذن وليه إذا كان قاصرا أو محجورا عليه. و يستثنى من ذلك ما إذا اشترط ذلك على المالك في عقد الإجارة أو في عقد لازم آخر، و يراجع في ذلك و في المسائل المتعلقة بالسرقفلية ما كتبناه في مبحث السرقفلية من رسالتنا في المسائل المستحدثة، فإن ما ذكرناه هناك يغنينا عن تكراره هنا.

الفصل السادس في إجارة الأرض و بعض أحكام الإجارة

المسألة 182:

يجوز للمالك أن يؤجر الأرض التي يملكها لغيره لاستيفاء منفعة معينة منها كالزرع و الغرس فيها أو جعلها مراحا أو مسرحا أو مرعى للحيوانات، أو اتخاذها محلات لتربية الدواجن و حفظها و عرضها و بيعها أو موضعا لتجميع التمر و تشميسه، أو لتصفية الطعام و إعداده للنقل و البيع، و شبه ذلك من المنافع المقصودة و لا بد و ان تكون الأرض التي يراد استئجارها معلومة الوصف و المقدار و الموضع، و لو بالمشاهدة الرافعة للجهالة و الغرر في كل أولئك، لاختلاف الأغراض باختلاف كل واحد منها، و لا بد و أن تكون مدة الإجارة محددة معلومة، فلا يصح أن يكون الموعد فيها قابلا للزيادة و النقصان، كما إذا آجره الأرض من أول ابتداء الزراعة إلى نهاية دوس الحبوب، أو من ابتداء جذاذ التمر إلى أوان بيعه.

المسألة 183:

يجوز للمالك أن يؤجر حصة مشاعة من الأرض إذا كانت الأرض معلومة و لو بالمشاهدة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فيؤجر غيره نصف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 328

هذه الأرض المعلومة أو ثلثها أو ربعها مدة شهرين بعشرين دينارا، فإذا آجر الحصة كذلك و ملك المستأجر منفعتها اقتسمها مع مالك الأرض أو مع الشريك في المنفعة كما يقتسم الشركاء الأموال المشتركة بينهم، أو كما تقدم في المسألة المائة و الرابعة عشرة.

و يجوز أن يؤجره مقدارا من الأرض على نحو الكلي في المعين، فيؤجره جريبا من هذه الأرض المعينة أو قفيزا منها مثلا، ثم يتفقان في استيفاء المنفعة على أحد الوجوه و لو بالتراضي و المصالحة على جعل الجريب المستأجر في موضع معين من الأرض.

المسألة 184:

الظاهر أنه يصح للمالك أن يؤجر غيره مقدارا كليا في الذمة من الأرض، فيؤجره جريبا من أرض أو قفيزا و يكون الجريب المستأجر أو القفيز دينا في ذمة المؤجر، و لا بد من أن يكون موصوفا على وجه لا يكون معه غرر و لا جهالة في العين المستأجرة، و لا تصح الإجارة بدون ذلك.

المسألة 185:

لا يجوز للمالك أن يؤجر الأرض من أحد للزراعة فيها بمقدار معين من الحنطة أو الشعير اللذين ينتجان من زراعة تلك الأرض، و مثال ذلك أن يؤجر المالك أرضه المعينة من زيد ليزرعها حنطة أو شعيرا بعشرين منا من الحنطة أو من الشعير الذي ينتج من زراعته لهذه الأرض نفسها، فتبطل هذه الإجارة و لا تصح.

و لا يختص الحكم بالبطلان بما إذا استأجر الأرض بمقدار مما يحصل منها من الحنطة أو الشعير خاصة، بل تبطل الإجارة أيضا إذا استأجر الأرض لزراعة الحنطة أو الشعير أو لزراعة غيرهما من الحبوب بمقدار معين من الحبوب التي تحصل من زراعة الأرض نفسها سواء كانت حنطة أم شعيرا أم أرزا أم عدسا أم غيرها من الحبوب التي تنتج من زراعتها بعد الإجارة، و لا تصح إجارة الأرض للزراعة بما يحصل من زراعة أرض معينة أخرى بعد الإجارة كذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 329

و لا تصح إجارتها بالحنطة أو الشعير أو بغيرهما من الحبوب إذا اشترط في عقد الإجارة أن يكون الأداء من حاصل زراعة الأرض بعد الإجارة.

و أولى بالحكم بالبطلان من جميع ذلك ما إذا آجره الأرض للزراعة بحصة معينة من حاصلها فيؤجره الأرض بربع ما يحصل من زراعتها من الحبوب أو بثلثه مثلا.

و لا تبطل الإجارة إذا آجر المالك الأرض للزراعة بعشرين منا من

الحنطة مثلا أو من الشعير أو من غيرهما من الحبوب التي حصلت من زراعة الأرض نفسها قبل الإجارة، و لا تبطل الإجارة كذلك إذا آجر الأرض للزراعة بعشرين منا من الحنطة أو الشعير ثم أدى المستأجر مال الإجارة من حاصل زراعته في الأرض من غير اشتراط من المالك و لا تقييد بذلك.

المسألة 186:

إذا استأجر الإنسان من المالك أرضا للزراعة مدة معينة فحدثت آفة أفسدت الزراعة في الأرض أو أوجبت نقص النتاج منها، لم تبطل الإجارة بذلك، و لم يوجب ذلك نقصا في الأجرة المعينة في العقد، و لم يثبت بسبب ذلك خيار للمستأجر في فسخ الإجارة.

و إذا شرط المستأجر على المالك في ضمن العقد أن يبرئه من الأجرة بمقدار ما ينقص من حاصل الزراعة بسبب الآفة إذا حدثت، و قبل المالك بالشرط، نفذ الشرط و لزم العمل به، فإذا نقص من حاصل زراعة الأرض نصفه بسبب الآفة وجب على المالك أن يبرئ المستأجر من نصف الأجرة، و إذا نقص من الحاصل الربع وجب أن يبرئه من الربع، و هكذا، و المرجع في تقدير النقص من حاصل الزراعة، إلى تعيين أهل الخبرة و المعرفة بذلك.

المسألة 187:

يجوز أن يتقبل الشخص الأرض من مالكها، لينتفع بها بزراعة أو غرس أو غير ذلك من وجوه الانتفاع المقصودة مدة معلومة، و يجعل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 330

العوض عن ذلك تعمير الأرض بستانا مثلا بحرثها و شق أنهارها و إخراج بئر أو عين ماء فيها و غرسها نخيلا و شجرا و نحو ذلك، أو بتعميرها دارا أو بنائه أو دكاكين معلومة المقادير و الصفات.

و الظاهر ان ما دلت عليه النصوص في ذلك معاملة خاصة، و ليست اجارة و لا جعالة، فتصح كذلك إذا كانت الأرض المتقبلة معلومة الحدود و الفوائد، و كان التعمير و الأعمال المشترطة بين المتعاملين معينة غير مجهولة.

المسألة 188:

إذا التزم الإنسان بعض الأرض الخراجية من ولي أمرها على ما فصلناه في المسألة السادسة و الأربعين من كتاب التجارة، و ذكرناه في المسألة المائة و الخامسة و الثلاثين، في فصل شرائط العوضين، كان مالكا لمنفعتها، و كان هو المكلف بدفع ما عليها من الخراج و الضريبة، فإذا استأجرها أحد من ذلك الإنسان ليزرعها و ينتفع بها فلا شي ء عليه من الخراج و الضريبة الا أن يشترط مالك المنفعة عليه ذلك في عقد الإجارة بينهما.

المسألة 189:

إذا استأجر الرجل الأرض من مالكها لبعض المنافع المقصودة مدة معينة، فغرس المستأجر في الأرض المستأجرة أو زرع فيها ما يحتاج في إدراكه إلى مدة أطول، فإذا انقضت مدة الإجارة جاز لمالك الأرض أن يأمر المستأجر بقلع ما غرس أو زرع في الأرض.

و كذلك إذا استأجر الأرض من مالكها للغرس أو للزرع مدة معينة، و غرس في الأرض أو زرع فيها ما لا يدرك في تلك المدة التي عينها في الإجارة، كما إذا استأجرها للغرس مدة سنتين، فغرس فيها شجرا أو نخيلا لا يثمر الا بعد ست سنين أو أكثر، و كما إذا استأجرها للزراعة فيها مدة شهرين، و زرع فيها مالا يبلغ أوان قطعه أو جزه الا بعد ثلاثة أشهر، فإذا انقضت مدة الإجارة جاز للمالك أن يأمر المستأجر بقلع ما غرس أو زرع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 331

و لا يجوز للمستأجر أن يبقى غرسه و زرعه ثابتا في الأرض الا بإذن المالك و رضاه و ان بذل أجرة المثل للمدة التي يبقى فيها الغرس و الزرع ثابتا في الأرض، و ليس له أن يطالب المالك بأرش الشجر أو الزرع إذا قلعه.

المسألة 190:

إذا انتهت مدة الإجارة و لم يستأصل المستأجر جذور ما زرعه في الأرض التي استأجرها، فنمت الجذور و الزرع، فإن أعرض المستأجر عن زرعه و اباحه للآخرين ليتملكوه، جاز لمن شاء من الناس ان يسبق اليه و يتملكه من غير فرق بين مالك الأرض و غيره، و ان لم يعرض المستأجر عن زرعه أو لم يبحه للآخرين فهو ملك له.

و لا يجوز لغير مالك الأرض أن يدخلها الى ذلك الزرع إلا بإذن المالك سواء كان هو المستأجر سابقا أم غيره ليسبق الى

الزرع.

و لا يكفي مجرد اعراض المستأجر في صحة تملك الناس الآخرين للزرع بعد إعراضه حتى تقوم معه قرينة عامة أو خاصة على إباحته لأن يتملكه الآخرون، و لا يكفي في التملك مجرد القصد حتى يستولي على الزرع بقصد تملكه أو بقصد الحيازة لنفسه.

المسألة 191:

لا يصح للإنسان أن يستأجر أرضا مدة طويلة ليوقفها مسجدا و ان كانت المدة طويلة جدا، و لا تصح المسجدية إذا هو استأجرها كذلك و وقفها، و لا تثبت للأرض آثار المسجدية و أحكامها، فلا يحرم تلويثها بالنجاسة و لا يحرم دخول الجنب و الحائض و النفساء فيها و لا تكون لها فضيلة الصلاة في المسجد.

و يصح أن تجعل مصلى يصلي فيه الناس و يتعبدون فيه ما دامت المدة المعينة في الإجارة فإذا انقضت المدة عادت الأرض إلى حالها الأولى.

المسألة 192:

قد اتضح مما بيناه في المسألة التاسعة عشرة و غيرها من المسائل المتعلقة بشرائط العوضين في عقد الإجارة ان كل عين مملوكة يمكن الانتفاع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 332

بها مع بقاء عينها، فهي مما تصح إجارتها بشرط أن تكون المنفعة محللة في الإسلام، و مقصودة عند العقلاء بحيث تعد في نظرهم مالا، و ان كان وجود تلك المنفعة نادرا فلا يضر في صحة إجارة العين أن تكون المنفعة المقصودة منها نادرة الوقوع، إذا كانت مما يرغب فيه الناس في حال وقوعه و يبذلون المال للحصول عليه.

و كذلك كل عمل محلل في الإسلام و مقصود عند العقلاء و يعد في نظرهم مالا، فهو مما تصح الإجارة عليه و ان كانت الحاجة إليه نادرة الوقوع على نهج ما تقدم في منفعة العين، عدا ما استثني من الأعمال التي لا تصح الإجارة عليها كالواجبات العبادية و نحوها على ما سيأتي بيانه.

المسألة 193:

يصح للإنسان أن يستأجر البستان من مالكه للتنزه فيه مدة معينة، أو لإقامة ضيوفه فيه أياما، أو لإقامة مريض فيه أيام نقاهته و إبلاله من المرض، و لا يجوز التصرف في ثمار البستان و ازهاره و أشجاره إلا بإذن المالك و رضاه.

المسألة 194:

يجوز أن يستأجر الشجر للانتفاع به في الاستظلال بفيئة و ربط الحيوان و الدواب فيه و شد الحبال فيه لنشر الثياب و غيرها لأهل المغاسل و غيرهم و شبه ذلك من المنافع.

المسألة 195:

يجوز أن يستأجر الرجل أو المرأة لكنس المنزل أو المسجد أو المشهد، و فرشه، و تنظيف فرشه و أدواته، و تطهيره من النجاسة إذا حدثت فيه، و إشعال السرج فيه، و تحريك وسائل التدفئة و التبريد فيه و ما أشبه ذلك.

المسألة 196:

الظاهر أن حيازة المباحات مما تقبل النيابة فيها، و لذلك فالأقوى صحة الإجارة عليها، فيجوز للإنسان أن يستأجر عاملا ليحوز له بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 333

المباحات كالحطب و الحشيش و الماء و الرمل و الحصى و الحجر و الجص من مواضعها المباحة، فإذا استأجر العامل لذلك على أن يكون المستأجر مالكا للحيازة و قصد الطرفان ذلك، ملكا المستأجر الحيازة بمقتضى العقد و ملك الشي ء المحاز بتبع ملكه للحيازة.

و هذه النتيجة تتحقق قهرا و ان قصد الأجير بحيازته تمليك نفسه، أو قصد بها تمليك شخص ثالث غيره و غير المستأجر، و ذلك لأن الأجير لما أوقع الإجارة على النهج المتقدم بيانه قد اخرج ذلك عن ملكه باختياره، فيكون قصده تمليك نفسه أو تمليك الشخص الآخر لغوا لا أثر له.

و لا فرق في ذلك بين ان تكون الإجارة بينهما واقعة على جميع منافع الأجير الخارجية فيكون جميعها ملكا للمستأجر و منها المنفعة الخاصة و هي أن يحوز المباح أو تكون الإجارة واقعة على المنفعة الخاصة المذكورة منه فتكون هذه المنفعة بعينها ملكا للمستأجر مدة معينة.

المسألة 197:

إذا استأجر الشخص عاملا ليحوز له بعض المباحات كما تقدم، على أن تكون الحيازة للمستأجر في ذمة العامل الأجير مدة معينة، أصبحت المنفعة المذكورة دينا عليه، و وجب عليه أن يفي بالعقد و بالدين في المدة التي عينها، و لكن الحيازة الخارجية لا تتعين للمستأجر و لا تكون وفاء بالعقد حتى يقصد الأجير ذلك بحيازته، فإذا نوى بحيازته الخارجية أنها للمستأجر وفاء بالعقد، كانت الحيازة الخاصة ملكا للمستأجر و كان الشي ء المحاز ملكا له أيضا تبعا لملكه للحيازة كما سبق في نظيره.

و إذا نوى الأجير الحيازة لنفسه أو لشخص ثالث،

لم يملكها المستأجر، و كان مخيرا بين أن يفسخ الإجارة فيسترجع الأجرة المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها اليه، و أن يبقى الإجارة فيجب عليه أن يدفع الأجرة للأجير إذا كان لم يدفعها اليه و يستحق هو على الأجير أجرة المثل للمنفعة التي فاتت عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 334

المسألة 198:

إرضاع المرأة للطفل عمل من إعمالها، فهي تأخذ الطفل و تضعه في حجرها أو الى جانبها و هي نائمة و تضع ثديها في فمه مدة، ثم تنقله إلى الثدي الآخر حتى يرتوي و قد تصحب ذلك إعمال أخرى من المرأة، و لذلك فيصح للمرأة أن تؤجر نفسها للإرضاع مدة معينة، و لا ريب في صحة ذلك.

و كذلك يصح لها أن تؤجر نفسها للرضاع، و هو منفعة من منافعها، فتؤجر نفسها لولي الطفل لينتفع الطفل بلبنها مدة معينة، و ان لم يتحقق منها أي فعل كما إذا سعى الطفل بنفسه إليها و التقم الثدي بفمه، و كما إذا وضع احد الطفل في حجرها أو الى جانبها و هي نائمة و جعل ثدي المرضعة في فم الرضيع، فتصح الإجارة في جميع الصور.

و يعتبر في صحة الإجارة لذلك أن تشاهد المرأة الطفل الرضيع أو يوصف لها وصفا يرتفع معه الغرر و الجهالة و ان تشاهد المرأة المرضعة أو توصف للمستأجر وصفا يرتفع معه الغرر و الجهالة.

المسألة 199:

يجوز للمرأة المتزوجة ان تؤجر نفسها للإرضاع أو الرضاع و ان لم يأذن لها زوجها بذلك نعم لا يجوز لها ان تؤجر نفسها لذلك إذا كان منافيا لحق الزوج من الاستمتاع بالزوجة أو لحقه في عدم خروج المرأة من المنزل إلا باذنه، و إذا آجرت نفسها لذلك بغير اذن الزوج لم تصح الإجارة إلا بإجازته.

المسألة 200:

لا يملك الرجل لبن زوجته و لذلك فيجوز لها ان تؤجر نفسها للزوج لإرضاع ولده سواء كان الولد منها أو من غيرها و تملك الأجرة منه إذا دفعها إليها.

المسألة 201:

إذا كانت المرأة خلية من الزوج و هي ذات لبن، فآجرت نفسها لرضاع طفل ثم تزوجت في مدة الإجارة وجب عليها الوفاء بالعقد و ان كان منافيا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 335

لحق الزوج، و كذلك إذا آجرت نفسها لغير الرضاع من الأعمال الأخرى قبل التزويج ثم تزوجت كما تقدم ذلك في المسألة الثانية و الستين و إذا كان وطؤ الزوج لها في الفرض المذكور مضرا بالولد الرضيع منع الزوج منه مدة الإجارة.

المسألة 202:

يملك السيد لبن أمته، سواء كان اللبن منه أم من غيره، حرا كان ذلك الغير أم مملوكا، و سواء كانت الأمة قنة أم مدبرة، أم أم ولد، فيجوز للسيد أن يؤجر أمته لرضاع أي طفل يريد، و يجوز له أن يتبرع بإرضاعها لأي طفل، سواء رضيت الأمة بالإجارة و التبرع أم لا، و ان كانت ذات طفل يحتاج الى الرضاع فيرضع طفلها من لبن أخرى.

و لا يجوز للسيد أن يؤجر أمته المكاتبة المطلقة و لا المشروطة و لا المبعضة لإرضاع طفل أو يتبرع بإرضاعها لطفل الا برضاها.

المسألة 203:

إذا استأجر أحد مرضعة لإرضاع طفل معين مدة معينة، و مات الطفل انفسخت الإجارة بموت الطفل، فان كان موته قبل حلول المدة، أو بعد حلولها و قبل أن تتمكن المرأة من إرضاعه، استرد المستأجر منها جميع الأجرة إذا كان قد دفعها إليها، و ان كان موت الطفل في أثناء المدة و قد أرضعته في بعضها، استحقت المرضعة من الأجرة المسماة بنسبة الفترة التي أرضعته فيها الى مجموع المدة، فإن كانت أرضعته نصف المدة استحقت نصف الأجرة، و ان أرضعته ربع المدة استحقت ربع الأجرة، و أرجعت إلى المستأجر الباقي.

و إذا استأجر المرضعة لإرضاع طفل غير معين، و دفع إليها طفلا، فأرضعته بعض المدة ثم مات الطفل المدفوع إليها لم تنفسخ الإجارة بموته، فيجوز للمستأجر أن يدفع إليها طفلا آخر لتتم المدة بإرضاعه، و إذا تعذر وجود الطفل بطلت الإجارة، و جرى التفصيل المتقدم ذكره في الأجرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 336

المسألة 204:

إذا استأجر أحد مرضعة لإرضاع طفل، و اشترط المستأجر على المرضعة أن يكون رضاع الطفل بلبنها لا بلبن غيرها، ثم ماتت المرضعة، انفسخت الإجارة بموتها.

فان كان موتها قبل حلول مدة الإجارة أو بعد حلولها و قبل أن تتمكن المرأة من إرضاعه، استرجع المستأجر من ورثة المرضعة جميع الأجرة إذا كان قد دفعها إليها، و ان كان موت المرضعة في أثناء المدة و قد أرضعت الطفل في بعضها كان لها من الأجرة بالنسبة كما تقدم، و استرد المستأجر الباقي من الورثة، إذا كان قد دفعه الى المرضعة.

و إذا استأجرها على أن يكون إرضاع الطفل دينا في ذمتها تقوم بوفائه في المدة، و لو بإرضاع غيرها من المرضعات لم تبطل الإجارة بموت المرضعة، و وجب الوفاء

على ورثتها و لو باستئجار مرضعة أخرى لتقوم بإرضاع الطفل و إذا تعذر وجود مرضعة غيرها بطلت الإجارة، و جرى التفصيل المتقدم بيانه في الأجرة.

المسألة 205:

لا ينبغي الريب في ان لبن الشاة أو البقرة أو الناقة يعد في نظر أهل العرف من منافعها، و نتيجة لذلك، فيجوز على الأقوى أن يستأجر الرجل الشاة أو البقرة أو الناقة من مالكها مدة معلومة لينتفع بلبنها و منتوجاته من جبن أو مخيض أو زبد أو غيرها، من غير فرق بين لبنها الذي يتجدد بعد الإجارة و الموجود منه بالفعل.

و كذلك شأن الثمر بالنسبة إلى الشجر و الماء بالنسبة إلى البئر أو العين فإنها في نظر أهل العرف منافع لها، فيصح على الأقوى أن يستأجر الشجرة أو الشجر لينتفع المستأجر بثمارها مدة معينة، و يستأجر البئر أو العين لينتفع بمائها، و ان كان اللبن و الثمر و الماء من الأعيان، و الانتفاع بها لا يكون إلا بإتلاف العين، و الاشكال في صحة استئجارها لهذه الجهة ضعيف، و لا فرق في الماء و الثمر بين ما يتجدد في العين و الشجرة بعد الإجارة و الموجود منه بالفعل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 337

المسألة 206:

إذا أمر الرجل أحدا بأن يعمل له عملا، فأتى المأمور بالعمل كما طلب، فان كان المأمور قد قصد التبرع بعمله للآمر، لم يستحق عليه أجرة، و ان كان من عزم الآمر أن يدفع له الأجرة حينما طلب منه العمل له.

و كذلك إذا دلت القرينة الخاصة أو العامة على أن الآمر قد قصد المجانية في العمل حينما أمره به، و مثال ذلك أن يكون العمل المأمور به مما يعمل مجانا و بدون أجرة بحسب العادة المتبعة بين الناس، أو يكون الشخص المأمور ممن لا يطلب الأجرة على ذلك العمل إذا أتى به لغيره.

و إذا كان المأمور لم يقصد التبرع بعمله، و لم تدل القرائن

على أن الآمر قد قصد المجانية في طلبه لما أمره بالعمل له، استحق المأمور أجرة المثل على العمل الذي أتى به.

المسألة 207:

إذا اعتقد العامل أن زيدا قد استأجره للعمل المعين، فأتى بالعمل بقصد الوفاء بالإجارة ثم ظهر أن زيدا لم يستأجره لذلك و لم يأمره بالعمل، لم يستحق عليه أجرة.

المسألة 208:

يصح للإنسان أن يستأجر شخصا ليقوم له بكل ما يريد منه من الأعمال و الحاجات المقدورة له، و التي يتعارف بين الناس قيام مثل هذا الأجير بها، فتكون جميع منافع الأجير ملكا للمستأجر في المدة المعينة بينهما، و لا بد من أن يعين في العقد الأوقات التي يقوم الأجير فيها بوظيفته المذكورة، أ هي في النهار وحده، أم في الليل و النهار في أي ساعة يطلبه المستأجر للعمل، أم في ساعات محددة.

المسألة 209:

الظاهر أن نفقة الأجير الآنف ذكره تكون على نفسه، و لا تجب على المستأجر، إلا إذا اشترط الأجير عليه ذلك في ضمن العقد فيلزم الوفاء

كلمة التقوى، ج 4، ص: 338

بالشرط، أو كانت العادة المتعارفة بين الناس أن يقوم المستأجر بنفقة هذا الأجير، أو دلت القرائن عليه، فيكون ذلك بحكم الشرط في ضمن العقد.

و إذا اشترط الأجير نفقته على المستأجر في ضمن العقد، فلا بد من تحديد مقدار النفقة و نوعها بما يرفع الجهالة و الغرر بينهما، و إذا كان ذلك هو مقتضى العادة الجارية بين الناس اتبعت العادة في تحديد النفقة.

المسألة 210:

يجوز للشخص أن يأمر العامل بالعمل و يستعمله في بعض أعماله و يستوفي بعض منافعه من غير أن يسمي له أجرة معينة، و لكن يكره ذلك، و يثبت للعامل بذلك أجرة المثل على الشخص لأنه قد استوفى منفعة العامل، و لا يكون من الإجارة على الأصح.

المسألة 211:

إذا استأجر الرجل عاملا للكتابة أو للخياطة، أو لغيرهما من الأعمال، فهل يكون المداد الذي يحتاج اليه الكاتب في كتابته على الأجير أو على المستأجر؟ و كذلك الخيوط التي يحتاج الخياط في خياطته و المواد الأخرى التي يفتقر إليها العامل في إنجاز عمله و في توفية المستأجر منفعته التي ملكها بالإجارة؟.

الأقوى وجوب التعيين في ذلك على المتعاملين، الا أن تكون قرينة عامة أو خاصة تدل على شي ء فيكون ذلك الظهور هو المتبع.

المسألة 212:

لا يجوز للمكلف أن يؤجر نفسه للإتيان بالعبادات الواجبة عليه، و مثال ذلك أن يؤجر زيد نفسه لعمرو مثلا ليؤدي الفرائض الواجبة التي افترضها اللّٰه على زيد نفسه، فان اللّٰه سبحانه قد أوجب هذه الأعمال على العبد المكلف على أن يأتي بها تعبدا له، و طاعة و امتثالا لأمره، و لا يبتغي عليها أجرا و مثوبة من أحد سواه، فلا تصح الإجارة عليها من أحد و لا يحل أخذ الأجرة على الإتيان بها، سواء كانت الواجبات

كلمة التقوى، ج 4، ص: 339

عينية أم كفائية، و كذلك الحكم في المستحبات التي يكون لها هذا الوصف، كالنوافل الراتبة و غير الراتبة من الصلوات.

فلا تصح إجارة الإنسان نفسه لفعل الصلوات اليومية الواجبة عليه أو غير اليومية مما يكون له هذا الشأن كصلاة الطواف الواجب عليه و صلاة الآيات و غيرها، و لا لصيام شهر رمضان و نحوه من أفراد الصيام الواجب عليه، و لا للإتيان بنوافل الصلاة أو نوافل الصوم، و لا لغير ذلك من واجب العبادات و مستحبها، و لا لتغسيل الموتى أو تكفينهم أو الصلاة عليهم و لا على الأذان و نحو ذلك.

و لا تصح الإجارة لتعليم العقائد الواجبة، و تعليم مسائل الحلال و

الحرام و الواجبات الشرعية و غيرها في ما يكون محل الابتلاء، بل و في ما لا يكون محلا للابتلاء من ذلك على الأحوط لزوما، و لا تصح الإجارة على القضاء الواجب الشرعي و لا الفتوى.

المسألة 213:

تصح الإجارة للواجبات غير العبادية كدفن الميت، و معالجة الطبيب للمرضى و الواجبات التي يتوقف عليها نظام المجتمع كتعليم الطب و الصيدلة و تعليم الزراعة و نحو ذلك، و تصح الإجارة للمستحبات غير العبادية كوضع الحبرة و الجريدتين للميت، و تعليم العلوم الأدبية، بل و لتعليم القرآن في غير المقدار الواجب منه، و لتعليم علم الحديث و الرجال و شرح الحديث، و التفسير و أمثال ذلك.

و تصح الإجارة لتعليم العلوم الحياتية غير الواجبة و لا المستحبة، و يحل أخذ الأجرة على جميع ذلك.

المسألة 214:

يجوز أن يرتزق القاضي و المفتي و المؤذن من بيت المال، و ليس ذلك من الإجارة بل لأن ارتزاق هؤلاء و أمثالهم و الإنفاق عليهم من مصالح المسلمين العامة و قد وضع بيت المال لذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 340

المسألة 215:

لا تشرع النيابة عن الأحياء في الواجبات العبادية، و لذلك فلا تصح الإجارة للصلوات الواجبة نيابة عن الإنسان الحي سواء كانت الصلاة يومية أم غيرها، و سواء كان الإنسان المنوب عنه قادرا أم عاجزا، و لا تصح الإجارة للصيام الواجب و لا لسائر الواجبات العبادية الأخرى نيابة عنه.

و يستثنى من ذلك الحج الإسلامي الواجب بالاستطاعة، فإذا وجبت على المسلم حجة الإسلام و اجتمعت له شروط وجوبها و لكنه عجز عن الإتيان بالحج مباشرة لكبر سن أو مرض لا يرجى زواله وجب عليه ان يستأجر من يحج عنه، و لا يجري ذلك في غير حجة الإسلام، فإذا وجب على الرجل حج نذر أو شبهه، و عجز عن الإتيان به مباشرة للأعذار المذكورة، لم يصح له أن يستأجر من يحج عنه و هو حي، بل يسقط عنه وجوب الحج إذا حصل له العجز عن الأداء في عام النذر أو العهد نفسه، و إذا كان قادرا على المباشرة في عام النذر و لم يف بما أوجبه على نفسه، و تجدد له العجز عن الأداء بعد عام أو أكثر، قضي عنه بعد موته و وجبت عليه الكفارة.

و تصح الإجارة للنيابة عن الحي في الصلوات المستحبة و في الحج المندوب و الزيارات.

المسألة 216:

تصح الإجارة للنيابة عن الموتى في قضاء الصلوات الواجبة عليهم من اليومية و غيرها، و في قضاء الصوم الواجب، و سائر الواجبات التي اشتغلت بها ذممهم في حياتهم، و تصح الإجارة للنيابة عنهم في المستحبات، كالحج المندوب و العمرة المندوبة و الزيارة، و يصح كذلك أن يستأجر الأجير ليأتي بالعمل المندوب ثم يهدي ثوابه الى الميت أو الى الحي.

المسألة 217:

يجوز لولي الميت أن يستأجر شخصين أو أكثر لقضاء الصيام الواجب عن ميتة، فإذا كان الواجب في ذمة الميت قضاء صوم شهر، أمكن للولي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 341

أن يستأجر عن الميت ثلاثة أشخاص، ليصوم كل واحد منهم عنه عشرة أيام، أو مع التفاوت، حسب ما يتفقون عليه في عقد الإجارة.

المسألة 218:

الأقوى- كما ذكرناه في مبحث قضاء الصلوات- عدم وجوب الترتيب في قضاء الفوائت من الصلوات الواجبة، إلا في الفريضتين اللتين يجب الترتيب بينهما في الأداء، كالظهر و العصر إذا كانتا من يوم واحد، و كالمغرب و العشاء إذا كانتا من ليلة واحدة، فيجب الترتيب بينهما في القضاء إذا فاتتا من يوم واحد و نتيجة لذلك، فيجوز لولي الميت أن يستأجر شخصين أو أكثر لقضاء الصلوات الفائتة من الميت، مع مراعاة الترتيب في كل فريضتين مترتبتين في أدائهما، فإذا كان الواجب في ذمة الميت قضاء صلاة شهر: ثلاثين يوما أمكن للولي أن يستأجر عنه ثلاثة أشخاص، يصلي كل واحد منهم عن الميت صلاة عشرة أيام، و ان اتفقوا في زمان القضاء.

المسألة 219:

لا تشرع النيابة عن شخصين في عمل واجب واحد، فلا يصح أن يأتي الرجل بصلاة واجبة واحدة نيابة عن رجلين ميتين، أو يصوم يوما واحدا واجبا عن شخصين، سواء كان متبرعا بالنيابة عنهما أم مستأجرا لذلك، و لا تصح الإجارة له و لا يستحق الأجير عليه اجرة، و لا يصح أن يستأجر شخص واحد للنيابة عن شخصين في حجة واحدة واجبة، فيأتي بالحجة الواحدة عنهما معا.

المسألة 220:

لا يصح ان يستأجر شخص واحد للنيابة في حجتين في عام واحد إذا اشترطت عليه المباشرة في كلتا الحجتين، سواء كانت الحجتان عن شخص واحد أم عن شخصين، و سواء كان الاستيجار لهما بعقد واحد أم بعقدين، و إذا كانتا بعقدين صحت الإجارة الأولى و وجب الوفاء بها و بطلت الثانية.

و تصح الإجارة إذا كانت الحجتان في عامين، و إذا استؤجر كذلك وجب على

كلمة التقوى، ج 4، ص: 342

الأجير أن يأتي بالحجتين على الترتيب الذي استؤجر عليه، فيقدم الحجة التي استؤجر للإتيان بها في العام الأول و ان كانت الإجارة لها متأخرة في التأريخ، و يؤخر الحجة الثانية و ان كانت الإجارة لها متقدمة.

و تصح الإجارة لحجتين في عام واحد إذا لم تشترط على الأجير المباشرة في العمل، فيمكن له أن يأتي بإحدى الحجتين بنفسه و يستأجر للثانية غيره، و يمكن له أن يستأجر لكل واحدة من الحجتين أجيرا.

المسألة 221:

تشرع النيابة عن شخصين في عمل واحد مستحب، فيصح للرجل أن يأتي بحجة مندوبة أو بعمرة مندوبة أو بزيارة نيابة عن شخصين، سواء كان متبرعا بالعمل لهما أم مستأجرا له، و يصح كذلك ان يستأجر لحجة مستحبة واحدة أو لعمرة مندوبة واحدة، أو لزيارة واحدة ثم يهدي ثواب العمل للشخصين.

المسألة 222:

إذا استأجر زيد دارا معينة أو عينا أخرى مدة معلومة من مالكها، ثم اشترى العين المستأجرة بعد ذلك لم تنفسخ الإجارة السابقة بالبيع اللاحق، فيجب عليه أن يدفع للبائع ثمن العين و عوض الإجارة إذا لم يكن دفعها من قبل كما تقدم بيانه في المسألة الثامنة و الأربعين.

فإذا باع العين على أحد في أثناء مدة الإجارة، فلا يترك الاحتياط بأن يشترط التبعية إذا أراد ضم المنفعة إلى العين في التمليك، و لا يكتفي بمجرد قصد التبعية لها، و أن يشترط عدم التبعية إذا أراد عدم ضم المنفعة إلى العين، و إذا لم يشترط شيئا منهما رجع الى المصالحة.

المسألة 223:

إذا استأجر الرجل العين من مالكها ملك منفعتها المقصودة في أيام الإجارة، كما تقدم مرارا، و هذا ملك للمنفعة و ليس بحق في العين، و لذلك فلا يسقط بإسقاط حقه من العين المستأجرة، و لا تخرج المنفعة عن ملكه بذلك، و يمكن للمستأجر ان يملك المنفعة غيره بإجارة أو

كلمة التقوى، ج 4، ص: 343

صلح أو غيرها من النوافل الشرعية و قد بينا ذلك في ما تقدم و هذا غير إسقاط الحق.

المسألة 224:

إذا وجب أن يقضى الحج عن الميت من بلده، و أريد استئجار أحد لذلك، فلا بد من أن يستأجر الأجير ليسافر من بلد الميت إلى مكة بقصد الحج حتى يؤدي فريضة الحج عن المنوب عنه، و لا يكفي أن يستأجر شخص مثلا ليسافر من بلد الميت الى الميقات، ثم يستأجر شخص آخر ليحرم من الميقات و يسافر إلى مكة حتى يتم الحج.

المسألة 225:

تصح الإجارة لذكر مصائب المعصومين (ع) و شهاداتهم و تأريخهم، و التعريف بفضائلهم و مناقبهم و علو مقامهم، و قراءة خطبهم (ع) و كلماتهم و مواعظهم، و نحو ذلك مما يثبت الايمان و يرسخ العقيدة و يبعث على اكتساب الخلق الرضي و العمل الصالح و على الاستباق الى الخيرات و التنافس في المكرمات بل تحسن و تستحب المواظبة على ذلك، و الإجارة له، و يحل أخذ الأجرة عليه.

المسألة 226:

يصح للإنسان أن يجمع بين اجارة و بيع في عقد واحد، و أن يجمع بين اجارة و صلح في عقد واحد، فينحل العقد الواحد الى عقدين، و تترتب على كل واحد من العقدين لوازمه، و تشترط في صحة كل واحد منهما شروطه المعتبرة فيه، و تلحقه آثاره و أحكامه.

فإذا قال الموجب: بعتك هذا الفرس، و آجرتك هذا الدكان مدة شهر بمائة دينار، و قبل الآخر، صح بيع الفرس بحصته من العوض المذكور في العقد، و صحت اجارة الدكان بحصته منه.

و طريق معرفة مقدار الحصة هو النسبة بحسب تقدير أهل الخبرة، فيقدر أهل الخبرة القيمة لمثل هذا الفرس المعين، و يقدرون أجرة المثل للدكان المعلوم في المدة المعينة، و يضبط مجموع القيمتين، ثم تنسب قيمة الفرس وحدها الى المجموع، و تنسب أجرة مثل الدكان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 344

وحدها الى المجموع أيضا، و تكون حصة كل واحد منهما من العوض المقرر في العقد بتلك النسبة.

فإذا كانت قيمة الفرس في نظر الخبراء ستين دينارا مثلا، و كانت أجرة المثل للدكان في المدة المعينة عشرين دينارا، فمجموع القيمتين في نظر أهل الخبرة هو ثمانون دينارا، و نسبة قيمة الفرس وحدها الى الثمانين، هي ثلاثة أرباعها، فتكون حصة الفرس من

العوض المذكور في العقد و هو المائة دينار هي ثلاثة أرباعها كذلك، و تكون نسبة أجرة الدكان الى الثمانين هي ربعها، فتكون حصة الدكان من المائة دينار هي ربعها أيضا، و هكذا فيصح بيع الفرس في المثال بخمسة و سبعين دينارا من العوض المقرر في العقد، و تصح اجارة الدكان بخمسة و عشرين دينارا منه.

و إذا صح العقدان ترتبت عليهما أحكامهما، فيكون للبائع و للمشتري خيار المجلس في بيع الفرس، و يثبت للمشتري فيه أيضا خيار الحيوان مدة ثلاثة أيام، و لا يثبت الخياران المذكوران في إجارة الدكان لأنهما مما يختص بالبيع و لا يجريان في غيره من العقود، و هكذا في بقية الأحكام.

و إذا جمع بين بيع و اجارة في عقد واحد، و كان البيع ربويا، لوجود تفاوت في المقدار بين الثمن و المثمن و هما من جنس واحد مما يكال أو يوزن، كان البيع باطلا، و صحت الإجارة لعدم لزوم الربا فيها، و إذا كان البيع بيع صرف، اشترط في صحته أن يقبض المشتري المبيع و يقبض البائع الثمن قبل التفرق، و لم يشترط ذلك في صحة الإجارة.

و كذلك إذا قال الموجب آجرتك هذه الدار مدة شهر و صالحتك عن هذا المتاع بخمسين دينارا، صح العقدان و وزع العوض بينهما بالنسبة، و ترتبت على كل عقد منهما آثاره و لوازمه الخاصة به، و مثله ما إذا جمع بين اجارة و هبة معوضة، أو بينها و بين أي معاوضة أخرى.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 345

الفصل السابع في بقية من أحكام الإجارة

المسألة 227:

يصح أن يستأجر القاري لتلاوة القرآن و ترتيله في بعض المحافل أو المآتم أو المناسبات الأخرى كالمجالس التي تعقد في ليالي شهر رمضان أو التي تقام لتأبين الموتى و

أمثال ذلك، و لا بد من علم المستأجر بكيفية قراءة القاري الذي يريد أن يستأجره و بأوصافها من الصحة و الجودة و الألحان المحللة التي تناسب عظمة القرآن و جلالة شأنه، اما بالاستماع الى قراءة القاري أو الى الآلة المسجلة لصوته، أو بالوصف الذي يرفع الجهالة و الغرر و لا بد في إجارته من تحديد الفرصة أو الفرص التي يأتي فيها بالعمل المستأجر عليه، أ هو مجلس واحد، أم أكثر و إذا كان في شهر رمضان أ هو في كل ليلة من الشهر أم في ليال مخصوصة منه، و في أي يوم يقام المجلس و في أي مكان، و في أي ساعة يبتدئ، و لا بد من تقدير العمل اما بذكر مدة القراءة كالساعة و الساعتين، و نحو ذلك، و أما بتحديد مقدارها كالحزب و الحزبين مثلا و يكفي التعارف إذا كانت هناك عادة متبعة في تحديد المقدار و الزمان.

المسألة 228:

إذا استؤجر الأجير ليختم القرآن كله وجب عليه أن يقرأ القرآن مرتبا في السور من فاتحته الى آخر سورة منه، و مرتبا كذلك في آيات كل سورة، فلا يقدم سورة على موضعها من المصحف الكريم و لا يؤخرها عنه و لا يقدم آية على موضعها من السورة و لا يؤخرها عنه و ان استوعب جميع الآيات و جميع السور في التلاوة، فإن هذا هو الذي ينصرف إليه الإطلاق من ختم القرآن، فيجب على الأجير العمل كذلك، الا ان تدل قرينة خاصة على ان مراد المستأجر تلاوة مجموع الكتاب كيفما اتفق و ان خالف الترتيب.

و وجب عليه أيضا أن يقرأ القرآن على الوجه العربي الصحيح من حيث الاعراب و البناء و المادة و النطق الصحيح بالحروف،

فان ذلك هو الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 346

ينصرف إليه الإطلاق كذلك، سواء شرط المستأجر على الأجير مراعاة الترتيب و مراعاة الصحة أم لم يشترط عليه ذلك.

نعم إذا نسي قراءة سورة أو نسي قراءة آية من السورة، كفاه أن يقرأ السورة أو الآية التي نسي قراءتها وحدها و لم يجب عليه أن يعيد قراءة القرآن كله، و كذلك الحكم إذا أخطأ فقرأ السورة أو الآية على غير الوجه العربي الصحيح ثم تذكر، كفاه أن يعيد قراءة السورة أو الآية المعينة التي وقع الغلط أو الخطأ فيها.

المسألة 229:

إذا أتم الأجير قراءة القرآن، ثم علم إجمالا بعد أن ختم القرآن، انه أخطأ في قراءته بعض الآيات من حيث الأعراب أو من حيث مبنى الكلمات أو من حيث تبديل مخارج بعض الحروف، فلا بد له من الإعادة على الوجه الصحيح، و إذا لم يعين المواضع المحتملة من الآيات أو السور فلا بد له من إعادة قراءة القرآن، الا أن تكون الإجارة على ما يحسنه.

المسألة 230:

إذا استؤجر الكاتب لكتابة قرآن أو كتاب أو نحوهما فأتم الكتابة استحق الأجرة المسماة و ان وجد المستأجر ان الأجير قد أسقط كلمة أو حرفا أو أكثر من ذلك أو كتبهما غلطا و لا يسقط حقه من الأجرة بذلك، و لا يقاس هذا على القراءة و لا تقاس القراءة عليه.

المسألة 231:

تصح إجارة الصبي المميز لقراءة القرآن و ترتيله في المحافل و المناسبات، و للقراءة في المجالس و المآتم الحسينية، و لقراءة الأدعية و الزيارات، و نحو ذلك، إذا كان المؤجر له هو وليه الشرعي، و لا تصح إجارته للنيابة عن الأموات في قضاء الصلاة و الصيام عنهم، و ان قلنا بأن عبادات الصبي المميز شرعية، و لا ملازمة بين كون عباداته شرعية و جواز نيابته عن الغير في أداء الواجبات عنه و إسقاط التكليف الثابت عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 347

المسألة 232:

تصح اجارة الطبيب لعلاج المريض و مداواته، سواء كانت بالفحص عن الداء و وصف الدواء، أم كانت بالمباشرة للعلاج كتضميد الجراح و تجبير الكسور و زرق الأبر و اجراء العمليات، و لا تصح الإجارة مع عدم تعيين المدة، و لا بقيد البرء و ان كان مظنونا، و لا مع اشتراط شي ء يؤدي الى الجهالة و الغرر أو التقييد به كما إذا قيد المستأجر إجارته بأن يكون الدواء على الطبيب مع عدم التعيين، و يصح جميع ذلك إذا كانت المعاملة بنحو الجعالة.

المسألة 233:

إذا آجر الإنسان نفسه للصيام أو الصلاة عن عبد اللّٰه مثلا، و حينما أتى بالعمل المستأجر عليه قصد النيابة به عن خالد، فان كان الأجير قد قصد النيابة عن الشخص الذي استؤجر للعمل له، و لكنه أخطأ فتوهم انه خالد، صحت نيابته عن عبد اللّٰه و أجزأ العمل عنه و استحق الأجير الأجرة المسماة له، و ان قصد بعمله النيابة عن خالد على وجه التقييد به، لم يجز العمل عن عبد اللّٰه، و لم يستحق الأجرة المسماة في العقد، و أجزأ العمل عن خالد إذا كان ميتا و مشغول الذمة بمثل ذلك العمل و لم يستحق على وليه شيئا.

و كذلك الحكم في كل عمل يستأجر له الأجير نائبا عن احد و كان العمل مما يفتقر إلى النية كالحج و العمرة و الزيارة و غيرها.

المسألة 234:

يصح للمالك ان يؤجر داره لزيد مثلا مدة معينة بأجرة معينة، ثم يوكل زيدا نفسه على أن يجدد عقد اجارة الدار لنفسه مدة أخرى بعد انتهاء المدة الأولى بمثل تلك الأجرة أو بغيرها حسب ما يتفقان عليه، فإذا أراد زيد أن يجدد اجارة الدار لنفسه بالوكالة عن المالك و كل غيره في القبول ليتخلص من الإشكال في وحدة الموجب و القابل، و يجوز للمالك أن يعزل المستأجر عن وكالته بعد ذلك، و إذا عزله عن الوكالة فليس له ان يجدد الإجارة بعد أن يبلغه خبر عزل المالك إياه و إذا جدد الإجارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 348

في هذا الحال كانت باطلة إلا إذا أجازها المالك، و إذا جدد الوكيل الإجارة بعد أن عزله المالك و قبل أن يبلغه خبر العزل صحت إجارته و نفذت و لم يجز للمالك فسخها.

المسألة 235:

إذا آجر المالك داره لزيد مدة معينة كما تقدم، و اشترط المستأجر زيد على المالك في ضمن عقد الإجارة أن يكون وكيلا عن المالك في تجديد الإجارة عند انتهاء المدة، أشكل الحكم بنفوذ الشرط و صحة هذه الوكالة عنه، لأنها من شرط النتيجة، و نفوذ مثل هذا الشرط مشكل.

و إذا أنشأ المالك عقد الوكالة للمستأجر بنفس اشتراط ذلك في ضمن العقد صح الشرط و صحت الوكالة، و مثال ذلك أن يقول مالك الدار لزيد في الإيجاب: آجرتك الدار مدة سنة بمائة دينار و اشترطت لك على نفسي انك وكيلي من هذا الوقت على أن تجدد عقد الإجارة إذا انقضت المدة سنة أخرى بمثل الأجرة الأولى مثلا، فإذا قال المالك في إيجابه ذلك و قصد إنشاء الوكالة للمستأجر بنفس هذا الاشتراط و قبل المستأجر ذلك نفذ

العقد و صح الشرط و التوكيل، و جاز للمالك عزل الوكيل بعد ذلك إذا شاء، و إذا شرط في ضمن العقد أن لا يعزله، فقال الموجب في ضمن العقد بعد العبارة المتقدمة، و اشترطت لك على نفسي أن لا أعزلك عن هذه الوكالة: نفذ الشرط و الوكالة و لم يجز له عزله بعد ذلك.

المسألة 236:

إذا اشترى الرجل دارا أو أرضا أو عينا أخرى، و اشترط البائع لنفسه خيار فسخ البيع إذا هو رد الثمن على المشتري في مدة معينة، جاز للمشتري أن يؤجر الدار أو الأرض أو العين المذكورة على أحد مدة لا تزيد على مدة الخيار للبائع.

و هل يجوز له أن يؤجرها مدة تزيد على ذلك؟ فيه تأمل و اشكال.

و يرتفع الاشكال المذكور إذا أذن البائع للمشتري في أن يؤجرها و ان زادت مدة الإجارة على مدة الخيار، فأوقع المشتري الإجارة باذنه،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 349

و يرتفع الإشكال أيضا إذا أوقع المشتري عقد الإجارة على ذلك، و أجاز البائع العقد بعد وقوعه من المشتري، و يرتفع الاشكال كذلك إذا أوقع المشتري عقد الإجارة عليها، و اشترط على المستأجر في العقد ان للبائع أو للمشتري نفسه الخيار في فسخ الإجارة إذا حضر وقت خيار البائع، فتصح الإجارة بلا ريب في هذه الفروض.

المسألة 237:

تقدم في المسألة المائتين و التاسعة انه يصح أن يشترط على المستأجر في ضمن العقد أن تكون عليه نفقة الأجير أيام إجارته، و إذا اشترط عليه ذلك، فلا بد من تعيين مقدار النفقة المشترطة و نوعها، و كذلك يصح أن يشترط على الأجير أن تكون عليه نفقة المستأجر أيام الإجارة، و إذا اشترط عليه ذلك، فلا بد من تعيين النفقة المشترطة على الأجير بما يرفع الغرر و الجهالة.

و من ذلك ما تعارف بين المقاولين الذين يحملون الحجاج أو الزوار في أيام الحج أو العمرة أو الزيارة إلى الأمكنة المقدسة، فيؤجر المقاول نفسه للمسافرة بالحجاج أو المعتمرين أو الزوار من البلد إلى مكة و الى المشاعر و الى المدينة ثم الى البلد، و للقيام بما يحتاجون إليه

في سفرهم و إقامتهم و عودهم من وسائل نقل و تهيئة أمور، و طعام و شراب و خدمة و مواضع اقامة و وسائل راحة و إرشاد في اعمال و غير ذلك، فتصح الإجارة لذلك إذا عينت الأعمال و الوسائل و النفقات و المنازل و الأجرة و المدة و جميع ما يقوم به الأجير على وجه يرتفع به الغرر.

و من ذلك ما تعارف في بعض المستشفيات الخاصة، فيؤجر القائم بأعمال المستشفى نفسه و موظفيه للقيام بما يحتاج إليه المستأجر المريض من فحوص و كشوف و تحليلات و أدوية و من تهيئة أمكنه و أطباء و ممرضين، و وسائل علاج و وسائل راحة و من طعام و شراب و وسائل تغذية أخرى و خدمة، حسب حاجة المريض و إرشاد الطبيب و نحو ذلك، فتصح الإجارة إذا عينت الأعمال و النفقات و الوسائل و الأماكن و الأجرة و المدة على وجه ترتفع به الجهالة و الغرر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 350

المسألة 238:

إذا اكترى صاحب المال أجيرا ليوصل ماله الى بلد معين في مدة معينة، فسافر الأجير بالمال و حدث في أثناء سفره ما يمنعه من إيصال المال الى المقصد المعين، فالظاهر بطلان الإجارة بذلك لتعذر حصول العمل المستأجر عليه، أو لتعذر إتمامه.

فإذا كان متعلق الإجارة هو أن يوصل الأجير المال الى البلد المقصود، و لا مقصد للمستأجر من سفر الأجير بالمال سوى أنه وسيلة لإيصاله الى ذلك البلد، لم يستحق الأجير شيئا من الأجرة المسماة، لعدم حصول العمل المستأجر عليه.

و إذا كان متعلق الإجارة هو أن يسافر الأجير بالمال حتى يوصله الى البلد المعين بحيث كان قطع المسافة جزءا من مجموع العمل المستأجر عليه، استحق الأجير من الأجرة

المسماة بنسبة ما قطعه من المسافة في سفره الى مجموع المسافة و إيصال المال الى المقصد، فإذا كان ما قطعه من المسافة نصف ما تعلقت به الإجارة، استحق الأجير نصف الأجرة، و إذا كان ربعه استحق ربع الأجرة.

و إذا اتفق- و ان كان نادر الوقوع- أن يكون متعلق الإجارة هو مجموع السفر بالمال و إيصاله إلى البلد على سبيل الانضمام و وحدة المطلوب، بحيث لا مقصد للمستأجر في سفر الأجير إذا لم يوصل المال، و لا مقصد له في إيصال المال إذا لم يسافر به، فالظاهر عدم استحقاق الأجير من الأجرة شيئا.

المسألة 239:

إذا استأجر الرجل أجيرا لعمل مركب من أجزاء، و اشترط عليه أن يأتي بالعمل بنفسه، و ابتدأ الأجير في العمل المستأجر عليه ثم حدث له ما يمنع من إتمام العمل، بطلت الإجارة كما تقدم في المسألة المتقدمة.

فإن كانت أجزاء العمل المركب المستأجر عليه في حال انفراد بعضها عن بعض يكون كل جزء منها على انفراده موضوعا للغرض، و للمالية في نظر العقلاء من الناس، وزعت الأجرة المسماة على اجزاء العمل،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 351

و نتيجة لذلك فيستحق الأجير في الصورة المذكورة من الأجرة بنسبة ما أتى به من أجزاء العمل، و يسقط حقه من الباقي و مثال ذلك أن يستأجر الأجير لصيام ثلاثين يوما، فيصوم من عمله المستأجر عليه عشرة أيام، و يتعذر عليه إتمام الباقي، فيستحق ثلث الأجرة المسماة، فان صيام كل يوم موضوع يحقق بعض الغرض المقصود و هو كذلك موضوع للمالية في نظر العقلاء، و كذلك إذا استؤجر لخياطة ثوبين فخاط أحدهما و لم يتمكن من خياطة الثاني و ان كانت اجزاء العمل المستأجر عليه مترابطة في الوفاء بالغرض

المقصود بحيث لا تكون في حال انفراد بعضها عن بعض محققة للغرض و لا موضوعا للمالية في نظر أهل العرف لم يستحق الأجير شيئا من الأجرة في الصورة المذكورة، و مثال ذلك أن يستأجر الأجير لقضاء صوم يوم واحد، فيصوم نصف النهار و لا يتمكن من إتمامه، أو يستأجر لصلاة فريضة واحدة فيصلي منها ركعة أو ركعتين و لا يمكنه إتمام الصلاة، فلا يستحق من الأجرة شيئا، فإن صيام نصف النهار و أداء نصف الصلاة لا يتحقق غرضا و لا يعد مالا.

و إذا استأجر الرجل أجيرا للعمل المركب و لم يشترط عليه المباشرة في العمل، و شرع الأجير فيه ثم حدث له ما يمنعه من إتمامه لم تبطل الإجارة و استحق الأجير الأجرة المسماة و وجب عليه في الصورة الأولى أن يستأجر أجيرا غيره لإتمام العمل من حيث انقطع عمله، و وجب عليه في الصورة الثانية أن يستأجر أجيرا ليقوم بالعمل كله من أوله.

المسألة 240:

إذا اكترى الإنسان أجيرا لعمل مركب ذي أجزاء كما تقدم و كان للأجير حق الخيار، فان فسخ الإجارة قبل شروعه في العمل، انفسخت الإجارة و لم يستحق من الأجرة شيئا، و ان فسخ الأجير الإجارة بعد أن أتم العمل كله انفسخت الإجارة كذلك، و استحق هو أجرة المثل لعمله الذي اتى به، و استوفاه المستأجر منه، و إذا فسخ الأجير الإجارة في أثناء العمل، و كانت اجزاء العمل مترابطة على ما أوضحناه في المسألة المتقدمة، انفسخت الإجارة و لم يستحق من الأجرة شيئا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 352

و إذا فسخ الإجارة في أثناء العمل و كانت اجزاء العمل غير مترابطة في الوفاء بالغرض، بحيث كان كل جزء من الأجزاء في حال

انفراده عن بقية الأجزاء محققا لبعض الغرض المقصود في الإجارة و موضوعا للمالية في نظر العقلاء و أهل العرف، جرى فيه التفصيل الذي ذكرناه في المسألة التاسعة و السبعين.

فإذا كان سبب الخيار الذي أخذ به الأجير و فسخ من أجله عقد الإجارة ثابتا من حين صدور العقد، كما إذا كان مغبونا من حين العقد و لم يعلم بالغبن في ذلك الحال ثم علم به في أثناء العمل، و كما إذا كان في عين الأجرة المعينة التي جرى عليها العقد عيب موجود حين العقد أو قبله و لم يعلم به الأجير إلا في أثناء العمل، و كما إذا اشترط الأجير لنفسه خيار الفسخ في مدة معلومة، ففي هذه الصور و نحوها، يتخير الأجير بين أن يفسخ عقد الإجارة من أصله، فإذا فسخه كذلك لم يستحق من الأجرة المسماة شيئا، و تثبت له أجرة المثل لما جاء به من أجزاء العمل و يجوز له أن يفسخ الإجارة من ذلك الحين لا من حين صدور العقد، فإذا فسخ الإجارة كذلك استحق من الأجرة المسماة بنسبة ما جاء به من أجزاء العمل الى مجموع العمل المستأجر عليه، فإذا كان ما أتى به نصف الأجزاء استحق عليها نصف الأجرة، و ان كان ثلثها أو ربعها استحق منها بتلك النسبة و رد الباقي على المستأجر.

و إذا كان سبب الخيار للأجير طارئا في أثناء المدة ففسخ بموجب خياره الطاري قسمت الأجرة المسماة كما تقدم، فاستحق الأجير منها بنسبة ما أتى به من اجزاء العمل الى المجموع ورد الباقي منها إلى المستأجر.

المسألة 241:

إذا آجر المالك داره المعينة لشخص و ملكه بالإجارة جميع منافعها مدة معينة، لم يجز للمالك أن يؤجر الدار لغير المستأجر

الأول في المدة المعينة، و إذا آجرها لغيره كذلك كانت الإجارة الثانية فضولية فلا تصح إلا بإجازة مستأجر الدار الأول، و إذا هو أجازها صحت الإجارة له و لم تصح لمالك الدار.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 353

و كذلك الحكم إذا آجر المالك الدار لشخص و ملكه بالإجارة منفعتها الخاصة و هي السكنى مثلا، فلا يجوز للمالك أن يؤجرها للسكنى أيضا لغير المستأجر الأول، و إذا أجاز المستأجر الأول إجارته صحت الإجارة للمستأجر لا للمالك.

و إذا كان مالك الدار قد اشترط في الإجارة على المستأجر الأول أن يسكن الدار بنفسه ثم آجرها المالك لآخر، أشكل الحكم بصحة الإجارة للمستأجر الأول إذا أجازها، لأنه إنما ملك سكناها بنفسه و لم يملك أن يؤجرها لغيره.

المسألة 242:

إذا آجر المالك داره المعينة لشخص ليسكنها سنة كاملة مثلا، يصح للمالك أن يؤجر الدار لشخص آخر في سنة ثانية، و قد تقدم ان مدة الإجارة لا يجب أن تكون متصلة بالعقد.

و إذا آجرها لأحد للسكنى سنة كاملة من حين العقد، ثم آجرها لشخص غيره سنتين من حين العقد، فالظاهر صحة إجارة المالك للثاني في السنة الثانية، و لا تصح إجارته للثاني في السنة الأولى، إلا إذا أجازها المستأجر الأول، و إذا هو أجازها صحت الإجارة له و لم تصح للمالك كما تقدم، و إذا لم يجزها المستأجر الأول بطلت كما ذكرنا و كان للمستأجر خيار الفسخ في إجارة السنة الثانية لتبعض الصفقة إذا كان جاهلا.

المسألة 243:

إذا استؤجر الشخص للصلاة عن ميت و أطلق المستأجر الإجارة فلم يعين في العقد شيئا من حيث اشتمال الصلاة على المستحبات انصرف العقد الى المتعارف، فيجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على الوجه المتعارف في المستحبات، و إذا أصبح المتعارف بين الناس في صلاة الاستيجار أن يترك فيها بعض المستحبات أو أكثرها جاز للأجير تركها و ان كانت من المتعارف في غيرها من الصلوات.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 354

المسألة 244:

إذا نسي الأجير فترك في صلاته عن الميت بعض المستحبات التي اشترط عليه في عقد الإجارة أن يأتي بها في عمله، أو التي يقتضي إطلاق عقد الإجارة لزوم الإتيان بها، أو نسي فترك في صلاته بعض الأجزاء الواجبة غير الأركان، فللمسألة صور و لكل صورة حكمها، و قد تعرضنا لتفصيلها في المسألة الألف و السابعة و العشرين من كتاب الصلاة في رسالتنا كلمة التقوى فليرجع إليها من أحب.

المسألة 245:

إذا استؤجر الشخص للحج عن ميت، فأحرم الأجير نيابة عن الميت بعمرة التمتع أو بحج الأفراد أو القران و دخل الحرم، ثم مات، برئت ذمة الميت المنوب عنه من التكليف المتوجه اليه بالحج. فان كانت إجارة الأجير على إبراء ذمة الميت من التكليف بالحج استحق الأجير جميع الأجرة المسماة، و ان كانت إجارته على أن يأتي بأعمال الحج المخصوصة، استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال إلى مجموعة الأعمال المستأجر عليها، و إذا مات قبل الإحرام لم يستحق من الأجرة شيئا، و إذا كانت الإجارة لحجة بلدية فالظاهر بمعونة القرائن دخول السير و قطع المسافة إلى الحج في متعلق الإجارة على نحو الجزئية و نتيجة لذلك فإذا مات الأجير قبل الإحرام استحق من الأجرة ما يقابل سفره من البلد الى حين موته، و إذا كانت الإجارة لحجة ميقاتية لم يستحق على سفره قبل الميقات و الإحرام منه شيئا.

المسألة 246:

إذا مات الأجير للحج عن الغير بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم، أشكل الحكم باجزاء عمله عن المنوب عنه، فقد يستفاد من إطلاق بعض الأدلة في المقام اجزاء عمل الأجير عن المنوب عنه حتى في هذه الصورة، و نتيجة لذلك فإذا كانت إجارة الأجير على إفراغ ذمة الميت من التكليف كان الأجير مستحقا لجميع الأجرة المسماة، و الحكم في هذه الصورة مشكل، فلا بد من مراعاة الاحتياط في كل من الحكم بفراغ ذمة المنوب عنه، و الحكم باستحقاق الأجير جميع الأجرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 355

و إذا كانت الإجارة على الإتيان بأعمال الحج المخصوصة استحق الأجير من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال و من السير من البلد و قطع المسافة إلى حين

موته إذا كانت الإجارة لحجة بلدية كما تقدم.

المسألة 247:

إذا استوفى الرجل منفعة العين المملوكة لغيره، ثم اختلف هو مع مالك العين، فادعى هو انه كان قد استأجر العين من المالك بأجرة معينة، و أنكر المالك وقوع الإجارة.

و المتعارف في مثل هذا التنازع أن تكون أجرة المثل لتلك المنفعة التي استوفاها الرجل أكثر من الأجرة المسماة، و لذلك أنكر المالك الإجارة لتكون له أجرة المثل، فإذا أنكر المالك الإجارة كان القول قوله مع يمينه، فإذا أحلف المالك كانت على الرجل أجرة المثل لأنه قد استوفى المنفعة.

و إذا اتفق ان الأمر بعكس ذلك، فكانت الأجرة المسماة التي يعترف بها الرجل أكثر من أجرة المثل، استحق المالك أجرة المثل فقط لاعتراف الجميع بأن المالك يستحق هذا المقدار اما لأنه أجرة المثل كما يقول المالك أو لأنه بعض الأجرة المسماة كما يقول مستوفي المنفعة، و لا موجب لتوجه اليمين على المالك، لأن الدعوى غير ملزمة، و لا يجوز للمالك أن يأخذ الزيادة التي يعترف بها مستوفي المنفعة لأنه يعترف بعدم استحقاقها، و ان وجب على الرجل أن يوصلها الى المالك إذا كان يعلم ان المالك يستحق عليه الأجرة المسماة كما اعترف له بها.

المسألة 248:

إذا ادعى مالك العين انه قد آجر العين على المدعى عليه مدة معينة بأجرة مسماة، و أنكر المدعى عليه وقوع هذه الإجارة، و قد استوفى المدعى عليه منفعة العين.

و المتعارف في مثل هذا الاختلاف أن تكون أجرة المثل أقل من الأجرة المسماة و لذلك ينكر المدعى عليه وقوع الإجارة ليدفع للمالك أجرة المثل، فإذا أنكر المدعى عليه الإجارة قدم قوله مع يمينه، فإذا أحلف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 356

المدعى عليه سقطت دعوى المالك و استحق على المدعى عليه أجرة المثل لاستيفائه المنفعة.

و إذا

اتفق الأمر بعكس ذلك فكانت أجرة المثل أكثر من الأجرة المسماة، استحق المالك على المستوفي الأجرة المسماة فقط و لم يستحق الزيادة بمقتضى إقراره، و لم تتوجه اليمين على المنكر كما في المسألة السابقة، و ان وجب على المدعى عليه إيصال الزيادة التي اعترف بها الى المالك إذا كان يعلم أنه قد استحقها عليه.

المسألة 249:

إذا اختلف المالك و المستأجر في مقدار ما استأجره منه، فقال أحدهما ان المستأجر هو جميع الدار، و قال الآخر المستأجر هو نصف الدار، أو قال أحد المتعاقدين المستأجر جريب واحد من هذه الأرض، و قال الثاني هو جريب و نصف منها، فالقول قول من يدعي الأقل مع يمينه.

و كذلك الحكم في ما إذا اختلف المستأجر و الأجير في العمل المستأجر عليه، فقال أحدهما هو صلاة شهر واحد، و قال الآخر هو صلاة شهرين، أو قال أحدهما انه خياطة ثوب و قال الثاني انه خياطة ثوبين فيقدم قول من يدعي الأقل مع يمينه.

المسألة 250:

إذا استأجر الرجل من المالك دابة أو سيارة أو غيرهما مدة معينة، و انقضت المدة ثم اختلفا فقال أحدهما قد ردت العين المستأجرة إلى مالكها، و أنكر الآخر الرد، فالقول قول من ينكر الرد مع يمينه، و كذلك إذا اختلفا في رد الجميع أو البعض، فقال أحدهما قد رددت السيارتين معا و قال الآخر ردت سيارة واحدة و لم ترد الأخرى.

المسألة 251:

إذا استأجر الشخص ملاحا أو سائقا أو مكاريا لينقل له متاعا الى مكان معين، و سلمه المتاع، ثم ادعى الأجير ان المتاع قد تلف من غير تعد و لا تفريط، و أنكر المستأجر تلف المتاع أو ادعى على الأجير التعدي أو التفريط، فالقول قول الأجير مع يمينه، و كذلك إذا استأجر الصائغ

كلمة التقوى، ج 4، ص: 357

لصياغة خاتم أو قرط أو غيرهما و سلم إليه الفضة أو الذهب، فادعى الصائغ تلف المال و أنكره المالك أو ادعى عليه التعدي أو التفريط فالقول قول الصائغ مع يمينه، و هكذا الحكم في كل عامل يؤتمن على مال.

المسألة 252:

إذا اختلف المالك و المستأجر في مقدار الأجرة المسماة فقال المالك انه آجر الدار على المستأجر مدة شهر بمائة دينار، و قال المستأجر بل كانت الأجرة سبعون دينارا، فالقول قول من ينكر الزيادة، و هو المستأجر في المثال المذكور مع يمينه، و هكذا إذا اختلف المستأجر و الأجير في مقدار الأجرة.

المسألة 253:

إذا تنازع المؤجر و المستأجر، فادعى أحدهما انه اشترط على صاحبه شرطا في ضمن العقد و أنكر الآخر هذا الاشتراط، فالقول قول من ينكر الشرط مع يمينه.

المسألة 254:

إذا آجر المالك الدار أو البستان لأحد مدة بأجرة معلومة، ثم اختلفا في مقدار المدة فقال أحدهما مدة الإجارة شهران، و قال الثاني بل هي شهر واحد، فالقول قول من ينكر الزيادة مع يمينه.

المسألة 255:

إذا وقعت الإجارة بين المؤجر و المستأجر، ثم اختلفا، فادعى احد المتعاقدين صحة المعاملة، و ادعى الآخر فسادها، فالقول قول من يدعي الصحة مع يمينه.

المسألة 256:

إذا اختلف المالك و المستأجر فقال المالك اني آجرتك الدكان المعين مدة شهر بمائة دينار، و قال المستأجر انك آجرتني الدار المعينة مدة شهر بمائة دينار، أو بالعكس، كان ذلك من التداعي و رجعا الى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 358

التحالف، فيحلف كل واحد منهما على نفي دعوى الآخر و تسقط الدعويان.

و كذلك الحكم إذا اختلفا فقال أحدهما ان الأجرة المسماة هي مائة دينار بحراني، و قال الآخر انها مائة دينار كويتي، فيتحالف الطرفان و تسقط الدعويان بالتحالف.

المسألة 257:

إذا استأجر الرجل أجيرا ليحمل له متاعا، فحمل الأجير المتاع إلى الكوفة مثلا، فقال له المستأجر إنما استأجرتك لتحمل متاعي إلى كربلاء، و نازعه الأجير فقال إنك استأجرتني لأحمل المتاع إلى الكوفة و قد حملته إليها، كان ذلك من التداعي بينهما، فيلزم تحالفهما، فيحلف كل واحد منهما على نفي مدعى الآخر و تسقط بذلك كل من الدعويين، و لا يستحق الأجير شيئا.

و إذا حمل الأجير المتاع إلى الكوفة و ادعى أن الإجارة كانت الى ذلك البلد و أنكر المستأجر الإجارة إلى الكوفة و لم يدع الإجارة إلى بلد آخر كان منكرا، فيكون القول قوله مع يمينه، فإذا أحلف المستأجر لم يستحق الأجير الأجرة المسماة التي يدعيها.

و إذا طلب المستأجر من الأجير بعد الحلف أن يرد المتاع الى المكان الأول الذي نقله منه وجب عليه ذلك، و لا يجوز للأجير أن يرد المتاع الى ذلك المكان إذا لم يرض المستأجر بالرد، و إذا تلف المال أو حدث فيه عيب كان الأجير ضامنا لذلك.

المسألة 258:

إذا خاط الخياط القماش قباء، فادعى المستأجر انه انما استأجر الخياط ليخيطه قميصا، و ادعى الخياط أنه استأجره ليخيطه قباء كما فعل، كان ذلك من التداعي فيلزم تحالف المتداعيين، و إذا تحالفا سقطت الدعويان و لم يستحق الخياط على عمله شيئا.

و إذا خاط الخياط القماش قباء، و ادعى ان المستأجر أمره بذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 359

و طالبه بأجرة عمله، و أنكر المستأجر انه اذن له بما صنع، كان المستأجر منكرا، فيقدم قوله مع يمينه، فإذا أحلف لم يستحق الأجير على عمله شيئا و ضمن للمستأجر أرش النقص الذي حصل في القماش بسبب فعله.

المسألة 259:

إذا ادعى الأجير تلف المال بيده من غير تعد منه و لا تفريط، فأقام المستأجر بينة على ان الأجير قد أتلف المال أو أقام البينة على انه قد تعدى أو فرط كان الأجير ضامنا لتلف المال، و كذلك إذا توجه عليه اليمين في دعوى التلف من غير تعد أو تفريط فنكل عن اليمين، فيكون الأجير ضامنا في هذه الموارد، و لكن يكره تضمينه فيها، بل يكره تضمينه في جميع الموارد التي يحكم فيها بضمانه شرعا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 361

كتاب المضاربة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 363

كتاب المضاربة و هو يحتوي على عدة فصول.

الفصل الأول في عقد المضاربة و شرائطها

المسألة الأولى:

المضاربة معاقدة بين شخصين يكون رأس المال من أحدهما، و العمل و الاتجار برأس المال من الآخر، بحصة معينة للعامل من الربح الحاصل بينهما، فيقال: ضارب زيد عمرا، يعني أنه اتجر لعمرو بماله بحصة من ربح المال، فالعامل و هو زيد مضارب بصيغة اسم الفاعل، و مالك المال و هو عمرو مضارب له بصيغة اسم المفعول، و تسمى المضاربة في لغة أهل الحجاز قراضا، فمالك المال مقارض بصيغة اسم الفاعل و العامل مقارض بصيغة اسم المفعول، و لا يطلق المضارب بصيغة اسم الفاعل على مالك المال، و لا يطلق المقارض بصيغة اسم الفاعل على العامل.

المسألة الثانية:

المضاربة عقد من العقود، و لذلك فلا بد فيها من الإيجاب و القبول، و يكون الإيجاب من مالك المال و القبول من العامل، و يكفي في الإيجاب و القبول كل ما يدل على إنشاء المعنى المقصود في المعاملة و يكون ظاهرا فيه ظهورا عرفيا من لفظ أو فعل.

و من أمثلة ذلك أن يقول المالك للعامل: ضاربتك أو قارضتك أو عاملتك أو عاقدتك على ان تتجر لي برأس المال المعين، و يكون لك نصف الربح الحاصل من التجارة أو الثلث منه مثلا، فيقول العامل قبلت أو رضيت، و لا يعتبر في اللفظ أن يكون بصيغة الفعل الماضي أو يكون باللغة العربية، فيصح إنشاء العقد بأي صيغة من اللغة العربية، و بأي لغة غيرها يحسنها المتعاقدان، و تجري فيها المعاطاة على الأقوى فيصح إنشاء العقد بالفعل كما يصح إنشاؤه بالقول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 364

المسألة الثالثة:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر به و اشترط المالك أن يكون ربح المال مشتركا بينه و بين العامل على التساوي أو على التفاوت لكل منهما حصة معينة، صح ذلك مضاربة، و كان ذلك من إنشاء العقد بالفعل، فيقصد المالك إنشاء المضاربة بدفع المال الى العامل، و يقصد العامل إنشاء قبول المضاربة بقبضه المال من المالك، و يكون من المعاطاة في المضاربة.

المسألة الرابعة:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر له به، و اشترط على العامل أن يكون جميع الربح الذي يحصل من التجارة لمالك المال، كان ذلك بضاعة لا مضاربة، و كذلك إذا دفع الى العامل المال ليتجر له به و لم يشترط عليه شيئا، فإن ربح المال يكون لمالك المال عند إطلاق المعاملة عليه، فإذا اتجر العامل بالمال فالربح يكون جميعه للمالك في كلتا الصورتين، و لا يستحق العامل من الربح شيئا، بل يستحق على المالك اجرة المثل لعمله و منفعته التي استوفاها المالك منه.

و إذا قصد العامل التبرع بعمله لم يستحق عليه أجرة المثل، و كذلك إذا اشترط المالك عليه عدم الأجرة و قبل العامل بالشرط و مثله ما إذا دلت القرائن الخاصة أو العامة على عدم الأجرة فيكون ذلك بحكم الشرط.

المسألة الخامسة:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر لنفسه بالمال، و اشترط أن يكون ربح المال كله للعامل كان ذلك بحكم القرض، و لم يستحق المالك من الربح شيئا، سواء قصد المالك بذلك إقراض العامل أم لم يقصد ذلك، نعم يشكل الحكم إذا قصد بذلك إنشاء المضاربة فتكون مضاربة فاسدة، و يشكل عدم استحقاق المالك من الربح شيئا في هذه الصورة و ان اشترط المالك ذلك.

المسألة السادسة:

يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون بالغا، و أن يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 365

عاقلا، و ان يكون مختارا، و ان يكون قاصدا على النهج الذي سبق بيانه في كتاب التجارة و في كتاب الإجارة، فلا تصح مضاربة المالك، و لا مضاربة العامل إذا كان صبيا، أو كان مجنونا أو كان مكرها، أو كان هازلا في معاملته أو غالطا.

و يشترط في كل واحد منهما أن يكون غير محجور عليه لسفه، فلا تصح المضاربة إذا كان أحدهما ممن حجر عليه لذلك، و يشترط في المالك أن يكون غير محجور عليه لفلس، و لا يشترط ذلك في العامل على الأقوى.

المسألة السابعة:

الأحوط لزوما ان لا يكون رأس المال في المضاربة منفعة من المنافع، فلا تصح المضاربة إذا كان رأس المال منفعة دار أو بستان أو غيرهما من الأعيان على الأحوط، الا إذا عاوض على المنفعة المملوكة له بمال و أجريت المضاربة على المال بعد قبضه و الأقوى عدم صحة المضاربة إذا كان رأس المال دينا، إلا إذا قبض الدين و أجرى المضاربة على المال بعد قبضه.

و نتيجة لذلك فيشترط في رأس المال في المضاربة أن يكون عينا، لا منفعة و لا دينا، من غير فرق بين أن يكون الدين على العامل أو على غيره.

المسألة الثامنة:

لا يشترط في صحة المضاربة أن يكون رأس المال فيها من الذهب أو الفضة المسكوكين خاصة فتصح المضاربة على الظاهر إذا كان رأس المال فيها من الأوراق النقدية المتداولة بين الناس، أو كان من المسكوكات الأخرى النحاسية أو النيكلية أو غيرها إذا كانت متداولة في التعامل بها و الأخذ و العطاء بين الناس.

المسألة التاسعة:

يشترط في المضاربة ان يكون رأس المال فيها معلوما في مقداره و في وصفه، فلا تصح المضاربة إذا كان المال مجهول القدر أو مجهول الوصف و ان كان مشاهدا، و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الجهالة به تؤول إلى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 366

العلم، و مثال ذلك ان يشير المالك الى كيس أو صندوق فيه مال و يقول للعامل ضاربتك بما في هذا الكيس أو بما في هذا الصندوق من المال، ثم يدفعه المالك الى العامل، فيعدان معا ما فيه من المال و يعلمان بقدره و وصفه، فتصح المضاربة، و لا تقدح فيها هذه الجهالة.

المسألة العاشرة:

يشترط على الأحوط لزوما في رأس المال أن يكون معينا، فلا تصح المضاربة على الأحوط إذا كان للمالك مالان معينان فقال للعامل:

قارضتك بأحد هذين المالين، أو قال قارضتك بأي هذين المالين شئت، و تصح المضاربة إذا كان رأس المال مشاعا و كان معلوم المقدار و الوصف، فإذا كان للمالك ألف دينار معين و قال للعامل ضاربتك بنصف هذا المال، صحت المضاربة، و كذلك إذا كان الألف مشتركا بينه و بين غيره على التنصيف مثلا فقال للعامل قارضتك بحصتي من هذا الألف، و هما يعلمان بمقدار الحصة.

المسألة 11:

يعتبر في صحة المضاربة ان تكون حصة كل من العامل و المالك معينة المقدار من الربح نصفا منه أو ثلثا أو غيرهما، و يكفي في التعيين أن تكون عادة عامة متبعة في المضاربات بتعيين حصة خاصة من الربح، فيكون ذلك قرينة ينصرف إليها العقد.

و قد يقال بالصحة مع التعيين الإجمالي، و مثال ذلك أن يجعل للعامل من الربح مثل حصة عامله الآخر و هو زيد، إذا علما بمقدار حصة زيد بعد العقد، و لكن لا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بذلك فيعينان الحصة في العقد تفصيلا.

المسألة 12:

يشترط في المضاربة أن يكون الربح بين المالك و العامل دون غيرهما، فإذا شرطا في عقد المضاربة أو شرط أحدهما أن يعطى شي ء من الربح لأحد أجنبي لم تصح مضاربة، إلا إذا كان لذلك الأجنبي عمل يتعلق بتجارتهما، فتصح مضاربة حين ذلك لأنه عامل أيضا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 367

و لا فرق في الحكم بين أن يكون الأجنبي حرا أو عبدا مملوكا لأحد المتعاقدين أو لغيرهما، و الظاهر ان المعاملة المذكورة إذا شرط فيها جزء من الربح للأجنبي لا تصح مضاربة كما ذكرنا و لكنها تصح معاملة مستقلة بنفسها و تشملها العمومات و أدلة الوفاء بالشرط، فتكون نافذة.

المسألة 13:

يشترط في المضاربة أن يكون العمل و طلب الربح فيها بمتاجرة العامل بالمال، فلا تصح المضاربة إذا دفع المالك رأس المال الى عامل ذي صنعة ليعمل به في صنعته، فيدفعه الى نجار ليعمل بالمال في نجارته أو الى زارع ليعمل به في زراعته أو الى ذي حرفة أخرى ليصرفه في حرفته و يكون الربح الحاصل من ذلك مشتركا بينهما، و الظاهر ان المعاملة المذكورة و ان كانت لا تصح مضاربة و لكنها تصح معاملة مستقلة تدل على صحتها العمومات و قد تقدم نظيرها.

المسألة 14:

لا تجوز المضاربة في الدراهم المغشوشة التي لا يقبلها الناس في التعامل ما بينهم، و لا يرضون بها في الأخذ و العطاء لغشها، و لا تصح المضاربة بها كما لا تجوز أي معاملة فيها إذا كان الشخص الذي تدفع اليه جاهلا بأمرها، و ليرجع إلى المسألة الخامسة عشرة من كتاب التجارة من الرسالة.

المسألة 15:

لا يشترط في صحة المضاربة أن يكون رأس المال بيد العامل، فتصح المعاملة إذا كان العامل متسلطا على التصرف في رأس المال حسب ما تراضى عليه المتعاقدان في مضاربتهما و ان لم يكن المال بيده، بل كان بيد المالك أو بيد أمين آخر أو في مصرف أو بنك أو متجر، و يمكن للعامل أن يأخذ منه ما شاء متى شاء.

المسألة 16:

يشترط في العامل أن يكون قادرا على العمل الذي يضاربه المالك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 368

عليه، فإذا كان المقصود من المضاربة هو أن يتجر العامل بالمال بأي وجه اتفق من وجوه التجارات المباحة، اشترط في العامل أن يكون قادرا على الاتجار و لو في نوع مخصوص منها، فيكفي في الصحة أن يكون قادرا على المتاجرة بالحبوب أو بالأقمشة مثلا، و لا تصح المضاربة إذا كان العامل عاجزا عن الاتجار في جميع وجوه التجارات، و كذلك إذا قيد المالك المضاربة بنوع خاص من أنواع التجارة و كان العامل لا يقدر على الاتجار بذلك النوع، كما إذا قيد المالك المضاربة بالمتاجرة بالجواهر و كان العامل غير قادر على ذلك فلا تصح المضاربة، و هذا كله إذا كان المالك قد قيد المضاربة مع العامل بأن يباشر الاتجار بالمال بنفسه.

و إذا ضاربه و اشترط عليه أن يباشر التجارة بنفسه و كان الشرط لا بنحو التقييد، و كان العامل عاجزا عن الاتجار لم يبطل عقد المضاربة و ثبت للمالك خيار تخلف الشرط، فيجوز له أن يفسخ المضاربة و يجوز له ان يبقى المضاربة فيستأجر العامل عاملا آخر يتجر لهما بالمال.

و إذا ضارب المالك العامل للتجارة و لم يشترط عليه المباشرة بنفسه و لم يقيد المضاربة بذلك صحت المضاربة فإذا

كان العامل عاجزا عن الاتجار بنفسه أمكن له أن يتخذ عاملا غيره يقوم بالتجارة أو يتخذ معينا يعينه فيها، و تجري الأحكام المذكورة في ما إذا طرأ العجز للعامل عن الاتجار بعد ان كان قادرا في أول الأمر.

المسألة 17:

إذا دفع المالك الى العامل مبلغا كبيرا من المال ليتجر به، و كان العامل قادرا على المتاجرة في البعض، و لكنه يعجز عن الاتجار بذلك المبلغ من المال كله، فان قيد المالك مضاربته بأن يتجر العامل بجميع المال جرت في هذا الفرض الأحكام التي ذكرناها في المسألة السابقة.

فإذا كان المالك قد قيد عقد المضاربة أيضا بأن يباشر العامل المتاجرة بالمال بنفسه كانت المضاربة باطلة لعدم القدرة، و إذا كان قد شرط على العامل مباشرة الاتجار بنفسه و لم يقيد المضاربة بذلك صحت المضاربة و كان للمالك خيار تخلف الشرط على النهج الآنف ذكره.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 369

و إذا لم يشترط المالك المباشرة على العامل و لم يقيد المضاربة بها صحت المضاربة، و جاز للعامل أن يستأجر غيره ممن يقوم بالتجارة أو يعينه فيها، و هذا كله في ما إذا قيد المالك المضاربة بأن يتجر العامل بجميع المال.

و إذا ترك المالك الأمر في ذلك الى مشيئة العامل، فالظاهر صحة المضاربة في المقدار الذي يمكن للعامل الاتجار به من المال، فإذا اتجر به استحق حصته من ربحه، و تبطل المضاربة في المقدار الزائد الذي يعجز عن الاتجار به، و فرض انه غير قادر على الاتجار بالمقدار الزائد، يعني انه لم يعمل به، و لذلك فلا يستحق منه شيئا، و الظاهر أيضا عدم ضمان العامل إذا تلف المال.

و إذا كان العامل قادرا في ابتداء الأمر على الاتجار بالجميع، ثم

طرأ له العجز وجب عليه ان يرد الزائد على المالك فإذا هو لم يرده مع إمكان الرد كان ضامنا له إذا تلف أو حدث فيه عيب.

المسألة 18:

لا تصح المضاربة إذا كان رأس المال دينا كما ذكرنا في المسألة السابعة، سواء كان الدين على العامل نفسه أم على غيره، فإذا عين المدين الدين و قبضه المالك أو وكيله أو وليه إذا كان قاصرا صحت المضاربة به، و إذا كان للمالك مال شخصي في يد انسان قد أودعه المالك إياه أو ائتمنه عليه بأحد أنواع الائتمان، جاز للمالك أن يضارب أحدا بذلك المال ثم يوكل العامل في قبضه سواء كان بيد العامل نفسه أم بيد غيره.

و يجوز للمالك أن يوكل العامل في قبض دينه في ذمة المدين، فإذا قبضه العامل من المدين كان أمانة بيده و صح للمالك أن يجعله رأس مال و يضارب العامل به.

نعم، الأحوط لزوما أن لا يتولى العامل طرفي العقد في المضاربة، فيوكله المالك على اجراء العقد على الأمانة التي بيده أو على الدين الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 370

في ذمته بعد أن يعينه للمالك، فيوجب العامل عقد المضاربة فيه بالوكالة عن المالك ثم يقبلها لنفسه.

المسألة 19:

إذا كان للمالك مال معين بيد العامل قد استولى عليه غاصبا، ثم أجرى المالك مع العامل عقد المضاربة بذلك المال المغصوب صحت المضاربة به، فإذا اذن المالك للعامل في قبض المال بعد عقد المضاربة و سلطه على التصرف فيه في شؤون المضاربة ارتفع عنه الحكم بالضمان و أصبحت يده على المال يد أمانة، و كذلك إذا اشترى العامل بعد العقد بعض السلع في الذمة للمضاربة فيها، و اذن المالك له في دفع المال المغصوب ثمنا لها، فيرتفع الضمان عنه بذلك، و لا يرتفع الضمان بغير ذلك.

و كذلك الحكم في كل مال للمالك يوجد بيد العامل و هو مضمون عليه و ان لم

يكن مغصوبا كالمقبوض بالمساومة أو بالعقد الفاسد أو في موارد الاشتباه و الجهل.

المسألة 20:

إذا دفع المالك الى أحد مالا ليشتري به أرضا أو نخيلا أو دارا أو أغناما، فيكون نتاج الأرض أو النخيل أو الدار أو الغنم مشتركا بينهما، فان كان المقصود من المعاملة أن يبيع العامل هذه الأعيان التي يشتريها، و يحصل لهما الربح بزيادة قيمتها، صحت المعاملة مضاربة و ترتبت عليها أحكامها، و ان كان المقصود أن يشتري العامل هذه الأعيان لينتفع المالك و العامل بنماء الأرض من زرعها أو غرسها أو إجارتها، و بنماء النخيل من رطب و تمر و غيرهما، و نماء الدار من اجارة للسكنى و نحوها و نماء الغنم من لبن و دهن و صوف و شبه ذلك، فالظاهر البطلان إذا قصد بها المضاربة، فإذا اشترى العامل الأعيان كان نماؤها للمالك خاصة، و ليس للعامل فيه حصة، و يستحق العامل أجرة المثل على المالك لعمله الذي استوفاه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 371

و إذا لم يقصد بها المضاربة، فلا يبعد الحكم بصحتها معاملة مستقلة بنفسها، و تترتب عليها الآثار حسب ما اتفق عليه المتعاملان.

المسألة 21:

إذا دفع المالك الى العامل سلعا و أمتعة أو حبوبا أو نحو ذلك، و أمره أن يبيع هذه الأعيان و يجعل ثمنها مال مضاربة بينهما، لم تصح المضاربة بذلك حتى يبيع العامل الأعيان و ينشئ المالك عقد المضاربة على الثمن بعد قبضه.

المسألة 22:

إذا دفع المالك الى العامل شبكة لصيد السمك أو لصيد الطير، على أن يكون ما يصطاده العامل بها من السمك أو الطير مشتركا بينهما بالمناصفة مثلا أو بالتثليث، فثلث منه لمالك الشبكة و ثلثان للعامل، فالظاهر فساد المعاملة، و لا يترك الاحتياط بالتصالح في كل من الصيد الذي يقع في الشبكة و أجرة المثل لها و يمكن للمالك أن يؤجر شبكته للعامل مدة معينة بأجرة معينة و يشترط عليه في ضمن عقد الإجارة ان يحوز للمالك نصف ما يقع في الشبكة من الصيد أو ربعه، فإذا قبل العامل الإجارة و الشرط صح ذلك و لزم العمل به.

المسألة 23:

إذا أنشأ أحد عقد المضاربة مع العامل بمال غيره كان العقد فضوليا، فان اجازه مالك المال صحت المضاربة بين المالك و العامل، و ان لم يجزه كان العقد باطلا، و إذا أنشأ المالك العقد مع شخص آخر غير العامل، وقع فضوليا كذلك، فان اجازه العامل صح و الا كان باطلا.

المسألة 24:

إذا قال مالك المال للعامل ضاربتك بهذا المبلغ المعين على أن يكون الربح بيني و بينك فقبل العامل، صح العقد مضاربة، فإذا اتجر العامل بالمال و ربح كان الربح بينهما بالمناصفة، و كذلك إذا قال له ضاربتك بهذا المال على أن يكون لك نصف الربح منه، أو قال له على أن يكون لي نصف الربح، فان جميع هذه العبارات ظاهرة عرفا في تنصيف الربح بين المالك و العامل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 372

المسألة 25:

إذا قال المالك للعامل ضاربتك بهذا الألف على أن يكون لك نصف ربحه، أو قال له على أن يكون لك ربح نصفه، فالعبارتان كلتاهما دالتان على إنشاء المضاربة عرفا، و على الاشتراك بين المالك و العامل في الربح بالمناصفة، فإذا قبل العامل ذلك، فلا ريب في صحة المضاربة و وجوب ترتيب آثارها.

الفصل الثاني المضاربة من العقود الجائزة

المسألة 26:

المضاربة من العقود الجائزة لكل من المتعاقدين، المالك و العامل، فيجوز لكل واحد منهما أن يفسخ العقد، سواء قبض العامل رأس المال أم لم يقبضه، و سواء شرع العامل في المتاجرة بالمال أم كان قبل شروعه أم بعده، و سواء ظهر الربح في المعاملة أم لم يظهر، و نض المال أم لم ينض، و نض المال صيرورته نقودا بعد أن كان عروضا:

أمتعة و سلعا و حبوبا و نحوها، و لا فرق بين ان يجعل المتعاقدان للمضاربة أجلا معينا أو لا.

المسألة 27:

إذا أنشأ المتعاملان عقد المضاربة بينهما و اشترطا في ضمن العقد نفسه أن لا يفسخا العقد إلى أجل معين لم ينفذ هذا الشرط و لم يجب الوفاء به، و لا يبطل العقد بذلك، و إذا اشترطا ذلك في ضمن عقد آخر، و هو من العقود الجائزة، نفذ الشرط و وجب الوفاء به ما دام العقد الذي ذكر الشرط في ضمنه موجودا، فلا يجوز لهما فسخ المضاربة في ذلك الحال، و إذا اتفق ان انفسخ ذلك العقد سقط الشرط المذكور في ضمنه و جاز لهما فسخ المضاربة بعد ذلك.

و إذا اشترطا أن لا يفسخا عقد المضاربة بينهما إلى أجل مسمى في ضمن عقد آخر لازم: بيع أو صلح أو إجارة أو غيرها من العقود

كلمة التقوى، ج 4، ص: 373

اللازمة، وجب الوفاء بالشرط و لم يجز لهما فسخ المضاربة الى أن ينقضي الأجل المعين.

المسألة 28:

إذا أنشأ المالك و العامل عقد المضاربة بينهما و اشترط أحدهما أو اشترطا معا في ضمن العقد نفسه أن لا يفسخا العقد مطلقا، فان كان المقصود من ذلك اشتراط اللزوم في المضاربة و ان لا يملك أحدهما فسخها، فالأقوى بطلان الشرط المذكور، و كذلك إذا اشترطاه في ضمن عقد آخر جائز أو لازم، فان الشرط المذكور مخالف للكتاب و السنة فلا يكون نافذا، على ان اللزوم في العقود مما لا يقبل الاشتراط، فإنه من الأحكام الشرعية التابعة لدلالة دليلها و لا يمكن ان تثبت باشتراط المتعاقدين، و بطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد الذي وقع الشرط في ضمنه.

و ان كان المقصود من الاشتراط أن يلتزم المتعاقدان بعدم فسخ المضاربة بينهما مطلقا، و كان اشتراط ذلك في ضمن عقد المضاربة نفسه، لم ينفذ

الشرط و لم يجب الوفاء به كما تقدم في اشتراط عدم الفسخ إلى أجل معين.

و إذا وقع اشتراط ذلك في ضمن عقد آخر من العقود اللازمة، فقد يقال بصحة الشرط و وجوب الوفاء به و مثله ما إذا وقع الاشتراط في ضمن عقد آخر من العقود الجائزة، فقد يقال بنفوذ الشرط و وجوب الوفاء به ما دام العقد الذي وقع الشرط في ضمنه موجودا، و لكن الحكم في كلا الفرضين موضع اشكال، فلا يترك الاحتياط بعدم اشتراط ذلك، و بالرجوع إلى المصالحة أو التقايل بينهما إذا هما اشترطاه، و على أي حال فبطلان الشرط أو التوقف فيه لا يوجب بطلان العقد.

المسألة 29:

إذا اشترط المالك أو العامل على صاحبه في ضمن عقد المضاربة ان ينشئ معه مضاربة ثانية برأس مال آخر، و قبل صاحبه بالشرط، وجب العمل به ما دامت المضاربة الأولى التي وقع الشرط في ضمنها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 374

موجودة، فإذا فسخت المضاربة سقط الشرط المذكور في ضمنها و لم يجب العمل به إذا لم يعمل به من قبل، و كذلك إذا اشترط أن يأخذ منه بضاعة، أو يعمل له عملا معينا، أو يقرضه قرضا، فيجب الوفاء بالشرط ما دامت المضاربة موجودة.

المسألة 30:

العامل في المضاربة أمين، و لذلك فلا يكون عليه ضمان إذا تلف المال في يده أو نقص منه شي ء، أو حدث فيه عيب، إلا إذا تعدى عن الحد المأذون فيه، أو فرط في حفظ الامانة، و إذا حدثت في التجارة خسارة فلا يتحمل منها شي ء، بل يكون جميعها على مالك المال.

و إذا اشترط المالك على عامل المضاربة في ضمن العقد، أن يكون ضامنا لرأس المال إذا تلف في يده، أو اشترط عليه أن الخسارة التي قد تحدث في التجارة تكون عليهما معا، كما ان الربح الذي يحصل منها يكون لهما معا، فالأقوى عدم صحة الشرط.

نعم يجوز للمالك أن يشترط على العامل أن يتدارك بعض الخسارة التي تصيب المالك إذا اتفق حدوثها في التجارة، فيدفع العامل من ماله مقدار نصف الخسارة مثلا، بل يصح له أن يشترط عليه أن يدفع من ماله ما يتدارك جميع الخسارة، فإذا قبل العامل بالشرط صح و وجب العمل به، و هذا شي ء غير الضمان الذي تقدم منعه.

المسألة 31:

كل شرط يشرطه المالك أو العامل في ضمن عقد المضاربة يكون نافذا إذا كان الشرط جامعا لشرائط الصحة المعتبرة في الشروط، و ان كانت المضاربة من العقود الجائزة، فيجب الوفاء بالشرط المذكور ما دام عقد المضاربة، فإذا فسخت المضاربة سقط وجوب الشرط فلا يجب الوفاء به بعد ذلك إذا لم يكن و في به من قبل، كما ذكرناه في المسألة المائتين و الثامنة و الخمسين من كتاب التجارة.

و لذلك فيمكن للمالك و للعامل إذا اشترط عليه صاحبه بعض الشروط التي قد يصعب عليه الوفاء بها في ضمن عقد المضاربة أن يفسخ المضاربة فيسقط عنه وجوب الوفاء بالشرط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 375

و يستثنى

من الحكم المذكور اشتراط عدم فسخ المضاربة مطلقا أو الى أجل معين، فإذا شرط ذلك في ضمن عقد المضاربة نفسه لم ينفذ الشرط، كما تقدم قريبا، و ذلك لأن وجوب الوفاء بالشرط مشروط بوقوعه في ضمن العقد، و من المعلوم ان الواجب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه.

المسألة 32:

إذا شرط المالك على العامل في المضاربة شرطا أو حدد له شيئا، لم يجز للعامل ان يتعدى عما حدد له أو شرط عليه، فإذا شرط عليه مثلا أن يتجر بالحبوب فقط، لم يجز له أن يتجر بغيرها، و إذا شرط عليه ان لا يتجر بالأقمشة، لم يجز له أن يتجر بها، و إذا شرط عليه أن لا يسافر بتجارته، أو أن لا يسافر بها في البحر، أو أن لا يسافر بها في أيام الشتاء، وجب عليه أن لا يخالف، و إذا حدد له نوعا من التجارة أو نوعا من البيع، أو زمانا معينا أو مكانا معينا، فقال له لا تبع الا نقدا، أو إلا في سوق معين أو لا تشتر الا من بلد معين، وجب عليه أن يتبع ما شرطه عليه و لا يتجاوز.

فإذا خالف العامل ما عين له المالك أو شرط عليه، كان ضامنا للمال إذا تلف كله أو تلف بعضه و كان ضامنا للخسارة إذا حصلت، و إذا ربح مع ذلك في تجارته كان الربح مشتركا بينه و بين المالك حسب ما اتفقا عليه في العقد.

المسألة 33:

لا يجوز للعامل أن يخلط رأس المال المدفوع اليه بمال آخر، سواء كان المال الآخر لنفسه أم لغيره، بل و ان كان للمالك نفسه، إلا إذا رضي المالك له بخلطه، و إذا خلطه من غير اذن المالك كان ضامنا للمال إذا تلف جميعه أو تلف بعضه أو حدث فيه عيب، و لا تنفسخ المضاربة بذلك، فإذا ضارب به بعد الخلط فربح، كان الربح بين المالين بالنسبة، فإذا كان رأس المال ألف دينار و خلطه بألف دينار آخر، و تاجر بالألفين فربح مائتي دينار، فالربح الحاصل بين المالين

بالمناصفة، و هكذا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 376

و يكفي في اذن المالك أن يخوله ذلك على وجه العموم، فيقول له:

اعمل في المال حسب ما ترى، أو حسب ما تجده مصلحة، و إذا شرط اذنه بوجود المصلحة لم يجز له خلط المال بدونها.

المسألة 34:

إذا أطلق المالك عقد المضاربة و لم يشترط فيه على العامل شرطا، و كان بين الناس نوع متعارف من البيع، أو من السلع، أو من الأمكنة و الأحوال و الأوقات ينصرف إليه الإطلاق في مضارباتهم و معاملاتهم الدارجة بينهم، كان هذا الانصراف و التعارف الشائع قرينة عامة على أن ذلك هو المراد في العقد، و كان كالشرط الصريح المذكور في العقد، فيجب اتباعه، و إذا خالفه العامل كان ضامنا لرأس المال إذا تلف أو نقص أو عاب، و ضامنا للخسارة إذا حصلت، و إذا حصل من التجارة ربح مع ذلك كان مشتركا بين المالك و العامل على النحو الذي تقدم بيانه في المسألة الثالثة و الثلاثين.

و إذا كان بين الناس نوع من البيع أو من المبيعات أو من الأمكنة و غيرها ينصرف عنه الإطلاق و لا يشمله الاذن في المضاربات و المعاملات الشائعة كان هذا الانصراف عنه قرينة عامة على عدم ارادة ذلك في العقد، فيكون خارجا عن عقد المضاربة، و إذا خالف العامل ذلك لم تجز معاملته لعدم الاذن من المالك فيها، و لا تصح إلا بإجازة المالك و إمضائه للمعاملة التي أجراها العامل، فإن أجازها صحت و كان الربح فيها للمالك، و ان لم يجزها كانت باطلة، سواء كان العامل قد استوفى الثمن قبل أن يطلع المالك أم بعده.

المسألة 35:

إذا أطلق المالك عقد المضاربة و لم يشترط على العامل فيه شيئا، و لم يعين له الانصراف و التعارف بين الناس أمرا، جاز للعامل أن يتصرف في بيعه و شرائه و في تعامله مع الناس و اختياره الأمكنة و الأزمنة و الأجناس المبيعة حسب ما يراه و يعتقد بجدواه في معاملته و تحصيل الربح

في تجارته إلا إذا التبس عليه الأمر في بعض الجهات، فيرجع الى المالك أو يستشير بعض الخبراء في ذلك الأمر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 377

المسألة 36:

لا يجوز للعامل أن يسافر في تجارته الى بلد آخر إلا بإذن المالك أو يكون السفر في التجارة من العادات الشائعة بين أهل العرف و التي ينصرف إليها الإطلاق، فيجوز له السفر حين ذاك، و إذا هو سافر بالتجارة بدون اذن المالك، و بدون دلالة العرف العام على الرخصة فيه يكون ضامنا للمال إذا تلف أو عاب و ضامنا للخسارة إذا حصلت كما تقدم ذكره، و إذا اتجر في سفره فربح كان الربح مشتركا بينه و بين المالك على الوجه الذي قرراه في عقدهما، و كذلك الحكم إذا أذن المالك له في السفر الى بلد فسافر الى بلد آخر أو عين له جهة فسافر إلى جهة أخرى.

المسألة 37:

لا يجوز للعامل أن يبيع في مضاربته نسيئة إلا إذا اذن له المالك بالبيع كذلك أو دل الانصراف على الرخصة فيه أو دلت القرائن الخاصة عليه، و إذا جاز له بيع النسيئة فلا بد له من الاستيثاق للمال و التأكد من حفظه، و إذا خالف العامل فباع نسيئة من غير اذن و لا دلالة قرينة على الرخصة، أو باع كذلك من غير استيثاق لمال المضاربة كان ضامنا كما تقدم في نظائره، و إذا ربح كان الربح مشتركا بينه و بين المالك.

المسألة 38:

لا يجوز للعامل أن يشتري الشي ء للمضاربة بأكثر من ثمن مثله، و لا يجوز له أن يبيع الشي ء بأقل من ثمن مثله، إلا إذا اذن له المالك، أو كان المالك قد خوله أن يعمل حسب ما يجده مصلحة و كانت المصلحة تقتضي ذلك، و إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل أو باع بأقل من ثمن المثل من غير اذن و لا تخويل في ما تقتضيه المصلحة كان الشراء و البيع باطلين.

المسألة 39:

إذا أطلق المالك عقد المضاربة مع العامل جاز للعامل أن يشتري المعيب إذا كان شراؤه و بيعه معيبا موردا للربح، و إذا أمكن له إصلاح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 378

المعيب ثم بيعه صحيحا بثمن تتحقق به الفائدة، الى غير ذلك من وجوه المصلحة في شرائه و بيعه.

و لا يجوز له شراؤه مع العلم بالعيب إذا كان مظنة للخسارة من غير مصلحة تقابلها، و إذا اشترى العامل المعيب جاهلا جاز له أن يفسخ البيع و يسترد الثمن و أن يبقى البيع فيأخذ أرش العيب و يرجح منهما ما تقتضيه المصلحة.

المسألة 40:

يجوز للعامل أن يبيع الأجناس بالأجناس، فيبيع الحنطة بالأرز أو بالعكس أو بغير ذلك من الأمتعة و السلع و الحبوب، و لا يتعين عليه أن يبيع بالنقود، و لا يجوز له أن يبيع بجنس لا يرغب في شرائه إلا إذا علم أو اطمأن بوجود المصلحة و لو بنقله الى بلد يكون فيه موضعا للرغبة و موردا للربح أو حفظه الى وقت يتحقق فيه ذلك.

المسألة 41:

إذا تم عقد المضاربة بين المالك و العامل، وجب على العامل أن يقوم بما يعتاد قيام أمثاله به من الأعمال في مثل تلك التجارة في زمانها و مكانها و مشخصاتها الأخرى من سعة و ضيق و كثرة عملاء و قلتهم، فيتولى العامل بنفسه ما يتولى التجار لأنفسهم من الأعمال من اعداد نفسه لمراجعة المتعاملين معه بالمساومة و تحديد الأسعار و الاشراف على سير الأمور وفق ما يرام في البيع و الشراء و الأخذ و العطاء و القبض و التسليم، و شراء أو استئجار الأثاث و الأمتعة و الأدوات و المعدات و اللوازم و الأجهزة التي يفتقر إليها في تنظيم المكتب أو المكاتب و توجيه العمل فيها و في المتجر و استئجار الكتاب و الوكلاء و الأجراء الذين تحتاج ادارة المتجر إليهم و استئجار المحال و المخازن اللائقة و مواضع عرض الأجناس و مواضع بيعها، و إخراج النفقات التي يحتاج إليها في ذلك و شبهه من وسط المال، و ضبط جميع ذلك في سجلات خاصة تكون مرجعا عند الحاجة و غير ذلك مما يقوم به التاجر في إدارة تجارته و عمله.

و إذا كانت التجارة خاصة تولى العامل كذلك ما يتولاه التاجر فيها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 379

لنفسه من الأعمال، فإذا كانت

تجارة أقمشة كان عليه أن يحضر القماش للمشتري إذا طلبه و يخبره بالسعر إذا سأل و يساومه إذا ساوم و أن ينشر الطاقة بين يديه إذا رغب و يقيس له المقدار الذي يريد بالمتر أو بالذراع، و عليه طي القماش بعد النشر و قبض الثمن. و عليه عرض النماذج المطلوبة في تجارة الحبوب، و تحديد السعر للنموذج الذي يرغب فيه المشتري و وزن المقدار الذي يطلب، و قبض ثمنه، و هكذا في التجارات الأخرى.

و يجوز له أن يستأجر من تجري العادة باستئجاره ليقوم ببعض الشؤون، كالصانع و الوزان و الدلال و الحمال يحمل البضاعة من موضع شرائها الى مخزن التجارة و من المخزن الى موضع العرض و البيع، و يدفع أجرة عامله من مال التجارة.

و إذا استأجر العامل أجيرا للأعمال التي يلزمه القيام بها بنفسه وجب عليه أن يدفع أجرة هذا الأجير من ماله الخاص لا من مال المضاربة، و إذا قام بنفسه ببعض الأعمال التي تكون من وظائف غيره، و أراد أن يأخذ الأجرة على ذلك، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينه و بين المالك عنها.

المسألة 42:

لا يتعين على العامل إذا أراد أن يشتري شيئا للمضاربة أن يشتريه بمال شخصي معين من مال المضاربة نفسه، بل يصح له أن يشتريه بثمن كلي و يقصد كونه في ذمة المالك من حيث المضاربة. و يصح له أن يشتريه بثمن كلي و يقصد انه في ذمة نفسه من حيث انه وكيل عن المالك في أمر المضاربة، و يصح له أن يشتري الشي ء بثمن كلي من مال المضاربة الذي بيده، فيكون بنحو الكلي في المال المعين لا في ذمة المالك و لا في ذمة العامل، ثم يعين فردا للكلي

من مال المضاربة و يدفعه للبائع وفاء في الصور الثلاث، و لا مانع من ذلك كله، فإن إطلاق عقد المضاربة يقتضي الإذن له في جميع ذلك.

و كذلك الحكم إذا أراد العامل أن يبيع شيئا من مال المضاربة، فلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 380

يتعين عليه أن يجري البيع على شي ء شخصي معين من أموال المضاربة، بل يجوز له أن يبيع شيئا كليا في ذمة المالك من حيث المضاربة أو في ذمة نفسه من حيث انه وكيل عن المالك في أمر المضاربة، و أن يبيع شيئا كليا من مال المضاربة ثم يدفع فردا للكلي من مال المضاربة للمشتري وفاء بحقه في الصور الثلاث.

المسألة 43:

إذا اشترى العامل شيئا للمضاربة بثمن كلي في ذمة المالك أو في ذمة نفسه من حيث انه وكيل عن المالك في أمر المضاربة ثم تلف مال المضاربة قبل وفاء الثمن منه، لم يجب على المالك أن يفي الثمن من أمواله الأخرى، بل يكون الشراء باطلا على الأقوى.

و ذلك لأن إطلاق عقد المضاربة انما اقتضى الاذن للعامل في أن يشتري في ذمة المالك من حيث المضاربة كما ذكرنا، أو في ذمة العامل نفسه من حيث وكالته عن المالك في أمر المضاربة، و أن يكون وفاء ذلك من مال المضاربة، و اما أن يكون الوفاء على المالك من أمواله الأخرى غير المضاربة، فلا اذن فيه و لا يقتضيه الإطلاق و نتيجة لذلك فيكون الشراء باطلا، إلا إذا أجازه المالك، و إذا أجاز المالك الشراء و دفع الثمن من أمواله الأخرى، فلا يدخل هذا المال في مال المضاربة إلا بعقد جديد.

المسألة 44:

إذا اشترى العامل الشي ء لنفسه و جعل ثمن البيع في ذمته، و لم يقصد عند الشراء ان يفي ما في ذمته من مال المضاربة، ثم بدا له فدفع الثمن من مالها، فلا ريب في صحة شرائه لنفسه، و لا يدخل الشي ء الذي اشتراه في مال المضاربة، فإذا باعه و ربح فيه كان الربح له خاصة، و ان كان غاصبا و آثما في دفع الثمن من مال المضاربة، إلا إذا أخذه مقترضا، و كان المالك قد أذن له في الاقتراض من مال المضاربة.

المسألة 45:

إذا اشترى العامل شيئا و قصد ان ثمن المبيع في ذمته، و لكنه لم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 381

يلتفت عند الشراء أن شراءه لنفسه أو للمالك، فالظاهر أن المبيع يكون له لا من مال المضاربة، فإذا باعه و ربح فيه يكون الربح له خاصة، و إذا دفع الثمن من مال المضاربة كان عاصيا. و إذا علم من حالته الوجدانية بحسب ارتكازه الإجمالي في نفسه و عادته التي يجري عليها في غالب أحواله من حيث كونه عاملا يتجر بمال غيره انه يشتري للمالك و ان لم يلتفت الى ذلك تفصيلا كان الشراء و الربح من مال المضاربة، و صح له أن يدفع الثمن من مال المضاربة.

المسألة 46:

عامل المضاربة أمين، فلا ضمان عليه، الا إذا خان أمانته أو تعدى أو فرط فيها، و قد بينا هذا في المسألة الثلاثين و أشرنا إليه في عدة مسائل أخرى و الخيانة هي أن يفعل ما يخالف الأمانة شرعا أو ينافيها شرعا و عرفا، و من أمثلة ذلك أن يأكل بعض مال المضاربة بغير عذر أو سبب شرعي يحل له ذلك، أو يتصرف فيه تصرفا غير سائغ، كما إذا وطأ الجارية المشتراة للمضاربة بغير سبب أو عذر يبيح له الوطء أو استمتع بها بغير الوطء مما لا يجوز الا بسبب محلل، و كما إذا استخدم الفرش و الأمتعة من مال المضاربة في منزله بغير اذن أو سبب مجوز.

و التفريط أن يهمل أو يتسامح في حفظ ما يجب حفظه من الأموال، و التعدي أن يتجاوز ما حدد له الشارع أو اذن له المالك أو شرطه عليه في عقد المضاربة شرطا صريحا، أو دلت القرائن العامة أو الخاصة على اشتراطه في العقد.

فإذا

خان العامل أمانته أو تعدى أو فرط فيها كان ضامنا لرأس المال، فإذا تلف جميعه أو تلف بعضه أو حدث فيه عيب كان عليه ضمانه، و ان كان حدوث التلف أو العيب بسبب حدوث آفة سماوية أوجبت ذلك.

و إذا كان تعدي العامل بمخالفته لما أمره به المالك أو لما نهاه عنه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 382

أو لما اشترطه عليه في العقد و لو بدلالة القرائن الخاصة أو العامة على اشتراطه، كان ضامنا للمال كما تقدم و كان ضامنا للخسارة إذا حدثت.

المسألة 47:

إذا خان العامل أو تعدى في أمانته أو فرط في حفظها، ثم رجع عن خيانته و تعديه و تفريطه، حتى عادت له صفة الأمانة في نظر أهل العرف و العقلاء من الناس، فالأقوى ارتفاع الضمان عنه، فلا يضمن ما يحدث من تلف أو عيب أو خسارة بعد رجوع صفة الامانة له، و لا يرتفع عنه الضمان في ما حدث قبل ذلك، من غير فرق بين ضمان رأس المال و ضمان الخسارة، على النهج المتقدم.

المسألة 48:

إذا دعت المصلحة أن يبيع العامل جنس المضاربة في وقت فلم يبع، و هو يعلم بوجود المصلحة الداعية و لا عذر له في ترك البيع، و كان المالك قد شرط عليه مراعاة المصلحة أو دلت القرائن الخاصة أو العامة على لزوم مراعاتها، كان العامل ضامنا للخسارة إذا حصلت بعد ذلك، بل و كان ضامنا لرأس المال إذا تلف أو عاب.

المسألة 49:

إذا نوى العامل الخيانة و التعدي في المضاربة أو نوى التفريط في حفظها، و لم يفعل ذلك فلا ضمان عليه بمجرد النية، سواء عزم على ارتكاب ذلك بالفعل أم نوى أن يرتكبه في ما بعد.

المسألة 50:

إذا كان الرجل عاملا للمالك في مضاربتين تستقل إحداهما عن الأخرى برأس مالها و بعملها، و خان العامل أو تعدى أو فرط في إحدى المضاربتين كان ضامنا فيها، و لم تزل أمانته في المضاربة الثانية، فلا ضمان عليه فيها.

و إذا كانت المضاربة واحدة و خان العامل أو تعدى أو فرط فيها كان ضامنا فيها جميعا و ان تعددت فروعها و نواحيها، و مواضعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 383

الفصل الثالث في نفقة العامل في سفر المضاربة

المسألة 51:

ليس لعامل المضاربة و هو في الحضر أن ينفق على نفسه أو على شؤونه من مال المضاربة قليلا و لا كثيرا، سواء كانت النفقة في منزله أم في المتجر، كما إذا زاره في المتجر بعض أصدقائه و أراد تكريمه، و لا يجوز له الإنفاق منه كذلك على معامليه و مراجعيه في المتجر، إلا إذا اذن المالك له بذلك أو شرطه العامل على المالك أو كان تعارف عام يدل على الرخصة في تكريم المعاملين و المراجعين في مثله، فيجوز حين ذاك و يتبع فيه مقدار ما يدل عليه الاذن و ما يدل العرف على الرخصة فيه، في كل من نوع الإنفاق و مقداره.

المسألة 52:

إذا سافر العامل بتجارة المضاربة و كان سفره باذن المالك، فنفقته في السفر من مال المضاربة و تخرج من جميع المال، و يراد بالنفقة ما يحتاج اليه العامل من مأكول و مشروب و ملبوس، و أجرة وسائل نقل و أجرة مسكن و أثاث و أمتعة و أدوات يحتاج إليها في سفره و في موضع اقامته في البلد الذي يتجر فيه، و أو ان يحتاج إليها في طعامه و شرابه، و وسائل راحة، و غير ذلك مما يصدق عليه النفقة على النحو اللائق بشأنه و بشرفه و منزلته في المجتمع، و في موضع الإقامة.

و ليس من نفقته التي تخرج من مال المضاربة عطاياه و مصانعاته الخاصة، و الإنفاق على ضيوفه و زواره، أو الإنفاق على أهله إذا صحبهم معه في سفره.

و أما ما ينفقه على التجارة نفسها من أجرة نقل و أجرة مخزن و محل للعرض و البيع، و رسوم و ضرائب و مصارف أخرى لا بد منها، و أجرة حراس و دلالين و

حمالين و شبه ذلك فهو من مال المضاربة من غير فرق بين السفر و الحضر، و كذلك العطايا و المصانعات التي تتوقف عليها التجارة في متفاهم أهل العرف و أهل المعاملات.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 384

المسألة 53:

يجب على العامل أن يقتصر في النفقة على المقدار الذي يفي بحاجته بحسب منزلته كما ذكرناه من غير سرف و لا تقتير، فإذا أسرف في الإنفاق لم يجز له ذلك و كان للمالك ان يرجع عليه بما زاد على الحاجة منه، و إذا قتر على نفسه لم يحسب له ما نقص، و كذلك إذا ضيفه صديق أو غيره، فلا تحسب له النفقة.

المسألة 54:

يراد بالسفر هنا مطلق قطع المسافة و ان لم يبلغ المسافة الشرعية التي يجب فيها قصر الصلاة، فمتى صدق على العامل انه مسافر في تجارته صح له ان يأخذ نفقته من مال المضاربة و ان كان سفره فرسخين أو ثلاثة فراسخ، و كذلك إذا نوى الإقامة عشرة أيام أو أكثر في موضع وصوله، بل و ان امتدت إقامته أياما كثيرة ما دام يصدق عليه أنه مسافر و كان مشغولا بالتجارة أو بشؤونها.

المسألة 55:

إذا سافر العامل بمال المضاربة ليتجر به في بلد معين، و احتاج في أثناء سفره الى البقاء في بلد آخر مدة، لشؤون تتعلق بالسفر أو بالتجارة، كما إذا أرهقه عناء السفر فاحتاج الى الراحة أياما في ذلك البلد، أو لينتظر رفقة يتم سفره معهم، أو لانتظار بعض وسائل النقل التي تنقل له البضائع، أو لقضاء قوانين حكومية خاصة بالمكث هناك فترة للكشف على المال، أو لتسجيل الأجناس أو لدفع بعض الضرائب، فنفقة العامل مدة بقائه في ذلك البلد تكون من مال المضاربة أيضا.

المسألة 56:

إذا أقام عامل المضاربة في البلد الذي سافر اليه، فاتجر فيه حتى أتم العمل، ثم عزم على الإقامة فيه فترة أخرى، فإن كانت إقامته الثانية لإعمال تعود إلى التجارة أيضا، كتحصيل ديون للمضاربة من بعض العملاء، و توفية حقوق لأصحاب المخازن و المحلات التي استأجرها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 385

في تلك المدة، و كاستيجار محلات و لوازم جديدة لسفرة أخرى مقبلة في المضاربة نفسها، و نحو ذلك، فنفقة العامل في هذه المدة من مال المضاربة أيضا.

و ان كانت إقامته الجديدة لإعمال تعود له خاصة، كزيارة بعض الأصدقاء أو التنزه في ضواحي البلد و الاطلاع على مناظرة، و كعقد صفقات لنفسه مع بعض الشركات أو بعض التجار، و هي لا تتصل بتجارة المضاربة، فنفقته في تلك المدة من مال خاصة لا من مال المضاربة.

و ان كانت إقامته الجديدة لإعمال تتعلق بالتجارة الأولى، و لإعمال أخرى، تكون لغيرها، و هذا الفرض يمكن وقوعه على صورتين.

الصورة الأولى أن تكون أعمال التجارة بخصوصها سببا تاما لإقامته في البلد تلك المدة، و أن تكون الأعمال الأخرى أيضا سببا تاما للإقامة، بحيث لو انفردت أية واحدة منهما

عن الأخرى لأقام العامل بسببها في البلد و لم يسافر منه حتى يتمها، و الأقوى في هذه الصورة أن نفقة العامل في مدة بقائه كلها من مال التجارة لشمول النص له في هذا الحال.

الصورة الثانية: ان يكون السبب التام لإقامته الثانية في البلد هو مجموع العملين، بحيث لو كان الداعي له هو عمل التجارة خاصة، أو كان هو العمل الآخر خاصة، لما أقام العامل في البلد بسببه، و لكن اجتماع السببين أوجب له أن يقيم حتى ينجزهما معا، و الأقوى و الأحوط في هذه الصورة كون النفقة في مدة بقاء العامل عليه نفسه لا من مال المضاربة و لا بالتوزيع.

المسألة 57:

إذا سافر العامل من بلده لبعض شؤون المضاربة و مقدماتها و لم يكن سفره للتجارة نفسها كما فرضناه في المسائل المتقدمة، و مثال ذلك أن يسافر من وطنه الى البلد الذي يعزم على الاتجار فيه في ما بعد، ليتفاهم مع بعض التجار و العملاء بشؤون تتعلق بتجارته المقبلة، أو ليستأجر بعض المنازل و المخازن، أو ليشتري بعض الأثاث و الأدوات مما يحتاج اليه أو تحتاج اليه تجارته المقبلة، فالظاهر ان نفقته في هذا السفر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 386

من ماله لا من مال المضاربة، و ان كان سفره باذن المالك، و الأحوط المصالحة بين العامل و المالك عنها أو اشتراط كون النفقة على أحدهما.

المسألة 58:

إذا سافر العامل بمال المضاربة ليتجر به في سفره و لم يأذن له المالك بالسفر، فنفقته في السفر من مال خاصة لا من مال المضاربة، و كذلك الحكم إذا أذن له المالك في السفر بتجارته الى بلد معين، فسافر العامل الى بلد غيره، أو اشترط عليه في السفر شرطا فخالف ما شرط المالك عليه، كما إذا اشترط عليه أن يتجر في سفره بالأقمشة، فاتجر بالحبوب، أو شرط عليه ان يتجر في البلد نفسه، فاتجر في القرى التابعة له، فتكون نفقة العامل من ماله لا من مال المضاربة.

المسألة 59:

إذا كان الرجل عاملا لشخصين في مضاربتين مستقلتين، فسافر بهما باذن المالكين كانت نفقته على المالكين بالتوزيع، فإذا تساوى المالان و تساوى العملان فالنفقة بينهما بالمناصفة، و إذا اختلف مقدار المالين و اختلف مقدار العمل فيهما، فالأحوط أن يتصالح المالكان و العامل في مقدار توزيع النفقة، و كذلك الحكم إذا كان أرباب المال أكثر من اثنين، فيجري في النفقة البيان المتقدم.

و إذا سافر العامل بمضاربة لغيره و بتجارة لنفسه، وزعت النفقة كذلك على الأحوط، و يكون التوزيع على النهج المتقدم أيضا.

المسألة 60:

إذا سافر العامل ليتجر بمال المضاربة و كان سفره باذن المالك استحق النفقة من مال المضاربة و ان لم يظهر الربح في المال بعد، فينفق من رأس المال سواء ربح المال أم لم يربح.

و إذا حصل للمال ربح بعد أخذ النفقة منه احتسبت النفقة جميعا حتى الماضي منها من الربح، و يدفع الى المالك رأس ماله تاما، و قسم الباقي من الربح بين المالك و العامل بعد إخراج جميع نفقة العامل منه، فإذا لم يبق من الربح شي ء بعد النفقة فلا شي ء لهما من الربح.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 387

المسألة 61:

إذا مرض العامل في أثناء سفره، و لم يمنعه المرض من عمله في السفر و في التجارة، لم يسقط بذلك حقه من النفقة، و لا يعد من النفقة ما يحتاج اليه العامل في علاج مرضه من أجرة طبيب أو قيمة كشف أو دواء أو غير ذلك على الأحوط فيخرجها من ماله لا من مال المضاربة.

و إذا منعه المرض من الاستمرار في عمله، فالأحوط له كذلك أن يأخذ نفقته في حال مرضه من ماله لا من مال المضاربة.

المسألة 62:

رجوع العامل من سفره للمضاربة و ذهابه فيه كلاهما من شؤون المضاربة عرفا، و ان اختلفا في الوضوح و الخفاء في ذلك، فإذا كان السفر مأذونا فيه من المالك، استحق العامل النفقة من مال المضاربة في رجوعه الى أن يصل الى بلده، كما استحقها في ذهابه الى أن يصل الى مقصده، فيأخذ من المال أجرة الوسائط و المراكب التي تنقله في رجوعه و بقية نفقاته، سواء كان عازما على السفر للمضاربة مرة أخرى أم لا.

و إذا كان رجوعه لغاية خاصة له كزيارة الأهل أو لقضاء بعض الحاجات له أو بعض الواجبات عليه، ثم يعود لإتمام عمل المضاربة، فنفقته من ماله لا من مال المضاربة.

المسألة 63:

إذا فسخ المالك أو العامل عقد المضاربة في أثناء سفر العامل، أو انفسخ العقد لبعض الطواري، و أراد العامل الرجوع الى بلده، فان كان أصل سفر العامل بتسبيب من المالك، و كان رجوعه من شؤون سفر المضاربة و ان كانت مفسوخة، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بين العامل و المالك في أمر النفقة، و إذا كان الرجوع لا يعد من شؤون سفر المضاربة عرفا، أو لم يكن سفر العامل بتسبيب من المالك فنفقة العامل في رجوعه على نفسه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 388

المسألة 64:

إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا من المال و قال له خذ هذا المبلغ و اعمل به مضاربة و جميع ربح المال لي خاصة، فمقتضى تصريح صاحب المال بأن جميع الربح له وحده ان المعاملة بضاعة لا مضاربة و ان أنشأها بلفظ المضاربة، و قد تقدم في أول الكتاب ان هذه هي الخاصة التي تفترق البضاعة بها عن المضاربة، فالربح يكون جميعه للمالك في البضاعة، و يكون مشتركا بين المالك و العامل في المضاربة.

و نتيجة لذلك فيكون العقد المذكور ابضاعا صحيحا لا مضاربة فاسدة، و يكون جميع الربح لصاحب المال كما اشترط، فإذا عمل العامل استحق على المالك أجرة المثل لاستيفائه منفعة العامل، إلا إذا علم بأن العامل قد قصد التبرع بعمله أو دلت القرائن على ذلك، أو اشترطه المالك عليه، فلا يستحق العامل على عمله شيئا.

المسألة 65:

إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا من المال، و قال له خذ هذا المبلغ و اعمل به مضاربة و جميع ربح المال لك خاصة، فمقتضى تصريح مالك المال بأن جميع ربح المال للعامل: ان العقد لا يكون مضاربة فقد علمت أن المضاربة هي ما كان الربح فيها مشتركا بين المالك و العامل، لا خاصا بأحدهما، و لا يكون بضاعة فقد تقدم ان البضاعة ما يكون ربح المال فيها للمالك خاصة لا للعامل.

و إذا لم يكن العقد مضاربة و لا بضاعة، فإن علم من القرائن ان المالك قد قصد بهذا العقد تمليك المال للعامل بالعوض صح ذلك قرضا، فيملك العامل المال و عليه عوضه بعد ذلك و يكون ربح المال له خاصة و ان لم يعلم ذلك، فظاهر عبارة العقد المذكور ان المالك قد ملك العامل ربح المال الذي

دفعه اليه قبل وجود الربح، و من المعلوم انه لا أثر لهذا التمليك.

و نتيجة لذلك فلا يصح العقد قرضا و لا مضاربة و لا بضاعة، و يرجع المال لمالكه، و يكون ربح المال له خاصة و لا يستحق العامل على المالك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 389

شيئا، فإنه إنما عمل لنفسه لا للمالك، و الأحوط لزوما الرجوع الى المصالحة فيه.

المسألة 66:

إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا معلوما من المال، و قال له خذ هذا المبلغ و اتجر به و الربح كله لي، كان ذلك بضاعة، و إذا علم بأن المالك قد قصد به المضاربة، كان مضاربة فاسدة و إذا ربح فالربح كله للمالك أيضا، و يستحق العامل على المالك أجرة المثل لعمله في كلتا الصورتين ما لم يقصد التبرع بعمله.

و إذا قال للعامل خذ المبلغ و اتجر به و الربح كله لك، كان ذلك قرضا، فإذا ربح فالربح للعامل، و إذا علم بأن المالك قد قصد به المضاربة، كان مضاربة فاسدة، و الربح كله للمالك، و في استحقاق العامل أجرة المثل لعمله اشكال، و الأحوط المصالحة عنها.

المسألة 67:

يجوز لمالك المال أن يضارب عاملين مضاربة واحدة، برأس مال واحد، يشتركان في الاتجار به، و يجوز له أن يخصص لكل واحد من العاملين حصة من رأس المال يتجر فيها، فيقول للعاملين: ضاربتكما بهذا المال، على أن يكون لكل واحد منكما نصف المال، مثلا، ليتجر به، و يجوز للمالك أن يعين مبلغين محددين من المال، يدفع كل واحد من المبلغين لأحد العاملين، و يعد المبلغين كليهما رأس مال واحدا للمضاربة الواحدة، و يختلف الحكم ما بين هذه الصورة.

فإذا كان ما بيد العاملين من رأس المال، مالا واحدا غير متميز، كما في الصورة الأولى، اشتركا في الربح، و كانت مضاربتهما واحدة يجبر ربح إحداهما خسارة الأخرى إذا حصلت.

فإذا اتجر أحد العاملين و ربح، و اتجر الثاني و لم يربح، أو اتجر و خسر، اشتركا في الربح الحاصل في الفرض الأول، و جبر الربح الخسارة في الفرض الثاني، و ذلك هو مقتضى اشتراكهما في المضاربة، و إذا كان ما بيد

أحد العاملين من مال المضاربة متميزا عما بيد الآخر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 390

كما في الصورة الثانية و الثالثة، اختص كل واحد من العاملين بربحه و خسارته، فلا يشاركه العامل الآخر بربحه إذا ربح و لا تجبر بربح الآخر خسارته إذا خسر، و تكون مضاربة المالك معهما بحكم مضاربتين و عقدهما بمنزلة عقدين، و كذلك الحكم إذا ضارب المالك أكثر من عاملين، فيجري فيه هذا التفصيل.

المسألة 68:

يجوز للمالك الواحد أن يضارب عاملين على الوجوه التي بيناها في المسألة المتقدمة، و يشترط المالك على العاملين ان الربح الذي يحصل من مضاربتهما يكون بينه و بينهما بالمناصفة مثلا، فيقول لهما:

ضاربتكما بهذا المبلغ لتتجرا به، أو ليتجر كل واحد منكما بالحصة التي عينت له من المال، على أن يكون لي نصف الربح من المضاربة، و لكما نصف الربح.

فإذا كان ما بيد العاملين من رأس المال مالا واحدا غير متميز كما في الصورة الأولى من المسألة السابقة، كان نصف الربح للمالك، و كان النصف الثاني منه للعاملين يقتسمانه بينهما بالمناصفة.

و إذا كان ما بيد أحد العاملين من المال متميزا عما بيد العامل الآخر، كما في الصورة الثانية و الثالثة، كان للمالك نصف الربح، و لكل واحد من العاملين نصف الربح من مضاربته في المقدار الذي عين له من المال، و لا يشارك أحدهما الآخر في ربحه.

و يجوز للمالك أن يجعل حصة أحد العاملين أوفر من حصة الآخر، فيجعل لنفسه نصف الربح من مضاربة زيد و الثلثين من مضاربة عمرو و باقي الربح للعامل.

المسألة 69:

يجوز للمالكين أن يضاربا عاملا واحدا بمال مشترك بينهما، فيقول الوكيل المفوض منهما للعامل: ضاربناك بهذا المال المشترك لتتجر به، على أن يكون الربح بيننا و بينك بالمناصفة فإذا اتجر العامل بالمال و ربح كان نصف الربح للعامل، و كان النصف الآخر منه بين المالكين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 391

بالمناصفة و يجوز لهما أن يشترطا على العامل التفاوت في استحقاقه من الربح في حصتيهما من المال فيقول له الوكيل ضاربناك بهذا المبلغ، على أن يكون لك نصف الربح من حصتي، و ثلث الربح من حصة شريكي فإذا قبل العامل صح العقد

إذا كان مقدار الحصتين من المال معلوما.

و كذلك الحكم في المالكين اللذين لا شركة بينهما، فيجوز لهما أن يضاربا عاملا واحدا مضاربة واحدة على الوجه المتقدم ذكره، فيدفع للعامل كل واحد منهما مبلغا معينا من ماله، و يأذنا له في أن يخلط المالين، و يجريا معه عقد المضاربة، و يعينا له مقادير الحصص من الربح على النحو المتقدم في المالكين الشريكين.

المسألة 70:

إذا ضارب الشريكان عاملا بالمال المشترك بينهما ليتجر به، ثم فسخ أحد الشريكين مضاربة العامل في حصته من المال، فالظاهر بقاء عقد المضاربة مع الشريك الآخر في حصته و لا ينفسخ بفسخ شريكه، فإذا كان رأس مال المضاربة ألف دينار مثلا، و هو مشترك بين زيد و عمرو بالمناصفة، ثم فسخ زيد المضاربة في نصفه، بقيت مضاربة العامل مع عمرو في نصفه من المال، فإذا اتجر بالخمسمائة و ربح، استحق من الربح حصته المعينة له في عقد المضاربة، سواء كان المال متميزا أم مشاعا.

المسألة 71:

إذا تم عقد المضاربة بين المالك و العامل، و قبض العامل رأس المال، فلا يجوز له أن يترك الاتجار به إذا هو لم يفسخ العقد، و لا يجوز له أن يؤخره بمقدار يعطل به مال المالك أو يعد متسامحا في حقه، و إذا أخر الاتجار بالمال كذلك من غير عذر كان عاصيا لتعطيله مال الغير، و إذا تلف المال أو نقص منه شي ء أو حدث فيه عيب، كان العامل ضامنا لذلك، و ليس للمالك أن يطالبه بالربح الذي يحصل له لو أن العامل اتجر بالمال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 392

المسألة 72:

إذا كان المال مشتركا بين مالكين و عملا به أو عمل به غيرهما، فمقتضى القاعدة ان حصة كل من الشريكين من الربح بنسبة حصته من المال، فإذا كان المال مشتركا بينهما بالمناصفة، فالربح الحاصل لهما يكون بالمناصفة بينهما كذلك، و إذا كان لأحدهما ثلث المال و للآخر الثلثان منه، قسم الربح بينهما كذلك، إلا إذا كان أحدهما عاملا، فيصح أن تشترط له زيادة من الربح على ما يستحقه بنسبة ماله، فإذا كان المال مشتركا بينهما بالمناصفة، و اشترط للعامل نصف الربح الحاصل، استحق الشريك العامل من الربح ثلاثة أرباعه، و كان ربعه للشريك الآخر غير العامل، و هذا من الشركة لا من المضاربة.

المسألة 73:

إذا ضارب زيد و عمرو عاملا بمال مشترك بينهما بالمناصفة، و اشترطا أن يكون لعامل المضاربة نصف الربح، و أن يكون النصف الآخر منه للمالكين بالمفاضلة ما بينهما لا بالمناصفة كما هو مقتضى القاعدة، فثلثان منه لزيد و ثلث لعمرو.

فان كان قصد المالكين من ذلك أن يكون نصف العامل من الربح في حصة عمرو أكثر من نصيبه من الربح في حصة زيد بهذه النسبة، و من أجل ذلك دخل النقص على نصيب عمرو من الربح، و كان زيد أوفر منه نصيبا مع تساويهما في مقدار المال، فالظاهر صحة المضاربة، و نفوذها على حسب ما اشترط بينهم في العقد سواء أجري ذلك بعقد واحد للمضاربة في مجموع المال ذكر فيه الشرطان معا، أم أجري في مضاربتين مستقلتين ذكر كل واحد من الشريكين شرطه مع العامل في مضاربة خاصة في حصته.

و ان كان المراد أن العامل اشترط في عقد المضاربة على عمرو أن يكون مقدار من ربحه الخاص به لشريكه الآخر و هو زيد،

و لذلك كان زيد أوفر من عمرو نصيبا من الربح مع تساويهما في المال، و مقتضى القاعدة أن يكون نصيب كل من المالكين من الربح بنسبة حصته من المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 393

فالظاهر عدم صحة ذلك مضاربة، فقد تقدم في المسألة الثانية عشرة انه لا يصح أن يشترط دفع مقدار من الربح لغير عامل فيها، و يصح ذلك إذا قصد به معاملة أخرى غير المضاربة يشترط العامل فيها ذلك، فإذا قبل بها الطرفان صحت و نفذت على حسب ما ذكر فيها من الشرط.

المسألة 74:

ليس لعامل المضاربة أن يوكل أحدا أو يستأجر أجيرا في أصل التجارة و في الأعمال التي تخصه من أعمال المضاربة إلا بإذن المالك، و يجوز له أن يوكل أو يستأجر أحدا في الأمور التي تعارف بين الناس التوكيل أو الاستئجار لها من عامل المضاربة، و هي مقدمات الأعمال و نحوها، فيكون التعارف المذكور بين العقلاء و أهل العرف قرينة على الاذن بالتوكيل و الاستيجار في تلك الأمور، و قد سبق التعرض لبعض ذلك في المسألة الحادية و الأربعين، و لا يجوز للعامل أن يضارب غيره في نفس مضاربته، إلا إذا أذن له المالك بها.

المسألة 75:

إذا أذن المالك للعامل في أن يضارب أحدا غيره ليعمل بمال مضاربته نفسها فهاهنا صور تختلف أحكامها.

الصورة الأولى: أن يكون العامل الثاني عاملا للمالك أيضا، و ان يكون العمل المقصود في كلتا المضاربتين الأولى و الثانية، عملا واحدا لا تعدد فيه، و الحكم في هذه الصورة أن تنفسخ المضاربة الأولى بين المالك و العامل الأول، من حيث ان العمل الواحد لا يقبل الصدور من عاملين مستقلين، و لذلك فتكون المضاربة الثانية التي أوقعها العامل باذن المالك موجبة لفسخ المضاربة الأولى، و لازم ذلك أن يكون الربح الذي يحصل من العمل في المضاربة الثانية مشتركا بين المالك و العامل الثاني على الوجه الذي عين له في المضاربة الثانية، و لا شي ء للعامل الأول منه.

و إذا كان العامل الأول قد عمل في المضاربة الأولى و ربح في عمله

كلمة التقوى، ج 4، ص: 394

قبل إنشاء المضاربة الثانية كانت له حصته من ذلك الربح، و ليس للعامل الثاني منه شي ء.

المسألة 76:

إذا ضارب العامل المأذون عاملا غيره على الوجه الذي ذكرناه في المسألة السابقة، و اشترط على العامل الثاني في العقد أن تكون له حصة معينة في ربحه، لم يصح له هذا الشرط، لأن المفروض أن مضاربته تنفسخ بذلك، و لا عمل له في المضاربة الثانية، فيكون الشرط له شرطا لأجنبي غير عامل.

المسألة 77:

إذا كانت حصة العامل المأذون في المضاربة هي نصف الربح مثلا، و ضارب العامل على الوجه المتقدم ذكره، و اشترط على العامل الثاني في مضاربته أن للعامل الثاني الثلث من الربح أو الربع منه صحت المضاربة و صح الشرط و كانت الزيادة للمالك، و لا يستحق العامل الأول منها شيئا.

المسألة 78:

الصورة الثانية: أن يكون المقصود من المضاربة الثانية المأذون فيها إنشاء مضاربة للعامل الثاني لعمل آخر مستقل غير عمل العامل الأول في مضاربته، و ان كان رأس المال في المضاربتين واحدا، و يكون كل واحد من العاملين الأول و الثاني عاملا مستقلا للمالك في مضاربة مستقلة لعمل مستقل.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 394

و الظاهر صحة كلتا المضاربتين في هذه الصورة، و لا مانع منهما و لا تنافي بينهما لاختلاف العمل، فإذا عمل أحد العاملين بالمال في الأسبوع الأول مثلا و ربح في عمله استحق حصته من الربح بمقتضى العقد معه، و إذا عمل الآخر بالمال في الأسبوع الثاني و ربح كذلك استحق حصته من ربحه بمقتضى عقده و لم يشارك أحدهما الآخر في الربح الخاص به، و هكذا، و على العاملين أن يتوافقا بينهما في مواعيد العمل أو في مجالاته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 395

المسألة 79:

الصورة الثالثة: ان يضارب العامل المأذون العامل الثاني فيجعله شريكا معه في عمله و في حصته المعينة له من الربح، و الظاهر الصحة أيضا في هذه الصورة، فيفسخ المضاربة الأولى الخاصة به و ينشئ عقد مضاربة جديدة بين المالك و العاملين، و تكون الحصة المعينة من الربح في المضاربة الأولى مشتركة بين العاملين حسب ما يتفقان عليه من تحديد، و لهما أن يتفقا مع المالك على حصة أخرى من الربح أكثر من الأولى أو أقل منها.

المسألة 80:

الصورة الرابعة: أن يضارب العامل المأذون العامل الثاني فيجعله عاملا لنفسه لا للمالك بنصيب معين من حصته التي عينت له في المضاربة الأولى، و الظاهر عدم صحة ذلك مضاربة، و للعامل أن يتخذ أجيرا أو شريكا إذا كان باذن المالك و المفروض هو ذلك.

المسألة 81:

إذا ضارب العامل في المضاربة عاملا آخر، ليتجر بالمال الذي بيده و كان غير مأذون من المالك في أن يضارب غيره، كان عقده مع العامل الثاني فضوليا، فإن أجاز المالك عقدهما كان صحيحا و نفذت المضاربة الثانية، و جرت فيها الصور الأربع التي تقدم تفصيلها و بيان أحكامها في المسائل المتقدمة، و ان لم يجز المالك عقدهما كان باطلا و لم تنفذ المضاربة الثانية.

و إذا اتجر العامل الثاني بالمال و لم يجز المالك مضاربته، كانت معاملاته بالمال فضولية أيضا، فإن أجاز المالك هذه المعاملات صحت بإجازته، و إذا ربحت كان ربحها كله للمالك و لم يستحق العامل الأول من الربح شيئا، و استحق العامل الثاني على المالك أجرة المثل على عمله من حيث ان المالك قد استوفى منه منفعة عمله، سواء كان العامل الثاني عالما أم جاهلا بالحال.

و ان لم يجز المالك معاملات العامل الثاني في ماله كانت باطلة فترد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 396

المبيعات الى مالكها و ترد الأثمان إلى أصحابها، و لا يتحقق في المعاملات ربح لينظر في من يستحقه، و ذلك واضح غير خفي.

و لا فرق في هذه الأحكام بين أن يكون العامل الأول قد ضارب الثاني على أن يكون عاملا للمالك أو يكون عاملا لنفسه.

و هذا كله إذا كان المالك قد اشترط على العامل الأول في مضاربته الأولى ان يباشر عمل المضاربة بنفسه، و ان كان

هذا الشرط مما دلت عليه القرائن العامة أو الخاصة.

و إذا لم يشترط المالك عليه مباشرة العمل بنفسه، فقد يقال بصحة المعاملات التي أجراها العامل الثاني على المال، و ان لم يجز المالك مضاربته من العامل الأول، و لم يجز معاملاته التي أجراها على المال، من حيث ان هذه المعاملات قد وقعت باذن العامل الأول و قد استحقها المالك عليه بمضاربته و لم يشترط عليه المباشرة، فتكون المعاملات له و يستحق بها حصته المعينة له من ربحها، و يستحق عليه العامل الثاني أجرة المثل و لكن المسألة موضع تردد و اشكال، فلا يترك فيها الاحتياط.

المسألة 82:

إذا رد المالك مضاربة العامل الأول للعامل الثاني و لم يجزها، و كان المال بيد العامل الثاني و لم يتجر به، جاز للمالك أن يطالبه به، و يجب على العامل رده اليه، و إذا تلف المال أو نقص منه شي ء أو حدث فيه عيب، تخير المالك بين أن يرجع في ذلك على العامل الأول، و على العامل الثاني، فإذا رجع بالغرامة على العامل الذي أوقع المضاربة لم يرجع هذا على العامل الثاني بشي ء و ان كان التلف أو التعيب حدث و المال بيده إذا كان جاهلا بالأمر، و إذا كان العامل الثاني عالما بالحال و كان التلف أو التعيب في يده رجع العامل الأول عليه بما غرمه المالك، و استقر عليه الضمان.

و إذا رجع المالك بالغرامة على العامل الثاني فإن كان عالما بالحال لم يرجع على العامل الأول بشي ء، و ان كان جاهلا رجع بما اغترم للمالك على العامل الأول لأنه مغرور من قبله.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 397

و كذلك الحكم إذا اتجر العامل الثاني بالمال و لم يجز المالك المضاربة

و لم يجز المعاملات، فيجوز للمالك ان يرجع بماله على كل من العاملين على النحو المتقدم ذكره، سواء كان المال موجودا أم تالفا.

المسألة 83:

إذا ضارب المالك العامل بمقدار معين من المال، كألف دينار مثلا، و دفع اليه منه خمسمائة فعمل العامل بها مدة، ثم دفع إليه خمسمائة أخرى، فهما مضاربة واحدة، فإذا خسرت أولاهما و ربحت الثانية جبر ربح الثانية خسارة الأولى، و كذلك الحكم إذا حدث الأمر بالعكس، سواء خلطهما العامل في عمله أم عمل بهما منفردتين.

و إذا ضاربه بمبلغ معين كخمسمائة دينار مثلا، ثم دفع اليه مبلغا آخر ليتجر به، فهما مضاربتان، فلا يجبر ربح إحداهما خسارة الأخرى، سواء عمل العامل بالمبلغ الأول قبل دفع المبلغ الثاني إليه أم لا، و إذا قصد المالك حين دفع المبلغ الثاني إلى العامل فسخ المضاربة الأولى و إنشاء مضاربة جديدة بالمجموع كانت مضاربة واحدة، و لا يكفي مجرد مزج المالين و الاتجار بمجموعهما في جعلهما مضاربة واحدة.

الفصل الرابع في حصة العامل من الربح

المسألة 84:

إذا ظهر الربح في تجارة عامل المضاربة ملك حصته من الربح على الأقوى، و ان كان المال لا يزال متاعا و عروضا، و لم يصر نقودا، و لا يتوقف ملكه لحصته على قسمة المال، و لكن العامل محجور- على الأقرب- عن بعض التصرفات في حصته من الربح، كما إذا أراد أن يبيع الحصة أو ينقلها الى ملك غيره بصلح و نحوه من العقود اللازمة، فإن حق المالك لا يزال متعلقا به لاحتمال طروء تلف أو خسارة في رأس مال المضاربة بعد ظهور الربح، و للعامل أن يطالب المالك بالقسمة، فإنها لا تمنع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 398

من جبر الخسارة بالربح إذا حصلت بعد القسمة ما لم يتحقق فسخ المضاربة كما سيأتي بيان ذلك.

المسألة 85:

إذا طرأ على رأس المال في المضاربة تلف، أو حدث فيه عيب، أو حصلت فيه خسارة، و كان هذا الطاري غير مضمون على أحد، جبر ذلك من الربح الذي يحصل في التجارة، سواء كان الربح سابقا على الخسارة أم لاحقا لها، و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّٰه تعالى، و من اجله كان العامل محجورا عن التصرف في حصته من الربح تصرفا ينافي ذلك و يمنع منه و ان كان مالكا للحصة كما ذكرناه في ما تقدم.

و لا يرتفع هذا الحجر عن العامل حتى تحصل القسمة و يتحقق فسخ المضاربة، و المراد بالقسمة قسمة جميع المال فلا تكفي قسمة الربح وحده، فإذا قسم الربح بين المالك و العامل ثم حصل خسران أو تلف في المال أو أخذت منه نفقة للعامل في سفر، جبر بالربح و ان كان مقسوما.

و لا تكفي قسمة جميع المال إذا لم تفسخ المضاربة، إلا إذا علم ان

القسمة لجميع المال فسخ عملي للمضاربة، فيكون ذلك فسخا مع قسمة، و يرتفع به الحجر عن العامل فتصح له جميع التصرفات في حصته، و إذا حصل بعد ذلك تلف أو عيب لم يجبر من الربح، بل يكون تلف كل شي ء من مال مالكه.

و إذا فسخت المضاربة بين المالك و العامل و لم تقع القسمة، فهل يرتفع بذلك الحجر عن العامل؟ و إذا حدث بعد ذلك تلف أو عيب في المال، فهل يجبر من الربح؟. فيه اشكال، فلا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط.

و لا يعتبر في استقرار ملك العامل لحصته و ارتفاع الحجر عنه أن ينض المال، و نض المال هو أن تصير الأجناس و الأمتعة في المضاربة نقودا، فإذا حصلت القسمة و تحقق الفسخ ارتفع الحجر عن العامل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 399

في التصرف في حصته و لم يجبر التلف الذي يكون بعد ذلك، بالربح، و ان لم ينض المال بعد.

المسألة 86:

إذا ظهر الربح في تجارة المضاربة، جاز للمالك و العامل أن يتفقا فيقتسما مقدار الربح بينهما، و يبقى مقدار رأس المال بيد العامل لتستمر المضاربة به، فإذا فعلا كذلك، و حدثت خسارة في رأس المال بعد ذلك، فان حصل بعد الخسارة أو قبلها ربح آخر جبرت الخسارة بالربح الجديد، و ان لم تربح المضاربة شيئا أو كان الربح الجديد لا يكفي لجبر الخسارة، كان على العامل أن يرد أقل الأمرين من الحصة التي أخذها من الربح، و ما يصيبه من الخسران.

و إذا طلب العامل قسمة الربح الحاصل بعد ظهوره في المضاربة، و امتنع المالك من قسمته، لم يجبر عليها فلا تصح، و إذا طلب المالك قسمة الربح كذلك و امتنع العامل

أجبر عليها على الأقوى، و إذا حدثت بعد ذلك خسارة في المال جرى الحكم السابق.

المسألة 87:

ذكرنا في المسألة الرابعة و الثمانين: ان العامل يكون مالكا لحصته المعينة له من الربح عند ظهور الربح في مال التجارة، سواء نض المال و صار عينا و نقودا، أم لم يزل متاعا و عروضا، و لكن العامل محجور عن التصرف في الحصة بما ينافي حق المالك كالبيع و الصلح و المعاوضات التي تنقلها الى غيره نقلا لازما فان حق المالك لا يزال متعلقا بالربح.

و نتيجة لذلك، فإذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهور الربح، توقفت صحة البيع على اذن المالك قبله أو إجازته بعده، فإذا أذن المالك للعامل ببيع حصته أو أجازه بعد وقوعه صح مع اجتماع شرائط البيع، و إذا خسر مال التجارة بعد ذلك لم يبطل البيع، و وجب على العامل أن يجبر الخسارة من قبله بدفع أقل الأمرين، و هما قيمة الحصة التي باعها من الربح و مقدار نصيبه من الخسارة، و إذا لم يأذن المالك للعامل ببيع حصته و لم يجزه بعد وقوعه ففي صحة البيع إشكال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 400

المسألة 88:

الخسارة هي النقيصة التي ترد على مال المضاربة في تقليبه و الاتجار به، فإذا اشترى العامل متاعا بثمن ثم باعه بأقل من ذلك الثمن فقد خسر به، و تقابلها النقيصة التي ترد على المال بسبب تلف بعضه بغرق أو حرق أو ما يشبههما، و النقيصة التي ترد عليه بسرقة منه أو غصب، و النقيصة التي ترد عليه بحدوث عيب يوجب نقصان قيمته، و جميع هذه النقائص خسارة بمعناها العام الشامل، و ان كان الذي يسبق إلى الأذهان منها هو المعنى الأول حين تسند الخسارة إلى المال أو الى المعاملة، فإذا قال أحد خسرت المعاملة أو خسر مال

المضاربة سبق الى الذهن نقصان المال بسبب التعامل و المضاربة به.

و لا ريب في ان الخسارة التي ترد على مال المضاربة بالمعنى المذكور يكون الربح جابرا لها، سواء كان حصول الربح متقدما على ورود الخسارة على المال أم كان متأخرا عنه، فإذا خسرت التجارة في الأسبوع الأول عشرين دينارا مثلا، ثم ربحت في الأسبوع الثاني عشرين دينارا، كان الربح اللاحق جابرا للخسارة المتقدمة، فإذا فسخت المضاربة بعد ذلك وجب دفع رأس المال تاما الى مالكه و لم يستحق العامل منه نصيبا، و كذلك إذا ربحت التجارة في الأسبوع الأول ثم خسرت في الأسبوع الثاني، و إذا زاد الربح على مقدار الخسارة استحق العامل حصته المعينة من الزيادة.

المسألة 89:

إذا تلف مال المضاربة جميعا أو تلف بعضه، و كان التلف بعد دوران المال في التجارة بالتعامل به و الأخذ و العطاء، فالظاهر أن هذا التلف يجب جبره بربح التجارة إذا حصل، سواء كان حصول الربح سابقا على التلف أم لاحقا له، فإذا كان رأس المال ألف دينار و دارت التجارة به في الشهر الأول و ربحت ألفا ثم تلف الألف في الشهر الثاني كان الألف الباقي جابرا للتالف كما تقدم في الخسارة، سواء كان التلف بآفة من الآفات أم بإتلاف أجنبي أم بإتلاف العامل نفسه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 401

و إذا كان التلف مضمونا، فدفع الشخص المتلف عوض المال الذي أتلفه كان العوض المدفوع من مال المضاربة فإذا وفى برأس المال لم يحتج الى جبره من الربح.

المسألة 90:

إذا تلف مال المضاربة كله بعد شروع العامل في الاتجار به، فالأقوى بطلان المضاربة، فإذا اشترى العامل سلعا و أمتعة في الذمة، و تلف مال المضاربة قبل أن يدفع الثمن إلى البائع لم يصح الشراء، إلا إذا أجاز المالك، و قد تقدم في المسألة الثالثة و الأربعين ان إطلاق عقد المضاربة انما يقتضي الإذن للعامل في أن يشتري في ذمة المالك من حيث المضاربة، على أن يكون الوفاء من مال المضاربة نفسه لا من أموال المالك الأخرى، فإذا تلف مال المضاربة كما هو المفروض انتفى الاذن بالشراء في الذمة، فلا يكون الشراء صحيحا، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة المذكورة فلتراجع.

و إذا تلف بعض مال المضاربة بعد الشروع في التجارة، و استمرت المضاربة في بقية المال و حصل الربح جبر التلف بالربح.

المسألة 91:

إذا تلف بعض المال قبل أن يبتدئ العامل في التجارة و استمرت المضاربة في بقية المال و حصل الربح جبر تلف التالف بهذا الربح كما سبق في نظائره.

و إذا تلف جميع مال المضاربة قبل أن يبدأ العامل في الاتجار انفسخ عقد المضاربة بذلك. و إذا أتلف المال أجنبي أو أتلفه العامل، ثم دفع عوض التالف لم تنفسخ المضاربة في هذا الفرض و لا في نظائره مما تقدم، و لم يحتج الى الجبر من الربح إذا كان التالف بعض المال، و يكون العوض المدفوع مالا للمضاربة.

و بحكم التلف ما إذا سرق المال أو نهب أو حدث فيه عيب يوجب نقصان قيمته، فتجري فيه الفروض المتقدمة جميعا و تلحقها أحكامها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 402

المسألة 92:

الأجناس و الأمتعة و العروض التي يشتريها العامل للمضاربة جميعها ملك لمالك المال، سواء اشتراها العامل بمال المضاربة نفسه أم اشتراها بثمن كلي في ذمة المالك أم في ذمة العامل لأنه وكيل عن المالك في أمر المضاربة، و لذلك فلا يصح للمالك أن يشتري شيئا منها، و لا يجوز أن يشتريها وكيل له و ان كان عاملا في مضاربة له أخرى، إلا إذا اشتراها وكيله أو عامله لنفسه لا للمالك أو للمضاربة.

و إذا ظهر الربح في مال المضاربة جاز للمالك أن يشتري حصة العامل من ربح المال، فقد بينا ان العامل يملك حصته عند ظهور الربح، و لذلك فلا مانع من أن يشتريها المالك أو وكيله إذا علم مقدار الحصة، و إذا حدثت بعد ذلك خسارة في مال المضاربة لم يبطل البيع، و وجب على العامل ان يرد أقل الأمرين من الثمن الذي باع به حصته على المالك، و النصيب الذي يلحقه

من الخسارة، كما تقدم في بيع الحصة على غير المالك باذن المالك أو إجازته.

المسألة 93:

يجوز لعامل المضاربة أن يشتري لنفسه من المالك من أموال المضاربة ما شاء، سواء ظهر الربح في المال أم لم يظهر بعد، و إذا كان الشراء بعد ظهور الربح بطل الشراء في مقدار حصة العامل من ربح الشي ء الذي اشتراه خاصة، فإنه قد ملك الحصة فلا يصح له ان يشتري ما هو ملكه، و يصح الشراء في الباقي.

و إذا لم يظهر الربح في المال، فاشترى العامل من مال المضاربة أشياء بأكثر من قيمتها، فظهر الربح في المال بنفس شراء العامل، فالظاهر صحة شرائه، فإنه اشترى مال المالك لا مال نفسه، و انما يملكه العامل بعد ان يملك المالك الثمن بالشراء، و بعد أن يتحقق كونه ربحا.

المسألة 94:

إذا كانت للعامل دار أو أرض مشتركة بينه و بين شخص آخر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 403

فاشترى العامل حصة شريكه من الدار أو الأرض بمال المضاربة، جاز له أن يأخذ لنفسه بحق الشفعة في الدار أو الأرض المشتراة لأنه شريك فيها، فيحق له أن يشفع في حصة شريكه بمثل ما اشتراها به من الثمن، و هذا إذا كان شراء حصة الشريك من الدار أو الأرض قبل ظهور الربح في مال المضاربة.

المسألة 95:

إذا كانت لمالك المضاربة دار أو أرض مشتركة بينه و بين مالك آخر، فاشترى عامله حصة الشريك منها بمال المضاربة لم يجز للمالك ان يأخذ بحق الشفعة في الحصة المشتراة، فإن الشراء للمضاربة يكون للمالك نفسه، فلا يحق له أن يأخذ بالشفعة ما هو ملكه.

المسألة 96:

الجارية التي يشتريها العامل بمال المضاربة مملوكة لمالك المضاربة فلا يحل للعامل وطؤها لأنها ملك غيره، و إذا ظهر الربح في مال المضاربة ملك العامل حصته من الربح في الجارية فتكون مشتركة بينه و بين المالك، فلا يجوز له وطؤها كذلك، و إذا وطأها كان زانيا في كلتا الحالتين الا مع وجود الشبهة.

و إذا حلل المالك له وطأها قبل أن يظهر الربح جاز له ذلك، و كذلك إذا حللها له بعد ظهور الربح على الأقوى، و ان أصبحت مشتركة بينهما في هذا الحال، فإنه يصح لأحد الشريكين أن يحلل لصاحبه وطء الجارية المشتركة بينهما، و لا يكفي الاذن من المالك به إذا لم يكن بصيغة التحليل، و لا يكفي الاذن و لا التحليل من المالك إذا كان سابقا على شراء الأمة، و مثال ذلك ان يقول للعامل في عقد المضاربة، أذنت لك في أن تشتري جارية من مال المضاربة، و أحللت لك فرجها، فإذا اشترى العامل الأمة بعد ذلك لم يحل له وطؤها، إلا إذا جدد المالك له صيغة التحليل بعد ما ملك الأمة.

و يجوز للمالك ان يطأ الجارية التي اشتراها العامل بمال المضاربة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 404

قبل أن يظهر الربح، فإذا ظهر الربح في المال و استحق العامل الحصة لم يجز للمالك وطء الجارية إلا إذا حللها له العامل كما تقدم.

المسألة 97:

إذا مات عامل المضاربة بطل عقد المالك معه فلا تنتقل المضاربة إلى وارثه من بعده، فإذا تولى الوارث الاتجار بالمال بغير اذن المالك لم تصح معاملاته إذا لم يجزها المالك، و كان ضامنا للمال إذا تلف أو حدث فيه عيب، و إذا أجاز المالك معاملاته التي أجراها في المال و ربح

فيها كان الربح جميعه للمالك و استحق الوارث عليها أجرة المثل.

و اما المعاملات التي أجراها العامل في حياته فيرجع الى المالك في إتمام ما نقص منها، و إذا ظهر الربح في شي ء منها في حياة العامل استحق نصيبه من ربحه و انتقل الى وارثه من بعده، و إذا أراد المالك مضاربة الوارث فلا بد من عقد جديد تجتمع فيه شرائط الصحة في المضاربة.

المسألة 98:

إذا مات مالك المال في المضاربة انتقل المال الى وارثه من بعده، و بطلت المضاربة مع العامل، فلا يجوز للعامل أن يتولى العمل فيها الا بعقد جديد مع الوارث، و يستحق العامل حصته من الربح في الأموال التي ظهر ربحها في حياة المالك، و لا يستحق شيئا في المال إذا لم يظهر ربحه و في المعاملات التي لم تتم في حياة المالك، و إذا رغب الوارث في مضاربة العامل فلا بد لهما من إنشاء عقد جديد تجتمع فيه شرائط المضاربة.

المسألة 99:

إذا فسخ المالك أو العامل عقد المضاربة أو انفسخت المضاربة بينهما لطروء أحد الأسباب التي توجب بطلانها و انفساخ عقدها، كموت أحد المتعاقدين أو عروض الجنون عليه أو تلف مال التجارة في الموارد التي يوجب ذلك انفساخها، و كان الفسخ أو الانفساخ قبل شروع العامل في عمل المضاربة و قبل الدخول في مقدماتها، لم يستحق العامل على المالك شيئا، و لم يستحق المالك عليه شيئا، و لا إشكال في ذلك، و إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 405

حصل الفسخ أو الانفساخ بعد أن أتم العامل عمل المضاربة، و قد تحول المال نقودا، فان ظهر في المال ربح اقتسمه المالك و العامل على الوجه الذي اشترطاه بينهما في العقد، و ان لم تربح المضاربة رد العامل رأس المال على مالكه، و لم يستحق العامل على عمله شيئا، و إذا خسرت التجارة لم يكن على العامل من الخسارة شي ء، و ان كان المالك قد شرط عليه في عقد المضاربة أن يشاركه في الخسارة كما يشاركه في الربح، فقد تقدم أن الأقوى عدم صحة هذا الشرط.

و إذا كان قد شرط عليه في العقد أن يدفع له من ماله

ما يتدارك به نصيبا من الخسارة أو جميعها نفذ الشرط و لزم العمل إذا كانت المضاربة باقية، و إذا فسخت المضاربة أو انفسخت كما هو المفروض سقط الشرط، و قد تقدم بيان هذا الشرط و ما قبله في المسألة الثلاثين.

المسألة 100:

إذا اشترط العامل على المالك في ضمن العقد أن يدفع له شيئا إذا لم يحصل في المضاربة ربح، و قبل المالك بالشرط وجب على المالك أن يفي له بهذا الشرط إذا كان عقد المضاربة لا يزال باقيا، و إذا فسخ العقد أو انفسخ كما هو المفروض سقط الشرط و لم يجب على المالك الوفاء به.

المسألة 101:

إذا فسخ العامل عقد المضاربة بعد أن قام بشي ء من عمل المضاربة، و قبل أن يظهر الربح في المال، لم يستحق على المالك شيئا، و لا أجرة له على العمل، و كذلك الحكم إذا فسخ المالك المضاربة أو انفسخت لطروء بعض موجبات الانفساخ و كان ذلك في أثناء العمل و قبل حصول الربح في المال، فلا حصة للعامل و لا أجرة.

المسألة 102:

إذا سافر العامل ليتجر بالمال في سفره، و كان سفره باذن المالك و صرف مبلغا من رأس المال لنفقاته، ثم فسخ العامل عقد المضاربة قبل أن يتجر بالمال أو بعد الشروع في التجارة و قبل حصول الربح في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 406

المال، فلا ضمان على العامل للنفقات التي صرفها على نفسه من المال، و أولى من ذلك بعدم الضمان ما إذا كان الفسخ من المالك.

المسألة 103:

إذا فسخ العامل أو المالك عقد المضاربة و قد شرع العامل في العمل و لم يحصل الربح في المال فلا يجوز للعامل أن يبيع العروض و الأمتعة الموجودة من مال المضاربة بغير اذن المالك، و ان وجد الراغب الذي يمكن أن يزيد في الثمن لرغبته فيحصل الربح في المال، بل و ان كان الراغب عازما على الشراء بأكثر من القيمة، فلا يجوز للعامل البيع في جميع هذه الصور إذا لم يأذن المالك بالبيع، و لا يجبر المالك على البيع و إذا أذن المالك فباع العامل و ربح، أو باعه المالك بنفسه فربح استحق العامل حصته من الربح.

المسألة 104:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت قبل أن يظهر الربح، و طلب المالك من العامل أن يبيع الأمتعة و العروض الموجودة، ليكون رأس المال عينا و نقدا، لم يجب ذلك على العامل، فإذا هو رد على المالك العروض و الأمتعة التي اشتراها باذنه فقد رد اليه ماله.

المسألة 105:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت بعد ما ظهر الربح في المال و ملك العامل حصته و كان في المال عروض و أمتعة فللمالك و العامل ان يتراضيا فيقتسما المال الموجود بينهما، فيدفع الى العامل مقدار حصته عروضا و أمتعة، و يدفع الباقي الى المالك و هو رأس ماله و مقدار حصته عروضا و أمتعة كذلك، سواء كان الفسخ في أثناء عمل المضاربة أم كان بعد إتمام العمل.

و إذا طلب العامل أن تباع العروض و الأمتعة و تجعل نقودا لم يجب على المالك أن يجيبه الى ذلك، و إذا طلب المالك من العامل أن ينض المال الموجود و يجعله نقودا لم تجب على العامل اجابته كذلك، و إذا حصل الفسخ و حصلت القسمة استقر ملك العامل لحصته من الربح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 407

و ارتفع عنه الحجر، فإذا حدث بعد ذلك نقص أو تلف أو عيب في المال لم يجب على العامل أن يدفع حصته من الربح ليجبر بها نقصان المال كما تقدم في المسألة الخامسة و الثمانين.

المسألة 106:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت و كانت في مال المضاربة ديون على الناس وجب على العامل أخذها و جبايتها من المدينين على الأحوط، ان لم يكن ذلك هو الأقوى، و خصوصا إذا كان الفاسخ هو العامل، و خصوصا إذا كانت الديون بغير اذن المالك.

المسألة 107:

إذا مات مالك المضاربة أو مات العامل فيها انفسخت المضاربة كما بينا في المسألة الثامنة و التسعين و ما بعدها، و ثبت لوارثهما بالموت جميع ما ذكرناه للمورث من الأحكام بعد حصول الفسخ أو الانفساخ و ينتفى عن الوارث ما قلنا بنفيه عن الميت المورث.

المسألة 108:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت وجب على العامل أن يرد مال المضاربة إلى مالكه، و المدار في ذلك على ما يصدق معه انه قد رد المال الى مالكه في نظر أهل العرف، و لا يكتفى بمجرد التخلية بين المالك و ماله على الأحوط، و إذا توقف رد المال الى صاحبه على دفع أجرة أو بذل مال لم يجب ذلك على العامل بل يكون على صاحب المال.

المسألة 109:

إذا سافر العامل بمال المضاربة إلى بلد آخر و كان سفره بغير اذن المالك، ثم حصل الفسخ أو الانفساخ، وجب على العامل رد المال، و إذا توقف رد المال على دفع أجرة أو بذل مال وجب ذلك على العامل و إذا تلف المال أو نقص أو حدث فيه عيب قبل وصوله الى المالك كان العامل ضامنا له، فإنه بحكم الغاصب شرعا و ان كان جاهلا بعدم جواز السفر بالمال إذا لم يأذن له المالك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 408

المسألة 110:

إذا أوقع المالك و العامل مضاربة فاسدة، و سارا في العمل عليها، فأخذ العامل المال من المالك و اتجر به و ربح، فالمعاملات التي أجراها العامل بالمال صحيحة، لوجود الاذن بها من المالك، و لا يضر في صحة الاذن و لا في إطلاقه أنه وقع في مضاربة فاسدة، الا أن تدل قرينة خاصة على ان اذن المالك للعامل بإيقاع المعاملات في ماله مقيد بالمضاربة، فإذا دلت القرينة على هذا التقييد كان الاذن باطلا لبطلان المضاربة فلا تصح المعاملات حين ذاك من العامل إلا إذا أجازها المالك، و إذا بطلت المعاملات لعدم الاذن بها و عدم الإجازة من المالك وجب رد الأموال إلى بائعها و الأثمان إلى المشتري و لا تتحقق الأرباح.

و إذا حصل الاذن كما أوضحناه لعدم القرينة على التقييد، أو حصلت الإجازة بعد ذلك من المالك صحت المعاملات، فإذا ربحت كان الربح جميعه لمالك المال.

و لا فرق في جريان هذه الأحكام بين أن يكون المالك و العامل جاهلين بفساد المضاربة و ان يكونا عالمين به و أن يكون أحدهما عالما بالفساد و يكون الآخر جاهلا به.

و يستحق العامل على المالك أجرة المثل لعمله في جميع

الصور المذكورة، فإن المالك قد استوفى من العامل منفعة العمل بأمره، فلا يسقط حقه من الأجرة و ان كان عالما بفساد المعاملة، إلا إذا علم بأن العامل قد قصد التبرع بعمله، و علمه بفساد المعاملة لا يدل على ذلك.

و لا يضمن العامل تلف المال و لا نقصه إذا تلف بيده أو نقص في جميع الصور المذكورة، و يستثنى من ذلك ما إذا سافر العامل بالمال و أنفق على نفسه من المال في سفره، فإنه يكون ضامنا للنفقة فيجب عليه دفع بدلها الى المالك.

المسألة 111:

إذا مات العامل و كان عنده مال المضاربة فهاهنا صور متعددة و لكل صورة حكمها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 409

الصورة الأولى: أن يعرف مال المضاربة بعينه و يتميز عن بقية أموال التركة، و حكم هذه الصورة واضح، فمال المضاربة لمالكه خاصة و لا شي ء منه لورثة العامل، إلا إذا علم أن في مال المضاربة ربحا، و ان للعامل حصة من الربح لم يقبضها في حياته، فان حصته تعود ميراثا لورثته، فتقسم الحصة عن بقية المال، و تضم إلى أموال التركة ليرثها الورثة.

المسألة 112:

الصورة الثانية: أن يعلم بأن مال المضاربة موجود في ضمن الأموال التي تركها العامل من بعده و لا يعرف بعينه من بقية الأموال، و الحكم في هذه الصورة ان مال المضاربة إذا امتزج بمال التركة حتى انتفى التمييز بين المالين، كان مالك المضاربة شريكا لورثة العامل الميت في الأموال المتروكة بنسبة ماله من المجموع، فإذا كان مال المضاربة ألف دينار مثلا و كان مال التركة ألفي دينار، و قد امتزج الجميع فلم يتميز بعضه عن بعض، كان لمالك المضاربة ثلث الأموال الموجودة، و احتاج في تمييزه إلى القسمة مع الورثة.

و ان لم يمتزج المال بالمال حتى تحصل الشركة، و لكنه اشتبه بعضه ببعض فلم يمكن تعيينه، رجع في تعيين مال المالك عن مال التركة إلى القرعة أو الى المصالحة بين المالك و الوراث.

و ان لم يعلم شي ء من ذلك كان لمالك المضاربة أسوة الغرماء ان وجدوا، فيأخذ مقدار ماله إذا وفت التركة بالديون أو زادت عليها، و يقتسم مع بقية الغرماء مال التركة بنسبة ماله من مجموع الديون إذا ضاقت التركة عن الوفاء بالديون.

المسألة 113:

الصورة الثالثة: ان يعلم بأن مال المضاربة لا يوجد في أموال التركة و لا في يد الميت، فلعل عامل المضاربة قد رد المال الى مالكه قبل أن يموت، و لعل المال قد تلف في يد العامل و هو حي بتفريط منه أو بدون تفريط، و الحكم في هذه الصورة عدم الضمان، فلا شي ء على ورثة العامل، و تعود التركة الموجودة كلها ميراثا لهم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 410

المسألة 114:

الصورة الرابعة: أن يعلم بأن مال المضاربة قد بقي في يد العامل الى وقت موته، ثم لا يعلم هل المال موجود في جملة أموال التركة أولا، فلعل العامل أودع المال في مكان مجهول، و لعله دفعه وديعة إلى شخص آخر و الحكم في هذه الصورة موضع اشكال، فمقتضى العلم الإجمالي بأن بعض ما في يد العامل حين موته هو مال غيره أن يسقط اعتبار يده في جميع المال المتروك من بعده، فلا تدل يده على انه مالك للمال، و نتيجة لذلك فلا يجوز للورثة أن يتصرفوا في التركة حتى يتخلصوا من مال مالك المضاربة و ينحل العلم الإجمالي المذكور.

المسألة 115:

الصورة الخامسة: أن يعلم بأن مال المضاربة قد بقي في يد العامل الى حين وقت موته و يعلم كذلك بأن مال المضاربة غير موجود في جملة أموال التركة.

الصورة السادسة: أن يشك في أن مال المضاربة بقي في يد العامل الى حين موته أو لم يبق في يده، و الأقوى في هاتين الصورتين عدم الضمان، إلا إذا ثبت تفريط العامل، فلا شي ء على الورثة، و يكون المال المتروك كله ميراثا لهم.

الفصل الخامس في جملة من أحكام المضاربة

المسألة 116:

إذا خسر المال أو تلف، فادعى مالك المال انه قد دفعه الى العامل قرضا، و لازم دعواه هذه ان العامل مدين له بالمال الذي اقترضه و عليه أن يؤدي إليه عوضه، و ان العامل لا يستحق على عمله في المال أجرة، فإن المال قد أصبح ماله بسبب القرض، و لا أجرة له على العمل بماله، و أنكر العامل ذلك و ادعى ان المعاملة بينه و بين المالك كانت مضاربة فاسدة، و لازم قوله هذا انه يستحق على المالك أجرة العمل له في المال

كلمة التقوى، ج 4، ص: 411

لأن العمل له و بطلت منه، و انه لا ضمان على العامل لخسارة المال أو تلفه لأنه أمين و ان كانت المضاربة فاسدة، فلا يكون ضامنا، فيكون ذلك من التداعي بين المالك و العامل و الحكم في التداعي هو التحالف.

فإذا حلف كل واحد منهما على نفي دعوى الآخر سقطت الدعويان معا، و كان على العامل ضمان المال و لم يستحق العامل على المالك شيئا، إذا لم يحرز بوجه من الوجوه ان عمله كان باذن المالك و بطلب منه ليستحق عليه أجرة المثل.

المسألة 117:

إذا ربح المال، فادعى مالكه ان المعاملة بينه و بين العامل كانت مضاربة فاسدة و لازم دعوى المالك هذه أن جميع ربح المال له خاصة، و لا حصة للعامل من الربح و انما يستحق عليه أجرة المثل لعمله بالمال، و أنكر العامل ذلك، و ادعى أن المالك قد دفع المال اليه قرضا، و لازم قوله هذا ان جميع الربح للعامل، فإنه مالك المال بسبب القرض فيكون ربح ماله له، و لا شي ء للمالك سوى عوض دينه، فيكون ذلك من التداعي بينهما، و الحكم فيه هو

التحالف.

فإذا تحالفا على الوجه المتقدم ذكره سقطت الدعويان معا، و كان على العامل أن يدفع جميع المال و جميع ربحه للمالك، و في استحقاق العامل أجرة المثل لعمله إشكال، فإن المالك قد ادعى ان المعاملة مضاربة فاسدة، و العامل في المضاربة الفاسدة يستحق أجرة المثل لعمله، فالمالك يعترف للعامل بذلك في ضمن دعواه، و لكن العامل نفسه قد أنكر استحقاقه للأجرة لما ادعى انه ملك المال بالقرض، فلا تكون له أجرة على عمله بماله، و يكون المقام من صغريات ما إذا تعارض إقرار المقر مع إنكار المقر له، و لا يترك الاحتياط فإنهما متفقان على أن مقدار أجرة المثل قد استحقها العامل اما لأنه عامل مضاربة فاسدة و اما لأنه قد استحقها مع بقية المال بالقرض.

المسألة 118:

إذا ربح المال، فادعى مالك المال أنه قد دفعه الى العامل بضاعة يتجر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 412

له بها، و لازم هذه الدعوى ان العامل لا يستحق على المالك شيئا، لا حصة من الربح و لا أجرة على العمل، و هذا بناء على انه هو الحكم في عامل البضاعة، و لازم هذه الدعوى أيضا ان جميع الربح يكون لمالك المال، و أنكر العامل ذلك و ادعى ان المعاملة بينه و بين المالك كانت مضاربة فاسدة، فتكون له أجرة المثل لعمله، و الحكم في ذلك هو التحالف فإنه من التداعي.

فإذا تحالف المالك و العامل سقطت الدعويان، و كان المال و ربحه كله للمالك لاتفاق الطرفين على ذلك و ثبتت للعامل أجرة المثل لعمله، فان المالك قد استوفى منه منفعة عمله سواء كانت المعاملة بضاعة أم مضاربة فاسدة.

المسألة 119:

إذا ادعى أحد الرجلين انه قد دفع الى الآخر مبلغا من المال مضاربة ليتجر به و أنكر الآخر ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، الا ان يثبت المدعي صدق قوله بإقامة البينة على ما يدعي.

المسألة 120:

إذا اختلف المالك و العامل في مقدار رأس المال الذي دفعه المالك الى العامل، فادعى أحدهما أنه ألف دينار مثلا و ذكر الآخر أن مقداره تسعمائة دينار فقط و أنكر الزيادة، فالقول قول من ينكر الزيادة مع يمينه.

المسألة 121:

إذا اختلف المالك و العامل في المضاربة بينهما فادعى أحدهما أنها ربحت و أنكر الآخر حصول الربح فيها فالقول قول العامل مع يمينه سواء كان هو الذي ادعى وجود الربح أم ادعى عدم حصوله، و كذلك إذا اختلفا في مقدار الربح، أ هو خمسون دينارا مثلا أم هو ثمانون، فالقول قول العامل مع يمينه سواء ادعى الزيادة أم النقيصة، و مثله ما إذا قال العامل ربحت عشرين ثم خسرت عشرين فذهب الربح، فيصدق قوله في جميع ذلك مع يمينه لأنه أمين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 413

المسألة 122:

إذا تنازع العامل مع المالك، فادعى العامل ان المال قد تلف في يده، و لازم قوله ان مالك المال لا يستحق عليه شيئا، لأنه غير ضامن لما يتلف، و أنكر المالك تلف المال، فعلى العامل ان يدفعه اليه، فالقول قول العامل لأنه أمين فيصدق قوله مع يمينه، و كذلك إذا ادعى العامل خسارة التجارة أو ادعى عدم ربحها و أنكر المالك ما يدعيه، و إذا كان المالك قد أذن للعامل بالبيع في الذمة، فباع كذلك، ثم ادعى انه طالب المشترين بما في ذممهم من أثمان المبيعات فلم يوفوا ديونهم و أنكر المالك ذلك، فيقدم قول العامل مع يمينه في جميع ذلك سواء كانت الدعوى قبل فسخ المضاربة أم كانت بعده، و حتى إذا ادعى حدوث تلف المال بعد فسخ المضاربة.

المسألة 123:

إذا تلف مال المضاربة في يد العامل فادعى المالك ان العامل قد خان الأمانة أو فرط في حفظها فتلف المال، فيكون ضامنا للتلف، و أنكر العامل الخيانة و التفريط، فالقول قول العامل مع يمينه.

و إذا ادعى المالك على العامل انه قد خالف شرطا اشترطه عليه في العقد، فيكون ضامنا للتلف، فان كان الشي ء الذي فعله العامل وعده المالك بسببه مخالفا لشرطه مما يجوز للعامل فعله و يكون الاذن فيه محرزا بحسب القرائن الخاصة أو العامة و المتعارف بين أصحاب المعاملات من أمثالهما و بحسب إطلاق العقد، كالبيع و الشراء من رجل معين أو لجنس معين أو في وقت معين، و ادعى المالك انه قد شرط على العامل ما يخالف ذلك، فعلى المالك إثبات دعواه و إذا لم يقم على ما يدعيه بينة فالقول قول العامل المنكر لذلك مع يمينه.

و إذا كان الشي ء الذي فعله العامل

مما لا يجوز فعله و لا يكون إطلاق العقد دالا على الاذن فيه كالسفر بمال المضاربة و كالبيع نسيئة، فادعى العامل ان المالك قد اذن له بذلك و أنكر المالك الاذن فالقول قول المالك المنكر له مع يمينه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 414

المسألة 124:

إذا اختلف المالك و العامل في مقدار حصة العامل من الربح أ هي النصف مثلا أم الثلث؟.

فالقول قول منكر الزيادة، و هو المالك غالبا.

المسألة 125:

إذا أوقع المتعاقدان عقد المضاربة ثم اختلفا بعد ذلك فادعى أحدهما صحة المضاربة، و ادعى الثاني بطلانها، فالقول قول من يدعي الصحة مع يمينه.

المسألة 126:

إذا فسخت المضاربة بين المتعاقدين و ادعى العامل انه رد مال المضاربة إلى مالكه و أنكر المالك الرد فالقول قول المالك مع يمينه.

المسألة 127:

إذا فسخت المضاربة و قبض المالك جميع المال ثم ادعى المالك انه قد دفع حصة العامل من الربح اليه، و أنكر العامل ذلك فالقول قول العامل مع يمينه.

المسألة 128:

إذا اشترى العامل شيئا و ادعى انه قد اشتراه لنفسه، و ادعى المالك انه اشتراه للمضاربة فالقول قول العامل لأنه أمين فيصدق قوله مع يمينه و لأنه أبصر بنيته، و مثله ما إذا اشترى شيئا و ادعى انه اشتراه للمضاربة، و أنكر المالك و ادعى انه اشتراه لنفسه، فيقدم قول العامل مع يمينه.

المسألة 129:

إذا مات مالك المال و انفسخت المضاربة لموته كما تقدم في المسألة الثامنة و التسعين، و بقي المال في يد العامل لبعض الأعذار فهو لا يزال أمينا على المال إذا لم تقع منه خيانة و لا تفريط و لا تقصير في رد المال إلى أهله ما أمكن، فلا ضمان عليه إذا تلف المال في يده أو نقص منه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 415

شي ء أو حدث فيه عيب، و كذلك إذا انفسخت المضاربة بأحد الأسباب الأخرى الموجبة للانفساخ فلا ضمان على العامل.

المسألة 130:

إذا اشترط عامل المضاربة على مالك المال في ضمن العقد ان لا يكون الربح جابرا للخسارة التي تحصل في التجارة، فإذا حصل أي ربح في المال اقتسماه بينهما و ان خسرت التجارة قبل حصول الربح أو بعده، ففي صحة هذا الشرط اشكال.

و كذلك إذا اشترط عليه أن لا يكون الربح جابرا للخسارة التي تحصل قبله فقط، أو لا يكون جابرا للخسارة التي تحصل بعده فقط، فيشكل الحكم بصحة هذه الشروط في المضاربة.

و إذا أوقعا بينهما معاملة أخرى مستقلة غير المضاربة، و اشترطا فيها تلك الشروط صحت المعاملة و نفذت الشروط بمقتضى عمومات الوفاء بالعقود، و لا تترتب عليها آثار المضاربة.

المسألة 131:

لا يشترط في مال المضاربة أن يكون عينا مشخصة في الخارج، فيجوز للمالك أن يضارب العامل بمبلغ كلي يكون في الذمة أو بمبلغ كلي في المعين، و مثال ذلك أن يضاربه بألف دينار في ذمة المالك أو بألف دينار من المال المعين الموجود في الصندوق، ثم يعين المالك فردا من الكلي و يدفعه للعامل ليعمل فيه، و لعل الغالب من المضاربات التي تقع بين الناس في هذه الأزمان من هذا القبيل.

المسألة 132:

تقدم في المسألة السادسة انه يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون عاقلا و ان يكون غير محجور عليه لسفه، و هذان الشرطان معتبران في صحة المضاربة في ابتدائها في ابتدائها و في بقائها، فإذا عرض للمالك أو للعامل الجنون المطبق أو السفه الذي يوجب الحجر من التصرفات بطلت المضاربة بذلك.

و إذا عرض لأحدهما الجنون أدوارا أشكل الحكم ببطلان عقد المضاربة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 416

بسبب ذلك، نعم يكون ذلك مانعا له من التصرف في ساعات جنونه، و المسألة مشكلة لا يترك فيها الاحتياط.

و قال الأصحاب قدس سرهم تبطل المضاربة أيضا بعروض الإغماء للمالك أو للعامل، و لهذا الحكم وجه إذا استمر الإغماء مدة طويلة ذهب فيها شعوره و منعته من التصرف، و اما إذا كانت المدة قصيرة، فيشكل الحكم بالبطلان، كما في الجنون غير المطبق، و لا يترك الاحتياط.

المسألة 133:

تصح المضاربة من المالك إذا أوقعها و هو في مرض موته، فإذا اتجر العامل بمال المضاربة و ربح، استحق حصته من الربح و ان كانت الحصة أكثر من أجرة المثل، و لا إشكال في ذلك بناء على نفوذ منجزات المريض من أصل التركة كما هو المختار.

المسألة 134:

اشترط جماعة من الأكابر في صحة المضاربة أن تكون منجزة، فلا تكون عندهم صحيحة إذا علقها الموجب على حصول شي ء يتوقع حصوله، سواء كان الشي ء الذي علقت عليه متيقن الوقوع في ما يأتي أم كان محتمل الوقوع و عدمه، و مثال الأول أن يقول المالك للعامل: إذا جاء يوم الفطر ضاربتك بألف دينار لتتجر به، و مثال الثاني أن يقول له: إذا شفى اللّٰه زيدا من مرضه ضاربتك، و مثله ما إذا علق المضاربة على أمر حاصل و هو لا يعلم بحصوله، و مثال ذلك أن يقول للعامل: إذا كان أبي قادما من سفره ضاربتك بألف دينار، و كان أبوه قادما من سفره و هو لا يعلم به، و قد ادعى الإجماع على الحكم المذكور و المسألة مشكلة لعدم الدليل على ذلك سوى هذه الدعوى، و الأحوط استحبابا مراعاة هذا الشرط.

المسألة 135:

إذا اشترط العامل على المالك أن يضاربه، و كان اشتراطه ذلك عليه في ضمن عقد لازم وجب على المالك أن يفي له بما شرط، و كذلك إذا اشترطه المالك على العامل، أو اشترط أحدهما على الآخر أن يضارب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 417

زيدا و هو غيرهما، فيكون ذلك الغير هو الذي اشترطت المضاربة معه، فيجب على المشروط عليه أن يفي بالشرط في جميع هذه الصور.

و لا يكفي في الوفاء بالشرط أن يعقد معه المضاربة ثم يفسخها بعد ذلك، فان الظاهر أن العقلاء و أهل العرف لا يقصدون في هذا الشرط و مثله مجرد اجراء عقد المضاربة، ليصح فسخه بعد إيقاعه، بل لا بد من الجري عليه بعد العقد، و لذلك فالأحوط أن تذكر للمضاربة المشترطة بينهما مدة معينة.

المسألة 136:

إذا ضارب أحد عاملا بمبلغ معين من المال و دفعه اليه ليتجر به، ثم ظهر ان رأس المال المدفوع اليه مملوك لغير من ضاربه، فان كان المال موجودا جاز لمالكه أن يأخذه، و يجب على العامل أن يرد المال اليه، و إذا تلف المال جاز للمالك ان يأخذ عوض ماله التالف من كل من منشئ المضاربة و العامل، و يتخير في الرجوع به على أيهما شاء، فإذا هو رجع بالعوض على العامل و كان جاهلا بالأمر، رجع العامل على من ضاربه بما غرمه المالك، و إذا رجع بالعوض على منشئ المضاربة رجع منشئ المضاربة بالغرامة على العامل إذا كان العامل عالما بالحال و كان التلف بيده، و لا يرجع عليه بشي ء إذا كان جاهلا بالحال أو لم يكن التلف في يده، و يجوز لمالك المال أن يجيز المضاربة الواقعة على ماله فتكون المضاربة له و يكون

الربح مشتركا بينه و بين العامل، و تراجع المسألة الحادية و الثمانون في ما يتعلق بذلك، و لا فرق في المضارب بالمال بين أن يكون غاصبا للمال أو جاهلا يعتقد بأنه هو المالك له.

المسألة 137:

لا يلحق الخسران حكم التلف في المسألة المتقدمة، و ذلك لأن الخسران انما يتحقق إذا اشتريت السلعة بثمن معين ثم بيعت بأقل من ثمنها الذي اشتريت به، و من الواضح ان شراء السلعة ثم بيعها لا يكونان صحيحين إلا بإذن مالك المال أو بإجازته بعد البيع، و إذا اذن المالك أو أجاز ذلك نفذ الشراء و البيع له، فلا يكون له حق الرجوع على احد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 418

بخسارة المال إذا خسر، كما انه يختص بجميع ربح المال إذا ربح، و إذا لم يأذن المالك و لم يجز بطلت المعاملة و كان له جميع المال لا خصوص الخسارة.

المسألة 138:

يصح للأب و للجد أبى الأب أن يضارب أحدا للعمل بمال الصغير أو المجنون الذي اتصل جنونه بصغره، فيجري مع العامل عقد المضاربة بمال المولى عليه، و يجعل للعامل حصة معينة من ربح ماله و للمولى عليه الحصة الأخرى، و يصح ذلك للوصي القيم على مال الصغير إذا اقتضت المصلحة فعل ذلك و أمن من تلف المال.

و يجوز للأب أو الجد أن يأذن لنفسه بحسب ولايته على المال بالاتجار بمال المولى عليه بحصة معينة يستحقها من ربح المال، فيتولى بنفسه العمل بالمال، و يتملك الحصة، و يكفي في صحة ذلك الاذن في قصده و نيته.

و يشكل ان يجري بنفسه مع نفسه عقد المضاربة بمال المولى عليه فيكون هو الموجب و القابل في العقد، و هو مشكل، و يتخلص من هذا الاشكال بالتوكيل عن أحد الطرفين، و كذلك الحال في الوصي فيصح فيه جميع ما تقدم.

المسألة 139:

يجوز للأب و للجد أبى الأب أن يوصي الى وصيه القيم بأن يضارب عاملا غيره بمال المولى عليه، فينشئ الوصي مع العامل عقد المضاربة و يدفع اليه مبلغا من مال المولى عليه ليتجر به بحصة من الربح يعينها الولي الموصى أو الوصي القيم.

و يجوز لأحدهما أن يوصي الوصي بأن يعقد لنفسه المضاربة بمال المولى عليه فيكون الوصي نفسه هو العامل، و يتخلص من اشكال اتحاد الموجب و القابل بالتوكيل عن أحد الطرفين.

و يجوز للأب أو الجد أن يوصي إلى الوصي بأن يعقد المضاربة بحصة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 419

المولى عليه من ميراث الموصى نفسه، فيعقد الوصي المضاربة بالمال المذكور لنفسه أو مع عامل غيره كما سبق في الفرض المتقدم.

المسألة 140:

إذا أوصى الإنسان بثلث تركته بعد موته لينفق في مصارف عينها في وصيته، و عزل الثلث، فيصح له أن يوصي الى وصيه بأن يدفع الثلث المعين مضاربة إلى عامل غيره ليتجر به بحصة من الربح للعامل و ينفق الوصي حصة الميت من الربح في مصارف الثلث المعينة في الوصية.

و يجوز له أن يوصي إلى الوصي بأن يتجر هو بالثلث بحصة معينة له من الربح و يفعل بحصة الميت كما تقدم.

المسألة 141:

يكره للمسلم أن يضارب الذمي أو يبضعه بضاعة، سواء كان يهوديا أم نصرانيا أم مجوسيا و سواء كان الذمي هو العامل في المضاربة أم كان هو مالك المال، إلا إذا كان المسلم حاضرا في أوقات التجارة، حذرا من أن يرتكب الذمي في معاملاته مالا يجوز في الإسلام.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 421

الشركة و أحكامها

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 423

الشركة و أحكامها

[مسائل]

المسألة الأولى:

الشركة هي أن يكون شي ء واحد لشخصين أو لأكثر على نحو الإشاعة، فليس من الشركة أن يكون بعض الحجر المعينة من الدار مملوكة لشخص و البعض الآخر مملوكة لغيره، و ليس من الشركة أن تكون أرض الدار مملوكة لأحد و بناؤها مملوكا لآخر، أو يكون آجرها مملوكا لإنسان و يكون حديدها و خشبها مملوكين لغيره فلا بد في تحقق الشركة من الإشاعة.

و الشي ء المشترك فيه قد يكون عينا من الأعيان كالدار و الأرض يشتريها الرجلان من مالكها على وجه الإشاعة بينهما، أو تنتقل إليهما بالإرث من مورثهما، و قد يكون دينا كما إذا أقرض المالكان شخصا مبلغا من المال مشتركا بينهما فيصبح الشخص مدينا لهما معا و يكون الدين في ذمته مشتركا بينهما، و كما إذا اشترى منهما سلعة أو متاعا مشتركا بينهما بثمن في ذمته، و قد يكون منفعة كما إذا استأجر الرجلان دارا للسكنى فيها مدة معينة، فتكون سكنى الدار في المدة المعلومة مشتركة بينهما، و قد يكون حقا من الحقوق، كما إذا صالحهما صاحب الحق عن حق تحجيره للأرض، أو ورثا الحق فانتقل إليهما من مورثهما.

المسألة الثانية:

سبب حدوث الشركة قد يكون أحد العقود التي توجب انتقال الشي ء إلى الشريكين على نحو الإشاعة كالبيع و الصلح و الهبة، و قد ذكرنا في المسألة السابقة بعض الأمثلة لذلك، و قد يكون أحد العقود التي توجب انتقال حصة مشاعة من الشي ء إلى الشخص، فيصبح بعد تملكه للحصة شريكا في ذلك الشي ء كما إذا باعه المالك نصف الدار أو ملكه إياه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 424

بالصلح، أو دفعه الى المرأة صداقا أو غير ذلك من العقود المملكة و قد يكون السبب إرثا من مالك واحد

كما إذا مات الأب فورث ولداه داره، أو ورثا منه حقه في أرض حجرها، أو دينه في ذمة مدينة، أو منفعته المملوكة له في دار أو محل استأجره.

و قد يكون السبب حيازة، كما إذا اشترك الشخصان في إحياء أرض موات أو في حفر بئر أو إخراج عين أو في اصطياد سمك أو غير ذلك من الحيازة المشتركة للشي ء الواحد.

و قد يكون السبب امتزاج مال أحدهما بمال الآخر امتزاجا تاما بحيث لا يتميز أحد المالين عن الآخر، كما إذا امتزج الماء بالماء و الدهن بالدهن.

المسألة الثالثة:

إذا امتزج المائعان المتجانسان امتزاجا تاما بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر في نظر الناس، كما إذا امتزج الماء بالماء، أو الخل بالخل أو الدهن بالدهن، حصلت الشركة الواقعية على الأقوى بين مالكي المائعين، بل تحصل الشركة الواقعية حتى إذا اختلف صنف المالين كما إذا امتزج دهن الحيوان بدهن النبات، و دهن اللوز بدهن الجوز بل و الخل بالدبس، فضلا عن أن يمتزج دهن البقر بدهن الغنم، و كذلك إذا امتزجت الأدقة بعضها ببعض، كما إذا امتزج دقيق الحنطة بدقيق الحنطة أو بدقيق الشعير، فان المالين بسبب هذا الامتزاج و عدم إمكان التمييز يكونان مالا واحدا في نظر العقلاء و تحصل فيه الشركة الواقعية بين المالكين.

المسألة الرابعة:

إذا امتزجت الحبوب الناعمة بجنسها كالسمسم بالسمسم و الدخن بالدخن و أمثالهما تحققت فيها الشركة الحكمية، و معنى ذلك انه تجري على المال المختلط أحكام المال المشترك واقعا، فتصح قسمته و يكون موردا للشركة العقدية التي سيأتي بيانها ان شاء اللّٰه تعالى، و أمثال ذلك من أحكام الشركة الواقعية في المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 425

و كذلك إذا اختلطت الحنطة بالحنطة و اختلط الشعير بالشعير، و الجوز بالجوز و اللوز باللوز، و الدراهم بالدراهم، و الدنانير بالدنانير و كانت متماثلة في الصفات أو متقاربة فيها، بحيث ينتفي الامتياز بينهما عرفا، فتتحقق فيها الشركة الحكمية، و تجري فيها أحكام الشركة الواقعية كما ذكرناه.

المسألة الخامسة:

إذا اختلط المال بالمال من جنسه و كانا مختلفين في الوصف، كما إذا امتزجت الحنطة الحمراء بالحنطة الصفراء، أو اختلط المال بغير جنسه، فالأحوط لزوما التخلص بالمصالحة، و إذا أراد المالكان أن يجريا بينهما الشركة العقدية في هذا المال المختلط، فالأحوط لهما أن يصالح أحدهما صاحبه عن بعض احد المالين ببعض المال الآخر حتى تحصل الشركة الواقعية بين المالين، ثم يجريا عقد الشركة.

المسألة السادسة:

إذا اختلط المالان بعضهما ببعض و كانا من القيميات كالثياب و الغنم و الدواب المتشابهة في الصفات، فلا يكون اختلاط المالين موجبا للشركة، بل يكون من المال المشتبه فيرجع في تمييزه إلى القرعة أو الى المصالحة بين المالكين.

المسألة السابعة:

قد تحصل الشركة بين الرجلين بتشريك أحدهما صاحبه في المال بعد أن يشتريه، فإذا اشترى السلعة و طلب منه صاحبه أن يشركه فيها، فقال له شركتك فيها بالنصف مثلا، و دفع له صاحبه نصف الثمن، ملك نصف السلعة، و هكذا إذا شركة فيها بالثلث أو بالربع و دفع له ثلث الثمن، أو ربعه، و قد يكون الطالب للتشريك هو المشتري، و مثال ذلك أن يشتري الرجل السلعة و لا يكون لديه ثمنها، فيقول للآخر ادفع عني ثمن السلعة و اشركك في نصفها مثلا، فإذا دفع صاحبه الثمن و شركه المشتري في السلعة أصبح شريكا له في السلعة، بالحصة التي اتفقا عليها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 426

المسألة الثامنة:

إذا باع المالك على المشتري منا من الصبرة، ملك المشتري هذا المقدار الكلي في ضمن الصبرة المعينة، و لكن المالك و المشتري لا يكونان شريكين في الصبرة لذلك، و لا تترتب عليهما أحكام الشركة، فإذا أراد المالك أن يبيع منا معينا من الصبرة على مشتر آخر، جاز له ذلك و لا يلزمه أن يستأذن المشتري الأول في البيع على الثاني، و إذا كان المبيع الثاني كليا و أراد المالك أن يزن للمشتري الثاني مقدار المن الذي اشتراه جاز له ذلك و لم يجب عليه أن يستأذن المشتري الأول في افراز المبيع عن المجموع، و إذا باع المالك بعض الصبرة بأكثر من الثمن الأول لم يدخل في المبيع شي ء من المن الذي يملكه المشتري الأول، و لم يستحق شيئا من الربح.

و إذا تلف من الصبرة مقدار، لم يسقط من حق المشتري الأول شي ء كما يسقط من المال المشترك، فيجب على مالك الصبرة أن يدفع له مقدار المن تاما من بقية

الصبرة إذا طلب منه افراز ماله، الى غير ذلك من لوازم الشركة و أحكامها.

المسألة التاسعة:

إذا تحققت الشركة بين الشخصين أو الأشخاص بأحد الأسباب الموجبة لحدوثها، لم يجز لبعض الشركاء أن يتصرف في المال المشترك إلا إذا رضي بقية الشركاء بتصرفه، و إذا أذن أحد الشريكين لصاحبه بالتصرف في المال جاز للمأذون ذلك و لم يجز للآذن إلا إذا رضي المأذون بتصرفه أيضا.

و إذا أذن الشريك في نوع من التصرف أو حدد له حدا أو شرطه بشرط، فلا يسوغ للمأذون أن يتجاوز عن النوع المأذون به من التصرف، و لا عن حده، و لا عن شرطه، فإذا قال له اسكن الدار في شهر رمضان لم تجز له السكنى فيها في غير الشهر، و إذا قال له اسكن الدار مع زيد لم يجز له أن يسكنها منفردا أو مع غير زيد و إذا قال له اسكن الدار تناول الاذن أن يسكن معه في الدار من جرت العادة بإسكانه معه من أهله و عائلته و أولاده التابعين له، و زواره و ضيوفه، الا أن يصرح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 427

له الشريك بالمنع أو التحديد، أو تقوم القرائن الخاصة على ذلك.

المسألة العاشرة:

إذا كان الاشتراك في شي ء تابع للدار كالبئر و الدهليز و الطريق غير النافذ و العين الخاصة بين الدارين، لم يجب على الشريك أن يستأذن من شريكه في التصرف المتعارف فيه كالأخذ من ماء البئر و العين، و العبور في الطريق أو الدهليز.

المسألة 11:

إذا تعاسر الشريكان في الدار أو الأرض أو المحل فمنع أحدهما من جميع التصرفات فيها، و أدى ذلك الى الضرر أو احتمل وقوع الضرر احتمالا يعتد به، رجع في حل المشكلة إلى الحاكم الشرعي.

المسألة 12:

الشركة العقدية في مصطلح الفقهاء (قدس سرهم) هي أن يتعاقد شخصان على المعاملة بمال مشترك بينهما، فإذا تم العقد و جرت المعاملة حسب اتفاقهما و ربح المال فيها كان الربح مشتركا بينهما على نسبة حصتيهما من المال، و إذا خسرت المعاملة كانت الخسارة موزعة عليهما على نسبة حصتيهما أيضا، و كذلك إذا كان الشركاء أكثر من اثنين، فإذا كانا شريكين و كان لأحدهما ثلثا المال المشترك، و للثاني ثلثه فقط، و ربح المال في معاملة الشركة استحق الأول ثلثي الربح الحاصل و استحق الثاني ثلثه، و إذا خسر المال كان على الأول ثلثا الخسارة و على الثاني ثلثها.

و إذا كان الشركاء في العقد ثلاثة، و لأحدهم نصف المال، و لكل واحد من الآخرين ربعه، فالربح و الخسران بينهم كذلك.

المسألة 13:

الشركة عقد من العقود، و لذلك فلا بد فيه من الإيجاب و القبول، و يكفي في الإيجاب و القبول كل ما يدل على الشركة من قول أو فعل، فإذا قال الشريكان معا بعد اجتماع الشرائط المعتبرة: اشتركنا في المعاملة بهذا المال، كان ذلك إيجابا و قبولا منهما، و صح به العقد،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 428

و مثله إذا قالا تشاركنا، و كذلك إذا قال أحدهما للآخر شركتك معي في المعاملة بالمال، أو اشتركت معك فيها، و يقول الآخر قبلت أو رضيت و تجري فيه المعاطاة على الظاهر كما إذا خلط المالكان ماليهما بقصد إنشاء الشركة في المعاملة و التكسب بالمال.

المسألة 14:

يشترط في عقد الشركة أن يكون المتعاقدان بالغين، عاقلين، مختارين، غير محجور عليهما لسفه أو لفلس، و أن يكونا قاصدين لإنشاء المعاملة غير غافلين و لا هازلين.

المسألة 15:

يشترط في الشركة العقدية أن يمتزج مال أحد الشريكين بمال الآخر مزجا تاما حتى لا يتميز أحد المالين عن الآخر، سواء كانا من النقود أم من العروض على الوجه الذي بيناه في المسألة الثالثة و المسألة الرابعة، و إذا كان المالان مختلفين في الجنس أو مختلفين في الوصف و أراد المالكان اجراء الشركة العقدية بينهما باع أحد المالكين حصة مشاعة من ماله بحصة مشاعة من مال صاحبه أو صالحه عن احدى الحصتين بالأخرى، أو وهب كل منهما صاحبه حصة مشاعة من ماله حتى تحصل الشركة الواقعية في المالين و يتحقق الشرط للعقد.

المسألة 16:

لا تصح الشركة العقدية في الديون، فإذا كان لزيد دين على أحد، و كان لعمرو دين على آخر، فلا يصح لهما أن يوقعا عقد الشركة بينهما ليكون كل من الدينين مشتركا بينهما بالنصف مثلا أو بالنسبة.

و لا تصح الشركة العقدية في المنافع، فإذا كانت لكل من زيد و عمرو دار، فلا يصح لهما ان يوقعا عقد الشركة بينهما لتكون منفعة كل واحدة من الدارين مشتركة بينهما كذلك.

و يصح لزيد أن يصالح عمرا عن نصف منفعة داره بنصف منفعة دار لزيد، فإذا تم الصلح كانت منفعة كل من الدارين مشتركة بينهما على التنصيف، و يصح لزيد أن يصالح عمرا عن نصف منفعة داره

كلمة التقوى، ج 4، ص: 429

بعشرة دنانير مثلا و يدفع له العوض، ثم يصالح عمرو زيدا عن نصف منفعة داره بعشرة دنانير، و يدفع له العوض، فإذا تم الصلح كذلك كانت منفعة كل من الدارين مشتركة بينهما، و يصح لهما أن يوقعا ذلك بنحو الهبة المشروطة بالعوض فيهب أحدهما نصف منفعة داره لصاحبه بشرط أن يهبه صاحبه نصف منفعة داره، فإذا

حصلت الهبتان وقعت الشركة في منفعة الدارين، و لكن الشركة في المنفعة بأحد هذه الوجوه غير الشركة العقدية في المنافع.

المسألة 17:

لا تصح الشركة في الأعمال على الأحوط، و هي أن يوقع الشخصان عقد الشركة بينهما لتكون أجرة عمل كل واحد من الشخصين مشتركة بينهما، فلا يصح ذلك، سواء كان عقد الشركة على عمل معين من الشخصين أم على جميع إعمالهما في مدة معينة أم على مطلق إعمالهما ما داما حيين.

و يجوز لأحد الرجلين أن يصالح صاحبه عن نصف منفعته المعينة أو عن نصف منافعه في مدة معلومة، بنصف منفعة المصالح كذلك، فتكون منفعتهما مشتركة بينهما حسب اتفاقهما كما تقدم في المصالحة على منفعة الدار، و لكن ذلك غير الشركة العقدية في الأعمال.

المسألة 18:

لا تصح الشركة في الوجوه، و هي أن يتعاقد شخصان بينهما على أن يشتري كل واحد منهما بعض العروض و الأمتعة بثمن يبقى في ذمته و يكون ما يشتريه مشتركا بينهما، و يبيعان بعد ذلك ما اشترياه و يؤديان ثمنه و يقتسمان ربحه بينهما، فلا يصح ذلك على الأحوط.

و يصح ان يوكل كل واحد منهما صاحبه على المعاملة و الشراء في الذمة و البيع، فيشتري كل منهما لهما و في ذمتهما معا ثم يبيعان ما اشترياه.

المسألة 19:

و لا تصح شركة المفاوضة، و هي أن يتعاقد شخصان على أن يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 430

جميع ما يحصل لأي واحد منهما من فائدة أو ربح في تجارة أو زرع أو غرس أو عمل أو ميراث أو هدية أو غير ذلك فهو مشترك بينهما، و ان جميع ما يرد على أحدهما من غرامة أو ضريبة أو خسارة أو نقص فهو مشترك بينهما.

المسألة 20:

إذا عين الشريكان في ضمن عقد الشركة أيهما هو العامل في التكسب برأس المال، أو ذكرا ان كليهما يعملان فيه كان ذلك تعيينا و إذنا في التصرف، و إذا كان العقد بينهما مجرد التزام منهما بلوازم الشركة التجارية و لم يعينا عاملا، فلا بد من الاذن لأحدهما أو لكليهما بعد العقد ليتصرف المأذون حسب ما يتفقان.

و إذا ذكرا ان كلا من الشريكين يعمل في رأس المال و بينا أن كل واحد منهما مستقل في العمل و التصرف عن صاحبه، أو شرطا أن ينضم أحدهما إلى الآخر في التصرف فيكون مجال عملهما واحدا بعد المشاورة بينهما وجب أن يجريا حسب ما شرطا و لم يجز التعدي عنه.

و إذا حدد لأحدهما أو لهما نوعا من التجارة، أو كيفية من الاتجار أو موضعا أو وقتا وجبت مراعاة ذلك، و ان أطلقا في العقد و الشرط و لم يحددا شيئا وجب على العامل منهما أن يجري على ما هو المتعارف في أمثال تلك الشركة و تلك التجارة و بين أصحابها، و كذلك الحكم إذا لم يعينا في ضمن العقد عاملا ثم أذنا بعد العقد لأحدهما أو لكليهما بالعمل فيجب على المأذون أن يراعي في تصرفه الأحكام المتقدمة.

المسألة 21:

يجري في العامل من الشريكين و في المأذون بالعمل منهما ما سبق في عامل المضاربة فلا يجوز له السفر بالمال، و لا يجوز له الشراء و البيع بالنسيئة إلا إذا أذن له الشريك بذلك.

المسألة 22:

يجب على العامل من الشريكين سواء كان معينا منهما في عقد الشركة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 431

أم مأذونا في العمل بعد العقد ان يلاحظ المصلحة و الفائدة في تصرفاته و معاملاته و لا يكفي عدم وجود المفسدة.

المسألة 23:

إذا تعدى عامل الشركة في معاملته عما حدد له في العقد أو الاذن لم تنفذ معاملته التي أجراها إلا بإجازة شريكه، فإن أجاز المعاملة نفذت و لم يضمن العامل الخسارة إذا حصلت، و ان لم يجز شريكه المعاملة بطل البيع في حصة الشريك و رجع بعين ماله إذا كان موجودا و ببدله إذا كان تالفا.

المسألة 24:

العامل في الشركة سواء كان معينا في العقد أم مأذونا بالعمل بعد العقد، أمين على المال فلا يكون ضامنا له إذا تلف بيده أو نقص منه أو حدث فيه عيب إلا إذا تعدى أو فرط.

المسألة 25:

ذكرنا في المسألة الثانية عشرة ان الربح و الخسران في الشركة العقدية يصيب الشريكين بنسبة حصتيهما من رأس مال الشركة، فإذا تساوت حصتاهما من رأس المال تساوت حصتاهما من الربح إذا حصل، و تساوى نصيباهما من الخسارة إذا حدثت، و إذا تفاوتت الحصتان في المقدار كان الربح و الخسران الذي يصيبهما على حسب نسبتهما، و هذا هو مقتضى القاعدة في الشركة، من غير فرق بين العامل من الشريكين و غيره، و لا بين من كان عمله في الشركة أكثر و غيره.

و إذا شرطا في ضمن عقد الشركة أن تكون للعامل منهما زيادة معينة من الربح على المقدار الذي يستحقه في أصل الشركة، صح الشرط و وجب الوفاء به ما دام عقد الشركة باقيا، و كذلك إذا شرطا أن تكون الزيادة لمن كان عمله أكثر، فيصح الشرط و يجب الوفاء به إذا كان الشخص معلوما حين العقد.

و إذا لم يكن الشخص الذي اشترطت له الزيادة معلوما حين العقد و قد ذكر الشرط للترغيب في كثرة العمل فالظاهر عدم صحة الشرط،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 432

للجهل بالمستحق، و يصح الدفع اليه بعد ذلك على نحو المكافاة إذا كان الدفع برضى الجميع.

المسألة 26:

إذا اشترط الشريكان أو أحدهما في ضمن عقد الشركة أن يكون لزيد- و هو أحد الشريكين- زيادة معينة من الربح على المقدار الذي يستحقه بمقتضى أصل الشركة، و كان زيد هذا غير عامل في الشركة أو كان غيره أكثر منه عملا فيها، فالظاهر عدم صحة هذا الشرط، فان كان الشرط في ضمن عقد لازم ألغي الشرط، و لم يبطل العقد الذي هو في ضمنه، و ان كان قد اشترط في ضمن عقد الشركة، فالظاهر بطلان عقد

الشركة ببطلان الشرط، فان الشرط الذي يذكر في الشركة العقدية يكون عوضا للإذن في التصرف و مقوما للعقد، فإذا بطل الشرط المقوم بطل الاذن و العقد.

و كذلك الحكم إذا شرطا في ضمن العقد أن تكون الخسارة كلها على أحد الشريكين بخصوصه، أو اشترط أن تكون حصته من الخسارة أكثر من نسبة حصته في المال، فلا يصح الشرط و لا يجب الوفاء به الا إذا كان المراد بالشرط عليه أن يتحمل مقدار الخسارة من ماله الخاص، لا من حصته في الشركة.

المسألة 27:

يصح للشريكين أن يستأجرا أجيرا لمساعدة العامل منهما في الشركة، و كاتبا لتسجيل واردات التجارة و صادراتها و ضبط حساباتها بين الشريكين و بينها و بين المتعاملين معها، و يصح لهما أن يستأجرا عاملا يؤكلان اليه ادارة الشركة و العمل فيها، و تنفذ تصرفاته و معاملاته إذا هما أذنا له بذلك، و تخرج أجرة هؤلاء الأجراء و العمال و غيرهم ممن يحتاج إليهم في العمل من مال الشركة و ربحها و يصيب كل واحد من الشريكين منها بنسبة حصته من رأس المال.

المسألة 28:

لا إشكال في جواز أن يرجع كل من الشريكين في اذنه لصاحبه في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 433

التصرف في المال المشترك، و لا إشكال أيضا في جواز أن يطالب كل واحد منهما صاحبه بقسمة المال المشترك سواء حصلت الشركة بينهما بمزج المالين أم بإنشاء عقد الشركة ما بينهما، و هذا لا يدل على ان الشركة من العقود الجائزة، و رجوع الشريك في اذنه و مطالبته بالقسمة لا يعني فسخ الشركة التي حصلت أو أنشئت بينهما، و اما الشركة التي تحصل بالبيع على الشريكين معا أو التي تحصل بتشريك أحدهما صاحبه في المعاملة بعد وقوعها فهي لازمة و لا يجوز فسخها.

المسألة 29:

العامل في الشركة أمين كما ذكرناه في المسألة الرابعة و العشرين، فلا ضمان عليه إذا تلف المال بيده بغير تعد منه و لا تفريط، و إذا ادعى تلف المال بيده و أنكر شريكه التلف قبل قول العامل مع يمينه لأنه أمين.

المسألة 30:

إذا ادعى أحد الشريكين على الآخر الخيانة أو التعدي أو التفريط فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، سواء كان المنكر عاملا أم لا.

المسألة 31:

إذا مات أحد الشريكين أو حجر عليه لسفه أو لفلس بطلت الشركة العقدية، فلا يجوز التصرف بعد ذلك و كذلك إذا عرض على أحدهما جنون أو إغماء على الأحوط فيهما، و اما أصل الشركة فهي باقية ما دام المال ممتزجا لم يقسم.

المسألة 32:

إذا تبين بطلان الشركة، فالظاهر بطلان المعاملات التي أوقعها الشريك بعد عروض المبطل و قبل التبين لانتفاء الاذن من الشريك بعروض المبطل.

المسألة 33:

إذا اشترى الشريك متاعا و ادعى أنه اشتراه لنفسه و أنكر الآخر قوله و ادعى انه اشتراه للشركة فالقول قول الأول مع يمينه لأنه أعرف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 434

بنيته، و كذلك إذا اشتراه و ادعى انه اشتراه للشركة و أنكر صاحبه و ادعى انه اشتراه لنفسه فيكون القول قول الأول مع يمينه.

المسألة 34:

إذا اشترك شخصان في حيازة شي ء مباح، كما إذا أحييا أرضا أو اصطادا سمكا أو طيرا كان ذلك الشي ء مشتركا بينهما، و يرجع الى الصلح على الأحوط في تعيين حصة أحدهما عن الآخر.

و مثل ذلك ما إذا استأجر الإنسان أجيرين لعمل واحد بأجرة واحدة، فإذا قاما بالعمل كانت الأجرة المعينة مشتركة بينهما و رجع الى الصلح في تعيين احدى الحصتين عن الأخرى.

فصل، في القسمة

المسألة 35:

قسمة الشي ء تقابل الشركة فيه، فإذا كان معنى الشركة هو شيوع أجزاء الشي ء بين ملاكه و أصحاب الحق فيه، بحيث يكون كل جزء من الشي ء- مهما قل الجزء و صغر- مستحقا لجميعهم، فلكل فرد من الشركاء حصة من الجزء تساوي نسبة حصته الى مجموع الشي ء، فإذا كان له الربع أو الثمن من الشي ء كان له الربع أو الثمن من كل جزء فيه، فالقسمة هي أفراد تلك الحصة من الأجزاء و من مجموع الشي ء، بحيث يرتفع الشيوع من الحصة و يحصل التعيين.

و ليست القسمة بيعا و لا معاوضة، و لذلك فلا تجري فيها أحكام البيع و لا أحكام المعاوضات الأخرى فلا يجري فيها خيار المجلس مثلا و لا خيار الحيوان، و لا تجري فيها أحكام الربا و لا تشترط فيها شروطه و لا شروط بيع الصرف أو بيع الثمار.

المسألة 36:

لا تتحقق القسمة حتى تتعدل السهام التي يستحقها الشركاء، و تعديل السهام في المثليات و ما يشبهها يحصل بضبط مقادير الأجزاء في السهم، بالكيل أو الوزن إذا كان الشي ء الذي تراد قسمته مما يكال

كلمة التقوى، ج 4، ص: 435

أو يوزن، و بالعدد إذا كان مما يعد، و بقياس طوله و عرضه بالذراع أو المتر إذا كان مما يقاس بذلك، فإذا ضبطت مقادير السهام كذلك فقد عدلت، و هذه هي قسمة الافراز.

و المثليات هي الأجناس التي تتقارب أجزاؤها في الصفات و الفوائد المطلوبة، و من أجل ذلك تكون أجزاؤها متساوية في القيمة، كالحبوب و أمثالها و كالثياب المتساوية الأجزاء و يلحق بها الأشياء التي تنتجها المصانع الحديثة متشابهة في الأوصاف و المنافع و الإحجام من أمتعة و ثياب و نسائج و آلات و أجهزة و غيرها، و

قد تعرضنا للفرق بين المثلي و القيمي في المسألة التاسعة و التسعين من كتاب التجارة.

و تعديل السهام في القيميات قد يحصل بضبط مقدار كل سهم منها بحسب القيمة، فإذا اشترك ثلاثة رجال في عشر شياه مثلا، و لكل رجل منهم ثلث المجموع، و كانت قيمة مجموع الشياه تسعين دينارا، و ضبطت السهام بحسب القيمة فبلغت قيمة شاتين كبيرتين منها ثلاثين دينارا، و كانت قيمة ثلاث شياه متوسطة منها ثلاثين دينارا، و كانت قيمة خمس شياه صغيرة منها ثلاثين دينارا، فقد عدلت السهام بين الشركاء، و هذه هي قسمة التعديل.

و قد لا يحصل التعديل بين السهام حتى يرد بعض المال من أحد الشركاء على آخر، و مثال ذلك أن يشترك ثلاثة رجال في عشر شياه، و لأحد الشركاء نصف المجموع، و لكل واحد من الشريكين الآخرين الربع، و تكون قيمة كل شاة عشرة دنانير، فإذا أفرد للشريك الأول منها خمس شياه و هي تساوي خمسين دينارا، و أفرد للشريك الثاني ثلاث شياه و بقي للشريك الثالث شاتان لم تتعدل السهام حتى يرد الشريك الثاني على الثالث خمسة دنانير و هي المقدار الزائد على حصته و الناقص من حصة شريكه، و إذا رد عليه ذلك فقد عدلت السهام بين الشركاء، و هذه هي قسمة الرد.

المسألة 37:

الأموال المشتركة مختلفة في قبول أنواع القسمة المذكورة، فبعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 436

الأموال تمكن فيه قسمة الافراز وحدها، و بعضها تمكن فيه قسمة التعديل وحدها، و بعضها تمكن فيه قسمة الرد وحدها، و بعض الأموال يمكن فيه نوعان منها، فتمكن فيه قسمة الافراز و التعديل فقط، أو قسمة الافراز و الرد فقط، أو قسمة التعديل و الرد فقط و بعضها

يمكن فيه كل من قسمة الافراز و التعديل و الرد، و إخراج الأمثلة لجميع ذلك غير عسير على الذكي.

فإذا قبل المالك المشترك القسمة على بعض الوجوه المذكورة و تراضى بها الشركاء فلا ريب في الصحة، و تستثنى من ذلك قسمة الرد إذا أمكن غيرها، فالأحوط لزوما الاجتناب عنها و الرجوع الى غيرها أو الرجوع الى المصالحة.

المسألة 38:

إذا اشترك رجلان أو أكثر في صبرة من الطعام و لم يعلم وزن الصبرة، و كانت حصص الشركاء فيها معلومة، كفى في تعديل السهام بينهم ان يعتمد على مكيال مجهول المقدار، فإذا كان الشركاء ثلاثة أشخاص و لكل واحد منهم ثلث الصبرة، كفى في التعديل أن تقسم الصبرة أثلاثا متساوية بذلك المكيال، و إذا كان لأحد الشركاء نصف الصبرة و لكل واحد من الآخرين الربع، قسمت الصبرة نصفين بذلك المكيال، فأخذ الأول أحدهما، ثم قسم النصف الآخر قسمين، متساويين و دفع أحد القسمين الى الشريك الثاني، و دفع القسم الباقي الى الثالث.

و إذا اشتركوا في عرصة أرض متساوية الأجزاء و كانت حصصهم معلومة، كفى أن يعتمد على حبل أو على خشبة مجهولة المقدار في الطول، فتقسم العرصة أثلاثا أو أرباعا بذلك المقياس على النهج المتقدم، و لا تضر هذه الجهالة بصحة القسمة فقد ذكرنا ان القسمة ليست بيعا و لا معاوضة.

المسألة 39:

إذا طلب أحد الشركاء قسمة الشي ء المشترك و كانت القسمة التي يطلبها تحتوي على رد مال أو تستلزم ضررا، فإن رضي الشريك الآخر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 437

بهذه القسمة صحت، و ان امتنع عن قبولها جاز له الامتناع و لم يجبر على الإجابة إليها، و مثال ذلك ان يشترك رجلان في دار لا يمكن قسمتها قسمة تعديل حتى يرد أحد الشريكين على صاحبه بعض المال، أو يشتركا في دكان إذا قسم بين الشريكين لزم الضرر لصغره، فلا يجبر الشريك إذا امتنع عن قبول القسمة في كلا الفرضين، و تسمى هذه القسمة قسمة التراضي.

المسألة 40:

إذا طلب أحد الشريكين قسمة الافراز للمال المشترك، و كانت قسمة الافراز فيه ممكنة و لا تستلزم ضررا، وجبت الإجابة إليها على الشريك الثاني، و إذا امتنع عن الإجابة أجبر عليها، و مثال ذلك ان يشترك رجلان في عشرة أمنان من الحنطة و هي متساوية القيمة، أو يشتركا في عرصة أرض متساوية الأجزاء كذلك في القيمة، فإذا قسمت أمنان الحنطة بين الشريكين بالكيل أو الوزن، و قسمت عرصة الأرض بقياس مساحتها و مساحة الحصتين بالأمتار، صحت القسمة و اجبر الشريك إذا امتنع عن قبولها، و تسمى هذه القسمة قسمة الإجبار، و لا فرق في الفرض المذكور و في حكمه بين ان يكون المال مما تمكن فيه قسمة التعديل أيضا أولا.

المسألة 41:

إذا كان المال المشترك يقبل قسمة التعديل وحدها، أو كان يقبل قسمة التعديل و قسمة الرد معا و لا يقبل قسمة الافراز، و مثال الفرض الأول أن يشترك رجلان في خمس شياه بالمناصفة، و قيمة مجموع الشياه خمسون دينارا، و كانت قيمة شاتين كبيرتين منها خمسة و عشرين دينارا، و قيمة الثلاث الباقية خمسة و عشرين دينارا فإذا قسمت الشياه بين الشريكين كذلك، كانت من قسمة التعديل، و مثال الفرض الثاني ان يشترك رجلان في أربع شياه بالمناصفة، و قيمة شاة كبيرة منها خمسة عشر دينارا، و قيمة شاتين متوسطتين عشرون دينارا، كل واحدة عشرة دنانير، و قيمة شاة صغيرة خمسة دنانير و مجموع ذلك أربعون دينارا، فإذا جعلت الشاتان المتوسطتان سهما، و جعلت الشاة الكبيرة مع الصغيرة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 438

سهما، كان ذلك من قسمة التعديل، و إذا جعلت الشاة الكبيرة مع احدى المتوسطتين لأحد الشريكين، و جعلت الشاة المتوسطة الثانية مع

الصغيرة للشريك الآخر، لم تصح القسمة حتى يرد الشريك الأول على الثاني خمسة دنانير و تكون من قسمة الرد.

فإذا كان المال المشترك كذلك و طلب احد الشريكين أن يقسم المال بينهما قسمة تعديل وجب على الشريك الآخر أن يجيبه الى ذلك، و إذا امتنع عن اجابته أجبر عليها، و كانت من قسمة الإجبار.

المسألة 42:

إذا كان المال المشترك يقبل قسمة الافراز و قسمة التعديل كلتيهما، و مثال ذلك ان يشترك رجلان في من من الحنطة و منين من الشعير بالمناصفة و تكون قيمة من الحنطة عشرة دنانير، و قيمة كل من من الشعير خمسة دنانير، فإذا دفع لكل من الشريكين نصف من من الحنطة، و من من الشعير كان من قسمة الافراز، و إذا دفعت الحنطة كلها لواحد و الشعير كله للآخر كان من قسمة التعديل، فإذا طلب أحد الشريكين في مثل هذا الفرض قسمة الافراز وجبت على الشريك الآخر إجابته إليها، و كانت من قسمة الإجبار، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعين. و إذا طلب الشريك قسمة التعديل في هذا الفرض لم تجب اجابة الآخر إليها و لم يجبر عليها إذا امتنع و كان الفرض من قسمة التراضي.

المسألة 43:

إذا كانت الدار المشتركة ذات طابقين أعلى و أسفل، و أمكنت قسمتها قسمة إفراز، بحيث يصل الى كل من الشريكين حقه كاملا من الطابق الأعلى و من الطابق الأسفل، و أمكنت قسمتها قسمة تعديل، فيكون لأحدهما الطابق الأعلى و للثاني الطابق الأسفل، كان الحكم كما تقدم، فإذا طلب أحدهما قسمة الافراز وجبت الإجابة و أجبر الممتنع، و إذا لم يمكن ذلك رجع الى قسمة التعديل، و إذا أوجبت القسمة ضررا على الشريك أو كانت قسمة رد لم يجبر عليها.

المسألة 44:

تجب قسمة الدار أو الخان الذي يحتوي على بيوت و حجر متعددة إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 439

كان مشتركا و طلب بعض الشركاء قسمته على أحد الوجوه المتقدمة و لا تجب إذا أوجبت الضرر أو كانت قسمة رد.

المسألة 45:

إذا اشترك شخصان أو أكثر في دكاكين متعددة و أمكنت قسمة كل واحد من الدكاكين بانفراده مستقلا و أمكنت قسمتها جميعا بنحو التعديل لينفرد كل شريك بدكان تام أو أكثر، و طلب بعض الشركاء القسمة على الوجه الأول وجبت اجابته و اجبر الممتنع إلا إذا أوجبت الضرر.

المسألة 46:

إذا كانت لأحد الشريكين في الدار حصة صغيرة فيها لا تصلح للسكنى إذا قسمت، و القسمة لا تضر الشريك الثاني لكبر حصته من الدار، فإذا طلب الشريك الثاني قسمة الدار لم يجبر الأول عليها لتضرره بالقسمة، و إذا اتفق للشريك الأول غرض خاص فطلب القسمة وجبت على الثاني إجابته و أجبر إذا امتنع عنها.

المسألة 47:

الضرر الذي يسقط معه إجبار الشريك على قبول القسمة هو أن تكون القسمة موجبة لنقصان في العين أو نقصان في القيمة بما لا يتسامح به عادة، فإذا أوجبت القسمة ذلك لم يجبر الشريك على تحمله.

المسألة 48:

إذا اشترط أحد الشركاء على الآخرين ان لا يقتسم المال المشترك مدة معينة و كان الشرط في ضمن عقد لازم وجب الوفاء بالشرط، فلا تجوز لهم القسمة، و إذا طلبوا منه القسمة لم تجب عليه الإجابة و لم يجبر عليها إذا امتنع، حتى تنقضي المدة.

المسألة 49:

إذا كانت حصص الشركاء في المال المشترك متساوية، فتعديل السهام فيها: أن يجعل المال سهاما متساوية في المقدار بعدد الشركاء، فإذا كانت الشركة بالمناصفة، جعل المال سهمين متساويين، لكل واحد من الشريكين سهم يساوي سهم صاحبه في المقدار، و إذا كانت الشركة أثلاثا، جعل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 440

المال ثلاثة أسهم متساوية بعدد الشركاء الثلاثة، و كذلك إذا كانت الشركة أرباعا أو أخماسا أو أكثر من ذلك، فيجعل المال سهاما متساوية المقدار بعدد الشركاء، ثم يجعل لكل سهم من السهام المعدلة علامة خاصة تميزه عن بقية السهام ليعرف بها عند إجراء القرعة، و طريق تحديد السهام في المقدار هو ما تقدم بيانه في قسمة الافراز و قسمة التعديل و قسمة الرد.

فإذا عدلت السهام و جعلت لها العلامات المميزة و أريد إجراء القرعة أخذت رقاع متشابهة الشكل و المقدار بعدد الشركاء، و يتخير القاسم بين أن يكتب على الرقاع أسماء الشركاء، فيكتب على كل رقعة اسم واحد منهم، و ان يكتب عليها أسماء السهام، فيكتب على كل رقعة اسم سهم خاص منها مع علامته المميزة له كما تقدم، و توضع الرقاع في كيس و نحوه مما يسترها و تجال الرقاع فيه و تشوش حتى تختلط فلا تتميز، ثم تخرج واحدة بعد واحدة و يقصد القاسم عند إخراج الرقعة ان من يخرج اسمه من الشركاء في الرقعة، فله السهم الأول، و

هذا إذا كانت الرقاع قد كتبت بأسماء الشركاء، و يقصد ان ما يخرج اسمه من السهام فهو لفلان من الشركاء و هذا إذا كانت الرقاع مكتوبة بأسماء السهام و هكذا يقصد عند إخراج كل رقعة، فإذا أخرجت الرقعة كانت الحصة المعينة نصيبا لذلك الشريك المعلوم، ثم يخرج الرقعة الثانية ثم الثالثة حتى تتم القرعة و تتم القسمة.

المسألة 50:

إذا كانت حصص الشركاء مختلفة متفاوتة في المقدار، كما إذا كان لأحد الشريكين ربع المال و للآخر ثلاثة أرباعه، و كما إذا كان لأحد الشركاء نصف المال و للثاني ثلثه، و للثالث سدسه، فتعديل السهام فيها أن يجعل السهام على مقدار أقل الحصص، ففي المثال الأول يجعل المال أربعة سهام متساوية، ثم تجعل لكل سهم منها علامة مميزة له كما تقدم، و في المثال الثاني يجعل المال ستة سهام متساوية، و تجعل لكل سهم علامة تميزه كذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 441

فإذا أريد إجراء القرعة، أخذت الرقاع على النحو الذي تقدم بيانه بعدد الشركاء في المال، و كتب على كل رقعة اسم احد الشركاء، و صنع بالرقاع كما تقدم، و يخرج القاسم احدى الرقاع بعد أن يقصد ان من خرج اسمه في الرقعة فله السهم الأول ثم ما يليه حتى تتم حصته، فإذا أخرجت الرقعة الأولى في المثال الأول و كانت باسم زيد، و هو الذي يستحق الربع، كان له السهم الأول، و كانت السهام الثلاثة الباقية للشريك الثاني، و إذا كانت الرقعة باسم عمرو، و هو الذي يستحق الثلاثة أرباع، كان له السهم الأول و الثاني و الثالث، و بقي السهم الرابع لزيد، و هكذا في المثال الثاني، فإذا خرج في الرقعة اسم زيد على السهم الأول

و هو يستحق السدس تعين السهم له، ثم أخرجت الرقعة الثانية على السهم الثاني فإذا خرج فيها اسم عمرو، و هو يستحق الثلث كان له السهم الثاني و الثالث، و بقي السهام الرابع و الخامس و السادس للشريك الثالث و هو الذي يستحق النصف، و إذا انعكس الفرض انعكست النتيجة، و هكذا.

المسألة 51:

الأحوط انه لا بد في القسمة بعد تعديل السهام من القرعة، فلا تترك مراعاته.

المسألة 52:

إذا بنى الشركاء في ما بينهم على تقسيم المال المشترك، و عدلوا السهام، ثم أوقعوا القرعة تمت القسمة و لم يحتج إلى التراضي بعد ذلك، و ان كان الأحوط استحبابا أن يحصل التراضي بعد القرعة أيضا و خصوصا إذا كانت القسمة قسمة رد.

المسألة 53:

إذا تمت القسمة في الأعيان على النهج الذي مر ذكره كانت لازمة، فلا يجوز لأحد الشركاء فسخها و لا ابطالها، بل و لا يجوز ذلك و ان رضي جميعهم بإبطال القسمة و فسخها.

المسألة 54:

إذا وقعت القسمة بين الشريكين و ادعى أحدهما وقوع غلط في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 442

القسمة أو ادعى عدم التعديل في السهام، و أنكر الشريك الآخر ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، و إذا أقام المدعي بينة على صحة ما يقول، نقضت القسمة و احتاجا إلى قسمة غيرها.

المسألة 55:

إذا كانت العين مشتركة بين شخصين أو أكثر، و طلب أحد الشخصين أن يكون انتفاع الشركاء بالعين بنحو المهاباة، فيسكن الدار أحد الشريكين شهرا مثلا، ثم يسكنها الآخر شهرا، أو يكتسب هذا الشريك في الدكان المشترك ثلاثة أشهر ثم يسلمه الى شريكه ثلاثة أشهر، أو يسكن أحد الشريكين في الطابق الأعلى من الدار و يسكن الثاني في الطابق الأسفل منها، أو يؤجر الدار هذا الشريك شهرا ثم يؤجرها صاحبه شهرا، لم يجب على الآخر قبول ذلك و لا يجبر عليه إذا امتنع، و إذا تراضيا بالمهاياة صح و لم يجب عليهما الاستمرار عليه فيجوز لهما الرجوع عنه و اما المنافع المشتركة، فالغالب فيها أن تكون تقسيمها بين الشركاء بالمهاياة، و ان كانت لا تنحصر بذلك، فالآلات الحديثة إذا استؤجرت للتدفئة أو التبريد أو الانارة فيمكن تقسيمها بغير المهاياة، و قسمة المنافع بالمهاياة أو بغيرها غير لازمة فيجوز الرجوع فيها.

المسألة 56:

لا تصح قسمة الديون المشتركة، فإذا كانت للرجلين ديون مشتركة بينهما على بعض الناس لم يصح لهما أن يجعلا ما في ذمة زيد لأحدهما و ما في ذمة عمرو للآخر، أو يقسما ديونهما بصورة ثانية، بل تبقى الديون مشاعة بينهما، فما يحصل من الدين يكون لهما معا و ما يبقى منه يكون بينهما.

و الحمد للّٰه رب العالمين و صلواته الدائمة المباركة على سيدنا محمد و آله الطاهرين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 443

المسائل المستحدثة

اشاره

فتاوى المرجع الديني سماحة الشيخ محمد أمين زين الدّين دام ظله

كلمة التقوى، ج 4، ص: 445

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه رب العالمين، و صلواته التامة الزاكية المباركة على سيد الأولين و الآخرين، محمد و آله الطيبين المنتجبين و بعد فهذه مواضيع جدت مع العصر الحديث في ما جد فيه من أشياء و أمور، طلب مني بعض إخواني في اللّٰه ان انظر في أحكامها في الشريعة الإسلامية المقدسة، حسب ما ظهر لي من قواعدها و موازينها، الواردة في فقه أهل البيت المطهرين عليهم السلام، و قد حررت في هذه الأوراق نتائج نظري في هذه المسائل المستحدثة، لتكون لي و لإخواني في ديني تذكرة و تبصرة، و من اللّٰه سبحانه اسأل لي و لهم دوام التوفيق و السداد في العلم و العمل، و النجاة و الفوز في الدنيا و الآخرة إنه سميع الدعاء مجيب النداء.

ربنا أتمم لنا نورنا و اغفر لنا انك على كل شي ء قدير.

محمد أمين زين الدين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 446

التأمين

اشارة

و هو اتفاق يحصل في الغالب بين شركة أو دولة من أحد الجانبين، و شخص أو أشخاص من الجانب الآخر، يلتزم الشخص بموجب هذا الاتفاق: ان يدفع للشركة مبلغا محددا من المال، يسلمه إليها دفعة واحدة، أو يقسطه اقساطا معينة و مرتبة حسب ما يتراضى عليه الطرفان من التقسيط و المواعيد.

و تتعهد الشركة للشخص في قبال ذلك بأن تدفع له أو لورثته مبلغا من المال يعوضه عن خسارته عند حدوث خطر يؤدي بحياته، أو مرض يلم به، أو عند حدوث حادث يتلف أو يعيب بسببه بعض ما يملكه، حسب ما يوضحه الطرفان في بوليصة التأمين و يعينانه في الوثيقة. و

لذلك فقد يكون التأمين على حياة ضد موت مثلا. و قد يكون على صحة، ضد مرض أو عجز، و قد يكون على مال منقول أو غير منقول، ضد حرق أو سرقة، أو غيرهما من الطواري، و قد يكون على نقل تجارة أو مال في بر أو بحر أو جو، و قد يكون على وسيلة من وسائل النقل: سيارة أو طائرة، أو سفينة، و قد يكون على أشياء أخرى تشبه ذلك مما تتعرض في بقائها أو في عملها للاخطار و الطواري، و يمكن أن يكون المتعهد في التأمين شخصا تتوفر فيه الكفاءة و المقدرة على ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 447

المسألة 1:-

الظاهر صحة هذه المعاملة و نفوذها على المتعاملين، فيلزمهما الوفاء بها حسب ما يتفقان عليه من اللوازم، و يوقتان له من المدة.

و التأمين- على الأقوى- عقد من العقود يشتمل على الإيجاب و القبول، يمكن للطرفين أن يوقعاهما باللفظ إذا أحسنا التعبير عن جميع بنود المعاملة باللفظ، و لكنهما في الغالب يقعان بالفعل، و لا مانع من ذلك.

فيدفع وكيل الشركة المفوض (بوليصة التأمين) إلى الشخص المستأمن بعد اتفاقهما على المعاملة و شروطهما و يكون دفعه إياها بقصد الإيجاب، فيوقعها الشخص المستأمن، و يكون توقيعه عليها قبولا للمعاملة.

و يمكن أن يكون توقيع (البوليصة) من الشخص المستأمن إيجابا منه للمعاملة و يكون دفع الوثيقة إليه من وكيل الشركة بعد ذلك قبولا للإيجاب، و على أي النحوين أجري العقد بين الطرفين كان صحيحا، و وجب الوفاء به بمقتضى آية الوفاء بالعقود.

المسألة 2:

يصح للطرفين بعد أن يتفقا على تعيين المبلغ و الأقساط و الشروط أن يجريا معاملة التأمين بينهما بصورة الهبة المعوضة، فيقول الشخص المستأمن لوكيل الشركة حينما يدفع له قسط التأمين، و هبتك هذا المبلغ من المال، على شرط أن تتدارك خسارتي إذا حدثت لي الحادثة المعينة التي اتفقنا عليها، و يقبل الوكيل ذلك عن الشركة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 448

المسألة 3:-

و يمكن لهما أن يجريا المعاملة بصورة المصالحة بينهما، فيقول الوكيل للمستأمن: صالحتك على أن تدفع للشركة المبلغ المعين على أن تعوضك الشركة عن الخسارة التي تحدث عليك إذا حدثت لك الحادثة التي اتفقنا عليها، فيقبل المستأمن ذلك، أو يكون المستأمن هو الموجب، و وكيل الشركة هو القابل. و المعاملة صحيحة نافذة على أي وجه أجريت من الوجوه المذكورة.

المسألة 4:-

و للتأمين صورة أخرى غير الصورة المتقدم ذكرها و تسمى هذه الصورة (التأمين بالتقابل)، و هي أن يتفق أشخاص معينون فيؤسسوا ما بينهم شركة خاصة يسهم فيها كل واحد منهم بدفع مبلغ من المال ليتكون من مجموع هذه الأسهم رأس مال مشترك و غرضهم من تأسيس هذه الشركة أن تقوم بتعويض ما يحدث من خسارة تحصل لأحد الأعضاء المشتركين إذا ألمت به أو بماله حادثة ما.

و هذا النوع من التأمين صحيح كذلك إذا أجريت المعاملة فيه على صورة عقد الشركة المعروف في الشريعة، و اشترط في عقد الشركة التأمين لكل عضو من الأعضاء فتعوضه الشركة عن خسارته إذا حدثت له الحادثة في نفسه أو في ماله، و يكون الشرط نافذا و إذا كانت هذه الشركة المؤسسة مخولة من قبل الأعضاء في الاكتساب، فاكتسبت برأس المال و ربحت كان الربح بين أعضائها بنسبة ما للعضو من سهم في رأس المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 449

المسألة 5:-

إذا خشيت شركة التأمين على نفسها من وقوع بعض الأخطار عليها فأرادت أن تؤمن نفسها عند شركة أخرى لتعوضها هذه عن الخسارة التي قد تحدث لها، أمكن لها ذلك فتجري مع الشركة الثانية معاملة التأمين بإحدى الصور المتقدم ذكرها، و تصح منها.

المسألة 6:-

إذا أرادت الشركة أن تنقل بعض عملائها الذين أجرت هي معهم معاملة التأمين إلى شركة ثانية، أو أرادت أن تدخل الشركة الثانية في عقدها مع العملاء ليكون التعويض عن خسائرهم مفروضا على الشركتين معا، لم يصح لها ذلك الا برضى العملاء، فيفسخ العقد الأول، و تجري المعاملة مع الشركة الثانية أو مع الشركتين معا بعقد جديد.

السرقفلية

اشارة

و هي معاملة جرى عليها عرف أصحاب المتاجر و الحوانيت و محلات الكسب في الأزمنة الأخيرة، فهم يعتبرون أن للمستأجر الأول للحانوت أو المحل حقا عرفيا في ذلك الحانوت أو المحل، بعد أن يستأجره من مالكه، و يصبح أحق به من غيره، و ليس للمالك إخراجه من ذلك المحل بغير رضاه، و ان انقضت مدة الإجارة المتفق عليها بينهما، و ليس له الزيادة عليه في بدل الإيجار، و نتيجة لذلك فلهذا المستأجر في نظرهم أن يتفق مع شخص آخر فيتنازل له عن ذلك المحل، و يأخذ منه مبلغا معينا بينهما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 450

عوضا عن تنازله، و يخلى له المحل بمقدار الأجرة السابقة التي كانت بينه و بين المالك دون زيادة، و يكون للمستأجر الجديد نفس الحق الذي كان للمستأجر الأول، و ليس للمالك الاعتراض على ذلك.

هذا هو موضوع السرقفلية، و لهذا الموضوع صور مختلفة، و أحكامه في الشريعة الإسلامية تختلف باختلاف صوره فلتلاحظ المسائل الآتية.

المسألة 7:-

الصورة الأولى: أن يجري عقد الإجارة بين المالك و المستأجر الأول من غير أن تجري بينهما معاملة أو شرط في شأن الاختصاص و الحق المذكور، فلم يذكرا في العقد سوى اجارة الموضع من ذلك الشخص المدة المعينة بينهما ببدل الإيجار المعين، فيجب على الطرفين في هذه الصورة الوفاء بعقد الإجارة ما دامت المدة، فإذا انتهت المدة، فليس للمستأجر حق في البقاء في المحل إلا بإجارة جديدة أو إذن من المالك بالبقاء، و للمالك الحق في أن يزيد في بدل الإيجار إذا شاء، و للمستأجر أن يقبل بالزيادة فيبقى في الموضع و ان لا يرضى بها فيخلى عنه، و ليس له أن يتنازل إلى مستأجر غيره الا إذا

رضي المالك.

المسألة 8:-

الصورة الثانية: أن يشترط في عقد الإجارة بين المالك و المستأجر الأول أن للمستأجر حق البقاء في المحل بعد انتهاء مدة العقد، و ليس للمالك إجباره على الخروج منه، و أن للمستأجر أن يجدد عقد الإجارة بعد انقضاء المدة كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 451

أجري في المرة الأولى و ليس للمالك أن يمتنع من ذلك أو يزيد عليه في بدل الإيجار.

فيجب على المالك أن يفي للمستأجر بالشرط، و نتيجة لذلك فيجوز للمستأجر أن يتنازل لشخص آخر عن البقاء في المحل ليستأجره من المالك إذا رضي بإجارته، و يجوز للمستأجر أن يأخذ من ذلك الشخص مبلغا من المال يتفقان على مقداره عوض تنازله هذا، فيستحق المستأجر هذا المبلغ منه، سواء رضي المالك بإجارة المحل منه أم لا.

المسألة 9:-

الصورة الثالثة: أن يتفق المالك و المستأجر الأول على أن يؤجره المحل مدة سنة كاملة بمائة دينار مثلا، و أن يدفع المستأجر للمالك غير ذلك مبلغ ألف دينار، و يجعل المالك للمستأجر في قبال ذلك أن يكون له حق البقاء في المحل بعد مدة العقد إذا شاء، و أن يكون بدل الإيجار محددا بمائة دينار عن كل سنة يمكثها المستأجر في المحل دون زيادة و لا نقيصة، و أن يكون له الحق في أن يتنازل لغيره عن حقه في المحل فيؤجر المحل عليه، و أن تكون للشخص الذي يتنازل له المستأجر نظير الحقوق المذكورة التي كانت للمستأجر.

و إذا تمت المعاملة بين الطرفين كذلك، جاز للمستأجر أن يتفق مع شخص ثالث فيتنازل له عن حقه و يأخذ منه عوض تنازله مبلغا من المال سواء كان بمقدار ما دفعه للمالك أم أقل أم أكثر.

و إذا تنازل له المستأجر كذلك، وجب

على المالك أن يعامله معاملة المستأجر الأول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 452

المسألة 10:-

المبلغ الذي يقبضه المالك من المستأجر عوضا عن الحقوق التي جعلها له في عقد الإجارة كما مر بيانه في المسألة السابقة يعد من أرباح المالك السنوية فيجب الخمس في ما زاد منه و من سائر أرباحه على مؤنة سنته.

المسألة 11:-

ما يدفعه المستأجر للمالك (السرقفلية) التي سبق بيانها في المسألة المتقدمة يعد بالنسبة إليه من مؤن التجارة، فلا يجب عليه إخراج خمسه إذا كان من أرباح سنته تلك، و كذلك ما يدفعه المستأجر الثاني للمستأجر الأول من السرقفلية، و كذلك الحكم في كل مستأجر لاحق يدفع السرقفلية للمستأجر قبله إذا كان دفعه على النهج المتقدم بيانه.

المسألة 12:-

إذا دفع المستأجر المبلغ المتقدم ذكره الى المالك أصبحت السرقفلية حقا من حقوقه وعدت قيمتها من أرباحه في تلك السنة، فإذا زادت قيمتها مع سائر أرباحه عن مؤنته في السنه وجب عليه إخراج خمس الزائد، سواء كانت قيمتها مساوية للمبلغ الذي دفعه الى المالك أم زادت عليه أم نقصت عنه.

و إذا تنازل في أثناء سنته لشخص آخر عن حقه في المحل و أخذ منه عوض السرقفلية تعلق الخمس بهذا العوض و انتقل حق السرقفلية إلى المستأجر الجديد، و شمله الحكم المتقدم في المستأجر الأول، و هكذا الحكم في كل مستأجر يأتي في السلسلة إذا انتقل الحق إليه من سابقه على

كلمة التقوى، ج 4، ص: 453

الوجه المذكور.

التلقيح الصناعي

اشارة

قد تطرأ في المرأة حالات معينة يعرفها الطب، تمنع نطفة الزوج أن تأخذ مستقرها من جهاز المرأة التناسلي إذا أدخلت فيه على النحو المألوف، فلا توجب لها التلقيح و الحمل، و قد تكون الحالة الحادثة آتية من الزوج نفسه، لضعف فيه أو مرض و نحوهما، فتحتاج المرأة إذا أرادت الحمل الى التلقيح الصناعي.

و التلقيح الصناعي هو أن يدخل ماء الرجل في الجهاز التناسلي للمرأة بواسطة أنبوب أو إبرة حاقنة و نحوهما حتى يصل الى المنطقة المرادة من الجهاز فيحصل به التلقيح للبويضة و تحمل منه المرأة. و الغالب ان القائم بعملية التلقيح يترصد مواعيد نزول بويضة المرأة إلى الرحم، أو الى موضع قريب منه، حتى يكون التلقيح مضمونا أو مظنونا، و نحن هاهنا نتعرض لأحكام هذا التلقيح.

المسألة 13:-

يجوز أن تلقح المرأة بنطفة زوجها، و إذا انعقدت هذه النطفة و حصل الحمل فحكم الطفل الذي يولد حكم سائر الأولاد الذين يتولدون من الزوجين على النهج الطبيعي المألوف سواء كان النكاح بينهما دائما أم منقطعا.

و بحكمها الأمة حين تلقح بنطفة مالكها، إذا لم تكن متزوجة، أو محللة لشخص آخر، أو ذات عدة من رجل آخر، و لم تكن مشتركة بين ذلك السيد و مالك آخر، و لا مكاتبة، و لم تكن مشركة و لا وثنية و لا مرتدة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 454

و كذلك الأمة المحللة للغير إذا لقحت بنطفة من حللت له.

المسألة 14:-

لا يجوز أن يكون القائم بعملية تلقيح المرأة غيرها و غير من يحل له لمسها و النظر الى عورتها، سواء كان رجلا أم امرأة.

نعم إذا أمكن له أن يقوم بعملية التلقيح من غير لمس و لا نظر لما يحرم و لا وقوع في محرم آخر، فالظاهر الجواز.

المسألة 15:-

يحرم تلقيح المرأة بماء رجل لا يحل له وطؤها، و ان رضي الزوج بذلك، بل و إن باشر عملية التلقيح بنفسه، و يحرم تلقيحها- إذا كانت أمة غير مزوجة، و لا محللة- بماء غير سيدها، و ان أذن السيد بذلك، إلا إذا قصد بذلك تحليلها لصاحب النطفة و كانت في موضع يصح فيه التحليل.

المسألة 16:-

إذا لقحت المرأة بنطفة غير من يحل له وطؤها تلقيحا صناعيا فحملت منه، ألحق الولد بها و بصاحب النطفة و جرى عليه حكم سائر أولادهما، و ان أثمت المرأة بالتلقيح إذا كانت مختارة في إجرائه، و أثم صاحب النطفة إذا كان عالما مختارا في ذلك.

المسألة 17:-

إذا ساحقت المرأة ضرتها بعد أن جامعها الزوج فدخلت بسبب ذلك نطفة الزوج في جهاز الضرة و حملت منه، ألحق

كلمة التقوى، ج 4، ص: 455

الولد بالأب و الأم التي حملت به و أن أثمت المرأتان بما اكتسبتا، و إذا زنى الرجل بامرأة، ثم ساحقت الزانية زوجة الرجل، فانتقلت بسبب ذلك نطفة الرجل الى زوجته و حملت منه فالولد لهما و ان ارتكب الرجل و المرأتان تلك الكبائر العظيمة.

المسألة 18:-

قد تكون لبعض النساء حالات ثابتة أو موقتة، يعجز فيها جهاز المرأة التناسلي عن الاحتفاظ بالجنين طيلة أيام حمله، فتجهض بعد فترة قصيرة أو طويلة من الحمل، و قد يعجز الجهاز عن صيانة الجنين أو عن تغذيته فيموت في بطنها، و تضطر إلى إلقائه، و قد اخترع العلم الحديث جهازا صناعيا ينوب عن الجهاز الطبيعي في المرأة في احتضان الجنين و صونه و إمداده بما يحتاج اليه من غذاء و حرارة و طاقة، حتى يستكمل نموه و يستتم فترة حمله، فينقل الجنين بعد أيام من انعقاده في بطن أمه و قبل أن يحل موعد الخطر الى هذا الجهاز الصناعي ليحتضنه و يقوم بتغذيته و تنميته الى أن يحين وقت ولادته، فيستخرج منه.

و لا إشكال في جواز ذلك، بل و لا ريب في رجحانه، إذا كان فيه حفظ لحياة الجنين و حياة أمه من الأخطار، و ربما يستخدم هذا الجهاز كذلك في حالات الاختيار تفاديا عن الأتعاب و الآلام و المضاعفات الأخرى التي يسببها طول الحمل و ثقله و إنفاق الطاقات و آلام الوضع للمرأة، فتنقل جنينها بعد أيام من حمله في بطنها الى هذا الجهاز و تكتفي بذلك عن المتاعب، و الظاهر جواز ذلك.

كلمة التقوى، ج 4،

ص: 456

و يجوز في الحالات الأولى الضرورية أن يتولى الطبيب الحاذق عملية النقل المذكورة إذا لم توجد الطبيبة التي تقوم بذلك، و اما في الحالات الأخيرة غير الضرورية فلا يجوز ان يتولاها الرجل إلا إذا أمكن له القيام بالعمل من غير نظر و لا لمس لما يحرم، بل و كذا المرأة، فيتولاها الزوج إذا كان ممن يمكنه ذلك و لو بإرشاد الخبير، فإذا لم يستطع الزوج لم تجر العملية.

منع الحمل

اشارة

و قد يسميه بعض الناس تنظيم النسل، و هي رغبة شاعت في كثير من الأوساط، و تنوعت الوسائل لتحقيقها، و انقسم الناس في الدعوة إليها و التنديد بها، و اختلف الداعون إليها في أساليب الدعوة.

فالاقتصاد السليم في رأي فريق من الناس يدعو الى تنظيم الحمل، فإذا كثر النسل و تضخمت العائلة اضطرب الاقتصاد و لم تكف الموارد لسد الحاجة. و التوجه الصحيح للتربية الناجحة في رأي آخرين يدعو الي تنظيم الحمل، فإذا كثر الولد لم يستطع الأبوان أن يتوجها الى أبنائهما بالتوجه المثمر المجدي في تربيتهم و توجيههم.

و التوزع العاطفي في رأي جماعة يدعو الى تقليل الحمل فإذا كثرت الأطفال توزعت العاطفة، و لم يملك الأبوان و أفراد الأسرة أن ينظروا الجميع بمنظار واحد، فينشأ بسبب ذلك الاختلاف بين الأطفال و تنشأ الأحقاد و الأضغان.

و هكذا، فالخيال يمد و الدعوة تمتد. و شارك الطب و الصيدلة في الأمر فوضعا بين أيدي الناس أنواعا من

كلمة التقوى، ج 4، ص: 457

الحبوب، و أنواعا من المستحضرات و أنواعا من الوسائل لهذه الغاية.

و يرغب بعض الأزواج في منع زوجته الجديدة من الحمل، ليتمتع بجمالها و بشبابها مدة أطول، بعد أن نال قسطا من الذرية من زوجته الأولى، أما

أن تحرم هذه الجديدة- بسبب رغبته- من الذرية، فهذا ما لا يفكر به الزوج، أو لا يريد التفكير به، و ترغب بعض الزوجات الشابات أن تمنع نفسها من الحمل، للتفادي من آلام الحمل و الولادة و أتعابهما كما تسمع من صديقاتها و من بعض النساء المتقدمات في السن، ثم لا تلتفت و لا تأسف الا بعد فوات الأوان.

و اما التعلق بالاقتصاد فهو فكرة قديمة في الزمان، و قد تكرر في القرآن ذكر الذين يقتلون أولادهم خشية إملاق، و لقد كان الإنسان وحشيا و حيوانا حين ما قتل أولاده بالسيف أو الخنجر لهذه الغاية، و لكنه أصبح يعد لطيفا و حكيما حينما يقتلهم بالأقراص و الحبوب للغاية نفسها!! و حديث التربية يتعلق به المستسلمون، الذين يستكثرون بذل بعض الجهد في تربية أطفالهم، و الا فمن المعلوم أن التمرن في تربية الطفل بعد الطفل يسهل أمرها على المربي الناجح، و أما العاطفة فأمرها أوضح، فان العاطفة التي لا تضيق عن العديد من الأحباء و الأصدقاء و الأرحام و أطفالهم، لا يمكن أن تضيق عن أطفال المرء نفسه، إذا هو أحسن النظرة، و أحسن الاندفاع و التصرف مهما كثر عددهم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 458

و على أي حال فقد كانت هذه الرغبة الشائعة مثارا لسؤال كثير من الناس عن حكم الشريعة فيها و تبيين ما يجوز منها و ما يمنع.

المسألة 19:-
اشارة

لا يجوز للمرأة أن تتناول الأقراص و الحبوب المانعة للحمل، و لا استعمال غيرهما من الوسائل المانعة، بعد انعقاد النطفة في رحمها و حصول التلقيح و تحقق مبادئ نشوء الجنين، فان استعمال ذلك يوجب قتل الجنين و سقوطه، سواء رضي الزوج بذلك أم لا، و إذا تناولت شيئا

من ذلك فمات الجنين وجب عليها دفع الدية المقررة شرعا للجنين، نطفة أم علقة أم مضغة، أم غيرهما من أطوار نشوء الجنين، حسب ما فصل في كتاب الديات من فقه أهل البيت (ع).

تنبيه:-

المراد بموت الجنين هو انعدام طاقة النمو الطبيعي فيه، و ان كان ذلك قبل زمان و لوج الروح فيه، فإذا انعدمت الطاقة و وقف النمو فقد مات الجنين و وجبت الدية على قاتله، و ان تأخر سقوطه أو احتاج الى تدخل الطب في إخراجه.

المسألة 20:-

يشكل جواز استعمال الوسائل التي تمنع حمل المرأة مطلقا ما دامت في الحياة، من دون حاجة تضطرها الى ذلك، و مثال الحاجة الملزمة به: ما إذا أصابت المرأة قرحة أو علة احتاجت معها إلى إجراء عملية تستأصل فيها بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 459

أجزاء الجهاز أو تسد المجرى، و توجب لها العقم، أو احتاجت الى تناول أدوية فعالة تفسد المبيض أو تعطل نمو البويضات فيه ما دامت الحياة، أو نحو ذلك. و في غير هذه الحالات الضرورية فالأحوط لها أن لا تستعمل الحبوب و الوسائل التي تمنع حملها ما دامت في الحياة و ان رضي الزوج بذلك و رغب فيه.

المسألة 21:-

يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة للحمل مؤقتا عند طروء بعض الحالات الصحيحة التي تحتم عليها أن تؤخر فرصة إمكان الحمل، كما إذا عرض لها مرض أو ضعف يتضاعف أثره عليها مع وجود الحمل، فيجوز لها أن تتناول الحبوب، حتى تبرأ من المرض و تقوى من الضعف ثم تتركها.

المسألة 22:-

الظاهر أنه يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة من الحمل مؤقتا، اختيارا، و في الحالات العادية لها، تفاديا عن تتابع الحمل، أو لغير ذلك من الغايات، و الأحوط أن يكون ذلك برضى الزوج، و الأولى لها في هذه المسألة و في سابقتها أن تسترشد الطبيب الموثوق عما إذا كان استعمال الحبوب المانعة يسبب لها بعض الآثار غير المحمودة، و عن النوع الذي يرجح لها أن تستعمله و عن المدة التي ينبغي أن لا تزيد عليها، فيكون تناولها بإرشاده.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 460

المسألة 23:-
اشارة

يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته عند جماعها، حتى إذا كانت حرة و دائمة، إذا كان ذلك برضاها أو كان قد اشترط عليها في عقد التزويج بها أن يعزل عنها في الجماع، و يجوز له كذلك أن يعزل عنها إذا لم تأذن و لم يشترط عليها في عقد التزويج، و لكن العزل في هذه الحال يكون مكروها، و اما إذا كانت أمة أو كانت متمتعا بها فيجوز العزل عنها من غير كراهة.

و العزل عن المرأة هو أن يخرج ذكره منها في جماعها فيقذف ماءه في الخارج، و بحكم ذلك أن يستعمل الكيس الخاص الذي أعد حديثا لمثل هذه الغاية، فيلبسه الذكر قبل الجماع فإذا جامع كان إنزاله فيه، ثم يخرجه مع الذكر بعد الفراغ، و هو إحدى الوسائل القديمة لمنع الحمل و ان لم يكن مضمونا.

ملاحظة:-

ذكر بعض الأطباء أن للمرأة فرصة معينة، سماها الطبيب (فترة الأمان)، فإذا جامعها الزوج في هذه الفترة لم تحمل.

و خلاصة ما ذكره في بيان ذلك: أن الميعاد المحدد لنزول بويضة المرأة من مبيضها هو منتصف ما بين الحيضتين من الزمان، فإذا كانت المدة المعتادة للمرأة ما بين نهاية حيضها السابق و ابتداء حيضها اللاحق هي اثنان و عشرون يوما مثلا، فآخر اليوم الحادي عشر من هذه المدة هو الموعد المحدد لنزول البويضة، و الفترة التي تبقى فيها البويضة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 461

بحسب العادة سليمة صالحة للقاح هي ثلاثة أيام، فإذا لم تلقح في هذه الفرصة فسدت، و الفترة الممكنة لاخصاب المرأة و تعرضها للحمل هي هذه الأيام الثلاثة، و الأيام الثلاثة السابقة عليها، ذلك ان الحوين المنوي الذي يقذفه الرجل قد يبقى سليما صالحا للتلقيح ثلاثة أيام،

و هي أقصى مدة يعيش فيها الحوين، فإذا جامع الرجل زوجته في الأيام الثلاثة التي تعيشها البويضة أو الأيام الثلاثة التي تسبقها أمكن حصول التلقيح، و هذه هي (فترة الاخصاب) كما يقول.

و الأيام المتقدمة على ذلك، و الأيام المتأخرة عنه، لا يمكن أن يحصل فيها تلقيح، لفساد البويضة، أو لموت الحوين، و هي (فترة الأمان) كما يرى هذا الطبيب.

و هو رأي يعتمد على التخمين، فلا يكون من الوسائل المضمونة لمنع الحمل.

المسألة 24:-

يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب التي تؤخر نزول الحيض عليها عن عادتها المحددة لها، لتتم الصوم في شهر رمضان مثلا فلا تفتقر إلى الإفطار فيه، أو لتكمل عمرة التمتع و حج التمتع كما أمرت بهما، فلا ينقلب نسكها الى حج افراد، أو لغير ذلك من المقاصد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 462

التشريح

المسألة 25:-

يحرم تشريح بدن الميت المسلم و تقطيع أجزائه و إذا جرحه أحد أو شق بطنه أو قطع بعض أوصاله، أو قطع بعض أعضائه، أو بعض أجهزته، أو بعض عظامه، أو كسرها، وجبت عليه الدية المقدرة شرعا لذلك الشي ء و المذكورة في كتاب الديات، و بحكم الميت المسلم الطفل الميت المتولد من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم، و المجنون الميت الذي يكون أبواه مسلمين أو يكون أحدهما مسلما، و كذلك اللقيط الذي يوجد في دار الإسلام و لم يعرف نسبه، فلا يجوز تشريحه و لا قطع جزء منه.

المسألة 26:-

يستثنى من حرمة تشريح بدن الميت المسلم و من بحكمه، ما إذا توقفت على تشريحه حياة أحد مسلم، و مثال ذلك ما إذا ادعى بعض أولياء الميت أنه مقتول بالسم أو بنحوه من الأسباب التي تخفى على عامة الناس، و ارتقب أن تحدث من ذلك فتنة توجب اراقة دم و جعلت كلمة الفصل في ذلك للطبيب الموثوق، و توقفت معرفة سبب الموت على تشريح بدن الميت و لا طريق سوى ذلك، فيجوز للطبيب تشريح البدن ليعرف سبب الموت و يقول كلمته في الأمر.

المسألة 27:-

لا يسقط الحكم بحرمة تشريح الميت المسلم إذا أوصى هو قبل موته بأن يشرح بدنه بعد الموت، و لكن إذا شرحه أحد بعد الموت كما أوصى لم تجب عليه الدية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 463

المسألة 28:-

يجوز أن يشرح بدن الميت الكافر سواء كان كتابيا أم غيره من أصناف الكفار و بحكمه الطفل و المجنون إذا كان كلا أبويهما كافرين، و كذلك الحكم في الميت المشكوك في إسلامه و كفره، فيجوز تشريح بدنه.

المسألة 29:-

إذا توقف تعلم علم الطب على تشريح بدن الميت، و لم تكف عنه وسيلة أخرى و لم يوجد بدن ميت كافر أو مشكوك الإسلام و الكفر، و لم يمكن التعلم بالحضور عند من يشرح الميت و هو ينظر اليه، جاز حين ذاك تشريح بدن المسلم، و يجب أن يقتصر مع ذلك على مقدار الضرورة التي يقتضيها التعلم، و لا تسقط الدية بذلك عن المباشر للتشريح، و إذا كان الميت قد أوصى في حياته بتشريح جسده بعد موته فلا دية له.

المسألة 30:-

إذا توقف تعلم علم الطب على النظر الى العورات المحرمة أو لمسها كالفروع التي تختص بأمراض الاجهزة البولية أو الاجهزة التناسلية، أو التوليد، و لم تكف عن النظر، و اللمس وسيلة أخرى يضعها العلم بأيدي الطلاب.

لهذه الغاية كالأجهزه الصناعية، جاز حين ذلك النظر و اللمس للعورة المحرمة، كما يجوز للطبيب النظر و اللمس كذلك عند الفحص و العلاج للأمراض التي تتعلق بها و يجب أن يقتصر مع ذلك على مقدار الضرورة التي يقتضيها التعلم، أو يقتضيها الفحص و العلاج، و لا تجوز الزيادة على ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 464

الترقيع

اشارة

و يسمى كذلك عملية التجميل، و هو عملية جراحية يقوم بها جراح مختص، يعوض فيها عن جزء مفقود من بدن الإنسان الحي بجزء مماثل له من بدن انسان آخر، حي أو ميت، يضعه في موضع الجزء المفقود من بدن ذلك الإنسان ليقوم مقامه و يؤدى وظيفته العضوية.

و مثال ذلك: أن تقطع احدى شفتي الإنسان فتوضع مكانها شفة مماثلة من بدن انسان ميت، أو تقلع احدى عينيه، فتنقل اليه عين مماثلة من انسان آخر، أو تبتر إحدى كفيه أو إحدى قدميه، و يعوض عنها بكف أو قدم مماثلة.

المسألة 31:-

ذكرنا في المسألة الخامسة و العشرين: أنه يحرم قطع بعض أوصال الميت المسلم، أو بعض أعضائه، أو بعض أجهزته، أو بعض عظامه، و ذكرنا أنه تجب في قطع أي جزء من أجزائه الدية المقدرة لذلك الجزء شرعا.

و نتيجة مقطوعة لذلك، فلا يجوز أن يقطع شي ء من أجزائه ليرقع به بدن المسلم الحي، إلا إذا توقفت على ذلك حياة المسلم، فيجوز قطع العضو و الترقيع به حين ذاك، و يجب على من يباشر قطع العضو دفع ديته و إذا كان الميت قد أوصى بذلك في حياته لم تجب الدية في هذه الصورة.

المسألة 32:-

إذا ارتكب الإنسان هذا المحرم، فقطع الجزء الذي أراده من بدن الميت، أثم بذلك، و لزمته الدية كما ذكرنا، و جاز أن يرفع به بعد القطع بدن الحي، و إذا تم الترقيع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 465

به، و برء الجرح الذي تقتضيه العملية أصبح ذلك الجزء عضوا من بدن المسلم الحي و شملته جميع أحكامه فيكون طاهرا إذا خلا من النجاسات العرضية، و يجب غسله في الأغسال الواجبة، و يجب غسله أو مسحه في الوضوء الواجب إذا كان من أعضاء الوضوء.

المسألة 33:-

ذكرنا في المسألة السابعة و العشرين: أن حرمة تشريح الميت المسلم و حرمة قطع أعضائه و أوصاله لا تسقط بوصيته قبل أن يموت بأن يشرح بدنه أو تقطع أعضاؤه بعد موته، نعم تسقط ديته إذا كان قد أوصى بذلك، فلا دية على من قطع عضوه و ان كان آثما بذلك.

المسألة 34:-

يجوز قطع أي عضو يراد من بدن الميت الكافر أو مشكوك الإسلام و الكفر، و يجوز أن يرقع به بدن المسلم الحي، فإذا أجريت العملية و التأم الجرح، أصبح ذلك العضو جزءا من بدن المسلم الحي، و حكم بطهارته إذا خلا من نجاسة عرضية، و شملته أحكام المسلم الحي، فيجب غسله في الأغسال الواجبة، و يجب غسله أو مسحه في الوضوء الواجب إذا كان من أعضاء الوضوء التي تغسل أو تمسح، و يستحب غسله في الأغسال و الوضوءات المستحبة، و كذلك تجري عليه أحكام التيمم إذا كان من أعضائه. و يجوز أن يقطع العضو من بدن الطفل الميت إذا كان متولدا من كافرين، ليرقع به بدن طفل مسلم حي، و تجري عليه الأحكام المتقدمة بعد الترقيع و التئام الجرح.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 466

المسألة 35:-

لا يجوز قطع شي ء من الأعضاء المهمة من بدن إنسان حي ليرقع به بدن مسلم حي، و ان رضي الشخص المقطوع منه بذلك، أو عوض عنه بالمال، سواء كان مسلما أم كافرا، ذميا أو معاهدا. و يجوز أخذ أجزاء غير مهمة إذا رضي المأخوذ منه بقطعها من بدنه كقطعة من اللحم يرقع بها نقص في الشفة أو في موضع آخر، و إذا أريد تعويضه عنها بالمال فالأحوط أن يكون ذلك على وجه المصالحة.

المسألة 36:-

المراد بالأعضاء المهمة من بدن الإنسان هي ما يوجب فقدها نقصا ملحوظا في جسد ذلك الشخص كاليد و الرجل و العين، و القدم و الكف، فضلا عما إذا كان نقصها يوجب خطرا أو موتا محققا، فلا يجوز قطع شي ء من ذلك و ان رضى الشخص الذي يؤخذ منه، كما ذكرنا.

و الظاهر انه يجوز أخذ الكلية الواحدة من المسلم الحي لتوضع لمسلم آخر، إذا شهد الطب بأن نقص الكلية الواحدة منه لا يسبب خطرا عليه و لا يوجب نقصا ملحوظا في الوظيفة التي يقوم بها جهازه، و هي في الوقت ذاته تنقذ المسلم الآخر من خطر معلوم.

فيجوز للشخص ان يتبرع بها للآخر، إذا شهد له الطب بذلك، و إذا أريد التعويض عنها بالمال فالأحوط ان يكون على وجه المصالحة كما تقدم.

المسألة 37:-

الظاهر انه يجوز قطع الأعضاء حتى المهمة من الإنسان الحي إذا كان كافرا محاربا لترقيع بدن المسلم الحي بها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 467

فإذا رقع بدن المسلم بعضو منه، جرت فيه الأحكام السابقة في المسألة الرابعة و الثلاثين.

المسألة 38:-

يجوز أخذ الدم للمريض الذي يحتاج اليه من المسلم و غير المسلم إذا رضي المأخوذ منه بذلك، و تجوز المعاوضة عليه بالمال ببيع أو صلح أو غيرهما، و يحسن التبرع به للمحتاجين و المرضى ممن لا يضر بهم ذلك، و إذا أدخل في أورده المريض و جرى في بدنه عد من دمه و لحقه حكمه، و ان كان مأخوذا من كافر نجس العين.

الأوراق النقدية

اشارة

و هي عملة ورقية درجت على استعمالها عامة الدول في عامة البلاد، و استبدلت بها عن مسكوكات الذهب و الفضة، و مصدر مالية هذه الأوراق هو اعتبار الدولة التي تحكم البلد، أو البنك الذي تعتمده الدولة في هذا الأمر، أو الهيئة الخاصة التي تخولها الدولة ذلك، فتصبح الأوراق بسبب هذا الاعتبار نقدا رسميا للدولة تقوم به الأشياء، و تجري به المعاملات في بلاد تلك الدولة و قد تتعدى الى خارجها بمقدار ما للدولة من مكانة و نفوذ.

و للعملة غطاء تعتمد عليه الدولة في اعتبارها لأوراقها النقدية، و هذا الغطاء قد يكون ذهبا و فضة تملكهما الدولة و تدخره في خزائنها مسكوكين، أو غير مسكوكين، و قد يكون ذهبا تودعه في بنك عالمي مع دول أخرى تشترك معها في الإيداع في ذلك البنك، و قد يكون الغطاء من ثروات طبيعية تمتاز بها بلاد الدولة من نفط و كبريت و غيرهما من المعادن.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 468

المسألة 39:-

لا تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا ملك المكلف منها قيمة النصاب في الذهب أو الفضة أو أكثر، و حال عليها الحول و هي في ملكه و تصرفه، و هو واضح جدا في البلاد التي يكون غطاء العملة فيها من النفط و الكبريت و نحوهما من الثروات الطبيعية، فان الأوراق ليست في نفسها ذهبا و لا فضة، و لا عوضا عنهما.

و كذلك في البلاد التي يكون غطاء العملة فيها من الذهب و الفضة غير المسكوكين، فإن الزكاة انما تجب في الذهب و الفضة المسكوكين.

و كذلك الحكم في البلاد التي يكون رصيد العملة فيها من الذهب و الفضة المسكوكين، فان الورق النقدي في هذه البلاد و ان كان عوضا عن

الذهب و الفضة المسكوكين، الا أن الذهب و الفضة المذكورين ليسا في يد المكلف بحيث يتمكن من التصرف فيهما طول الحول، و هذا أحد شروط وجوب الزكاة، و لذلك فلا تجب على المكلف فيه الزكاة.

المسألة 40:-

ما ذكرناه في المسألة المتقدمة من عدم وجوب الزكاة في الأوراق النقدية إذا بلغ ما يملكه المكلف منها قيمة النصاب، لا يعني انه لا يكفي دفع الأوراق النقدية قيمة للزكاة التي تجب عليه في أحد النصب الزكوية الأخرى.

فإذا كان المكلف مالكا لنصاب زكوي من أحد الغلات أو الأنعام أو النقدين و وجبت عليه الزكاة فيه. و أراد ان يدفع قيمة الزكاة من الأوراق النقدية فإنه يصح له ذلك و يجزيه عن الواجب، و هذا واضح و نحن نذكره للتنبيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 469

المسألة 41:-

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 469

لا يجوز أن يقرض المكلف غيره عددا من الأوراق النقدية بشرط الزيادة، فيقرضه مائة دينار عراقي مثلا إلى مدة سنة بمائة و عشرين دينارا عراقيا، فان ذلك من الربا المحرم، و تحريم الربا في القرض لا يختص بالذهب و الفضة، و لا بالمكيل و الموزون، بل يشمل حتي المعدود، فلا يجوز أن يقرض الإنسان غيره عشرين بيضة من بيض الدجاج مثلا إلى مدة شهر باثنتين و عشرين بيضة منها، و لا يختلف هذا الحكم باختلاف رصيد العملة الورقية.

المسألة 42:-
اشارة

يجوز بيع عدد معين من الأوراق النقدية بأكثر منه من عملة واحدة، إذا كان الرصيد الذي اعتمدت عليه الدولة في إصدار تلك العملة من الثروة الطبيعية في بلادها كالنفط و شبهه، و مثال ذلك: أن يبيع الرجل على غيره خمسين دينارا عراقيا مثلا بأربعة و خمسين دينارا عراقيا، فيصح هذا البيع منه و لا يكون التفاضل بين العوضين من الربا الممنوع في المعاملة.

و ذلك لأن العملة نفسها ليست من المكيل و الموزون، و هي بهذا الاعتماد لا تكون عوضا عن أحدهما، و الربا الممنوع في المعاملة مشروط أولا: بأن يكون العوضان من جنس واحد، و ثانيا: بأن يكون الجنس من المكيل أو الموزون، و الشرط الثاني مفقود في المعاملة المذكورة، فلا مانع من البيع المتقدم ذكره.

و كذلك الحكم إذا كانت مالية العملة مستندة الى اعتبار الدولة و نفوذها فقط و لم يكن لها رصيد آخر، من ذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 470

و فضة أو من ثروة طبيعية، كالعملة الورقية التي تصدرها بعض

الدول أيام الحروب العامة، فيجري فيها الكلام المتقدم سواء بسواء.

تنبيه:-

قد تكون لدى المكلف أوراق نقدية من العملة المتقدم ذكرها في المسألة السابقة، و يكون له غرض خاص بإبدال هذه الأوراق بأكثر منها من العملة ذاتها إلى مدة معينة، و قد بينا في المسألتين المتقدمتين: ان ذلك لا يصح إذا أجريت المعاملة بنحو القرض، و يكون أخذ الزيادة فيها من الربا المحرم، و يجوز ذلك إذا أجريت المعاملة بنحو البيع، و يحل له أخذ الزيادة و لا يكون من الربا الممنوع، فلا بد للمتعاملين إذا أراد اجراء المعاملة بينهما ان يلتفتا الى ما يقصدان في إنشاء معاملتهما، فان قصدا بها البيع إلى أجل حل ذلك، و ان قصدا بها القرض إلى مدة لم يحل، كما يقول سبحانه وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، وَ حَرَّمَ الرِّبٰا.

المسألة 43:-

إذا كان للعملة رصيد من الذهب و الفضة مسكوكين أو غير مسكوكين، مخزونين عند الدولة أو في بنك عالمي معين، و قد اعتمدت الدولة عليهما و أصدرت أوراقها النقدية عوضا عنهما، سواء كانت الدولة أو المؤسسة المخولة من الدولة قد تعهدت لمن يملك هذه الأوراق بأن تعطيه العوض من الذهب و الفضة إذا شاء، أم لم تتعهد له بذلك، إذا كانت العملة كذلك أصبحت الورقة منها عوضا عن الذهب و الفضة، و المعاملة بها معاملة بالذهب و الفضة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 471

و نتيجة لذلك فلا يصح أن يباع عدد من هذه الأوراق بأكثر منه من هذه العملة نفسها، لأن الذهب و الفضة اللذين تحكي عنهما الورقة مما يكال و يوزن، سواء كانا مسكوكين أم غير مسكوكين فتكون الزيادة في الثمن من الربا الممنوع في المعاملة، فيبطل البيع.

و هذا كله على الأحوط في هذا الصنف من العملة الورقية، فان من المحتمل

القريب أن يكون الرصيد الذهبي و الفضى الذي اعتمدت عليه تلك الدولة و أصدرت بسببه أوراقها، انما هو اعتماد دولي خالص و ليس أعواضا للأوراق، و الورقة انما هي نقد رسمي أصدرته الدولة اعتمادا على ما لديها من رصيد مخزون، و ليست عوضا عن ذهب أو فضة فيكون سبيل هذه العملة سبيل العملة التي ذكرناها في المسألة السابقة. و يسند هذا الاحتمال و يقويه ما تذيعه الاذاعات العالمية عن أسعار الذهب صعودا و نزولا بالعملات المختلفة للدول الكبرى، و بعض العملات المحلية و لو كانت العملة الورقية عوضا عن مقدار معين من الذهب لما اختلف سعر الذهب فيها و لا في العملات المرتبطة بها و ان اختلفت قيمته في العملات الأخرى، و يسنده و يقويه كذلك ما تذيعه الاذاعات عن ارتفاع أسعار العملات و هبوطها بعضها عن بعض حتي مع وقوف الذهب على سعر واحد. و لكن هذا كله انما يسقط الاحتمال الأول في أكثر العملات العالمية الموجودة و لا يسقطه في جميعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 472

فلا يترك الاحتياط في العملة التي يظن أن الدولة قد أعدت الذهب و الفضة عوضا عن الأوراق و ليس مجرد اعتماد، و يصح البيع في ما عدا ذلك من العملات مع التفاضل.

المسألة 44:-

لا يشترط في صحة بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض أن يحصل التقابض، بين المتبايعين قبل أن يفترقا، فان ذلك انما هو شرط في صحة بيع الصرف، و هو بيع الذهب و الفضة بعضهما ببعض، سواء كانا مسكوكين أم غير مسكوكين، و ليس منه بيع الأوراق، و ان كانت نقودا، فلا يبطل البيع إذا افترق المتبايعان قبل التقابض، و لا يترك الاحتياط في العملة المذكورة في المسألة

المتقدمة.

المسألة 45:-

ربما تصدر بعض الحكومات عملة ورقية تنفق في بلادها و بعض البلاد الأخرى، و يكون رصيد هذه العملة مبالغ تملكها الحكومة من عملة ورقية لبعض الدول الكبرى، تودعها حكومة ذلك البلد في أحد البنوك العالمية، أو يكون الاعتماد على تعهد احدى الدول الكبرى بعملة تلك الحكومة، فتكون تلك المبالغ المودعة، أو المتعهد من الدولة الكبيرة هو الرصيد المعتمد لتلك العملة.

و لا تجب الزكاة في هذه العملة كما تقدم في نظائرها و يصح أن يباع عدد من هذه الأوراق بأكثر منه من هذه العملة و لا يلزم منه الربا، فهي ليست مما يكال أو يوزن و لا عوضا عن الذهب و الفضة، و ليس بيع بعضها ببعض من بيع الصرف، فلا يشترط فيه التقابض قبل أن يفترق المتبايعان.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 473

نعم يجري فيها ربا القرض، فلا يجوز أن يقرض الإنسان غيره عددا منها بشرط الزيادة كما تقدم في غيرها.

أحكام اللقطة

المسألة 46:-

إذا وجد الإنسان أوراقا نقدية في طريق أو في موضع عام، و لم يعرف مالكها و ليس عليها يد أمينه، فهي لقطة كسائر الأموال الضائعة التي يجدها كذلك، فتجري عليها أحكام اللقطة.

و ليست فاقدة للعلامات المائزة التي يمكن الملتقط أن يتعرف بسببها على المالك، فعدد الأوراق مثلا، و كونها من الفئة ذات الدينار الواحد أو النصف دينار، أو الخمسة دنانير أو العشرة أو الخمسة و العشرين دينارا، و كونها في حافظة نقود و صفتها كذا، أو في كيس لونه كذا، أو في خرقة أو منديل وصفهما كذا، كل هذه و أشباهها علامات يمكن الملتقط ان يتعرف بسببها على مالك الأوراق، فلا فرق من هذه الجهة بينها و بين غيرها من النقود و المسكوكة التي تضيع

من أصحابها و تجري عليها أحكام اللقطة.

المسألة 47:-

لا فرق بين لقطة الأوراق النقدية و غيرها في الأحكام، فإذا وجدها في الحرم المكي حرم عليه أخذها، و إذا أخذها كان آثما و ضامنا، إلا إذا كان أخذه إياها بقصد التعريف بها فلا يأثم و لا يضمن حين ذاك، و إذا أخذها كذلك وجب عليه أن يعرف بها سنة كاملة من يوم التقاطها، فإذا هو لم يعرف مالكها وجب عليه على الأحوط أن يتصدق بها عن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 474

مالكها، و الأحوط كذلك أن يكون تصدقه بها باذن الحاكم الشرعي، و لا يجوز. للملتقط أن يتملكها بعد انتهاء التعريف، إلا إذا كان فقيرا فيجوز له تملكها بنية الصدقة عن المالك بأذن الحاكم الشرعي كما ذكرنا.

و إذا وجد اللقطة في غير الحرم و كانت للقطة علامة مائزه يمكنه أن يتعرف بسببها على المالك وجب عليه أن يعرف بها مدة سنة كاملة من يوم الالتقاط، فإذا تمت السنة مع التعريف و لم يعرف مالكها تخير بين أن يتصدق بها عن المالك، و ان يبقيها في يده أمانة لمالكها يحفظها له كما يحفظ ماله.

و يجوز له أن يتملكها، فإذا عرف صاحبها بعد ذلك فعليه ضمانها له، فيردها عليه إذا كانت موجودة، و يرد عليه مثلها إذا كانت تالفة، و ليرجع الى كتاب اللقطة في بقية المسائل التي تتعلق بها.

المسألة 48:-

إذا كان الإنسان مدينا لأحد بمبلغ من الأوراق النقدية، ثم ألغت الدولة اعتبار تلك الأوراق، وجب عليه أن يدفع لدائنه قيمة ما عليه من الأوراق يوم التلف، و هو اليوم الذي ألغي فيه اعتبارها و قبل أن تسقط عن المالية، من غير فرق بين أن يكون الدين ثمنا لمبيع اشتراه منه في الذمة أو وفاء مال

استقرضه منه الي أجل أو بدل عين ضمنها له بالغصب أو بالإتلاف، أو بغير ذلك من أسباب شغل الذمة بالمال، و لا اعتبار بالقيمة التي قد تكون لها بعد ذلك عند بعض الناس الذين يقتنونها و يحتفظون بأمثالها لأنها آثار أو للتاريخ أو للفن.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 475

الشوارع التي تفتحها الدولة

المسألة 49:-

يجوز المرور في الشوارع و الأرصفة و الطرق التي تفتحها الدولة أو توسعها من أملاك الناس و دورهم و محلاتهم، سواء أ عوضت الدولة أهل الأملاك عما أخذته منهم بالمال أم أخذته منهم بغير تعويض، و سواء أ كانت المحلات و الدور مملوكة أم موقوفة، كالمساجد و الحسينيات و الموقوفات العامة أو الخاصة، فيجوز للناس المشي و الاجتياز فيها بعد أن تصبح شوارع و طرقا و أرصفة و لا فرق بين أن تكون أرض الشارع و الرصيف قد بلطت بالقير و الزفت و الاسمنت و نحوها أم لم تبلط.

المسألة 50:-

لا يجوز ابتياع ما يفضل عن الشارع من أرض الدور و المحلات المملوكة إلا برضى أصحابها التي كانت لهم، و إذا اشتريت أو بنيت محلات أو دكاكين أو غير ذلك بدون رضى أصحابها فهي مغصوبة.

المسألة 51:-

ما يفضل عن الشارع من أرض المسجد المهدوم لا يخرج عن كونه مسجدا و ان صغرت مساحته، و تجري عليه أحكام المسجد، فلا يجوز تنجيسه، و يجب تطهيره إذا تنجس، إلا إذا تعذر ذلك أو لزم منه الحرج، و يحرم مكث الجنب و الحائض و النفساء فيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 476

المسألة 52:-

ما يبقى من الحسينية المهدومة للشارع ان أمكن جعله حسينية صغيرة ينتفع بها على النحو الذي أراده الواقف في أصل الوقف، وجب جعله كذلك، و ان لم يمكن ذلك، بحيث زال عنه عنوان الحسينية، صح بيعه و المعاوضة عليه، و ان أمكن انتفاع الوقف به في جهة أخرى، و كذلك إذا طرأ على تلك الزيادة أحد المسوغات الأخرى لبيع الوقف، فيجوز بيعها.

و كذلك الحكم في الموقوفات الأخرى العامة أو الخاصة إذا أخذ منها للشارع، و بقيت منها فضلة، فإن أمكن الانتفاع بهذه البقية على النهج الذي عينه الواقف في أصل الوقف، تعين العمل بها كذلك، و ان لم يمكن ذلك، و علم من الشواهد و القرائن أن مقصود الواقف مطلق الانتفاع للجهة الموقوف عليها، صح أن تجعل هذه البقية دكاكين أو محلات، تؤجر و تصرف حاصلاتها على الجهة التي أرادها الواقف، و إذا طرأ أحد المسوغات لبيع الوقف صح بيعها و المعاوضة عليها، و يلاحظ لبيان ذلك ما ذكرناه في كتاب التجارة في مسوغات بيع الوقف.

المسألة 53:-

إذا جاز بيع ما يفضل من الحسينيات أو الموقوفات الأخرى التي تهدمها الدولة للشوارع، فالمتولي لبيعها هو الحاكم الشرعي أو وكيله، و إذا كان الوقف على أشخاص معينين كالوقف على الذرية، فالأحوط أن يرجع في بيعه الى كل من الحاكم الشرعي و الموقوف عليهم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 477

المسألة 54:-

إذا بيع الموقوف أو عوض عنه بمعاوضة أخرى غير البيع كالصلح و نحوه، فالأحوط أن يشتري بثمنه ملكا و يقفه على نهج الوقف الأول.

المسألة 55:-

يجوز المرور في الشارع الذي تتخذه الدولة أو توسعة من مقبرة المسلمين، سواء أ كانت المقبرة عامة في البلد أم خاصة بفرد أو أسره، و سواء أ كانت مملوكة سبلها مالكها ليدفن فيها المسلمون موتاهم، أم موقوفة عليهم لذلك، أم مباحة، و الأحوط ترك المرور و الاستطراق في الشارع حتى تسوى أرضه و تهدم الشواهد و العلامات و الأبنية التي تكون للقبور.

المسألة 56:-

إذا استملكت الدولة قسما من مقبرة المسلمين، فأخذت بعضه للشارع، و بقيت منه فضلة أرادت أن تجعلها دورا أو حوانيت و محلات، فان كان الموضع خاليا من القبور، و كانت المقبرة مباحة جاز للإنسان أن يتملك الموضوع و يجعله دارا أو محلا، و إذا كان الموضع محجرا لم يجز تملكه إلا بإذن صاحبه الذي حجره لنفسه، و إذا كان الموضع يحتوي على قبور و مدافن للموتى، لم يجز تملكه حتى تبلى أجساد الموتى المدفونة فيه و تتلاشى.

و إذا كانت المقبرة مملوكة، لم يجز لأحد تملك شي ء منها الا برضى مالكها، سواء كان الموضع الذي يريد تملكه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 478

خاليا من القبور أم لا، و إذا كان الموضع يحتوي على قبور و مدافن للموتى لم يجز تملكه و ان رضى مالكها الأول و إذا كانت المقبرة موقوفة و كانت الفضلة خالية من القبور جرى فيها حكم الزيادة من سائر الموقوفات، و قد تقدم بيانه في المسألة الثانية و الخمسين، و إذا كان الموضع يحتوي على قبور، لم يجز بيعه، و ان طرأ عليه بعض مسوغات بيع الوقف.

المسألة 57:-

لا يجوز أن يستولي الإنسان على شي ء من مقبرة المسلمين ليتخذ منه دارا أو محلا أو حانوتا، و يمنع المسلمين من الدفن فيها، و خصوصا إذا كان الموضع الذي يريد الاستيلاء عليه يحتوي على قبور للموتى، فإنها بعد أن جعلت مقبرة و اعتبرت كذلك يكون حق الدفن فيها عاما لمن يريد الدفن فيها من المسلمين، فلا يجوز منعهم من هذا الحق، بل تكون الأرض ذاتها متعلقا لحقهم، فيكون الاستيلاء عليها لغير الدفن غصبا محرما، و ان كان الموضع خاليا من القبور بالفعل، و إذا دفن أحد

فيه كان موضع جسد ذلك الميت المسلم ملكا له ما لم يبل جسده و يتلاش و يصبح معدوما، فلا يجوز تملك الموضع قبل ذلك فإنه اغتصاب محرم.

المسألة 58:-

إذا منعت الدولة من الدفن في المقبرة، أو ترك الدفن فيها لبعض الموانع الأخرى و كانت المقبرة مباحة، جاز الاستيلاء على المواضع الفارغة منها من القبور، و جاز

كلمة التقوى، ج 4، ص: 479

اتخاذها دورا و محلات للسكنى و الإجارة، و سقط حكم التحجير إذا كانت محجرة للدفن.

و إذا كانت مملوكة، فالأمر فيها لأربابها، و إذا كانت موقوفة جرى في المواضع الفارغة منها حكم الموقوفات المتقدم بيانه.

و أما مواضع القبور فلا يصح تملكها قبل أن تبلى الأجساد المدفونة فيها و تتلاشى، سواء كانت المقبرة مباحة أم مملوكة أم موقوفة.

اليانصيب

اشارة

و هو وسيلة تستخدمها بعض الشركات و المؤسسات لمساعدة مشاريع تقوم بها أو تتبناها، و هذه المشاريع قد تكون إنسانية أو خيرية، و قد لا تكون كذلك.

فتطبع الشركة أو المؤسسة باسمها و بشعارها الخاص بها أوراقا متسلسلة الأرقام تدعو فيها الى مساندة المشروع الذي تريد، و تجعل للورقة ثمنا خاصا من النقد، تبيع الورقة به، على من يريد الاشتراك في المساعدة، و تتعهد الشركة أو المؤسسة بأنها ستقرع بين المشتركين الذين يشترون هذه الأوراق و يدفعون أثمانها، فمن تعينه القرعة منهم، فإن الشركة تدفع له جائزة من المال، قدرها (كذا دينارا)، و قد تجعل الجوائز متعددة، فللفائز الأول جائزة أولى بمبلغ (كذا)، و للفائز الثاني جائزة ثانية بمبلغ (كذا)، و هكذا بحسب ما يقتضيه اهتمام الشركة بالمشروع، و سعة دائرة الاشتراك، و كثرة ثمن الورقة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 480

و قد تكون الجائزة جهازا معينا مثلا، أو سيارة من فئات خاصة أو غير ذلك من الأمور المرغوب فيها بين الناس.

و الشركة تعلن عن تعهدها بذلك في أوراق اليانصيب، و توزعها على من يريد الاشتراك في الصفقة،

فعلى الفرد منهم ان يدفع الثمن المعين للورقة، و على الشركة أو الموزع أن يدفع له الورقة ذات الرقم الخاص بها، و على المشترك أن يحتفظ بالورقة و بالرقم المعين فيها، لتكون سندا له إذا واتاه النصيب فعينته القرعة من بين ألوف المشتركين.

المسألة 59:-

السبيل لتصحيح هذه العملية أن يدفع المشترك القيمة المعينة لورقة اليانصيب، بقصد التبرع للمشروع، و خصوصا إذا كان إنسانيا أو خيريا، و لا يقصد به شراء الورقة لما سنذكره في المسألة الآتية، فإذا عينت القرعة اسمه بعد ذلك، و دفعت له الجائزة فإن كانت الشركة أهلية جاز له قبول الجائزة منها، فإن الشركة تدفع اليه ما لها برضاها، و لا مانع من قبوله، و ان كانت مؤسسة حكومية، كان المال المدفوع اليه من مجهول المالك فتتوقف إباحته له على استيذان الحاكم الشرعي أو وكيله.

المسألة 60:-

ليست ورقة اليانصيب عملة ورقية تعتبرها الدولة نقدا، أو شيئا تتوقف عليه مصلحة عامة ملحوظة للدولة و للناس على السواء كطوابع البريد و طوابع المال، فتكون من أجل ذلك لها قيمة مالية، و ليست لها في نفسها قيمة تذكر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 481

و لذلك فيكون شراء المشترك إياها بالثمن المحدد لها معاملة سفهية، و إذا هو اشتراها لاحتمال أن يفوز بسببها بالحصول على الجائزة التي تدفعها الشركة كانت المعاملة غررية، و قد تكون في بعض صورها ربوية و على أي الحالين فالمعاملة عليها باطلة لا تنفذ.

البنوك

اشارة

تنقسم البنوك المعروف وجودها في بلاد المسلمين الى عدة أصناف:

1- بنوك أهلية، و هي التي يقوم بإنشائها جماعة من أهل البلاد المسلمين، فيشترك كل واحد منهم بدفع سهم واحد أو أكثر من المال الذي أرادوا جمعه لتمويل البنك، حتى يجتمع من مجموع هذه السهام رأس المال المحدد، أو المفتوح لكل من يريد الاشتراك، و يؤسس منه البنك ليقوم بأعماله و حركته الاقتصادية كسائر البنوك، و قد يشترك معهم غير المسلم في المساهمة، و هذا لا يعني أن البنك أصبح لغير المسلمين بعد أن كان الأكثر منهم، فلا يختلف الحكم بذلك، و تقسم الأرباح بين المشتركين على نسبة ما يملكه المشترك من السهام في رأس المال.

و قد يتفق أن يكون البنك الأهلي كله لشخص واحد فيضع هو رأس ماله و يقوم بتأسيسه و تمويله و تكون له أرباحه.

2- بنوك حكومية، و هي التي تؤسسها الحكومات المسلمة في البلاد، فهي التي تضع رأس المال و تنشئ المؤسسة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 482

و تعين موظفيها و عمالها، و تشرف على حركتها، و تقوم باللوازم التي تحتاج إليها المؤسسة في نشاطها و

بقائها.

3- بنوك مشتركة بين الأهلين و الحكومة، فيسهم كل منهما بمقدار من رأس المال، و على ذلك يتم الإنشاء و تسير الأعمال و تقسم الأرباح.

4- و قد تفتح في البلاد فروع لبنوك مسلمة و لكنها أجنبية، فرأس مالها و مؤسسوها من بلاد مسلمة أخرى، و هي كذلك أهلية، و حكومية، و مشتركة، و لا يختلف حكم هذه عما تقدم، فللأهلية منها حكم البنوك الأهلية في البلاد، و للحكومية و المشتركة حكم نظيرها في البلاد، و كذلك إذا جرت المعاملة مع هذه البنوك في بلادها.

5- و قد تفتح في البلاد فروع لبنوك غير مسلمة، فتكون رؤوس أموالها لغير المسلمين حكومية أو أهلية أو مشتركة، و تقوم بأعمالها و حركتها الاقتصادية كسائر المؤسسات في البلد.

و الخط الذي تسير عليه هذه الأصناف كلها متحد في الغالب، و هو أخذ الفائدة من العميل حين يقترض من البنك مبلغا من المال، و دفع الفائدة إليه حين يقرض البنك و يودع ماله فيه، فيسأل الناس عن أخذ هذه الفوائد أو دفعها الى البنك، و هي من الربا المحرم في شريعة الإسلام، و يسألون عن اعمال يقوم بها البنك في حركته الاقتصادية لمساعدة عملائه و يأخذ منهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 483

بإزاء ذلك شيئا معينا من المال، و يسألون عن أمور تشابه ذلك في معاملة البنك مع الناس و معاملتهم معه.

6- و قد تفتح بنوك و مصارف إسلامية، و مثل هذه المؤسسات لا ينبغي السؤال عنها، فان هذه المؤسسات إذا كانت إسلامية كما تقول، فان معنى ذلك انها تسير على الخط الذي وضعته الشريعة الإسلامية للاقتصاد و العمل فيه، فهي لا تعترف بالربا المحرم و لا تتعامل به و لا تقترب

من الأموال المحرمة في الإسلام، و لا من الأعمال المحرمة فيه أبدا.

و إذا كان الأمر كما تقول، فلا إشكال في صحة التعامل معها.

مع البنك الأهلي
المسألة 61:-

لا يجوز الاقتراض من البنك بشرط الزيادة، لأن ذلك من الربا المحرم، و لا فرق في هذا الحكم بين البنك الأهلي و سائر البنوك و المؤسسات و المقرضين، و انما ذكرنا البنك الأهلي لأنه مورد حديثنا في المقام، و إذا كانت المعاملة مع البنك الأهلي أو ما يشبهه من المؤسسات و المتاجر الأهلية، و المقرضين فيمكن التخلص من الربا بأحد هذه الوجوه الآتي بيانها:- 1- أن تجري المعاملة بصورة البيع، فيشتري الشخص من البنك بضاعة لها قيمة معينة بأكثر من قيمتها بمقدار الفائدة التي يطلبها البنك، فيشتري منه سلعة قيمتها مائة دينار مثلا بمائة و عشرة دنانير إلى مدة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 484

سنة، فإذا قبض العميل السلعة من البنك و تملكها بالبيع باعها منه أو من غيره بمائة دينارا نقدا، فيكون قد قبض مائة دينار نقدا و اشتغلت ذمته للبنك بمائة و عشرة دنانير إلى سنة.

2- ان يشتري العميل من البنك سلعة قيمتها عشرون دينارا مثلا بثلاثين دينارا حالة أو مؤجلة، و يشترط على البنك في عقد البيع: ان يقرضه مائة دينار من غير فائدة إلى مدة سنة، فإذا تم البيع و أقرضه البنك مائة دينار وفاء بالشرط كان للبنك في ذمة العميل مائة دينار عوض القرض و حصل منه على الفائدة بالربح من قيمة المبيع.

3- ان يبيع العميل على البنك سلعة بأقل من قيمتها المعروفة لها بمقدار الفائدة و يشترط على البنك في عقد البيع ان يقرضه المبلغ المعين بينهما مثلا بمثل إلى مدة سنة فإذا تم البيع و

قبض البنك السلعة و تم القرض كما اشترط كان القرض قد تحقق من غير فائدة، و ملك البنك الفائدة بالربح من السلعة المبيعة.

4- أن يقرضه البنك المبلغ الذي أراده و لا يشترط عليه الزيادة، و يهب المقترض مقدار الفائدة للبنك هبة مستقلة لا دخل لها في القرض، فلا يكون ذلك من الربا و للعميل ان يهب مقدار الفائدة للبنك أو لا و يشترط عليه في عقد الهبة ان يقرضه المبلغ إلى المدة المعينة مثلا بمثل، فإذا أقرضه كما اشترط حصلت النتيجة المتقدمة من غير ربا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 485

5- إذا كان المبلغ الذي يريد الشخص أن يقترضه من البنك من الأوراق النقدية و كان من الصنف الذي تعتمد الدولة في إصداره و اعتباره على الثروة الطبيعية في بلادها، فيصح للبنك ان يبيع على الشخص المقدار الذي أراده بمثله مع الزيادة. فيبيع عليه مائة دينار معينة مما يملكه البنك بمائة و عشرة دنانير تبقى في ذمته إلى مدة سنة، فتصح المعاملة بيعا لا قرضا و لا يكون ذلك من الربا المحرم في المعاملة لأن الثمن و المثمن ليسا من المكيل و الموزون، و قد بينا هذا في مبحث الأوراق النقدية في المسألة الثانية و الأربعين.

المسألة 62:-

الوديعة هي المال الذي يتركه الإنسان عند غيره لينوب عنه في حفظه من التلف و السرقة و غيرهما، و عقد الوديعة هو الإيجاب و القبول الذي يستنيب به الرجل صاحبه في حفظ وديعته، فيقبل صاحبه منه هذه الاستنابة و هذا الايتمان.

فالوديعة في حقيقتها أمانة بيد المؤتمن يجب عليه حفظها، و لا يجوز له التصرف فيها و لا التفريط فيها و في حفظها، و يكون صدور ذلك منه موجبا لضمانها

إذا تلفت أو سرقت أو تعيبت، و هي بغير تعدّ و لا تفريط لا تكون مضمونة على الأمين، فإذا تلفت عنده أو سرقت لم يجب عليه دفع بدلها، و إذا تعيبت لم يجب عليه دفع أرشها.

و إذا تصرف المستودع فيها، فباع و اشترى و ربح لم يصح ذلك إلا بإجازة المالك و اذنه، و إذا أجاز، فالأرباح كلها لمالك الوديعة، و لا يستحق المستودع منها شيئا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 486

هذه هي الوديعة، و تفصيل هذا المجمل من أحكامها يراجع في كتاب الوديعة و كتاب البيع من الفقه الإسلامي، و هذه الاحكام و اللوازم لا تتفق مطلقا مع الوديعة المعروفة في البنوك، فإن الوديعة في نظام البنوك- بعد ان يتم إيداع المبلغ من العميل- تكون ملكا للبنك الذي أودعت فيه، يعمل فيها ما يشاء و تكون أرباحها له، و لا يستحق المودع منها شيئا، غير الفائدة التي يدفعها له البنك، سواء كان الإيداع ثابتا أم متحركا.

و يراد بالإيداع الثابت أن تكون للوديعة مدة معينة بين العميل و البنك، فلا يلزم البنك بوضعها تحت طلب صاحبها قبل أن تنتهي المدة المعينة، و لا يحق لصاحب الوديعة أن يطلبها من البنك أو يطلب شيئا منها قبل انتهاء المدة، و الإيداع المتحرك أن يكون البنك ملزما بوضع المبلغ تحت طلب المودع فيدفع له منه ما أراد متى أراد.

و معنى ما تقدم أن صاحب الوديعة قد ملك البنك المبلغ الذي أودعه إياه، فيكون للبنك حق التصرف فيه و تكون الأرباح له، و ان على البنك ان يدفع عوض المبلغ للمالك بعد انتهاء المدة أو عند الطلب، و اذن فهو إقراض للبنك و ان سمي في نظام البنوك ايداعا، و

الفائدة التي يدفعها البنك لصاحب المال انما هي فائدة للقرض.

المسألة 63:-
اشارة

لا يجوز للشخص أن يقرض البنك بشرط الزيادة، و قد تقدم في المسألة السابقة أن الإيداع في البنك إنما يعني إقراضه، فإذا كان الإيداع بشرط الزيادة كان محرما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 487

سواء كان شرط الزيادة صريحا أم ضمنيا، بأن يكون ذلك معلوما لكل من الطرفين و قد تبانيا في عقد القرض بينهما عليه، و ان لم يذكراه صريحا، فتكون الزيادة المشترطة ربا محرما.

و يمكن لهما التخلص من الوقوع في الربا بأحد الوجوه التي تقدم بيانها في المسألة الحادية و الستين.

و لا يحرم إقراض البنك و الإيداع فيه إذا لم تشترط فيه الزيادة، أما بأن يصرح المقرض و المودع لصاحب البنك أو وكيله المفوض بأنه لا يريد الفائدة، و أما بان يبني في نفسه على عدم الزيادة، و انه يرد الفائدة الى صاحب البنك أو وكيله إذا دفعت اليه.

تنبيه:-

إذا أراد العميل أن يجري أحد الوجوه المتقدمة للتخلص من الربا في اقتراضه من البنك أو في إقراضه أو إيداعه، فلا بد و ان يجري المعاملة مع صاحب البنك أو مع وكيله المفوض، و لا يكفي أن يجريها مع أحد الكتاب أو الموظفين في البنك إذا لم يكن مفوضا من المالك.

و قد ذكرنا في ما تقدم ان البنوك الاجنية إذا كان مؤسسوها و مالكوا رأس مالها من الاهالي المسلمين فلها حكم البنوك الأهلية المسلمة في البلاد فتجري فيها الأحكام السابقة في القرض و الإقراض و الإيداع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 488

البنك الحكومي
المسألة 64:-

لا يجوز الاقتراض من البنك الحكومى بشرط الزيادة، لأنه من الربا المحرم، كما تقدم في البنك الأهلي، و لا تجري الوجوه التي ذكرناها للتخلص من الربا مع البنك الأهلي، و يجوز للشخص أن يأخذ المبلغ الذي يدفعه له البنك فيباح له التصرف فيه باذن الحاكم الشرعي أو وكيله المأذون من باب المال المجهول مالكه. فإذا انتهت المدة المضروبة و طالبه البنك بتسديد العوض دفع اليه المبلغ مع الزيادة القانونية، إذ لا يمكنه التخلف عن ذلك قانونا.

المسألة 65:-

لا يجوز إقراض البنك أو الإيداع فيه بشرط الزيادة فهو من الربا المحرم، و له أن يودع المال فيه و لا يشترط الزيادة بان يبني في نفسه على عدم الزيادة، و إذا دفع البنك المبلغ اليه مع الفائدة عند المطالبة بالوديعة أو بمال القرض جاز له أن يأخذهما منه باذن الحاكم الشرعي كما تقدم في المسألة السابقة.

و كذلك الحكم مع البنك الحكومي لبلد مسلم آخر فتجري فيه أحكام المسألتين.

المسألة 66:-

تجري الأحكام المتقدمة في المسألتين السابقتين في البنك المشترك بين الحكومة و الأفراد في كل من الاقتراض و الإقراض و الإيداع، فيراعى تطبيقها على النهج المتقدم بيانه، و كذلك البنوك المشتركة بين الحكومة و الافراد المسلمين من بلاد أخرى.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 489

بنوك غير المسلمين
المسألة 67:-

لا يجوز للمسلم أن يقترض من بنوك الكفار بشرط الزيادة، فإن حرمة الربا تشمل المعاملة التي تقع بين المسلم و الكافر، إذا كان الدافع للفائدة هو المسلم. و إذا كان البنك الذي يراد الاقتراض منه أهليا، فيمكن للمسلم ان يتخلص من الوقوع في الربا معه بأحد الوجوه التي تقدم بيانها في المسألة الحادية و الستين.

المسألة 68:-

يجوز للمسلم أن يأخذ المبلغ الذي يدفعه له البنك الحكومي أو البنك المشترك من بنوك الكفار لا بعنوان الاقتراض، و لا يحتاج في إباحة التصرف فيه الى اذن الحاكم الشرعي، و إذا انتهت المدة التي عينها البنك و طالبه بالعوض و الفائدة و لم يمكنه الا التسديد جاز له ان يدفعهما للبنك.

المسألة 69:-

يجوز للمسلم أن يقرض بنوك الكفار و أن يودع ماله فيها بشرط الفائدة، و يجوز له أخذ الفائدة منها، فإنه لا ربا بين المسلم و الكافر إذا كان المسلم هو الذي يأخذ الفائدة سواء كان البنك أهليا أم حكوميا أم مشتركا.

المسألة 70:-

يجوز للمسلم أخذ الفائدة من الكافر، سواء كان الربا في معاملة أم في قرض إذا كان الكافر غير ذمي، و الأحوط لزوما عدم جواز المعاملة الربوية و القرض الربوي بين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 490

المسلم و الذمي، و لكن إذا جرى ذلك بينهما، جاز للمسلم أن يأخذ الفائدة إذا كان دين الذمي يبيح ذلك، لقاعدة الإلزام.

التوفير
المسألة 71:-

التوفير هو أن يودع الشخص ماله في البنك أو في مؤسسة أخرى بشرط الفائدة و بقصد توفير المال و حصول الربح عليه، فهو نوع من الإيداع و قد تقدم بيان حكمه.

فإذا كان البنك الذي يريد الشخص اجراء المعاملة معه أهليا مسلما لم يجز ذلك، إلا إذا أجريت المعاملة معه على أحد الوجوه التي تقدم بيانها للتخلص من الربا.

و إذا كان حكوميا أو مشتركا بين الحكومة و الأفراد المسلمين، لم يجز ذلك و لكن إذا حصل الإيداع، و دفع البنك اليه الفائدة، فله أن يأخذها بإذن الحاكم الشرعي من باب المال المجهول مالكه.

و إذا كان من بنوك غير المسلمين جاز للمسلم الإيداع فيه بقصد التوفير و جاز له أخذ الفائدة من البنك، و هكذا حكم التوفير في المؤسسات الأخرى التي قد تتبنى هذا المشروع، فالمؤسسة الأهلية إذا كان مالكها مسلما، لها حكم البنك الأهلي، و المؤسسة الحكومية لها حكم البنك الحكومي، و المؤسسة التي يكون مالكها كافرا أو تكون لحكومة كافرة يكون لها حكم بنك غير المسلمين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 491

السحب على المكشوف
المسألة 72:-

الحساب الجاري في نظام البنوك هو أن يحق للشخص أن يسحب من البنك أي مبلغ يريد، و هذا الحق ثابت لكل شخص يملك رصيدا في البنك، بشرط ان لا يزيد المبلغ الذي يريد سحبه على الرصيد الذي يملكه في البنك، و بشرط أن لا يكون إيداعه ثابتا فان هذا لا يحق سحبه من البنك قبل أن تنتهي المدة المعينة في إيداعه و قد يكتسب بعض الأفراد ثقة خاصة عند البنك، فيسمح له أن يسحب مبلغا يزيد على رصيده المودع له في البنك، أو يسحب مبلغا أو مبالغ معينة، و لا رصيد له في البنك،

و يسمي هذا: (السحب على المكشوف)، و لكنه يحتسب على الشخص فوائد علي المبلغ أو المبالغ التي يسحبها من غير رصيد.

و لا شك في ان هذه الفوائد التي يحتسبها عليه من الربا في القرض و هو محرم في الإسلام و يمكن التخلص من ذلك إذا أجريت المعاملة على احد الوجوه التي ذكرناها للتخلص من الربا، و هذا إذا كان البنك للاهالي المسلمين، و إذا كان حكوميا أو مشتركا روعي ما ذكرناه في المسألة الرابعة و الستين.

التحويل
المسألة 73:-

قد يكون للشخص رصيد مالي في بنك البلد، و يحتاج الي مبلغ من المال يستلمه هو أو وكيله في بلد آخر، فيعطيه البنك صكا يحوله به أو يحول وكيله على بنك البلد الآخر، ليدفع له المبلغ الذي يريد، و يأخذ من الشخص مقدارا معينا من المال، و يصح ذلك بأحد وجوه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 492

1- أن يحول البنك عميله على البنك الآخر بالمبلغ المعين وفاء لدين العميل الثابت على البنك، و يأخذ البنك الزيادة منه: لأنه قام له بخدمة تستحق المكافاة، فتكون الزيادة أجرة له على العمل، أو جعالة له من العميل، و لأنه قام بتسديد الدين في بلد آخر كما طلب العميل منه، و كان من حقه أن لا يجيبه الى ذلك، و لا سيما إذا كان التسديد من عملة أخرى.

2- أن يبيع البنك المبلغ المعين- إذا كان من الأوراق النقدية- على العميل، بمقداره من العملة مع الزيادة التي يطلبها البنك، و يحوله على بنك البلد الآخر ليقبض منه المبيع، و يتقاضى البنك الثمن من رصيد العميل الموجود في البنك.

3- أن يحضر البنك المبلغ المطلوب من الأوراق النقدية، و يضيف إليه الزيادة التي يطلبها البنك، و

يدفع جميع ذلك للعميل وفاء لبعض دينه على البنك، فإذا قبضه العميل و تملكه من البنك، باع الجميع على البنك بمقدار المبلغ بدون زيادة، بشرط ان يحوله بالثمن على البنك الآخر فتصح المعاملة و التحويل و يملك البنك الزيادة المذكورة، و لا فرق في هذه الصورة و سابقتها بين أن يكون المبلغ المحول به من العملة نفسها أو من عملة و رقية أخرى.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 493

المسألة 74:-

قد يطلب الشخص من البنك أن يدفع له قرضا بمبلغ معين في بلد آخر، و يجيبه البنك الى ذلك، فيحوله بالمبلغ الذي يطلبه على بنك ذلك البلد الآخر، و يأخذ منه زيادة معينة بإزاء هذه الخدمة التي يقوم بها، فتكون الزيادة أجرة له على العمل و يصح أن يجعلها الشخص جعالة له على ذلك و لا سيما إذا كان المبلغ المحول به من عملة أجنبية عن عملة بلد البنك المحيل.

و يمكن أن تجري المعاملة بينهما بنحو البيع، فيحضر البنك المبلغ الذي أراده العميل و تضاف إليه الزيادة التي يريدها البنك و يقرض جميع ذلك للعميل فإذا قبضه العميل و تملكه باعه على البنك بمقدار المبلغ بدون الزيادة و اشترط عليه أن يحوله بالثمن على البنك الآخر، فيتم القرض و يصح البيع و التحويل و يملك البنك الزيادة.

المسألة 75:-

قد يدفع الشخص الى البنك مبلغا من المال، و يطلب منه تحويله بهذا المبلغ على بنك في بلد آخر، فيقوم البنك له بهذه الخدمة، فيحوله بالمبلغ على البنك الذي أراد، و يأخذ منه مقدارا من المال، فيصح هذا التحويل، و يستحق البنك هذه الزيادة لقيامه بهذه الخدمة، أما بأن يعتبرها الشخص أجرة له على عمله أو جعالة، و لا سيما إذا كان التحويل بعملة أجنبية غير العملة التي دفعها للبنك.

1- و يمكن أن تجري المعاملة بنحو البيع، فيضيف الشخص الزيادة التي يطلبها البنك الى المبلغ الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 494

بيده، و يبيع المجموع على البنك بمقدار المبلغ بدون الزيادة، بشرط أن يحوله البنك بالثمن على بنك البلد الآخر.

2- و يصح للشخص أن يدفع المبلغ الذي بيده الى البنك بعنوان القرض، فيحوله على البنك الآخر بالمبلغ وفاء

بدينه، و يأخذ البنك الزيادة من الشخص، و لا يكون ذلك من الربا المحرم في القرض، فان المحرم في القرض هي الزيادة التي تؤخذ فيه لمصلحة الدائن، و الزيادة هاهنا إنما يأخذها البنك و هو المدين، فلا يشملها التحريم.

المسألة 76:-

قد يعلم البنك أن لهذا الشخص رصيدا ماليا في بنك آخر، و ليس لذلك البنك فرع أو معاملة في هذا البلد فيقرض البنك ذلك الشخص مبلغا من المال، و يحوله الشخص بالمبلغ على البنك الآخر الذي أودعه ماله، فيصح هذا القرض و هذا التحويل و يجوز للبنك أن يأخذ من الشخص زيادة معينة أجرة أو جعالة لقيامة بهذه الخدمة، و لانه قبل من الشخص أن يقوم بتسديد الدين في بلد آخر.

المسألة 77:-

صك البنك يعني ورقه خاصة يحول فيها العميل حامل الصك (زيدا بن عمرو) على البنك بالمبلغ المذكور في الصك، و هو يأمر فيه البنك بأن يدفع المبلغ المعين لحامل الصك، و يجريه من رصيده الموجود في البنك، و قد يكون الصك تحويلا للشخص من البنك على بنك آخر في البلد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 495

أو في الخارج.

و قد لا يتمكن الشخص الذي سجل باسمه التحويل من استلام المبلغ بنفسه من البنك المعين، فيرجع في ذلك الى تاجر، أو الى مصرف أو بنك آخر، و يوقع له في ظهر الصك، و يدفع له البنك أو المصرف أو التاجر ذلك المبلغ المعين، و يقبض منه الصك ليستلم ما فيه من البنك الذي عليه التحويل، عوضا عما دفعه لحامل الصك و يتقاضى بإزاء ذلك مقدارا معينا من المال من ذلك الشخص.

و تصح المعاملة بأن يحضر البنك الذي تجري معه المعاملة مبلغا من المال يساوي المبلغ المحول به في الصك، و يبيعه على حامل الصك بمقداره مع الزيادة التي يطلبها منه، فإذا تم البيع و قبض الشخص جميع المبيع، دفع الشخص الى البنك مقدار الزيادة و هو بعض الثمن، و دفع اليه الصك بعد ان يوقع في

ظهره، و وكله في ان يستلم بالنيابة عنه ما في الصك من البنك المحول عليه، ثم يقبضه لنفسه بقية للثمن في المعاملة.

و يمكن للبنك أن يدفع له ما يساوي المبلغ المذكور في الصك قرضا بدون زيادة و يدفع الشخص اليه الصك و يوكله في أن يقبض بالنيابة عنه ما في الصك من البنك المحول عليه، ثم يقبضه لنفسه وفاء للقرض، و يهبه الشخص مقدار الفائدة هبة مستقلة لا دخل لها في عقد القرض كما ذكرنا في المسألة الحادية و الستين.

و يمكن ان تجري كذلك بعض الوجوه المذكورة هناك لتصحيح المعاملة بصورة القرض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 496

المسألة 78:-

قد يكون الإنسان مدينا لأحد البنوك في خارج البلاد أو لإحدى الشركات هناك بمبلغ من المال، فيدفع الى بنك بلده ما يساوي ذلك المبلغ من نقد بلده و يطلب منه ان يحيل دائنه بالمبلغ المذكور على فرعه الموجود في بلاد الدائن أو على وكيله هناك، فيكتب له صكا بتحويل الدائن بالمبلغ كما أراد.

فيكون العميل قد حول دائنه على بنك بلده بالمبلغ المعين، ثم يكون البنك قد حول هذا الدائن على فرعه في تلك البلاد أو على وكيله هناك بالمبلغ أو بما يعادله من عملة بلاد الدائن. و لا ريب في صحة المعاملة، و يجوز للبنك المحيل أن يأخذ من العميل شيئا من المال بإزاء ذلك. فان من حق البنك أن يمتنع من تسديد دينه في بلد أخر و بغير تلك العملة و يضاف الى ذلك أن الفائدة المعينة إنما يأخذها البنك و هو المدين فلا يشملها دليل تحريم الربا، فإنه الفائدة التي تكون للدائن كما ذكرنا سابقا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 497

تحصيل الصكوك و الأوراق التجارية
المسألة 79:-

قد يستلم الإنسان صكا من بعض معامليه أو من بعض المصارف يحوله فيه على أحد البنوك بمبلغ معين من المال في بلده أو في الخارج، و لا يرغب ذلك الإنسان ان يحصل ما في الصك بنفسه، فيدفع الصك الى البنك الذي يتعامل معه، ليقوم بتحصيل المبلغ، فيتصل البنك بالبنك المحول عليه و يذكر له الصك، و رقمه و تاريخه و مصدر التحويل، و حامل الصك و المبلغ المحول به، و غير ذلك، حتى يحصل المبلغ لعميله، و يدونه في حسابه أو يدفعه اليه نقدا، و يتقاضى على ذلك عمولة معينة.

و لا ريب في صحة هذه المعاملة، فإن حامل الصك حين دفع الصك الى

البنك يكون قد وكله على تحصيل ما فيه و إيصاله اليه، و يكون قد استأجره على ان يقوم له بهذا العمل، فيكون المبلغ الذي يأخذه البنك منه أجرة مثلية له على العمل، أو يكون دافع الصك قد جعل ذلك المبلغ جعالة له على هذه الخدمة.

المسألة 80:-
اشارة

قد تكون للإنسان ديون مالية على بعض الناس، ولديه أوراق تجارية (كمبيالات) تثبت هذه الديون عليهم و تعين مقاديرها و مواعيد استحقاقها، فإذا قرب ميعاد استحقاق الدين في بعض الأوراق، دفع الورقة:

(الكمبيالة) الى البنك ليقوم له بتحصيلها.

فيرسل البنك الى الشخص المدين إخطارا قبل حلول الموعد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 498

يذكر له فيه المبلغ و الدائن و تأريخ الورقة و تاريخ استحقاقها، و ان الدائن قد دفع الورقة الى البنك ليقوم بتحصيلها، ليكون على علم من جميع ذلك، فإذا حل موعد الاستحقاق طالبه بالمبلغ، فإذا حصل منه المبلغ أدرجه في حساب الدائن إذا رغب في ذلك أو دفعه اليه نقدا، و أخذ من الدائن عمولة معينة على عمله.

و لا ريب في صحة المعاملة، فإن الدائن حين قدم الورقة الى البنك يكون قد وكله على مطالبة المدين و قبض المبلغ منه و إيصاله اليه و قد استأجره على ذلك أو جعل له جعالة عليه، فتكون العمولة التي يأخذها البنك اجرة مثلية له على الوجه الأول، و جعالة على الوجه الثاني.

ملاحظة:-

إنما يحكم بصحة العملية المذكورة من البنك، و جواز أخذه الأجرة أو الجعالة عليها: إذا طالب البنك بالدين وحده و حصله للدائن، و لا تصح العملية إذا هو طالب بالمبلغ و بفوائده الربوية.

المسألة 81:-

تتضمن (الكمبيالة) بحسب المعتاد اعتراف المدين للدائن بالمبلغ المعين فيها، و انه ملزم بوفائه بعد المدة المعينة، و قد تتضمن بالإضافة الى ذلك، ان للبنك عند حلول موعد الاستحقاق أن يقتطع المبلغ المذكور من حسابه الجاري في البنك، و يدفعه للدائن نقدا أو يدخله في حسابه الجاري في البنك.

و معنى هذا التخويل للبنك: أن المدين قد حول دائنه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 499

على البنك بالمبلغ ليدفعه له من رصيده المالي الموجود فيه، فيلزم على البنك في هذه الصورة ان يقوم بذلك، و لا يجوز له ان يأخذ بذلك عمولة من الدائن، لان البنك انما يسدد بذلك دينه.

و كذلك إذا حول المدين دائنه على البنك بصك غير الكمبيالة أو بلسانه إذا اعتمد البنك على ذلك. و انما تصح المعاملة على الوجه المتقدم في المسألة السابقة إذا لم يكن للمدين رصيد مالي في البنك أو لم يحول دائنه على البنك بالمبلغ و ان كان يملك فيه رصيدا.

بيع الأسهم و السندات
المسألة 82:-

قد تحتاج شركة مساهمة الى بيع بعض سهامها، كما إذا استقال أحد الأعضاء منها، و كما إذا كان بعض الأعضاء يملك في الشركة أكثر من سهم واحد، و احتاج الى بيع بعض سهامه، و قد تحتاج الشركة إلى بيع بعض السندات، كما إذا كانت لها أوراق تجارية تثبت لها ديونا مؤجلة على بعض المتعاملين معها، و احتاجت الى نقد حاضر.

قد تحتاج الشركة الى ذلك، فتوسط البنك في بيع هذه الأشياء، فيعلن البنك ذلك لعملائه، و يتولى البيع عن الشركة، و يأخذ منها عمولة يتفقان عليها.

و تصح المعاملة اما بأن تهب الشركة للبنك مقدار العمولة المتفق عليها، و تشترط عليه في عقد الهبة أن يبيع لها الأسهم و السندات المعينة،

و اما بان تستأجره على بيع الأسهم و السندات، و تدفع له مقدار العمولة المعينة بدلا عن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 500

الإيجار، و اما بان تدفع له مقدار العمولة جعالة له إذا قام بالبيع، و انما يستحق البنك المبلغ المحدد منها، هبة أو اجرة أو جعالة إذا حصل منه البيع بالفعل، و لا يستحق ذلك بمجرد التصدي و الإعلان.

المسألة 83:-

انما تصح المعاملة بأحد الوجوه المتقدم بيانها، إذا لم تكن المعاملات التي تقوم بها الشركة، و الحصص التي تسهم فيها، و السندات التي تثبت ديونها تعتمد على الربا المحرم في الإسلام، و إذا كانت كذلك فلا يجوز بيعها و لا شراؤها، و لا تصح معاملة البنك مع الشركة على ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 501

بيع العملة الأجنبية و شراؤها
المسألة 84:-

ذكرنا في المسألة الثانية و الأربعين و ما بعدها أنه يجوز بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض مع التفاضل في العدد و ان كانت من عملة واحدة، و لا يلزم من ذلك الربا المحرم في المعاملة، لأن ذلك مشروط بأمرين: ان يكون المثمن و الثمن من جنس واحد، و أن يكون الجنس من المكيل أو الموزون و العملة الورقية ليس مما يكال أو يوزن، و يجوز كذلك مع اختلاف العملة، كالدينار العراقي بالدينار الكويتي أو الدولار الأمريكي و غيرهما، فيصح للبنك أو الصراف أن يبيع عشرة دنانير عراقية بأحد عشر دينارا عراقيا إلى مدة شهر مثلا، و يصح ان يبيع عشرين دينارا كويتيا بخمسة و عشرين دينارا بحرانيا، و هكذا.

نعم، الأحوط أن يجتنب بيع العملة التي يكون رصيدها ذهبا أو فضة، و يظن أن الدولة جعلت الذهب و الفضة أعواضا للأوراق النقدية و ليس مجرد اعتماد، فلا يباع عدد من أوراق هذه العملة بأكثر منه أو أقل من العملة نفسها، و لا يبدل عدد من هذه العملة بعدد من عملة اخرى، تماثلها في الشرط المذكور مع التفاضل بين العوضين.

و أما بيع هذه العملة بغير ذلك فيجوز مطلقا.

المسألة 85:-

المسكوكات الفضية أو النحاسية أو النيكلية و شبهها، انما يتعامل أهل العرف العام فيها بالعد لا بالوزن، و لا يلتفتون الى الوزن ابدا بل يجهل أكثرهم مقادير وزنها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 502

و هي كذلك في مختلف البلدان و مختلف الدول، فهي عندهم من المعدود لا من الموزون، و ان كانت موادها مما يوزن و لذلك فالأصح انه لا تجري على هذه المسكوكات أحكام الربا في المعاملة حين ما تصرف إلى أبعاضها أو تباع بسكة أخرى من جنسها

و ان تفاضلت في الوزن، فالروبية حين ما تصرف بنصفي روبية فالمعاملة صحيحة و ان كانت الروبية تنقص عن النصفين في الوزن أو تزيد عليهما، و كذلك إذا صرف الريال الفضى بنصفي ريال، أو صرفت الروبية بالريال فيصح الصرف لأن الجميع من المعدود و ان تفاضلت في الوزن.

و بهذا تختلف هذه المسكوكات عن المسكوكات الذهبية، فإن عامة أهل العرف ينظرون في التعامل بها الى مقادير ما فيها من الذهب و خصوصا عند ما تباع بسكة ذهبية أخرى، فهي عندهم من الموزون فلا يجوز بيعها بجنسها مع التفاضل في الوزن بين العوضين كما هو الحكم في سائر الموزونات و المكيلات.

و إذا كان العوضان من الفضة أو من الذهب فلا تصح المعاملة حتى يحصل التقابض بين المتعاقدين قبل ان يتفرقا، فان ذلك شرط في صحة بيع الصرف.

خصم الكمبيالة

الكمبيالات انما هي أوراق تجارية تثبت ان المبلغ المذكور فيها دين لحامل الكمبيالة على موقعها، و ليست في نفسها ورقة نقدية ذات قيمة تباع بها و تشترى، و من أجل ذلك فلا تبرأ ذمة المدين بمجرد التوقيع في الكمبيالة و تسليمها إلى الدائن، و ان تلفت الورقة في يده أو سرقت،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 503

و لا تبرأ ذمته إذا دفع للدائن كمبيالة تتضمن دينا للمدين على شخص آخر و لا تبرأ ذمة المدين كذلك إذا أعاد الدائن اليه الورقة الموقعة باسمه لبعض الأغراض ما لم يكن المدين قد أدى اليه الدين الذي تحتويه، أو أبرأ الدائن ذمته منه، أو حوله المدين بالمبلغ على غيره حوالة صحيحة نافذة. و لا تبرأ ذمة المدين كذلك إذا دفع الى الدائن مبلغا من المال يساوي مبلغ الدين، حتى يفهمه- و لو بالقرائن- انه

وفاء للدين، بل يكون المبلغ المدفوع امانة في يد الدائن، و تبقى ذمة المدين مشغولة بمبلغ الدين، و هذا كله واضح لا ينبغي الإشكال فيه.

و خصم الكمبيالة الذي نتحدث عنه هنا و نتعرض لحكمه، هو ما يدور بين حاملي الكمبيالات و البنوك أو المصارف أو الناس الآخرين، من تنزيل الكمبيالة عند البنك أو المصرف مثلا بأقل من المبلغ المذكور فيها، قبل حلول الموعد المعين، فإذا دفع البنك ذلك الى حامل الكمبيالة حولت الكمبيالة باسم البنك و أصبح هو الدائن، فيتسلم المبلغ تاما من المدين بعد حلول الموعد.

و الكمبيالات التي تتعارف بين الناس و يتداولون التنزيل فيها، على نوعين:

1- كمبيالات تدل على دين حقيقي ثابت لحامل الورقة على موقعها.

2- و كمبيالات مجاملة تدل على معاملة صورية لا واقع لها، و لا دائن في الحقيقة و لا مدين، و انما كتبت لتنزل و تقضى بها حاجات مؤقته بين حامل الورقة و المدين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 504

الصوري و الطرف الثالث الذي يقضي حاجتهما و يستفيد من التنزيل.

المسألة 86:-

يجوز خصم الكمبيالة التي تحتوي على دين حقيقي ثابت لحامل الورقة في ذمة المدين (الموقع في الورقة)، إذا أجريت المعاملة بصورة البيع.

و الصورة هي أن يبيع الدائن على البنك أو على التاجر المبلغ الذي يملكه في ذمة المدين قبل أن يحل موعد استحقاق المطالبة به بثمن أقل منه نقدا، فإذا كان مبلغ الدين الذي تحتوي عليه الورقة مائة دينار مثلا، و هو مؤجل إلى سنة من تأريخها، فيجوز للدائن ان يبيع هذا المبلغ على البنك مثلا بخمسة و تسعين دينارا يدفعها البنك إلى الدائن نقدا، فإذا جرى البيع بينهما كذلك كان المشتري و هو البنك مالكا للمبلغ المذكور في

الورقة و هو المائة دينار بالثمن الذي نقده للدائن و هو الخمسة و التسعون دينارا، فإذا حل موعد الاستحقاق أخذ المبلغ تاما من المدين.

و صحة هذه المعاملة تتوقف على أمرين تجب مراعاتهما:

الأول: ان يكون المبلغ الذي تحتوي عليه الورقة من الأوراق النقدية، فان المبلغ إذا كان من الذهب مثلا، كان من الموزون، فلا يصح بيعه إذا كان الثمن من جنسه مع التفاضل بين العوضين لأنه ربا.

و إذا كان المبلغ من الفضة المسكوكة كانت المعاملة من الصرف، فلا تصح مع كون الثمن مؤجلا، فإن بيع الصرف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 505

يشترط في صحته التقابض قبل التفرق، فيبطل بدون ذلك.

و الشرط الثاني: ان يكون الثمن الذي يدفعه البنك إلى الدائن نقدا، فإنه إذا كان مؤجلا و كان المثمن مؤجلا كذلك بحسب الفرض بطل البيع، لأنه من بيع الدين بالدين.

المسألة 87:-

لا يجوز خصم الكمبيالة إذا أجريت المعاملة بين الدائن و الطرف الثالث بصورة القرض، فإذا كان للرجل دين على رجل آخر بمائة دينار إلى مدة ستة أشهر، بموجب كمبيالة تثبت له ذلك، فلا يجوز للدائن أن يستقرض من البنك أو من التاجر خمسة و تسعين دينارا معجلة، و يحوله على المدين، ليستوفي منه المبلغ المذكور في الكمبيالة و هو المائة دينار عند حلول موعد الاستحقاق فان ذلك من الربا المحرم.

المسألة 88:-

قد أوضحنا أن كمبيالات المجاملة لا تدل على دين حقيقي ثابت في ذمة موقع الكمبيالة لحاملها، و انما تحكي عن دين صوري، و قد كتبت كذلك لتنزل و تقضى بالمبلغ الذي يحصل من هذا التنزيل بعض الحاجات المؤقتة.

و خصم هذه الكمبيالة يمكن حصوله بأحد وجهين، و كلاهما بصورة البيع:

الأول: أن تجري المعاملة بين البنك و حامل الكمبيالة:

(الدائن الصوري)، فيبيع البنك عليه خمسة و تسعين دينارا يدفعها اليه نقدا، بمائة دينار مؤجلة إلى مدة ستة أشهر (المدة المعينة) في الكمبيالة، فإذا تم هذا البيع كانت الخمسة و التسعون دينارا ملكا (للدائن الصوري)

كلمة التقوى، ج 4، ص: 506

و ملك البنك في ذمته مائة دينار، و دفع الى البنك الكمبيالة ليستلم بموجبها المبلغ من (المدين الصوري) عند حلول موعد الاستحقاق، و كان ذلك حوالة من الدائن على المدين (الصوريين)، و يكون توقيع المدين، الموجود في الكمبيالة قبولا منه لهذه الحوالة.

و إذا أراد الدائن أن يملك المدين المبلغ الذي اشتراه من البنك، باعه الخمسة و التسعين دينارا، بمائة دينار تبقى في ذمته دينار الى موعد الاستحقاق، فيملك بذلك المبلغ الذي اشتراه، و يصبح مدينا حقيقيا بالمائة دينار بعد أن كان مدينا صوريا، و عليه أن يسلمها للبنك في موعد

الاستحقاق بمقتضى التحويل.

و يجوز للدائن أن يدفع إليه الخمسة و التسعين دينارا بنحو القرض فيكون مدينا له بهذا المبلغ وحده و لا يجوز أن يأخذ منه الزيادة لأنها من الربا، فإذا حل موعد الاستحقاق و طلب البنك دينه أخذ من المدين خمسة و تسعين دينارا، و وجب على الدائن أن يدفع الزيادة منه فيتم المبلغ مائة دينار و يدفع وفاء لمدين البنك.

المسألة 89:-

الوجه الثاني لخصم هذه الكمبيالة أن تجري المعاملة بين البنك و المدين، فيبيع عليه البنك خمسة و تسعين دينارا معجلة بمائة دينار مؤجلة إلى موعد الاستحقاق في الكمبيالة كما تقدم مع الدائن، و للدائن أن يتولى أجراء المعاملة مع البنك بالوكالة من المدين، و يتم الخصم على نهج ما سبق.

و إذا أراد المدين بعد ذلك أن يملك الدائن المبلغ، باعه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 507

الخمسة و التسعين دينارا التي انتقلت اليه بالشراء من البنك، بمائة دينار مؤجله في ذمة الدائن الى الموعد المعين، فيملك الدائن المبيع و يكون مدينا بمائة دينار، و يجري فيه القول المتقدم في المسألة السابعة و الثمانين.

و إذا دفع إليه الخمسة و التسعين دينارا بنحو القرض كان الحكم فيه على نهج ما سبق أيضا في المسألة المتقدمة.

المسألة 90:-

لا يجوز خصم هذه الكمبيالة إذا أجرى بنحو القرض من البنك سواء أجري ذلك مع الدائن أم مع المدين، بأن يقرض البنك أحدهما خمسة و تسعين دينارا، و يأخذ منه الكمبيالة محولة باسم البنك ليستوفي بموجبها مائة دينار عند موعد الاستحقاق، فان ذلك من الربا في القرض.

المسألة 91:-

قد يكون للرجل دين حاضر على شخص آخر، فيطلب المدين من الدائن أن يؤخره إلى أجل، و يدفع له بإزاء ذلك زيادة في المبلغ، أو يطلب الدائن ذلك من المدين، رغبة منه في الزيادة، و مثال ذلك أن يكون الدين مائة دينار حاضرة، فيطلب المدين أو الدائن: أن يؤجل الدين إلى ستة أشهر و يكون الدين مائة و عشرة دنانير، و الحكم هو عدم الجواز في كلتا الصورتين.

و قد يكون الدين مائة دينار مثلا، مؤجلة إلى شهر، فيطلب المدين من الدائن أن يزيده في الأجل و يزيده هو في المقدار، فيكون الدين مائة و عشرة دنانير مثلا إلى ستة أشهر، أو يطلب الدائن ذلك من المدين رغبة في الزيادة، و الحكم أيضا هو عدم جواز ذلك في كلتا الصورتين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 508

و قد يكون الدين مائة دينار مثلا مؤجلة إلى شهر، فيطلب المدين من الدائن أن يؤجله في ثمانين دينارا من الدين إلى ستة أشهر و يعجل له هو بإزاء ذلك عشرين دينارا من الدين، أو يطلب الدائن ذلك من المدين لحاجته الى النقد الحاضر، و الحكم هو عدم جواز ذلك في كلتا الصورتين أيضا.

المسألة 92:-

قد يكون للرجل دين مؤجل على شخص إلى مدة شهر أو أكثر، و يطلب الدائن من المدين أن يعجل له وفاء الدين، و يسقط هو للمدين بإزاء ذلك مقدارا من الدين بصلح أو إبراء، أو يطلب المدين ذلك من الدائن، و الحكم هو جواز ذلك في كلتا الصورتين.

و قد يكون الدين مؤجلا، و هو من الأوراق النقدية أو شبهها مما لا يكال و لا يوزن، فيطلب الدائن من المدين أن يبيع عليه الدين بأقل منه حاضرا، فيبيعه المائة

دينار المؤجلة بثمانين دينارا حاضرة، أو يطلب المدين ذلك من الدائن، و الحكم جواز ذلك في كلتا الصورتين.

المسألة 93:-

إذا كان للرجل دين من الأوراق النقدية في ذمة رجل آخر، فيجوز لهما إذا اتفقا، أن يحولا المبلغ الذي في ذمة المدين الى عملة و رقية أخرى، و أن لم يتقابضا، فإذا قال الدائن للمدين حول ما أملكه في ذمتك من ألف دينار كويتي إلى ألف و خمسمائة دينار عراقي، و قبل المدين ذلك صح و تحول الدين من عملة الى عملة حسب ما اتفقا عليه من المبلغ.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 509

كفالة البنك
اشارة

قد يتعهد أحد لجهة معينة، حكومية أو أهلية أن يقوم لها بإنشاء مشروع معين، كبناء مدرسة أو مستشفى، أو دار حضانة، أو غير ذلك، و توضع له المواصفات بين الطرفين، و التصاميم الهندسية، و تعين لإنشائه مقادير المال، و الاقساط التي تستوفى بها المبالغ، و الآجال التي تدفع بها الأقساط و المدة التي ينجز بها المشروع، و غير ذلك من الملابسات، و يتم التعهد و الالتزام بين المتعاقدين.

و تشترط الجهة على المتعهد (المقاول) في عقد المعاملة:

أن يقدم لها ضمانا ماليا، يعوضها عما أصابها من خسائر، إذا اتفق أن المتعهد (المقاول) نكل فلم يقم بما تعهد به، أو انسحب قبل أن يتم المشروع، أو كان ما صدر منه مخالفا لما اتفقا عليه في العقد بينهما، و تطلب منه كفيلا معتمدا يكفله بذلك.

و المتعارف في ذلك ان يرجع المتعهد الى البنك ليكفله بذلك للجهة المتعهد لها، فإذا كان المتعهد (المقاول) موثوقا عند البنك أصدر البنك كتابا إلى الجهة يتعهد فيه بأنه كفيل للمتعهد و ضامن للمبلغ الذي تطلبه الجهة منه إذا هو لم يقم بانجاز المشروع حسب ما اتفق عليه الطرفان.

و من المتعارف كذلك ان البنك يأخذ من المتعهد مبلغا معينا من المال بإزاء

كفالته و تزويده بهذا المستند.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 510

المسألة 94:-

تصح هذه المعاملة بين الطرفين إذا أجريت بينهما بنحو عقد الإجارة أو الصلح، و ذكرت في العقد البنود التي يتفقان عليها بينهما، و ذكرت فيه الشروط التي تشترطها الجهة على المتعهد، أو يشترطها المتعهد (المقاول) على الجهة، و يجب على كل واحد منهما الوفاء بالعقد و بما التزم به لصاحبه من شرط و ضمان. و يجب على المتعهد (المقاول) أن يتولى إنشاء المشروع اما بالمباشرة بنفسه، أو بتهيئة العمال الذين يباشرون العمل حسب ما يتفق عليه الطرفان.

و يجب عليه كذلك أن يقدم الضمانات التي اشترطتها عليه الجهة المتعهد لها، و الكفالة التي طلبتها، و يجب على الجهة المتعهد لها أن تفي له بكل ما التزمت به في العقد من بنود، و دفع مبالغ، و أقساط، و مواعيد و التزامات.

المسألة 95:-

تصح كفالة البنك أو المصرف أو التاجر للمتعهد (المقاول) في ضماناته و التزاماته للجهة المتعهد لها حسب ما يتفق عليه الكفيل و المكفول، و ترضى به الجهة المكفول لها، و تتأدى هذه الكفالة بالإيجاب من الكفيل و القبول من الجهة المتعهد لها و لو بالكتابة، ثم تزويد المكفول بمستند الكفالة الذي يصدره البنك الكفيل و تعتمد عليه الجهة المكفول لها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 511

المسألة 96:-

يجوز للبنك أو الصراف أو التاجر إذا قام بكفالة المتعهد (المقاول) عند الجهة المتعهد لها: أن يأخذ من المتعهد المبلغ الذي اتفقا عليه من المال عوضا عما قام به من كفالة، أما بأن يجعله الطرفان أجرة للكفيل على العمل، و اما بأن يكون جعالة له على قيامه به.

المسألة 97:-

إذا لم يقم المتعهد بانجاز المشروع للجهة المتعهد لها حسب ما اتفقا عليه في المعاملة بينهما وجب عليه أن يدفع المبلغ الذي اشترط عليه في العقد، و إذا هو لم يف به رجعت الجهة المتعهد لها الى البنك (الكفيل) فأخذت منه ذلك وفاء بكفالته و ضمانه، فإذا دفعه البنك (الكفيل) إلى الجهة المتعهد لها رجع به الكفيل الى المتعهد (المقاول) فأخذه منه، فان تعهد البنك و كفالته انما كانا بطلبه فعليه ضمان المبلغ.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 512

فتح الاعتماد
اشارة

من المعروف أن الحكومات لا تسمح لأحد باستيراد أي بضاعة من الخارج الى البلاد، و لا لتصديرها من البلاد الى الخارج الا بتوسط البنك، و سبب ذلك ان الحكومات- محافظة على اقتصاد البلاد- لا تسمح بتحويل المال الى الخارج إلا بإذنها و تحت أشرافها، و من البيّن ان الاستيراد لا يكون الا بتحويل الثمن إلى الجهة المصدرة و كذلك التصدير، فان المصدر لا يمكنه ان يستلم ثمن البضاعة من التاجر الذي يشتريها الا من طريق البنك.

و لذلك فلا بد لأي تاجر أو جهة تريد استيراد بضاعة من أن تطلب من البنك أن يفتح لها اعتمادا مستنديا لذلك، و كذلك الشركة أو التاجر الذي يريد التصدير.

فالتاجر الذي يريد استيراد البضاعة، عليه أن يتفق أولا مع الشركة المصدرة لتلك البضاعة أو وكيلها، فيعينان نوع البضاعة التي يطلبها التاجر، و أوصافها، و الشروط التي يشترطها التاجر أو تشترطها الشركة، و المقادير المطلوبة، و الأسعار المحددة، فإذا تم الاتفاق بينهما و تبادلا إرسال القوائم: رجع التاجر المستورد الى البنك، فأطلعه على الاتفاق و طلب منه فتح الاعتماد، و دفع اليه بعضا من ثمن البضاعة، فيبتدئ بعد ذلك دور البنك في العمل

فيتصل بالشركة المصدرة، و يدفع لها ثمن البضاعة كاملا، و تسجل البضاعة باسم البنك و تشحن و يتم تصديرها و التأمين عليها و إرسالها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 513

فإذا وصلت البضاعة المرسلة، و علم البنك بوصولها أعلم التاجر المستورد بذلك، فإذا حضر هو أو وكيله سلم اليه البنك مستندات البضاعة، و دفع الى البنك ما بقي عليه من الثمن، و هو القسم الذي دفعه البنك من ماله إلى الشركة، ثم حول البنك البضاعة من اسمه الى اسم التاجر، و أخذ منه مبلغا معينا بإزاء خدماته و أعماله التي قام بها للمستورد، و أخذ منه فائدة لبقية الثمن التي دفعها البنك من ماله إلى الشركة، من يوم تسليمه المبلغ إلى الشركة إلى يوم قبضه من التاجر.

المسألة 98:-

يصح أن تجرى هذه المعاملة بين التاجر المستورد و البنك، بنحو عقد الإجارة فيستأجر التاجر البنك ليقوم له بالأعمال المتقدم ذكرها حتى تصل إليه البضاعة و تسجل باسمه و يجعل المبلغ المعين الذي يطلبه البنك أجرة له على ذلك.

و أما الفائدة التي يأخذها البنك لبقية الثمن التي دفعها من ماله للشركة، فالظاهر أنها ليست من الربا المحرم فيجوز للتاجر دفعها و يحل للبنك أخذها، فإن البنك لا يقرض المال المذكور للتاجر المستورد و انما يدفعه إلى الشركة من ماله بأمر التاجر حين طلب منه فتح الاعتماد، فيجب على التاجر ان يدفع للبنك عوض ذلك المال، لانه السبب في نقله الى ملك الشركة، فإذا طلب البنك على هذا المال فائدة فهي ليست فائدة على قرض فلا تكون محرمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 514

المسألة 99:-

و يصح أن تجري المعاملة المذكورة بين التاجر المستورد و البنك بنحو عقد الجعالة، فيجعل التاجر المبلغ المعين الذي يطلبه البنك منه جعالة للبنك إذا قام له بالعمل حتى أتمه و أكمل الاستيراد، و قد تقدم حكم الفائدة.

المسألة 100:-

و يصح أن تجري المعاملة بينهما بصورة عقد البيع، فيحضر البنك المقدار الذي يحتاج إليه في ثمن البضاعة من عملة بلد التصدير، فيبيع ذلك على التاجر المستورد بما يعادله من عملة بلد الاستيراد و يضيف اليه المبلغ الذي يطلبه البنك من المستورد بإزاء أعماله و خدماته، و يضيف اليه كذلك الفائدة التي يطلبها لبقية الثمن التي تبقى في ذمة المستورد الى وقت التسليم، فيكون جميع ذلك ثمنا للمبيع، فإذا تم البيع كذلك، و أصبحت العملة المبيعة ملكا للمستورد أخذها البنك ليدفعها إلى الشركة المصدرة ثمنا للبضاعة و ملك البنك في ذمة المستورد جميع ثمن هذا المبيع، و ملك في ضمنه المبلغ الذي يطلبه من المستورد و ملك معه الفائدة فإنهما جزء من ثمن هذه الصفقة، و على المستورد أن يدفع ذلك كله للبنك عند وصول البضاعة و تسجيلها باسمه.

المسألة 101:-

لا تصح هذه المعاملة إذا أجريت بين البنك و المستورد بنحو القرض، و صورة ذلك أن يقرض البنك التاجر المستورد بقية الثمن بشرط الفائدة ثم يقبضه هو بالوكالة عنه ليدفعه إلى الشركة ثمنا للبضاعة حين تصديرها، فان ذلك يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 515

من الربا المحرم، و لذلك فلا تصح المعاملة و لا يجوز للبنك أخذ العمولة عليها.

المسألة 102:-

الاعتماد في التصدير كالاعتماد في الاستيراد، فكلاهما توسيط للبنك في إتمام العملية، فيتعهد البنك بموجب الاعتماد بقبض البضاعة و إيصالها و تأدية ثمنها و ما يرتبط بذلك و ما يتوقف عليه من أعمال، فيصح بأحد الوجوه المتقدم ذكرها و تلحقه أحكامها.

المسألة 103:-

قد لا يكون للشركة أو الجهة المصدرة وكيل أو فرع في بلد الاستيراد، ليتفق معه المستورد على البضاعة التي يريدها، فيطلب المصدر أو المستورد وساطة البنك، فيرسل المصدر الى بنك ذلك البلد قوائم البضاعة الموجودة لديه و المشتملة على أوصافها و كمياتها و أسعارها، و يطلب منه عرضها على المستورين هناك، فإذا عرضها البنك و قبلها المستورد تفاهم مع المصدر بالمخابرة أو المراسلة أو بواسطة البنك، فإذا حصل الاتفاق بينهما فتح الاعتماد.

و لا ريب في أن البنك يستحق على المصدر بعمله هذا عمولة معينة غير ما يستحقه بفتح الاعتماد.

و كذلك الشأن في المستورد فإنه قد يرسل الى البنك قوائم البضاعة التي يرغب فيها و يذكر أوصافها و كمياتها و يطلب منه أن يعرضها على الشركة المصدرة، فإذا عرضها البنك و رغب المصدر اتصل بالمستورد و بدأ التفاهم بينهما، و استحق البنك بذلك من المستورد العمولة المعينة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 516

المسألة 104:-

إذا وصلت البضاعة الى الميناء و أعلم البنك بذلك، أخبر المستورد بوصولها، ليحضر هو أو وكيله فيسلمه البنك مستندات البضاعة، و يدفع هو للبنك بقية الثمن و تسجل البضاعة باسمه و يسلمها له و يعين لذلك موعدا، فإذا لم يحضر المستورد في الموعد أو وكيله و لم يتسلم البضاعة قام البنك بخزن البضاعة و حفظها على حساب المستورد الى أن يستلمها، و عليه أن يدفع الى البنك أجرة معينة لقيامه بذلك، و ليس له الامتناع من ذلك، فإنه أحد شروط البنك على المستورد في فتح الاعتماد، و كذلك الحكم على الجهة المصدرة إذا اتفق لها نظير ذلك فخزن البنك البضائع على حسابها، فعليها أن تدفع له الأجرة لقيامه بخزن البضائع و حفظها وفاء بالشرط.

المسألة 105:-

إذا تخلف مالك البضاعة: (المستورد أو المصدر) عن استلامها و دفع المبالغ المستحقة للبنك عليه، فان البنك يحدد له موعدا، و ينذره بأنه إذا لم يتسلم البضاعة في الموعد المعين، و لم يدفع للبنك ديونه المستحقة عليه، فان البنك يتولى بيع البضاعة و يستوفي ديونه من أثمانها.

و الظاهر جواز ذلك للبنك، فإنه أحد الشروط التي يأخذها البنك على التاجر في العقد الصادر بينهما في فتح الاعتماد، فيكون البنك وكيلا عنه بموجب هذا الشرط في بيع البضاعة و قبض ثمنها و يصح هذا البيع و يملكها المشتري.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 517

المسألة 106:-

ما ذكرنا من أحكام المعاملة مع البنك إنما تجري في البنوك الأهلية، و اما البنوك الحكومية و المشتركة، فتتوقف صحة المعاملة على اجازة الحاكم الشرعي كما ذكرناه سابقا في المسألة الرابعة و الستين و ما بعدها.

المسألة 107:-

قد يعزم الإنسان على السفر الى بلد معين أو الى عدة بلاد، و هو يحتاج في سفره الى مقادير من المال، و يخشى على المال إذا صحبه معه من التلف أو الضياع، فيرجع في ذلك الى البنك و يدفع له مبلغا من المال، فيزوده بكتاب الى بنك معين أو الى بنوك عالمية أن يسددوا له حاجته من المال، بمقادير لا تتجاوز حدا يعينه لهم في الكتاب، و يسمى هذا الكتاب في عرف البنوك خطاب الاعتماد، و يأخذ البنك من ذلك الشخص عمولة معينة بإزاء تزويده بهذا الخطاب.

و الظاهر صحة هذه المعاملة، فإن الشخص قد أقرض البنك بحسب المفروض قرضا لا زيادة عليه، و العمولة التي تؤخذ منه انما هي فائدة ترجع الى البنك و هو المدين، فلا يشملها دليل التحريم كما سبق بيانه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 518

العمل في البنك
المسألة 108:-

لا يجوز للإنسان الدخول في العمل للبنك إذا كان العمل هو اجراء المعاملات الربوية، أو ضبطها و تدوينها، أو التسهيل لها، أو كان من الأعمال المحرمة الأخرى، كشراء البضائع المحرمة و بيعها، و غير ذلك مما هو محرم في شريعة الإسلام، و لا يجوز له أخذ الأجرة على هذه الاعمال.

و يجوز له الدخول في أعمال البنك غير المحرمة، كما يجوز له أخذ الأجرة عليها، فإذا كان من البنوك الأهلية أو بنوك غير المسلمين أخذ الأجرة من البنك، و إذا كان من البنوك الحكومية أو المشتركة احتاج في قبض الأجرة منه و في صحة التصرف فيها إلى اذن الحاكم الشرعي.

المسألة 109:-

لا يجوز للإنسان الدخول في العمل إذا كان بعضه مباحا و بعضه محرما، و كان البعض المحرم جزءا ملحوظا من وظيفته التي يستحق بها الأجرة من البنك، و إذا لم يكن العمل المحرم جزءا ملحوظا في الوظيفة لم يحرم عليه الدخول فيها، و حرم عليه ذلك العمل نفسه.

المسألة 110:-

إذا كان عمله في المعاملات الربوية و كانت مهمته هي توجيه هذه المعاملات و إجراؤها على الوجوه الصحيحة في الإسلام، بحيث لا يجري مع العميل معاملة محرمة، لم يكن في دخوله بأس، بل كان مثابا و مأجورا على ذلك ان شاء اللّٰه تعالي.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 519

الصلاة في الطائرة

المسألة 111:-

تصح الصلاة في الطائرة إذا تمكن المكلف فيها من تعيين القبلة، و استطاع أن يأتي بالصلاة تامة بواجباتها و شرائطها، و تجزيه، فلا تجب عليه إعادتها إذا نزل من الطائرة و ان كان الوقت باقيا.

و إذا لم يستطع الإتيان بالصلاة التامة، و كان في سعة من الوقت بحيث يمكنه أن يأتي بالصلاة التامة بعد نزوله من الطائرة قبل أن يخرج الوقت، وجب عليه تأخير الصلاة و لم يجز له الإتيان بها في الطائرة في أول الوقت، و لم تجزه إذا صلاها كذلك، سواء كان الخلل في صلاته لعدم تعيين القبلة أم لعدم إمكان الاستقبال أم لفقد بعض الشرائط أو الواجبات الأخرى، و لو لعدم الاستقرار أو الاستقلال في القيام أو في الركوع أو السجود و نحو ذلك.

المسألة 112:-

إذا ضاق على المكلف وقت الصلاة و هو في الطائرة وجب عليه أن يأتي بالصلاة بما يمكنه منها، فإذا عين القبلة في جهة وجبت عليه الصلاة الى تلك الجهة، و إذا لم يحصل له ذلك اعتمد على الامارات و العلامات التي توجب الظن، فإذا ظن في جهة أنها القبلة صلى إليها و إذا لم يمكنه ذلك صلى إلى أربع جهات على الأحوط، و إذا ضاق الوقت الا عن صلاة واحدة صلاها الى أي جهة شاء، و إذا لم يمكنه الصلاة مستقرا أو مستقلا في قيامه أو في ركوعه أو سجوده لاضطراب الطائرة، صلى معتمدا على شي ء أو بما يمكنه كما يفعل المعذور في غير الطائرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 520

المسألة 113:-

إذا كان المكلف في سعة من الوقت، و لكنه علم أنه لا ينزل من الطائرة و لا يتمكن من الصلاة التامة قبل أن يخرج الوقت، جاز له أن يأتي بالصلاة في الطائرة في أول وقتها بما يستطيع من صلاة المعذور، فإذا استمر به العذر حتى خرج وقت الصلاة أجزأته صلاته التي اتى بها، و إذا اتفق انه نزل من الطائرة قبل أن يخرج الوقت و تمكن من الإتيان بالصلاة التامة وجبت عليه إعادة الصلاة.

المسألة 114:-

إذا دخل وقت الصلاة على المكلف، و تمكن من الإتيان بالصلاة تامة الأجزاء و الشرائط، فأخر صلاته متعمدا حتى دخل الطائرة، فاضطر الى أن يأتي فيها بصلاة المعذور أتي بالصلاة كذلك، و لا يترك الاحتياط بقضاء هذه الصلاة بعد نزوله من الطائرة، و خصوصا إذا كان يعلم من أول الأمر انه لا يتمكن في الطائرة الا من صلاة المعذور، و ان كان الظاهر صحة صلاته.

و الحمد للّٰه حق حمده في المبدأ و الختام و صلواته الدائمة على سيد رسله محمد و آله أجمعين.

محمد أمين

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.